Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تنقيح التعامل بالشيكات في تونس يثير مخاوف من تكبيل مناخ الأعمال

تبرر الحكومة خطوتها بأنها ترمي إلى تعديل الصك وتحويله إلى وثيقة أكثر أماناً

تحديد سقف عام لكل دفتر شيكات بحسب الملاءة المالية للعميل (أ ف ب)

ملخص

ينص القانون الجديد على عقوبة السجن عامين وبخطية تساوي 20 في المئة من مبلغ الشيك، أو من باقي قيمته، لكل من أصدر شيكاً وليس له رصيد سابق وقابل للتصرف.

صدق البرلمان التونسي على تنقيح قانون بعض أحكام المجلة التجارية، والمتعلق تحديداً بنظام الشيكات من طريق مراجعة شاملة لعدد من فصول المجلة التجارية المتعلقة بأحكام الشيك من دون رصيد، وذلك بعد أشهر من الجدل حول مقترح يهدف إلى مراجعة العقوبة السجنية لمصدري الشيك من دون رصيد.

واندرج المشروع في إطار مراجعة التشريعات المتعلقة بدعم دور العدالة في تطوير النشاط الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال وملاءمة السياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات الاقتصادية وفق ما بينته رئاسة الحكومة التونسية، لكن التنقيحات التي صدرت في العدد الأخير من المجلة الرسمية التونسية لم تكتفِ بالتطرق إلى العقوبات، بل شملت تحويراً لتشريعات منظومة التعاملات بالشيك، من طريق عديد من التراتيب المنظمة لتعامل البنوك مع مصدري الشيكات وشروط الحصول عليها ومسؤولية المصارف التونسية فيها وصولاً إلى دور البنك المركزي في ذلك.

وكان المقترح المقدم من قبل عدد من النواب يشمل عديداً من التحويرات أهمها إلغاء العقوبة السالبة للحرية، مع ضمان خلاص المبالغ المتخلدة بالذمة وحقوق المستفيدين، علاوة على تحوير التراتيب الخاصة بمنح دفتر الشيكات وتعديل الصك وتحويله إلى وثيقة أكثر أماناً، والتأسيس لمنصة رقمية منظمة للمعاملات بالصكوك كخطوة أولى نحو رقمنتها، مما استوجب الأخذ بالاعتبار إحصاءات وبيانات دقيقة، وفق النواب بسبب ارتباط المسألة المصرفية بجوانب اقتصادية واجتماعية وقضائية واستثمارية.

أما القانون المصدق عليه، وهو عدد 41 لسنة 2024 مؤرخ في الثاني من أغسطس (آب) الجاري، فينص على العقوبة السجنية لكل من أصدر صكاً يفوق قيمته خمسة آلاف دينار (1.6 آلاف دولار) من دون رصيد، أما الشيكات التي لا تتجاوز هذه القيمة المالية، فيجرى اللجوء فيها إلى "سند الصلح" بين الساحب وصاحب الصك.

ويقضي القانون الجديد، بإنشاء البنك المركزي لـ"منصة رقمية موحدة" توفر كل المعطيات، وبناءً على هذا النظام فإنه يجب على البنك التثبت من كل المعاملات البنكية، وحساب صاحب مطلب الحصول على دفتر شيكات قبل تسليمه، وذلك بالتنسيق مع البنك المركزي. كما يقوم البنك بالاحتساب المسبق للقدرة المالية لطالبي الدفتر وتحديد سقف عام لكل دفتر شيكات بحسب الملاءة المالية للعميل بالنظر إلى مداخيل المالية على غرار ما يجري عند التقدم بطلب للحصول على قرض، وتحديد سقف خاص لكل ورقة شيك على بحسب السقف العام للدفتر، مع تقسيم القيمة المذكورة على عدد أوراق الدفتر والتنصيص وجوباً بطالع كل ورقة على قيمتها القصوى من دون أن تتجاوز في كل الحالات مبلغ قدره 30 ألف دينار (9.6 ألف دولار)، ولكل صك في الدفتر صلاحية وآجال موثقة في الورقة، ويشترط أن يكون الصك لمالكه، أي الشخص المستفيد خلافاً للقانون السابق.

وكلفت المصارف بمهمة المراقبة الدورية للمعاملات البنكية لعملائها مع كل مطلب للحصول على دفتر.

وينص القانون الجديد على عقوبة السجن عامين وبخطية تساوي 20 في المئة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته، لكل من أصدر شيكاً وليس له رصيد سابق وقابل للتصرف، وكل من قبل شيكاً صادراً في الحالة المبينة وكل من تسلم شيكاً على وجه الضمان، وكل من ساعد عمداً أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك في الحالات المشار إليها على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته، أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها، ويعاقب بخطية تساوي 40 في المئة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل مصرف يرفض أداء شيك عول صاحبه على اعتماد فتحه له البنك سابقاً، أو على تسهيلات دفع ولم يتراجع عنها بصفة قانونية في اشارة واضحة إلى تحميل البنوك جزء كبير من مسؤولية الجريمة المالية.

الحد من الجرائم المالية

وبخصوص تعهد المحكمة أكثر من قضية ضد نفس الساحب من أجل ارتكابه الجريمة إصدار شيك من دون رصيد وقضت في حقه بعقوبة سجنية في كل واحدة منها يمكنها المشرع من أن تقرر ضم العقوبات بعضها لبعض وفقاً لأحكام الفصل 56، وما يليه من المجلة الجزائية.

وقالت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال في عرضها لمشروع القانون، إنه يهدف إلى تعزيز أمان وموثوقية المعاملات بالشيك، وتحسين الممارسات المصرفية وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية من خلال تدعيم واجبات المصرف، وتكريس مسؤوليته وتشجيع استخدام آليات الدفع والحلول الإلكترونية البديلة، وتحسين أداء المؤسسات البنكية والمالية. وكشفت عن أن الشيكات من دون رصيد التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف دينار (1.6 ألف دولار) تمثل 83 في المئة من الصكوك المتداولة وتشكل الشيكات التي لا تتجاوز 1000 دينار (322 دولار) 50 في المئة منها. وأضافت أن عدد المساجين في قضايا الشيك من دون رصيد يبلغ 542 بين موقوف ومحكوم منذ انطلاق عام 2024 فحسب، وحرصت الوزيرة على الإشارة إلى أن القانون الجديد وما فيه من مخالفة تجريم الشيك من دون رصيد لا يتخالف مع الاتفاقات الدولية، وأن أعداد القانون بنيت على إحصاءات ومعطيات دقيقة تخص تداول الصكوك في تونس.

وتصنف القوانين السابقة إصدار الشيك من دون رصيد ضمن الجرائم المالية التي تحكم بالسجن في حال عدم سدادها بحسب المجلة التجارية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووصف رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة خميس عفية التنقيحات الواردة على المجلة التجارية بـ"الإصلاحات" التي تضمن تدعيم الواجبات المحمولة على المصرف ومسؤوليته لفائدة المصلحة العامة، إذ يحتم على البنوك الانخراط في المنصة الإلكترونية التي ينتظر وضعها من قبل البنك المركزي وفي حال عدم العمل بذلك يتحمل المصرف دفع المبلغ المحدد بالشيك في حال إشكال الرصيد، وبناء على ذلك يتحتم على المصارف التثبت والتحري قبل منح دفاتر الشيكات.

أخطار السوق الموازية

يرى عفية إدراج الصلح بالوساطة بخصوص جرائم إصدار شيك من دون رصيد خطوة مهمة، إضافة إلى عدم إمكانية إثارة التتبعات الجزائية إلا بناءً على شكاية من المستفيد بعد أن دأبت المصارف في السابق على رفع الشكاوى بعد انقضاء مدة تحدد بـ90 يوماً.

وبينما يمثل إقرار صيغة جديدة للشيك وتسقيفه خطوة مهمة في وجه ما اعتبره تعنت البنوك وتحقيقها أرباحاً على حساب العملاء المفتقرين إلى السيولة ومتعثري المكاسب المالية، في حين يمثل إلغاء تجريم إصدار شيك من دون رصيد يتضمن مبلغاً يساوي أو يقل عن خمسة آلاف دينار (1.6 ألف دولار) مكسباً يقف في وجه المآسي الناجمة عن هذه القضايا، إذ يقبع 450 ألف محكوم بالسجن، علاوة على الموقوفين في انتظار المحاكمة وقائمات غير المدرجين، وبمقتضى التنقيح سيفرج عن المحكومين من المتجاوزين 60 سنة في الأيام القليلة القادمة بمجرد الانتهاء من التراتيب اللازمة.

ورأى أن القانون الجديد الذي سيطبق بعد ستة أشهر من تاريخ إصداره يحسن الممارسات المصرفية، ويدعم الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات البنكية، بخاصة بعد إقراره لتخصيص ثمانية في المئة من أرباح البنوك السنوية لمنح قروض للمؤسسات الصغرى والمتوسطة من دون ضمانات أو فوائد وهي قروض على الشرف، وهو ما وصفه عفية، بـ"دعم الاقتصاد الحقيقي في وجه النشاط الوهمي الذي تخلقه دفاتر الشيكات غير المحددة السقف في غياب السيولة الحقيقية".أما عضو المكتب التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير بن حسين فرأى أن الجانب الإيجابي من التحوير هو تحميل المصارف جزءاً من المسؤولية تصل إلى اقتسام العقاب تقريباً في حالات معينة، تصل إلى دفع 40 في المئة من المبالغ في حال تمتيع العميل بتسهيلات واتفاقات تغطية مالية تزيد على إمكاناته المالية وعدم إخطاره بالتراجع عنها، مما سيؤدي إلى اتباع أسلوب التشديد في منح دفاتر الشيكات، بخاصة في ظل التعامل مع المنصة الرقمية للاطلاع على القدرات المالية للعميل، وهرباً من تتبعات الجرائم المالية. ومن شأن النظام الجديد للتعامل بالشيكات تكبيل النشاط الاقتصادي بالتضييق على التعاملات المالية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي تحتم عليها هشاشة وضعيتها اعتماد الصكوك وثيقة ضمان وليس وسيلة خلاص كما ينص عليه القانون، وهو ما دأبت عليه منذ عقود بسبب المصاعب المالية ونقص السيولة، إذ ستعمد المصارف تحت طائل الحذر إلى التضييق على منح دفاتر الشيكات، كما ستؤدي عملية استشارة المنصة الرقمية وانتظار ما سينتج منها إلى اتباع إجراءات تصنف في خانة التراتيب الإدارية ما يجر إلى صنف جديد من البيروقراطية معطلة للنشاط الذي يعاني بدوره مثل هذه الأطر القانونية.

وفي سير القانون إلى القطع مع ممارسات تحويل الشيك إلى ضمان إلى مدة زمنية معينة وبإقراره بشطب جميع الشيكات من دون استثناء، فإنه يمهد للجوء الجزء الأوفر من المتعاملين إلى السوق الموازية باعتماد السيولة، مما اعتبره ابن حسين كابحاً للمعاملات الاقتصادية بخلقه صعوبات في وجه التجار الصغار والمؤسسات الصغرى المنهكة من تبعات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا، في ظل تأخر إجراءات الإنقاذ التي وعدت بها الدولة.

اقرأ المزيد