Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحيل الفنان ياسر جرادي صوت المهمشين في تونس

مزج بين التشكيل والمسرح وانحاز إلى الموسيقى وأصبح أحد الرموز  الفنية البديلة 

الفنان التونسي ياسر جرادي أمام جدارية محمود درويش (صفحة الفنان - فيسبوك)

ملخص

استفاق التونسيون صباح أمس الاثنين على خبر الرحيل المفاجئ للفنان ياسر جرادي (مواليد 1970)، الصوت الذي ظل لسنوات ينقل آلام المهمشين والمنسيين وأحلام أبناء الشعب، ويترجم أيضا كل طموحات التغيير التي رافقت ثورة الياسمين.

ياسر جرادي أحد الأصوات الأكثر شعبية وحضوراً في تونس خلال الفترة الراهنة، وبقدر ما يحسه البسطاء والفلاحون والصناع قريباً إليهم، ترى فيه نخبة الأنتلجنسيا من مبدعين ومثقفين الصوت الأكثر تمثيلاً لأذواقها، وفي الآن ذاته يعتبره المناضلون والحركيون لساناً لأفكارهم. عرفت مواقع التواصل على اختلافها منذ صبيحة أمس نوعاً من العزاء الجماعي والحزن المشترك على رحيل الفنان التونسي، إذ نعاه بعبارات التأثر معظم مثقفي وفناني وإعلاميي تونس، فضلاً عن نسبة هائلة من محبيه ومعجبيه.

ولم يكن جرادي ليحظى بهذه الحفاوة من فئات مختلفة من الجمهور لولا جنوحه إلى البساطة المفرطة في الألحان والآلات والكلمات، وتركيزه على المواضيع التي تتقاطع مع ما يشغل الناس من هموم اجتماعية واقتصادية وسياسية. كان أغاني الفنان التونسي الراحل متناغمة مع مواقفه وتصوراته للفن، لذلك كانت رسائله تصل إلى  الجمهور من دون تكلف وعناء، ومن دون ادعاءات بطولية. فهو يريد أن يكون الفن شاهداً على المرحلة ومنبهاً لأعطابها، مشيداً بإشراقاتها وناقداً لإخفاقاتها، متخففاً بالتالي من كل أشكال التنويم والتسلية والتمويه والتخدير.

وإثر رحيل جرادي أعلنت إدارة مهرجان قابس الدولي تأجيل ما تبقى من فعاليات دورتها الحالية إلى وقت لاحق، في سياق من التعاطف والمواساة والحداد الرمزي، خصوصاً أن الفنان الراحل من مواليد مدينة قابس التي تقع في الجنوب الشرقي لتونس.

كانت أغاني جرادي رائجة ومتداولة في مختلف الأوساط، لأنها قريبة من هموم الناس وانشغالاتهم، ومن أكثرها تداولاً "نرجعلك ديما ديما"، وهي أغنية عن تونس، و"نسمع فيه يغني" المهداة إلى المناضل المغتال شكري بلعيد، إضافة إلى أغان أخرى مثل: "ما تخافيش" و"عمري ما ننسى الحكاية" و"نهار خريف" و"وحدي" و"يا لي ما تحبنيش" وغيرها.

ولم تكن أغاني ياسر جرادي ومعها عدد كبير من الأعمال التي تندرج ضمن خانة "الأغاني البديلة" تذاع على القنوات والإذاعات الرسمية، غير أن ثورة الـ14 من يناير 2011 كسرت هذه القاعدة، بالتالي ستستفيد تجربة جرادي من التحول الذي عرفته البلاد ليصبح اسمه مقترناً بالمرحلة الجديدة في تونس، ولتعرف أغانيه رواجاً كبيراً، خصوصاً لدى الشباب والمثقفين.

دراجة محمود درويش

كان الفنان التونسي الراحل محباً كبيراً للشاعر الفلسطيني محمود درويش، واعتبر أن سطراً شعرياً واحداً من نصوصه أثر في حياته أكثر من كل التوجيهات العائلية. كانت تجذبه قولة درويش "الطريق هو الطريقة"، وربما لهذا السبب اختار أن يركب دراجته الهوائية ويجوب مدن وقرى تونس في جولة قطع لأجلها أكثر من 1600 كيلومتر على متن دراجته، إذ انطلق من مدينةجة محمود درويش" الزهراء بمحافظة بني عروس عابراً وسط البلاد باتجاه الصحراء في الجنوب، حاملاً معه قيثارته ليغني للناس. وكان ينشر الصور التي يلتقطها لمناظر ومشاهد مختلفة من رحلته على صفحاته في مواقع التواصل، في سياق الترويج السياحي لجمال بلاده. كانت رغبته أيضاً هي الخروج بالفن من القاعات المغلقة في المدن الكبرى، والذهاب به إلى الأرياف والمدن الصغرى، وإلى فئات أخرى من الجمهور قد لا يصل إليها هذا اللون من الغناء.

ويمتد حبه لدرويش إلى انخراطه المبكر في الدفاع فنياً عن القضية الفلسطينية، إذ شارك والده في حرب 1948، وسمى ابنه ياسر تيمناً بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. اللافت أن جرادي قبل أن يمنح وقته وجهده للغناء في العقدين الأخيرين انطلق فناناً تشكيلياً، إذ درس الفنون التشكيلية في المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، وشارك في معارض وطنية ودولية، وله عمل فني معروف عنوانه "حائط درويش" هو بمثابة احتفاء بتجربة الشاعر الفلسطيني الراحل، إذ يبلغ طول هذه الجدارية البشرية ثمانية أمتار وعرضها ثلاثة أمتار ونصف متر. وتتشكل من مزيجاً من نصوص درويش وصوره في اشتغال حروفي وغرافيتي يستعيد الجدارية وصاحبها، ويوجد هذا العمل الفني بقصر خير الدين بتونس العتيقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اللافت أن رحلة جرادي على دراجته الهوائية، التي دامت شهراً كاملاً، أوحت له بإعداد عمل فني تصير فيه جملة درويش "الطريق هو الطريقة" هي العنوان، غير أن الموت لم يسعفه كي ينجز هذا العمل.

تعدد المواهب

وفضلاً عن الموسيقى والفن التشكيلي درس جرادي المسرح والسينما، واشتغل مع رموز التمثيل في تونس أمثال توفيق الجبالي وعز الدين قنون في تجربتي "تياترو" و"الحمراء"، قبل أن يؤسس فرقته الخاصة عام 2005 التي حملت اسم "ديما ديما". وله عمل مسرحي لافت عنوانه "الحب ديني وإيماني" يحاول من خلاله ترسيخ قيم المحبة والقطع مع كل الأساليب التي تستغل الاختلاف لتغذي الكراهية. وتجمع معظم أعماله الفنية بين المسرح والموسيقى مثل "حر كي العصفور" و"ياسر محبة" التي كانت آخر أعماله، التي كان مبرمجاً عرضها في العاشر من الشهر الجاري في مهرجان "ألوان" بمدينة جمال، وتأجلت إلى الـ14 منه. وكتب الفنان الراحل على صفحته: "صديقاتي أصدقائي في جمال الجميلة، وقع تأجيل عرض (ياسر محبة) ليوم الأربعاء الـ14 من أغسطس لأسباب صحية، صبحت مريض شوية وأني نحب نجيكم في فورمة"، أي في صحة جيدة. كانت هذه التدوينة الأخيرة بمثابة اعتذار لجمهوره عن هذا التأخير بسبب بعض التعب الذي يشكو منه، غير أنه لم يكن يعرف، ولم يكن جمهوره يعرف معه أن هذا التعب سينتهي بالغياب التام وعدم الصعود من جديد إلى خشبات المسارح من أجل الغناء عن الحرية والإنسانية والعدالة والحب والقيم الجميلة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة