Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تشكل المعارضة في كردستان تحالفا يستعيد ثقة الناخب؟

إرث الأخطاء والإخفاقات يحجب طريق تشكيل جبهة انتخابية موسعة في مواجهة هيمنة الأحزاب التقليدية

بلغت نسبة المشاركة في انتخابات 2021 بكردستان العراق 36 في المئة (رويترز)

ملخص

في تطور لافت أكدت حركة "التغيير" الطرف الثالث في الائتلاف الحكومي سعيها إلى تشكيل تكتل انتخابي جديد مع شخصيات "وطنية ومعارضة راغبة في التغيير"، في حين كشفت "جبهة الشعب" عن فشل محاولاتها تشكيل تحالف انتخابي موسع لعدم تلقيها "رداً إيجابياً من الأطراف المعنية" مشددة على "إبقاء الأبواب مفتوحة في أي وقت لتشكيل التحالف".

استعداداً للانتخابات البرلمانية التي طال انتظارها في إقليم كردستان تخوض قوى المعارضة تحديات جمة لإعادة تنظيم صفوفها وتشكيل جبهة عريضة قبل دخولها مضمار المنافسة مع القوى التقليدية المهيمنة على دفة الحكم، في محاولة لاستعادة ثقة الناخب المحبط من أداء القوى السياسية بجميع أطيافها.

وفي ظل المشهد السياسي المعقد يلقي تراجع نفوذ المعارضة بظلاله على الأسباب الكامنة وراء إخفاقها في تحقيق تقدم ملموس، وتداعيات ذلك على إقبال الناخبين للمشاركة في الانتخابات، وسط تساؤلات حول مستقبل التحالفات السياسية ومدى قدرة المعارضة على العودة إلى المشهد بقوة.

وحدد رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني في وقت سابق موعداً جديداً لإجراء الانتخابات البرلمانية خلال الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بعد أن تأجلت أربع مرات متتالية جراء الخلافات بين الحزبين الحاكمين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، كان آخرها خلال الـ10 من يونيو (حزيران) الماضي عندما لوح حزب بارزاني مع قوى الأقليات بالمقاطعة والانسحاب من العملية السياسية احتجاجاً على قرارات صدرت عن المحكمة الاتحادية، منها إلغاء 11 مقعداً مخصصاً للأقليات ورأى فيها الحزب "استهدافاً سياسياً لتقويض سلطة الإقليم"، قبل أن يتراجع بعد التوصل إلى تسوية.

ظهور قوى جديدة

تتضمن خريطة المعارضة قوى عدة غير متجانسة، بعضها تشكل حديثاً مثل حركة "الموقف الوطني" وتضم نواباً سابقين ومنشقين من مختلف القوى السياسية أبرزهم النائب علي حمه صالح، والتي واجهت انقساماً أدى لانسحاب بعض قياداتها مبكراً، وكذلك حزب "جبهة الشعب" المدعوم من السياسي المنشق عن حزب "الاتحاد الوطني" لاهور شيخ جنكي، إضافة إلى قوى إسلامية وهي "جماعة العدل" بزعامة علي بابير و"الاتحاد الإسلامي" بزعامة صلاح الدين بهاء الدين. وتنشط حركة "الجيل الجديد" بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبدالواحد فيما شكلت قوى يسارية صغيرة تحالفاً انتخابياً خاصاً بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي تطور لافت أكدت حركة "التغيير" الطرف الثالث في الائتلاف الحكومي والتي كانت تقود المعارضة سابقاً سعيها إلى تشكيل تكتل انتخابي جديد، مع شخصيات "وطنية ومعارضة راغبة في التغيير"، في حين كشفت "جبهة الشعب" عن فشل محاولاتها لتشكيل تحالف انتخابي موسع لعدم تلقيها "رداً إيجابياً من الأطراف المعنية" مشددة على "إبقاء الأبواب مفتوحة في أي وقت لتشكيل التحالف".

تباين في النهج

وعلى رغم تعدد المبادرات للتقريب بين الأصوات المعارضة بغية استغلال تصاعد النقمة الشعبية من الأداء الحكومي للحزبين، فإن الجهود لم تثمر نتائج بعد، وتقف أمام هذا الإخفاق جملة من الأسباب كما يرى رئيس مركز "ستاندارد" الكردي للبحوث والإعلام رعد رفعة محمد، إذ قال "حاولنا التقريب بين قوى وشخصيات معارضة استجابة لمتطلبات وضرورة المرحلة طالما تمتلك فيها القوى الحاكمة نفوذاً متجذراً، وبخاصة أن النقمة الشعبية بلغت ذروتها لكن للأسف فإن المعارضة لم تستطع إيجاد آلية مدنية وقانونية لإحداث تغيير، واليوم نشهد تراجعاً واضحاً في نسبة المشاركة مما يصب حتماً في صالح الحزبين".

وأكد أن "قوى المعارضة لم تتمكن أيضاً من الاتفاق على مشروع وطني مشترك من شأنه تعزيز قوتها، وبقيت مشتتة ولأسباب شتى منها تتعلق بمصالح حزبية أو أحياناً شخصية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا، ويحدث الخلاف على توزيع المهام والمناصب والمرشحين ولا ننسى أن قوى السلطة لعبت أيضاً دوراً في منع بلورة تكتل عريض، ناهيك بأن التسريبات عبر الإعلام الكردي وبخاصة منصات التواصل الاجتماعي أسهمت مبكراً في إرباك مسار التفاهمات في مختلف مراحلها".

فاتورة ثقيلة

وتواجه مجمل القوى المعارضة تحديات في منافسة الحزبين الحاكمين نظراً إلى تحكمهما في مجمل مفاصل المؤسسات الإدارية والعسكرية والإيرادات، وأخفقت المعارضة في بلورة استراتيجية مشتركة أو الانضواء في جبهة موسعة، وباتت تجد نفسها أمام صعوبات لاستعادة ثقة الناخب المتزعزعة جراء مشاركة بعض قوى المعارضة وأبرزها حركة "التغيير" في الائتلاف الحكومي، الذي ظهر من خلال تراجع غير مسبوق في مؤشر شعبية الحركة وكذلك في نسبة المشاركة في الانتخابات التي جرت في ما بعد.

وفي هذا السياق يتفق رفعة محمد مع فكرة وقوع توجهات الناخب الناقم تحت تأثير انضمام بعض القوى المعارضة إلى الائتلاف الحكومي، نظراً "لافتقادها إلى استراتيجية متوسطة أو بعيدة المدى في الاستمرار على نهج ثابت لحين تحقيق الغالبية، فضلاً عن أن الامتيازات والإمكانات كانت محصورة بالقوى التقليدية وتلك المقربة منها، فيما لم تحصل قوى المعارضة على الجزء اليسير إضافة إلى أن الناخب الناقم على كل الأحزاب أصبح محروماً من امتيازات حقوق المواطنة ويجد نفسه اليوم مهمشاً".

وأوضح أن "القوى المعارضة التي شاركت في الحكومة وجدت نفسها مبكراً أمام حقيقة أنها كانت مجردة من صلاحيات فعالة ومؤثرة أمام احتكار الحزبيين للسلطة، في حال تتجاوز مفهوم الدولة العميقة لتصل إلى مفهوم اللا دولة، إذ ينقسم النفوذ بين إدارتين منقسمتين بين أربيل والسليمانية مالياً وعسكرياً وحتى مؤسساتياً.

وشكل الصعود السريع لحركة "التغيير" والمعروفة كردياً باسم "غوران" تحولاً وضعها في مقدمة القوى المعارضة الرامية إلى إجراء "إصلاحات جذرية في الحكم" بعد بضع سنوات من تشكيلها إثر فوزها بـ25 مقعداً في انتخابات عام 2009، ثم حلت في المركز الثاني بانتخابات عام 2013 على حساب حزب طالباني.

إلا أن الحركة بدأت تفقد شعبيتها تدريجاً عقب مشاركتها في حكومة الحزبين، ذلك أنها لم تفز سوى بـ12 مقعداً في انتخابات برلمان الإقليم عام 2018، ثم خرجت خالية الوفاض في انتخابات البرلمان الاتحادي عام 2021، لتدخل قياداتها في خلافات وصراعات حادة أدت إلى استقالة عدد من القيادات والأعضاء، مما خلق حالاً من "خيبة الأمل" لدى الناخب من جدوى المعارضة، ولم تكن القوى الإسلامية أيضاً بعيدة من تراجع في شعبيتها على خلفية تجربة مشاركتها في الائتلاف الحكومي قبل أن تنسحب.

وعن تقديره لحظوظ المعارضة في الانتخابات المقبلة، استبعد رفعة محمد أن "تحقق مكاسب انتخابية مؤثرة نتيجة تراجع ثقة الناخب في قيام المعارضة بدورها، وتساؤلاته التي لا يجد لها إجابات إزاء فشل هذه القوى حتى بين حزبين اثنين في أقل تقدير في تحقيق انسجام وتكافل حقيقي طالما يجمعها طموح مشترك في إحداث تغيير في السلطة، وأن الناخب بات يخشى من مشاركة الطرف المعارض لاحقاً في الحكومة ليصبح مساهماً في رفع معاناته".

إرث مخيب

يفرض الواقع السياسي في الإقليم حالاً معقدة من التنافس بين الأطراف المختلفة ويتجلى ذلك في ديناميكية المعارضة، فعلى رغم تحقيقها مكاسب في مراحل سابقة فإنها واجهت صعوبات في تحقيق تأثير ملموس على سياسات الحزبين، وفي هذا الجانب يشير المحلل السياسي طارق جوهر إلى أهمية وجود "عنصر المعارضة في أية تجربة ديمقراطية ناجحة، إلا أن ما حصل في الإقليم كان أن قوى المعارضة أخفقت في محاولاتها لحل الحكومة أو إحداث تغيير حكومي على رغم فوزها بنحو 35 مقعداً من مجموع 100 مقعد في انتخابات الدورة البرلمانية الثالثة، بسبب استحواذ الحزبين الحاكمين على الغالبية النيابية".

وأردف "لنتذكر كيف حققت حركة التغيير في انتخابات عام 2009 مكاسب لافتة وحصدها 25 مقعداً في أول مشاركة لها بعد أقل من عام على تأسيسها، لكنها فقدت لاحقاً نصف مقاعدها ربما لإخفاقها في الحفاظ على نهجها المعارض بعد مشاركتها في الائتلاف الحكومي، ولنتذكر أيضاً انشقاق السيد برهم صالح عن حزب الاتحاد الوطني وإعلانه تشكيل حزب معارض جديد، لكنه أيضاً سرعان ما تخلى عن حركته الجديدة وعاد إلى الاتحاد من أجل أن يتولى منصب رئاسة الجمهورية".

وتظهر بيانات أعدتها مؤسسة "درو" الإعلامية الكردية المدعومة من "الصندوق الوطني الأميركي للديمقراطية" أن نسبة مشاركة الناخبين في التصويت انخفضت من 87 في المئة إلى أقل من 60 في المئة منذ أول دورة انتخابية شهدها الإقليم عام 1992، بينما سجلت نسبة مشاركة الناخب الكردي في الانتخابات الاتحادية انخفاضاً حاداً من 95 في المئة في أول انتخابات جرت عام 2005 إلى 36 في المئة في انتخابات عام 2021.

ويتيح هذا الواقع السياسي الفرصة أمام استمرار الحزبين التقليديين للاحتفاظ بالغالبية النيابية، واللذين طالما كانا يتفقان على صيغة توائم مصالحهما لتشكيل الحكومة.

وحول مدى حظوظ قوى المعارضة الجديدة يشير المحلل جوهر إلى أنها "سرعان ما دبت الخلافات في ما بين أعضائها منذ بدء تسجيل القوائم والتحالفات لدى مفوضية الانتخابات قبل نحو شهرين، وحصل شقاق مبكر بين أحد التكتلات الجديدة" واستبعد "على وفق المعطيات الآنية ولادة تكتل يجمع في طياته معظم القوى المعارضة، إذ إن الخلافات في ما بينها كما الحال بين الحزبين تغلب عليها المصالح الحزبية أو الشخصية الضيقة، وهذا الواقع يبقي الغالبية النيابية تحت سيطرة الحزبين اللذين على رغم خلافاتهما كانا يتفقان في النهاية على صيغة معينة لتشكيل حكومة ائتلافية، انطلاقاً من أن الإقليم لا يمكن أن يدار بغياب أي من الطرفين، بحكم الواقع السياسي المختلف عن نظيره في بغداد مثلاً، إذ يمتلك الحزبان إرثاً وتاريخاً طويلاً سواء في أعوام محاربة الحكومات العراقية المتعاقبة أو في تأسيسهما لتجربة الحكم وتشكيل أول برلمان في الإقليم عام 1992، وهما يحتفظان بإمكانات عسكرية ومالية ونفوذ إداري مترسخ بين منطقتي أربيل والسليمانية".

يذكر أن عدد القوى السياسية المسجلة رسمياً في الإقليم ومفوضية الانتخابات الاتحادية يصل إلى نحو 38 حزباً وحركة، ويمكن أن يشكل ظهور قوى جديدة عاملاً من شأنه أن يزيد من سخونة المنافسة، لكن من دون أن يحصل تحول مؤثر في ميزان القوى القائم.

المزيد من متابعات