Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العالم يخنق المهاجرين اقتصاديا وسياسيا

توجهات بعضها شعبي مناهض للهجرة والبعض الآخر شعبوي كاره للمهاجرين وجزء غير قليل رسمي يتخذ خطوات حثيثة نحو تقليصها أو تطويقها

تبقى أجواء دول مقصد المهاجرين واللاجئين ملبدة بغيوم أقل ما يمكن وصفها به هو الطاردة (أ ف ب)

ملخص

تبقى أجواء دول مقصد المهاجرين واللاجئين ملبدة بغيوم أقل ما يمكن وصفها به هو "الطاردة" أو "غير المرحبة". فهل المواثيق الدولية والاتفاقات الأممية ودعوات القبول ومناشدات الدمج ما زالت كفيلة أو كافية لضمان سلامة ورفاه طالبي الهجرة واللجوء؟ أم باتت هناك حاجة إلى تعديل المنظومة برمتها؟

لاجئون سودانيون في تشاد يخشون تصاعد مشاعر الاستياء من وجودهم، 2.5 مليون لاجئ يزاحمون الليبيين في بلدهم، مدينة ألمانية تتوقف عن قبول مزيد من اللاجئين الأوكرانيين، اليمين المتطرف في بريطانيا يصعد من هجماته على أماكن إقامة طالبي اللجوء. سودانيون يعودون إلى بدلهم سيراً على الأقدام بعد 100 يوم من الإقامة في العراء بإثيوبيا، خطاب كراهية غير مسبوق ضد اللاجئين السوريين في لبنان، أميركا تفرض قيوداً جديدة على طلب اللجوء إليها، لاجئون مسلمون من الجزائر وسوريا واليمن وأفغانستان يبحثون عن ملاذ في نزل السبيل بالمكسيك خوفاً من محاولة اللجوء إلى أميركا.

ألمانيا تطبق إجراءات جديدة تجعل منها وجهة أقل جاذبية للاجئين والمهاجرين، صربيا تغلق مراكز استقبال اللاجئين في طريق البلقان، انتقادات لليونان بسبب نظام اللجوء "غير الإنساني"، احتقان مكتوم بين سوريا وتركيا على خلفية اللاجئين، أزمة بسبب مخيمات اللاجئين في دبلن (إيرلندا)، المهاجرون واللاجئون وقود اليمين المتطرف لإثارة الكراهية، ورواندا لن تعيد لبريطانيا أموال استقبال اللاجئين.

في تلك الأثناء، تستمر قوارب المهاجرين في الغرق، وتتوالى جهود انتشال الجثامين، ويستمر الناجون في تكبد مرارة طلب اللجوء وسط أجواء أقل ما يمكن أن توصف به هو "الرافضة" أو "الممانعة" أو "العدائية". ويمضي الاتحاد الأوروبي قدماً في سن سياسات وإقرار تشريعات لكبح جماح الهجرة واللجوء.

أما إيطاليا فسعيدة بنجاح سياسة تقليص موجات الهجرة واللجوء إليها بنسبة 64 في المئة. وشعوب دول الجوار تطالب حكوماتها بالسير على نهج تقليص الهجرة غير النظامية (غير الشرعية)، سواء بالإجراءات والقوانين، أو بعقد الاتفاقات مع الدول المصدرة أو "الترانزيت"، لإبقاء "الحمولة" البشرية عندها أو إرسالها من حيث قدمت.

أولويات جديدة

وسواء كانت الدول مستقبلة أو مصدرة أو مضيفة أو "ترانزيت" أو متابعة في صمت أو في صخب لحركة الهجرة واللجوء، إذ شدٌّ أممي حقوقي ينص على أن الهجرة واللجوء حق من حقوق الإنسان، وجذبٌ تحركه الظروف وتوجهه المصالح، ويتنقل بين طرفي نقيض، فتح الأبواب واستقبال اللاجئين والترحيب بالمهاجرين أو إغلاقها تماماً، من منطلق أن العين بصيرة، لكن اليد قصيرة والموارد شحيحة وتيارات اليمين بالمرصاد، تبقى أجواء الهجرة واللجوء ملبدة في سماء الكوكب.

ما يجري رصده حالياً على ساحة الهجرة واللجوء في العالم يسلط ضوءاً مزعجاً يكشف عن تنام واضح لتوجهات بعضها شعبي مناهض للهجرة، والبعض الآخر شعبوي كاره للمهاجرين، وجزء غير قليل رسمي يتخذ خطوات حثيثة نحو تقليص الهجرة وتطويق المهاجرين.

"ارتفعت نسبة المهاجرين من مجموع السكان في غالبية الدول الأوروبية منذ بداية الألفية الثالثة. هذه النسبة لم ترتفع بالقيمة المطلقة فحسب، بل تجاوزت 10 في المئة في بعض الدول، مثل سويسرا والنمسا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا والبرتغال وهولندا والنرويج. وشهدت دول أوروبية أخرى زيادة في أعداد المهاجرين بسرعة كبيرة مع نمو تجاوز الـ50 في المئة.

 

الارتفاع الكبير في نسبة المهاجرين مقارنة بالسكان دفع عديداً من الحكومات الأوروبية إلى وضع سياسات جديدة للهجرة واللجوء ضمن أولوياتها، إضافة إلى إيجاد حلول سريعة، لتحديات فرضتها الأعداد الجديدة على التعليم والتوظيف والصحة والسكن وغيرها. وظل التحدي الأكبر في غالبية هذه الدول هو نمو تصاعد التيارات اليمينية المتطرفة، تزامناً مع نمو وتصاعد موجات الهجرة واللجوء".

هذا ما حذرت منه ورقة عنوانها "الهجرة وصعود أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية" للمؤلفين الأكاديميين لويس دافيس وسوميت ديول في عام 2017. خلص المؤلفان إلى أن المعدلات السريعة للهجرة واللجوء نفثت الحياة في حركات اليمين السياسي المتطرف. محذرين من أن استمرار ضخ الحياة في هذه الحركات قد يؤدي إلى اكتسابها مزيداً من الشعبية والسلطة، لتعرض بذلك المجتمعات الأوروبية التي كان كثير منها قد دخل مرحلة "ما بعد العرق الواحد" للخطر.

وحذرت الورقة من احتمال أن تؤدي الهجرة واللجوء إلى تغيير التوازن السياسي داخل أوروبا. مشيرة إلى أنه لا ينبغي أن يجري النظر إلى سياسات الهجرة بعيداً من الساحة السياسية وصعود نجم اليمين. كما نبهت إلى أن إمكانية التحرك بحرية بين دول الاتحاد الأوروبي وعبر الحدود من دون قيد أو شرط لا تبدو سياسة متوازنة.

كما حذرت أيضاً أن الدور الذي تلعبه الهجرة في "دعم" و"تقوية شوكة" الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة ومعتنقي مبدأ الهويات العرقية القومية قد يجري ترجمتها إلى قوة سياسية فعلية. مشيرة إلى أن الانعكاسات "الإيجابية" للهجرة واللجوء بأعداد كبيرة على صعود نجم اليمين المتطرف تختلف درجاتها من دولة أوروبية وأخرى، وذلك بحسب الأوضاع الاقتصادية في كل دولة، ونوع الثقافة الاجتماعية السائدة في ما يختص بالهجرة واللجوء، وذلك ضمن مجموعة عوامل أخرى.

موقف مختلف

اليوم، يقف غالب الدول موقفاً مختلفاً، سواء تلك التي اتبعت سياسة الباب المفتوح والصدر الرحب والصك على بياض أمام المهاجرين واللاجئين، وتلك التي استقبلتهم بحذر أو سيست قواعد استيعابهم لخدمة مصالحها والترويج لأيديولوجياتها، أو حتى تلك التي فتحت أبوابها بأكبر قدر ممكن من الشفافية والإيمان بحق المهاجر واللاجئ في التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصاً من الاضطهاد أو الحرمان أو الخطر.

اليوم، يلوح خطر في الأفق. ويقول البعض إنه لا يلوح، بل يتفجر في صناديق انتخابات ومجالس نيابية ومؤسسية، وكذلك في شوارع ومدن وميادين. الأحداث الدامية التي تعصف بمدن عدة في بريطانيا هي الحلقة الأحدث في سلسلة منظومة الهجرة واللجوء الآخذة في التغير والتحور على مدى السنوات القليلة الماضية.

 

جماعات وأفراد مناهضة للمهاجرين، لا سيما المسلمون، استغلت جريمة هجوم وحشي بالسكين اقترفه أحدهم في حفل راقص للأطفال، ونجم عنه مقتل ثلاثة أطفال وجرح ثمانية آخرين. معلومة، في الغالب مضللة أو كاذبة، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مفادها أن من اقترف الطعن "إسلامي متطرف" معروف لدى أجهزة الاستخبارات، وأنه وصل بريطانيا قبل أيام.

اندلاع وتوسع أعمال الشغب، التي استهدف معظمها مراكز إقامة طالبي اللجوء ومساجد ومراكز إسلامية، بل ومكاتب محامين متخصصين في الهجرة، أمور لم تتجسد بين حادثة طعن وليلة، بل كشف أزمة كبيرة في المجتمع البريطاني أولها هجرة ولجوء، وفي القلب منها اليمين المتطرف، لكنه ليس آخرها.

ويكفي أن حزب العمال المعروف تاريخياً وأيديولوجياً بالترحيب بالمهاجرين واللاجئين بات في الأشهر القليلة الماضية واقفاً على الجبهة نفسها التي يقف عليها حزب المحافظين، وذلك على صعيد السياسات المقلصة للمهاجرين غير الشرعيين، وشبه إغلاق لباب القادمين الجدد.

الإغلاق في وجهات الهجرة واللجوء حالياً يفوق الفتح بمراحل. ويكفي أن "إصلاحات" قوانين وسياسات وإجراءات الهجرة واللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، التي تمضي على قدم وساق، ويحظى معظمها بموافقة الدول الأعضاء، هي عبارة عن تقييد وتقليص لأعداد القادمين، وأحياناً إغلاق الباب تماماً، بل ووصل الأمر لدرجة الاعتراض من بعض الدول الأعضاء عليها، "لأنها غير كافية لوقف تدفق المهاجرين"!

"إصلاح" أوروبي

في أبريل (نيسان) الماضي وافق وزراء الاتحاد الأوروبي بصورة نهائية على "إصلاح شامل" لقوانين الهجرة واللجوء. التشريعات التي حظيت بموافقة غالبية الدول تراوح ما بين تقاسم مسؤولية الوافدين، وإرسال أعداد أكبر ممن وصلوا بالفعل إلى دول ثالثة تتعامل مع طلبات اللجوء، وإنشاء مراكز حدودية تحتجز المهاجرين غير النظاميين في أثناء بحث طلبات اللجوء، على أن تتم العملية بصورة أسرع، وترحيل المرفوضين فوراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التشريعات التي يفترض أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2026 تعدها بعض الدول الأوروبية غير كافية. ألمانيا مثلاً التي كانت حتى الأمس القريب "قبلة المهاجرين" و"صديقة اللاجئين" حتى إن اللاجئين السوريين لقبوا المستشارة السابقة أنغيلا ميركل في عام 2017 بـ"ماما ميركل" بعدما فتحت أبواب ألمانيا فتحاً غير مسبوق أمامهم، ترى الملف من زاوية مغايرة اليوم.

بحسب وكالة "د ب أ" الألمانية توقعت نقابة الشرطة الألمانية قبل أشهر أن لا تؤدي إصلاحات الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف فعلي لأعباء العمل الملقاة على عاتق الشرطة الاتحادية في هذا الملف. مشيرة إلى أن ضغط الهجرة على أوروبا يتوقع له أن يستمر، لا سيما على ألمانيا ما دام لم يتم ترشيد أو إلغاء حوافز الهجرة التي تجذب المهاجرين، ولو بصورة غير قانونية، لدخولها.

دول الاتحاد الأوروبي كأنظمة حاكمة تتعامل مع المهاجرين والهجرة غير النظامية باعتبارها قضية أمنية في المقام الأول. ويشير الكاتب والباحث الليبي خالد خميس السحاتي، في ورقة عنوانها "الاتحاد الأوروبي والهجرة غير الشرعية: قضايا وتحديات" (2024)، إلى أن الاتحاد الأوروبي يعد قضية الهجرة من أهم القضايا التي تشكل خطراً على الاستقرار الأمني والسياسي لدوله، وذلك نظراً إلى العلاقة المحتملة بين الإرهاب والمهاجرين. ويضيف أنه "أصبح من الاحتمالات الواردة وجود أعضاء جماعات إرهابية بين المهاجرين، ولذلك ركز الاتحاد الأوروبي اهتمامه بصورة أساسية على ضرورة وقف توافد المهاجرين غير الشرعيين إلى الشواطئ الأوروبية بآليات عديدة، معظمها يركز على الجوانب الأمنية بالدرجة الأولى".

صراع ديمقراطي - جمهوري

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وعكس ما كان متوقعاً من أن تنتهج سياسات الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، المنتمي إلى الحزب الديمقراطي، نهجاً أكثر تسامحاً أو ترحيباً مع طالبي الهجرة واللجوء، فقد لجأ قبل أسابيع من إعلانه الانسحاب من سباق الترشح للرئاسة إلى وضع قيود أكثر صرامة في أن دخول المهاجرين عبر الحدود المكسيكية، واستبعاد أولئك الذين دخلوا أميركا بصورة غير قانونية من دون الرجوع إلى طلبات اللجوء التي تقدموا بها.

البعض فسر ذلك في ضوء مناورات كسب التأييد السياسي من الفئات المعارضة للهجرة، مع طمأنة أنصار غريمه الجمهوري دونالد ترمب، وهم الأكثر تأييداً لتقليص المهاجرين، وتشديد الرقابة والإغلاق على الحدود.

يشير استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "بيو" لبحوث الرأي العام عن "مواقف الأميركيين من الهجرة وانتخابات 2024" أن ستة بين كل 10 ناخبين، أي نحو 59 في المئة من الناخبين يعتقدون أنه يجب السماح للمهاجرين غير الموثقين الذين يعيشون في أميركا بتوفيق أوضاعهم والعيش بطريقة قانونية. ويقول 36 في المئة إنه يجب السماح لهم بالتقديم للحصول على الجنسية الأميركية، ويقول 22 في المئة إنه يجب السماح لهم فقط بالتقديم من أجل الحصول على الإقامة الدائمة.

في المقابل، قال أربعة من بين كل 10 ناخبين (41 في المئة)، إنه لا ينبغي أن يسمح للمهاجرين غير الموثقين بالإقامة في أميركا بطريقة قانونية، غالبية هؤلاء قالوا إنه ينبغي أن تكون هناك جهود وطنية لترحيل المهاجرين غر القانونيين.

وتجدر الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من الأميركيين لا تعنيها كثيراً مدة شدة الإجراءات أو قسوتها في مواجهة الهجرة غير النظامية، بقدر ما تعنيها ما يمثله القادمون الجدد من مهاجرين ولاجئين، نظاميين وغير نظاميين، من ضغط على الخدمات والموارد.

 

وتشير الكاتبة جوريزاليم دمساس، في مقال منشور في "ذو أتلانتيك" تحت عنوان "ما يعتقده الأميركيون حقاً في شأن الهجرة" (2024)، إلى أن مواقف الأميركيين تجاه الهجرة والمهاجرين أكثر تعقيداً مما يعتقده المعلقون السياسيون. تقول "تعتمد وجهات النظر حول الهجرة إلى حد كبير على طريقة الدخول، وندرة فرص العمل والسكن، إضافة إلى البلد الأصلي الذي قدم منه المهاجرون!".

الشد والجذب حول المهاجرين واللاجئين، والاختلاف حول فتح الأبواب أمامهم أم إغلاقها أم مواربتها، والخلاف حول إذا كانت الهجرة وقبول المهاجرين حقاً بديهياً من حقوق الإنسان، أم تكرماً وتفضلاً من دول المقصد، تصل مداها هذه الآونة.

وفي هذه الآونة أيضاً تبدو ملامح واضحة على أن العالم مقبل، أو أقبل، على عصر يتسم بمناهضة الهجرة والمهاجرين. من كندا وأميركا إلى بريطانيا وفرنسا، وكذلك دول عربية مثل مصر ولبنان وليبيا وتونس والأردن، وغيرها مثل تركيا وتشاد والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان ونيجيريا، بدأت أصوات المتململين من المواطنين في التصاعد بين الحين والآخر، وعلى فترات متقاربة أكثر مما مضى.

ربما أن مواطني هذه الدول تفاقمت مشكلاتهم، وبدأوا يعانون بصورة أكبر آثار أزمات اقتصادية، فاقم "الضيوف" من آثارها على الخدمات والموارد. وربما أيضاً تصاعدت حدة خطاب الكراهية، مع الاستفادة من الأجواء الاقتصادية والاجتماعية المهيأة لذلك من قبل البعض.

على أية حال، تبقى أجواء دول مقصد المهاجرين واللاجئين ملبدة بغيوم أقل ما يمكن وصفها به هو "الطاردة" أو "غير المرحبة". فهل المواثيق الدولية والاتفاقات الأممية ودعوات القبول ومناشدات الدمج ما زالت كفيلة أو كافية لضمان سلامة ورفاه طالبي الهجرة واللجوء؟ أم باتت هناك حاجة إلى تعديل المنظومة برمتها؟

يقول خبير دراسات السكان والهجرة أيمن زهري إن المواثيق الدولية سنَّت بمنظور غربي، فاتفاقية مثلاً 1951 أقرت من أجل إعادة اللاجئين الذين فروا من بلادهم في أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم جرى تعميمها وتطبيقها على الدول الموقعة في عام 1967 عبر سن بروتوكول مكمل لها.

ويرى زهري أنه يفترض أن تكون الدول الأوروبية "هي الأكثر التزاماً" بهذه الاتفاقات لأسباب كثيرة، بينها أنها من سنتها. وعلى رغم أن مناطق أخرى في العالم سنت اتفاقات هجرة ولجوء بعد ذلك، مثل الاتفاقية الأفريقية 1969، فإن غالب اتفاقات الهجرة واللجوء يبقى "يوروسنتريك".

ثلاثة حلول "نظرية"

ويستعرض زهري الحلول الثلاثة النظرية المعروفة للجميع في هذا الصدد. الأول هو العودة الطوعية للمهاجر إذا استقرت الأمور في بلده، ولا تكون في الغالب جماعية، بل تنظر في كل حالة على حدة ما يجعل تنفيذها بالغ الصعوبة، والثاني هو التوطين في بلد اللجوء، و75 في المئة من لاجئي العالم يلجؤون للدولة الأقرب منهم، التي تكون في الغالب فقيرة أو لا تخلو من مشكلات كبرى، ولا تتحمل مزيداً من الضغوط، ناهيك بأن اللاجئ نفسه لا يكون راغباً في التجنس بجنسيتها.

أما الحل الثالث فهو أن يفتح بلد ثالث أبوابه لاستقبال هؤلاء اللاجئين ليجنسوا، أي إعادة التوطين في بلد ثالث. وخلال العام الماضي، لم يزد مجموع من جرت إعادة توطينهم على 200 ألف شخص، من مجموع نحو 45 مليون طالب لجوء. ويشار إلى أن رقم 117.5 مليون لاجئ الذي يجري تداوله يشمل النازحين، أي المهاجرين قسراً داخلياً، وعددهم دائماً يفوق من يعبرون الحدود.

ويشير زهري إلى ظاهرة "اللجوء الطويل الأجل"، الذي يزيد تفاقم المشكلة، ويكفي أن متوسط عدد السنوات التي يمضيها اللاجئ في دولة اللجوء نحو 13 عاماً قبل أن يجد حلاً من الحلول الثلاثة.

عملياً، يقر زهري بأن دولاً ضاقت ذرعاً بحمل اللاجئين. يقول "زادت الشعبوية في كل الدول، وليس في منطقة بعينها من العالم دون أخرى. وفي بلد مثل مصر على سبيل المثال، هناك تيار شعبوي على السوشيال ميديا لا يمكن تصنيفه يميناً متطرفاً من جهة مناهضته للاجئين. ويرى أن المشكلة تكمن في إعادة توجيه دفة الضغوط في تلك الدول صوب الفئة الأضعف، وحالياً هي أولئك الذين لم يصبحوا مواطنين بعد، إذ يجري تحميلهم مسؤولية الأزمات والمشكلات السياسية والثقافية وبالطبع الاقتصادية والاجتماعية في كل دولة.

هذا التحميل، بحسب ما يشير زهري، هو صورة من صور المبالغة الشديدة، التي يجري استخدامها من قبل السياسيين. يقول "في أوروبا أصبح اليمين المتطرف في سدة الحكم. ويكفي النظر إلى إيطاليا، وما حدث في فرنسا التي ظلت اشتراكية عقوداً طويلة وهو ما مكنها من دفع اليمين المتطرف بعيداً ولو موقتاً. مشاركة اليمين المتطرف في الحكم أصبحت أمراً واقعاً في عديد من الدول، وهو ما يدفع أو يجبر السياسيين على التماهي معهم".

المهاجر بين الاقتصاد والسياسة

أما الاقتصاد فقصة أخرى في ملف الهجرة واللجوء. يقول زهري إن الاقتصاد هو ما يحدد من يسمح له بالقدوم ومن يبقى في بلده أو في بلد مجاور. موضحاً "الاقتصاد هو المحدد الأساس واللاعب الرئيس في الهجرة، أما السياسة فتلعب بورقة الهجرة. السياسي نفَسه قصير. مدته أربع أو ست سنوات، أما دورة الاقتصاد فأطول بكثير. وكما أن السياسي براغماتي جداً، كذلك الاقتصادي، وبصورة كبرى. فالبراغماتية الاقتصادية تتحول إلى منافع، وعكسها يؤدي إلى خسائر".

ويرى زهري أن المشكلة الرئيسة ليست في دول المقصد، بل في دول العبور. لماذا؟ لأن شعوب هذه الدول "تعتقد أن هؤلاء المهاجرين أو اللاجئين جاؤوا إلى بلادهم بغرض الإقامة الدائمة، وهذا غير حقيقي. والحقيقة أن البعض في عدد من دول الجنوب (الترانزيت) أي العبور تتاجر وبصورة سافرة بقضية الهجرة واللجوء. وهنا تلعب أوروبا لعبة معروفة، وهي محاولة إقناع دول العبور بإبقاء المهاجرين لديها في مقابل الحصول على حوافز مادية".

ويرى زهري المهاجر أو اللاجئ المقيم في دولة عبور بمثابة قنبلة موقوتة، فعينه على دولة المقصد الأوروبية أو الأميركية، ويعتقد أنه محتجز في دولة العبور، ويتم اللعب به ورقة ضغط أحياناً، إضافة إلى الأجواء المعادية له. هذه القنابل الموقوتة ستنفجر في وجه أوروبا يوماً ما.

هل هذا يعني أن الهجرة واللجوء أمر طيب يجب أن نشجعه أو ندعمه أو ندافع عنه؟ يعود زهري ويؤكد أن الدول المعنية في هذا الملف لا يجب أن تكون دول المعبر، لأنها تظل دولة إقامة موقتة لطالبي الهجرة واللجوء مهما طالت إقامتهم فيها. يقول إن الأنظار والاهتمام والعمل يجب أن توجه إلى دول المقصد، وهي الدول الأوروبية والأميركية، التي تواجه مشكلة ديموغرافية حقيقية تتمثل في شيخوخة السكان.

 

على سبيل المثال، توقعات التركيبة السكانية في دول كانت تستقبل أعداداً ضخمة من المهاجرين واللاجئين مثل إيطاليا وألمانيا تواجه مشكلة عجز في السكان، يجعلها قابلة لـ"الاحتلال الهادئ من قبل دول الجنوب من دون أن تشعر". ويكرر أيمن زهري أن الضيق بالمهاجرين واللاجئين في الجنوب مفتعل ولا أساس له، وفي الشمال سياسي لا اقتصاد فيه.

أما الحل الناجع لما يحدث في العالم اليوم في شأن الهجرة واللجوء، سواء تصديراً لأعداد كبيرة منهم أو رفضاً لاستقبالهم أو حتى فتح الأبواب أمامهم إلى أن تبدأ الشعوب في التململ، فهو علاج الجذور والأسباب التي تدفع إلى الهجرة واللجوء في المقام الأول. إنها التوليفة الطاردة المعروفة: الصراع والفقر والاضطراب السياسي وسوء الإدارة وكل ما ورثته دول الجنوب منذ عصر الاستعمار، إضافة إلى استمرار النهب.

اللافت في الوضع الراهن هو تناقض المشهد وتنافره بدرجة غير مسبوقة. فمن جهة، تعلو أصوات مطالبة بتعديل مسار ومحتوى الاتفاقات الأممية والحقوقية الدولية لتناسب إيقاع الأنظمة والشعوب الرافضة أو المقاومة للهجرة واللجوء، أو التي تؤكد أنها استكفت أو لم تعد قادرة (أو راغبة) في استيعاب مزيد. ومن جهة أخرى، تتوقع جهات بحثية بأن يشهد العالم مزيداً من موجات الهجرة واللجوء، وذلك في ضوء تجدد وتفاقم الصراعات المسلحة، وزيادة الفقر، ناهيك بالملف الجديد والآخذ في التفاقم، وهو الهجرة المناخية الناجمة عن آثار تغير المناخ. وفي الوقت نفسه، يؤكد البعض أن دول المقصد، التي تشهد تصاعداً لمشاعر الضيق من المهاجرين واللاجئين يعزز منها توسع سطوة اليمين المتطرف، في حاجة ماسة إلى موجة هجرة ولجوء جديدة في المستقبل القريب.

يشار إلى أن "تقرير الهجرة العالمية 2024"، الذي صدر عن "وكالة الأمم المتحدة للهجرة" في مايو (أيار) الماضي أشار إلى أنه في وقت ما زالت فيه الهجرة الدولية تدفع عجلة التنمية البشرية، إلا أن التحديات أيضاً ما زالت قائمة. فمع وجود نحو 281 مليون مهاجر دولي (بين لاجئين وطالبي لجوء ومهاجرين ونازحين) في العالم، ارتفع عدد الأفراد النازحين، بسبب الصراعات والعنف والكوارث وأسباب أخرى إلى أعلى المستويات التي يشهدها العصر الحديث، إذ وصل العدد إلى 117 مليون نازح، معظمهم في حاجة ماسة إلى معالجة الأزمات التي يواجهونها.وجاء في التقرير "دائماً يطغى على الهجرة واللجوء، وهما جزء من تاريخ البشرية، سرديات مثيرة للجدل. لكن الحقيقة هي أن الواقع أكثر تعقيداً بكثير مما تعكسه العناوين الرئيسة. معظم الهجرة منتظمة وآمنة ومركزة إقليمياً، وترتبط ارتباطاً مباشراً بالفرص وسبل العيش. ومع ذلك، يخيم التضليل والتسييس على الخطاب العام، وهو ما يستلزم شرحاً واضحاً ودقيقاً لديناميات الهجرة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات