Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة كركوك الجديدة تطعن "التوافق" بخنجر "الغالبية"

مقاطعة قوى مؤثرة للتشكيل تكشف عن الدخول في مرحلة جديدة من التحالفات والتداعيات

المؤتمر الصحافي لقائمة جبهة "تركمان العراق" لرفض انتخاب إدارة كركوك الجديدة (إعلام الجبهة التركمانية)

ملخص

قسّمت الخلافات الأطراف إلى محورين، ضم الأول حزب "الاتحاد الوطني" الكردي بزعامة بافل طالباني، وحركة "بابليون" بزعامة ريان الكلداني المنضوية في قوات "الحشد الشعبي" الشيعية، فضلاً عن ثلاثة أعضاء عرب مدعومين من زعيم حزب "تقدم" وقوى في الإطار التنسيقي الشيعي التي قادت تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وجمع المحور الثاني قوى "الحزب الديمقراطي" الكردي بزعامة مسعود بارزاني، إضافة إلى الجبهة التركمانية مع قوى مدعومة من "تحالف السيادة" بزعامة خميس الخنجر والمحافظ بالوكالة السابق راكان الجبوري.

بعد مخاض طويل دام أكثر من ثمانية أشهر، أبصرت حكومة محافظة كركوك الجديدة النور باتباع خيار "الغالبية" متجاوزة قاعدة "التوافق" على وقع فشل القوى السياسية في التوصل إلى صيغة "متوازنة" لتقاسم المناصب، فيما يمهد تبني عدد من القوى الفاعلة خيار المقاطعة الطريق لصراعات مستقبلية في محافظة كثيراً ما كانت محوراً للخلافات المحلية والإقليمية.

وجاء انتخاب حكومة كركوك، وهي المحافظة العراقية الوحيدة التي لم تخُض سوى انتخابات محلية يتيمة منذ عام 2005 بسبب الصراعات السياسية، على ضوء نتائج الانتخابات التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من دون أن تتمكن القوى الفائزة من التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة محلية "توافقية" عبر مجلسها المنتخب والمؤلف من 16 مقعداً.

وقسّمت الخلافات لاحقاً الأطراف إلى محورين، ضم الأول حزب "الاتحاد الوطني" الكردي بزعامة بافل طالباني وله خمسة مقاعد، وحركة "بابليون" بزعامة ريان الكلداني المنضوية في قوات "الحشد الشعبي" الشيعية وتحوز مقعد كوتا المسيحيين، فضلاً عن ثلاثة أعضاء عرب مدعومين من زعيم حزب "تقدم" رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي وقوى في الاطار التنسيقي الشيعي التي قادت تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وجمع المحور الثاني قوى "الحزب الديمقراطي" الكردي بزعامة مسعود بارزاني ويملك مقعدان، إضافة إلى الجبهة التركمانية ولها مقعدان أيضاً، مع قوى مدعومة من "تحالف السيادة" بزعامة خميس الخنجر والمحافظ بالوكالة السابق راكان الجبوري بثلاثة مقاعد. 

الأغلبية تزيح التوافق

وقبل ساعات من انتهاء مهلة كان حددها السوداني وهدد بتكليف محافظ من خارج المجلس المنتخب، عقد المحور الأول جلسة في وقت متأخر من مساء السبت الماضي في العاصمة العراقية بغداد، أفضت إلى انتخاب ريبوار طه محافظاً عن حزب طالباني، ومحمد إبراهيم رئيساً للمجلس المحلي عن تحالف "القيادة" العربي الذي سرعان ما طُرد من حزبه "لعدم التزامه التوجيهات"، بعد حضور تسعة أعضاء مقابل مقاطعة قوى المحور التي وصفت الجلسة بأنها غير قانونية لانتهاكها مبدأ التوافق، وهددت باللجوء إلى القضاء بالاستناد إلى المادة 13 من قانون انتخابات المحافظة التي تنص على "تقاسم السلطة بتمثيل عادل بما يضمن مشاركة جميع مكونات المحافظة بغض النظر عن نتائج الانتخابات".

 

 

ويثير هذا التحول تساؤلات إزاء تبعات الخطوة على المستقبل الإداري للمحافظة في حال استمرار إقصاء قوى مؤثرة عن المشاركة في الإدارة، والتحديات التي ستقف حائلاً دون تشكيل حكومة قادرة على الاستمرار من دون توافق في بيئة اجتماعية متنوعة عرقياً وإثنياً، وانعكاسات ذلك على العلاقة بين حكومتي أربيل وبغداد وأيضاً في ما بين القوى، ورد فعل اللاعبين الإقليميين مع الأخذ في الاعتبار إمكان العودة لطاولة الحوار وتحقيق تفاهم بناء على الأمر الواقع.

مشهد متداخل

وتتعدد القراءات حول ما آلت إليه نتائج الانقسام، إذ يرى الباحث الكردي محمد نوري أن "النقطة الرئيسة تكمن في إعادة منصب المحافظ إلى الكرد وتسجل مكسباً لمصلحة بافل طالباني بغض النظر عن الوسيلة التي اتبعت، وتشكل نقطة قوة للكرد من خلال فشل مشروع القوى العربية السنية التي وجدت نفسها منقسمة بصورة أعمق بين محوري إيران وتركيا"، لافتاً إلى أن "الأهم في تحقيق أي مكسب يكمن في خطوات المرحلة اللاحقة والتعامل بحكمة، وهذا ينطبق على حزب طالباني".

ويعتقد نوري بأن يتجه الصراع بين حزبي طالباني وبارزاني "نحو مرحلة صعبة وأشد حدة، لكن هل يرى أي منهما ضوءاً في نهاية النفق بعد كل ما جرى بينهما من شد وجذب؟، ذلك أنهما مقبلان على أيام أشد صعوبة بالنظر إلى ما تُحضّر له القوى الشيعية لمرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة، وربما حان الوقت لاجتماع يجمع بافل وبارزاني، لكن السؤال هو من سيجمع بين الزعيمين؟"، مبيناً أن "مكسب الاتحاد سيمنحه زخماً معنوياً وشعبياً في الانتخابات المقبلة سواء في الإقليم أو بغداد، على حساب منافسيه، خصوصاً المنشقين عنه مثل جبهة الشعب بزعامة لاهور شيخ جنكي".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحتل كركوك التي يقطنها خليط من القوميات والأعراق حيزاً رئيساً في القضايا الخلافية بين الأكراد والحكومات العراقية المتعاقبة لأنها تمثل الركيزة الأهم في المادة 140 الدستورية الخاصة بتسوية ملف مناطق موضع النزاع، لما تتمتع به من ثروات نفطية تصل إلى 12 في المئة من الاحتياط الكلي للبلاد، ولها موقع استراتيجي يربط شمال البلاد بجنوبها، مما جعلها ضمن أجندة مصالح دول متنفذة في المنطقة مثل إيران وتركيا.

تحفظات تركية

ويقدم المحلل السياسي مهند الراوي من جهته رؤية متشائمة للمرحلة المقبلة بالقول إن "ما جرى لن يمر من دون تحرك قضائي من قبل المعترضين وهذا حصل بالفعل، وستكون له تداعيات على السلم المجتمعي، ذلك أن إبعاد قوى لها وزنها مثل الديمقراطي والتركمان وبعض القوى العربية يُعدّ نسفاً لجهود السوداني في تشكيل حكومة توافقية لا خاسر داخلها"، موضحاً أن "الرابح الأكبر هو بافل طالباني على حساب الإطار التنسيقي وإن أبدى بعض أطرافه ترحيبهم بالخطوة، وكذلك الحلبوسي الذي فقد أقوى حلفائه ممثلاً ببارزاني".  

ومن زاوية ردود الفعل على المستوى الإقليمي يعتقد الراوي بأن "هذا التطور سيخلق هاجساً كبيراً لدى أنقرة من إمكان تمدد أنشطة حزب العمال الكردستاني على حساب كركوك، ولا أعتقد بأن الأتراك سيبقون في موقع المتفرج، بالتالي ستجد حكومة السوداني نفسها في موقف محرج، وهناك من عمل باتجاه إرباك الأخير لأن علاقته مع حزب بارزاني جيدة جداً بدليل أنه تمكن من حل كثير من الملفات الخلافية العالقة، وانعكس الصراع داخل تحالف الإطار التنسيقي على المكون السني، مما سينطبق أيضاً على المكون الكردي، وإن نتائج ما حصل ستظهر لاحقاً ضمن صراعات جديدة في البرلمان".

وبالفعل جاء الموقف التركي سريعاً عبر نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم عمر جيليك الذي أكد خلال مؤتمر صحافي أول من أمس الأحد أن "ما جرى من استبعاد قوى في كركوك وخلق أمر واقع لمصلحة حزب الاتحاد نهج خاطئ لن يكون في مصلحة العراق"، مشدداً على أن بلاده "تدعم اتباع العراق سياسة لا يتم فيها استبعاد أحد".

خطوة شرعية

وعلى النقيض، فإن الأمر الواقع قد يفضي في ما بعد عودة المقاطعين للمشاركة في الحكومة المحلية، بحسب قراءة النائب السابق عن "الاتحاد" شوان داودي الذي وصف جلسة الانتخابات "بأنها شرعية لاستنادها إلى حضور أكثر من نصف الأعضاء، ‌أما التحجج بمخالفته المادة 13 من قانون مجلس المحافظة فإنها لم تخص صيغة عقد الجلسة بل تؤكد تمثيل الجميع في الحكومة المحلية من خلال التوافق، وعلى سبيل المثال فإن المناصب المخصصة للتركمان ستظل من نصيبهم والمادة لم تحصرها بأعضاء المجلس المحلي".

وقلل داودي من تبعات الفجوة والخلافات المتشعبة على مستقبل الحكومة المحلية الجديدة، قائلاً إن "الخلافات كانت سمة الواقع السياسي في البلاد، لكن لا يبدو الطريق شائكاً ما دام أن هناك مشاركة عربية ذات قاعدة واسعة ومعظم الكرد مع ممثل المسيحيين وهناك دعماً من التركمان الشيعة، ولن يتضرر سوى المقاطعين".

 

 

وعلى رغم أن داودي يقر بوقوع كركوك ضمن صراع المحاور الإقليمي لكنه يرى أن "اللعبة محكومة بالأطر الديمقراطية ومنها توافر شرط الغالبية المحدد وفق السياقات القانونية، فالطرف الذي يملك الغالبية يتولى تشكيل الحكومة وهو أمر طبيعي، بدليل أننا شهدنا خلال الأشهر الماضية مساعي لتشكيل الغالبية من دون أن تتحقق، منها تلك التي جرت بين القوى المعترضة حالياً، وفي اللحظات الأخيرة تشكل تحالف قبل نهاية المهلة، فالنتيجة الآنية أفضل بكثير من البقاء في فراغ إداري".  

خيارات مفتوحة

وتكشف نتائج الحدث عن مرواحة قوى في إطار الشراكات التقليدية واحتمالات التوجه نحو إعادة تقييم استراتيجيتها السياسية على حد قول الباحث والأكاديمي علاء مصطفى الذي يعتقد بأن "حزب بارزاني فوّت فرصة لأنه لم ينظر إلى الاصطفافات السنية إلا من خلال الرسائل التي كانت تأتيه من حليفه التقليدي خميس الخنجر، وتبين لاحقاً أن تلك الرسائل خالفت الواقع بعد أن تشكلت حكومة كركوك من دونهما".

واستدرك معرباً عن اعتقاده بأن "بارزاني لن يفرط بحضوره في كركوك وحتماً سيعيد ترتيب أوراقه ومعروف أنه يتعامل بواقعية ولن يحصر أوراقه بالسيد الخنجر وسيحتفظ بعلاقة مع الحلبوسي باعتباره الطرف الأقوى الذي يرتبط بعلاقات واسعة وأهمها مع قوى شيعية، وتالياً سيتجنب الدخول في الصراع مع التحالف المشكل لحكومة المحافظة، بخاصة أنه لا يملك سوى مقعدين، وسيحاول أن يؤمن له ثقلاً في الانتخابات النيابية المقبلة، وهذا ينطبق على وضعه في نينوى التي تضم الأطراف ذاتها".  

ويقلل مصطفى من مخاوف التحديات التي ستعترض عمل حكومة كركوك الجديدة محلياً وخارجياً "لأنها مدعومة من كتل نيابية قوية ومؤثرة، ناهيك عن علاقة حزب الاتحاد بإيران، حتى إن خلافاته مع أنقرة تبدو أقل حدة الآن، ويبدو أن الأتراك في وضع لا يسمح لهم بالدخول في مشكلات بسبب حربهم الجارية ضد حزب العمال الكردستاني، ثم إنهم لا يتدخلون كثيراً في التفاصيل والجزئيات، كما لا يمكن اعتبار ما حصل مكسباً للإيرانيين على حساب الأتراك لأن السيد الخنجر الذي قاطع حزبه الجلسة يمتلك علاقة ممتازة مع الإيرانيين بخلاف الحلبوسي الذي أصبح أحد أطراف حكومة كركوك، وأعتقد بأن هناك هامش استقلالية تحركت به قوى الاتحاد وحزب الحلبوسي وريان الكلداني".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير