Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على القيادة السياسية لبريطانيا مواجهة خطر إيلون ماسك

منصة "إكس" أججت انتشار الكراهية السامة وزعماؤنا السياسيون فشلوا في إظهار التعاطف مع مجتمعات مختلفة

أشخاص يحملون لافتات احتجاجاً ضد العنصرية خارج مقر حزب "ريفورم" في وستمنستر، لندن، بريطانيا، 10 أغسطس 2024 (رويترز)

ملخص

ثبت دور منصة "إكس" وتغريدات إيلون ماسك عليها في تأجيج خطابات الكراهية والعنف والعنصرية التي رافقت أعمال الشغب العرقي خلال الأسبوعين الماضيين في بريطانيا. وصار ملحاً أن يتدخل القادة السياسيون لوضع خطوط تشريعية لتنظيم الفضاء السيبراني ومنصات السوشيال ميديا

دعوني أذكركم بزمن آخر، ربما لم يمض عليه وقت كبير. حينما أحس قائد حزب المحافظين البريطاني بالرغبة في التعمق بمعرفة بلاده، سافر إلى برمنغهام ليقضي ليلة في منزل عائلة مسلمة عادية.

حدث ذلك عام 2007. كان ذلك القائد هو ديفيد كاميرون، وقد قبل ضيافة من شهيدة وعبدالله رحمن الذي يعمل منظماً اجتماعياً في "بالسال هيث". وتأثر كاميرون بعمق بالقيم والتآزر والقوة التي أبدتها عائلات بريطانية آسيوية قابلها خلال رحلته.

وحينما عاد إلى لندن، كتب كاميرون أن إحساس تلك العائلات بالمسؤولية المدنية كفيلة بأن "تثير خجل بقيتنا كلنا".

وبعدما جرب شيئاً من الدجاج المشوي على طريقة تيكا في "كراتشي كافيه"، وأجرى جولة تسوق في سوبرماركت "الإخوة راجا"، دون تلك التجربة مستخدماً تعابير شبه تفخيمية وتضخيمية. وكتب كاميرون، "ليست المرة الأولى التي أجد فيها نفسي مفكراً في أن التيار السائد في بريطانيا في حاجة إلى مزيد من الاندماج مع طريقة عيش البريطانيين الآسيويين، وليس العكس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويصح القول أيضاً إنه في معانٍ متعددة، بدت تلك الأمور كأنها حركة مملوءة بالإثارة من الرجل الذي حرضنا على "احتضان أصحاب السترات المزودة بقبعة (هودي)"، وداعب كلبي هاسكي القطبية الشمالية في صورة دعائية كي يظهر مدى تطلعاته الخضراء في البيئة. وفي المقابل لقد فكر، أو ربما مستشاروه، في بأن هناك نقاطاً انتخابية يمكن حصادها عبر التواصل مع أمثال شديدة وعبدالله في بلادنا. ووفق كل حساب، يسجل الأمر في خانة الكسب الانتخابي [خلال تسعينيات القرن الـ20، سرت في بريطانيا صورة نمطية عن عنف المراهقين في الشوارع، تظهرهم كشباب يرتدون سترات فضفاضة تنتهي بقبعة تساعد على إخفاء وجوههم. وآنذاك، اعتبر كلام كاميرون مسعى لكسر تلك الصورة النمطية].

والآن، ليس عليكم سوى مجرد تخيل أن سياسياً من اليمين، أو من اليمين الوسط، يظهر اليوم أي شيء مشابه لما فعله كاميرون في التعاطف أو الإنسانية، نحو من بتنا ندعوهم اليوم بـ"الآخر". بتنا اليوم أسرى ردود فعل دربنا عليها، وتملي علينا الحديث عن كيفية فشل التعددية الثقافية. ويتنافس الساسة في صنع أوضاع غير محتملة على نحو متزايد لأولئك الذين يجرؤون على تخيل حياة تشبه أمثال عبدالرحمن.

وبعبارة أخرى، لقد قطعناً شوطاً طويلاً في 17 عاماً.

أحد أولئك الذين يبدو أنه فهم ما حصل، هو المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس الأميركي، الحاكم تيم وولز. وخلال مقابلة مذهلة مع صحافي "نيويورك تايمز" عزرا كلاين أجريت أخيراً، تحدث وولز عن الأخطار المتأصلة في تمرس دونالد ترمب بالقدرة على تأجيج الكراهية بين المجتمعات، وتعرية "الحجاب الاجتماعي الصفيق" الذي يجمعنا كلنا معاً.

وتحدث وولز إلى كلاين عن "إننا قبائليون بطبيعتننا. ننجذب إلى من يبدون تشابهاً معنا ويتحدثون مثلنا. لأن خلاف ذلك يعني أنك تنافسني على لقمة عيشي. ولعلمك، لقد تراجعنا إلى الوراء 20 ألف عام. بالتالي، أظن أنك لا تستطيع أن تجعل من شخص ما ’الغريب‘ أو ’الآخر‘. لا تستطيع، لأن ذلك تجريد من الإنسانية".

وخلال الأسبوعين الماضيين، رأينا كثيراً من هذا التجريد من الإنسانية على يد أناس توجب عليهم أن يعرفوا أفضل، ولم يبالوا بالحقيقة إلا قليلاً، وسعوا إلى استغلال المقتلات التراجيدية المريعة لتأجيج الانقسام والكراهية ضد "الآخر".

ولم يزد عمر منصة "تويتر" على العام، حينما انطلق كاميرون في رحلته إلى "بالسال هيث" [عام 2007]. ولقد كان أمراً كريهاً رؤية استغلال تلك المنصة في الأيام القليلة الماضية في عملية الاستقطاب بين المجتمعات، وتضخيم الجهل، ونشر الأكاذيب والتحريض على العنف. وترافقت تلك الأمور كلها مع عدم اكتراث ولا مبالاة من الرجل الأغنى في العالم الذي، بالطبع، يرغب في إعادة انتخاب الفاسد والكاذب الأكبر في تاريخ الرئاسة الأميركية.

والخميس الماضي قدمت صحيفة "تايمز" تحليلاً يظهر أن تومي روبنسون الذي أعاده ماسك إلى منصة "إكس" بعد أن حظر منها بقرار من مالكيها السابقين، وصل إلى 50 مليون متابع يومياً.

ويشكل ذلك تجارة رابحة لماسك. ويقدر "مركز مكافحة الكراهية الرقمية" Center for Countering Digital Hate أن 10 حسابات لمتطرفين أعادهم ماسك إلى منصة "إكس"، بمن فيهم أندرو تيت وآندرو أنجلين، وهو من النازيين الجدد، حققوا عوائد تقدر بـ19 مليون دولار عبر تأثيرات لـ2.5 مليار تغريدة. وقد يفسر ذلك الدعوى القضائية التي تقدم بها ماسك هذا الأسبوع ضد معلنين قرروا بصورة مشتركة أنهم لم يعودوا راغبين بعرض أصنافهم التجارية بالترافق مع نوعية السموم التي لا يكف ماسك عن الابتهاج برؤيتها تنتشر عبر منصته. وقد غرد، "جربنا السلام طوال عامين. والآن، إنها الحرب".

وحينما سئل عن تلك المقاطعة [للمعلنين المشار إليهم آنفاً] في ديسمبر (كانون الأول) 2023، جاءت إجابته عن سؤال في شأن اشمئزاز أولئك المعلنين عبر ثلاث كلمات "اذهب إلى الجحيم" [النص الأصلي للكلمات الثلاثة، شديد البذاءة]. وقد صدم الصحافي الذي طرح السؤال عليه، إلى حد أن ماسك كررها، وبصوت أعلى وبتقصد أشد. إنها مقاربته الخاصة والمحببة إليه، في كسب الأصدقاء والتأثير في الناس.

وحتى اللحظة، لم تفعل التشريعات التنظيمية شيئاً مؤثراً للجم حماسة ماسك في تضخيم الأكاذيب والكراهية على منصته. إنه مثير للمشكلات ولديه جميع الأدوات لذلك، ويبدو أنه يتسلى كثيراً.

في المقابل يمتلك المعلنون قوة مباشرة يفتقد إليها المشرعون. وخلال الستة أشهر الأولى من استحواذ ماسك على منصة "إكس"، هبطت العائدات بقرابة الـ40 في المئة.

في يوليو (تموز) 2011، أرغمت صحيفة "نيوز أوف ذا ورلد" [أخبار العالم] البريطانية على التوقف بعدما انتاب الخوف مالكها روبرت مردوخ من مقاطعة المعلنين. وآنذاك، صارت الصحيفة صنفاً مسموماً في خضم الكشف عن أن مراسليها اخترقوا هاتف المراهقة ميلي دويلر، وهي طالبة بريطانية تعرضت للقتل.

ويجب على المعلنين البريطانيين أن يتخذوا قرارهم في شأن علاقتهم مع منصة "إكس"، وبعد أن يتفكروا في الدور المسموم الذي أدته في الاضطرابات الشنيعة، وأعمال الشغب، والمنسقة بصورة واضحة، خلال الأسبوعين السابقين.

إنها منصته، وقد حسم قرارته في شأن الفضاء العام الذي يستضيفه فيها. ولا تستطيع أية كمية من الملاحقات القضائية أو الشتائم المؤذية، أن تقنع الشركات بأن تدفع له للبقاء في ذلك الفضاء، إن لم ترغب تلك في ذلك.

خلال الأسبوع الماضي، كتب الموقر وصاحب العمود الصحافي في "فايننشيال تايمز"، إدوارد لوس، تغريدة جاء في كلماتها، "لا أستطيع القول إن ذلك يكفي، لأن إساءة ماسك للديمقراطية لا يمكن التسامح حيالها. إنه يستخدم المنصة الأضخم والأكثر تأثيراً ضمن العالم الديمقراطي، كي يؤجج الصراع العرقي والانهيار المدني، عبر تغريداته وما تروجه منصته. لا تستطيع الديمقراطيات أن تتجاهل ذلك".

ودفع ماسك للرد، فشن هجوماً على "التفاهات" المنشورة في "فايننشيال تايمز"، وصنف لوس بأنه من "خفافيش الإعلام القديم التي تكذب باستمرار".

في المقابل إن لوس محق بالفعل. لم يعد من المستطاع تجاهل هذه المشكلة. قد لا نملك القدرة على تخيل أن ينهض زعيم سياسي، ولو حتى بصورة عابرة، بإبداء التعاطف والرغبة في المعرفة اللتين أبداهما ديفيد كاميرون، لكننا نستطيع أن نقاتل للإصرار على الاحتفاظ ببعض الحدود الأساس للفضاءات الإلكترونية.

لن نستطيع الادعاء بأنه لم يجر تحذيرنا.

ألان رسبريدجر هو رئيس التحرير السابق لـ"غارديان" والحالي للمجلة الشهرية "بروسبكت"

© The Independent

المزيد من تحلیل