Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسطورة ترابط الاقتصاد الشرق الأوسطي

كيف يعزل التفكك الاقتصادي المنطقة عن الحرب في غزة

دبابة إسرائيلية في غزة، فبراير 2024 (ديلان مارتينيز/ رويترز)

ملخص

على رغم الصراع المدمر في غزة، فإن التفتت الاقتصادي في الشرق الأوسط كان سبباً في عزل المنطقة عن الاضطرابات الكبيرة. ولم تؤثر الحرب بصورة كبيرة في أسواق الطاقة أو الاستقرار الاقتصادي الإقليمي. وتركز دول الخليج على التجارة شرقاً مع آسيا، في حين تسيء السياسة الأميركية تفسير الديناميكيات الاقتصادية المعقدة في المنطقة

أدت الحرب المستمرة منذ تسعة أشهر بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة إلى تدمير الاقتصاد الفلسطيني. ووفق البنك الدولي، كان الناتج المحلي الإجمالي لغزة في الربع الأخير من عام 2023 – الذي يعكس فقط الأضرار التي أحدثتها بداية الحرب – يقل بنسبة 86 في المئة عما كان عليه في الربع الأخير من عام 2022، ويؤثر انعدام الأمن الغذائي الآن في 95 في المئة من سكان القطاع. وفي الضفة الغربية، ارتفعت نسبة البطالة من 13 في المئة في الربع الثالث من عام 2023 إلى 32 في المئة بحلول نهاية ذلك العام، وهو أعلى معدل مسجل. وتُدفع السلطة الفلسطينية الحاكمة إلى حافة الانهيار المالي التام، وخلص تحليل أجرته "مجموعة الأزمات الدولية" في يونيو (حزيران) الماضي إلى أن ديون السلطة للمصارف التجارية ومتأخراتها لصندوقها المخصص للمعاشات التقاعدية ارتفعت إلى ما يصل إلى 11 مليار دولار.

عندما بدأت الحرب، توقع بعض المحللين لهذه الآثار الاقتصادية السلبية أن تمتد في أنحاء المنطقة كلها، وتؤدي إلى زيادات حادة في أسعار الطاقة وانخفاضات في عوائد السياحة. لكن هذا لم يحدث. لم تؤدِّ الحرب بعد إلى خلل خطير في أسواق الطاقة، المقياس المعتاد لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. كذلك لم تتدهور قدرة اقتصادات المنطقة على الاستدانة الواسعة النطاق: بلغت إصدارات السندات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 73 مليار دولار في النصف الأول من عام 2024، بزيادة قدرها 59 في المئة عن الفترة نفسها من 2023. وليس من المستغرب أن تستقطب السعودية 49 في المئة من عوائد تلك السندات، تليها الإمارات العربية المتحدة بنسبة 29 في المئة ودولة قطر بنسبة 10 في المئة.

ما كان ينبغي لهذا الاستقرار أن يشكل مفاجأة. والسبب في ذلك هو أن واشنطن ترى منذ عقود، بصورة خاطئة، اقتصاد الشرق الأوسط اقتصاداً مترابطاً، يغذيه النفط والغاز في الخليج. وكثيراً ما دفع هذا الرأي المسؤولين الأميركيين إلى استبعاد الدبلوماسية الاقتصادية. ومع نمو اقتصادات الخليج، توقع هؤلاء المسؤولون أن تعتمد عافية المنطقة الاقتصادية على عمليات الإنقاذ المالي والاستثمارات المحلية – وهو توقع تحقق إلى حد ما بعد "الربيع العربي"، عندما تسابقت دول الخليج على إنقاذ مصر.

لكن بلدان الشرق الأوسط تتباهى منذ فترة طويلة بقدرات اقتصادية تختلف اختلافاً صارخاً، وينقسم الاقتصاد الإقليمي بين بلدان مصدرة للطاقة وأخرى مستوردة لها. حتى هذا الانقسام يصبح الآن أكثر تعقيداً. منذ "الربيع العربي"، تتجاوز مزايا دول الخليج بكثير الوصول إلى الأسواق والتكنولوجيات الذي تسعى إليه البلدان المجاورة الغنية بأصول في مجال الطاقة لكن التي تعاني سوء الإدارة مثل الجزائر وإيران والعراق وليبيا. علاوة على ذلك، منذ عام 2016، يقل ميل دول الخليج الأكثر ثراء (قطر والسعودية والإمارات) إلى تقديم المساعدات والاستثمارات والفرص التجارية إلى البلدان المجاورة في ضوء سعيها إلى الاستثمار محلياً والاستعداد لمستقبل ما بعد الموارد الكربونية.

ولكن المبادرات الاقتصادية الأميركية تجاه المنطقة لم تواكب هذا الواقع. فقد ركزت هذه المبادرات عادة على إنشاء ممرات تجارية جديدة باتجاه الغرب وعقد صفقات أسلحة وحض الحكومات على الانضمام إلى الاستثمارات في أمن الطاقة الأميركية (بما في ذلك المعادن الحيوية في أفريقيا) وتعزيز التكنولوجيا والوصول إلى الطاقة في إسرائيل وشرق البحر المتوسط. لكن يتعين على الولايات المتحدة أن تعترف بأن سوق البلدان المصدرة للطاقة في المنطقة والطلب على الطاقة في المستقبل يكمنان في الصين والهند واليابان. أما الترويج لفكرة طرق التجارة الجديدة والشراكات باتجاه الغرب فهو مجاملة دبلوماسية، لكنه لن يحقق كثيراً على صعيد تغيير الاتجاه الاقتصادي للمنطقة.

وليس توقع تغيير مسار الحرب في غزة من خلال اتفاقات سلام وروابط تجارية سوى خطأ مماثل. ففي كثير من الأحيان، تَعِدُ سياسة واشنطن الخارجية بأكملها تجاه الشرق الأوسط بمنافع اقتصادية واسعة النطاق في مقابل السلام. غير أن هذه المبادرات يعقدها بقاء موقف الولايات المتحدة الأساسي تجاه إيران من دون تحديد منذ انسحاب الرئيس السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015. ويشجع هذا التناقض الاستراتيجي إيران على مواصلة دعم الجماعات الإرهابية الإقليمية وتهديد كل من الحوكمة والنمو في العراق ولبنان وسوريا.

لم تمنع إيران بعد دول الخليج من النمو اقتصادياً، لكن شبح الإرهاب وتعطيل طرق العبور من قبل الجماعات المدعومة من إيران لا يزال يشكل تهديداً مستمراً. وإذا عملت الولايات المتحدة بجدية أكبر لتعطيل أنشطة إيران الإقليمية الخبيثة، فلن يغير ذلك توجه دول الخليج المتزايد نحو الشرق. لكنه سيكون، في الأجل القريب، أفضل طريقة تتبعها واشنطن لإفادة الشرق الأوسط ككل – وسيكون أكثر فاعلية من المحاولات الحالية المضللة لجمع اقتصادات المنطقة المتنوعة معاً وتوجيه نموها غرباً.

العمل كالمعتاد

بقدر ما كانت الحرب بين إسرائيل و"حماس" مدمرة لحياة الفلسطينيين، هي تكشف عن المسار الاقتصادي الحالي للشرق الأوسط أكثر مما تغير هذا المسار. وتظل الآثار الاقتصادية للمعارك الدائرة منذ العام الماضي في غزة محتواة نسبياً، على رغم النزاع المباشر بين إسرائيل وإيران والغضب العربي الواسع النطاق من العمليات العسكرية الإسرائيلية. لكن غزة كانت معزولة بالفعل قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ولا تنتشر عدوى انهيارها الاقتصادي، على رغم أن أزمة لجوء بكل ما للكلمة من معنى من شأنها أن تلحق دماراً اقتصادياً وسياسياً فورياً بمصر.

وتأثر الاقتصاد الإسرائيلي بصورة حتمية بالحرب في غزة. وأصاب الخلل سوق العمل بسبب استدعاءات الخدمة العسكرية الاحتياطية. وارتفع الإنفاق الحكومي بأكثر من 88 في المئة في الربع الأخير من عام 2023، ويعتمد اقتصاد البلاد بصورة متزايدة على الاستدانة، مما قد يؤدي بمرور الوقت إلى ضعف العملة ونشوء ضغوط تضخمية. وخارج إسرائيل وغزة، يُعدّ الشحن عبر البحر الأحمر الأكثر تضرراً. فانخفضت إيرادات قناة السويس بما يقارب الربع بين يوليو (تموز) 2023 ويونيو (حزيران) 2024. لكن مع اتفاق إقراض سخي بقيمة ثماني مليارات دولار أُبرم مع صندوق النقد الدولي، إضافة إلى قروض من الاتحاد الأوروبي وإيرادات بقيمة 35 مليار دولار من مبيعات أراضٍ إلى دولة الإمارات، تجنبت مصر أزمة مالية حادة.

وخارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية، لا تزال المنطقة تتكيف بصورة عامة. ومن شأن مجرد قيام إيران بأي خطوة للدفاع عن "حماس" و"حزب الله" ومهاجمة البنية التحتية النفطية أو ممرات العبور أن يهز أسواق النفط في الشرق الأوسط. ولم تشهد تجارة النفط أي تعطل مادي في أكثر نقاط الاختناق ضعفاً، مضيق هرمز، إذ شهد عبور ما يقارب 15 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات النفطية عبر هذا الممر المائي كل يوم خلال الربع الأول من عام 2024، في حين أن نحو 20 في المئة من صادرات الغاز الطبيعي المسال في العالم مرت من دون عوائق من دولة قطر عبر المضيق. ويعتقد محللون في "معلومات الطاقة" Energy Intelligence، وهي شركة بيانات وتحليلات، بأن الأخطار على أسواق النفط احتُسبت بالفعل إلى حد كبير بعلاوة تراوح ما بين ثلاثة وخمسة دولارات للبرميل. وتؤدي وفرة المعروض من خارج "أوبك"، لا سيما من الولايات المتحدة، إلى منع أسعار النفط من الارتفاع.

ولأن البلدان المنتجة في "أوبك+" – بقيادة روسيا والسعودية – مددت العمل بتخفيضات الإنتاج حتى عام 2025، من المرجح أن يستمر الطلب العالمي على النفط في تجاوز العرض، مما يعزز الأسعار إلى نطاق 85 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام. وعلى رغم أن الولايات المتحدة تواصل فرض عقوبات على إيران، لا يرغب القادة الأميركيون في إثارة نزاع مباشر أو إعاقة قدرة إيران على تصدير النفط بالكامل، مما يحافظ على استقرار أسواق النفط وانخفاض الأسعار. وحتى عندما قرر الرئيس الأميركي جو بايدن في أبريل (نيسان) الماضي تشديد العقوبات الأميركية على النفط الإيراني الموجه إلى الصين من خلال مصدرين ثانويين – أي ماليزيا والإمارات العربية المتحدة – لم تتأثر أسعار النفط. ويواجه مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية صعوبة في ردع عملية إعادة تصنيف المنتجات النفطية الإيرانية كأنها منتجات من بلدان أخرى، ولا تزال إيران تتهرب من برنامج العقوبات الأميركية بسهولة نسبية وتواصل عرض منتجاتها النفطية في السوق.

توجات مختلفة

على نطاق أوسع، يفشل واضعو السياسات في الولايات المتحدة في إدراك أن أغنى اقتصادات المنطقة تركز على تعزيز شراكاتها التجارية مع آسيا، وليس مع الغرب، ومع التنافس مع بعضها بعضاً. من الناحية العملية، يتحول الشرق الأوسط إلى مجموعة من البلدان "الهامشية" الغارقة في النزاع (العراق ولبنان وليبيا وسوريا واليمن) أو الراكدة (مصر وإيران والأردن) مع تقلص نموها وروابطها بالأسواق العالمية. في أبريل 2024، وجد البنك الدولي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها في المتوسط نسبة دين إلى إجمالي الناتج المحلي تقارب 90 في المئة. وقبل 10 أعوام، كانت هذه النسبة المتوسطة أقرب إلى 75 في المئة. وباستثناء الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وربما المغرب، يتعامل معظم بلدان المنطقة مع العبء المزدوج المتمثل في النزاع وارتفاع أرقام الديون، ومع معدلات نمو منخفضة متوقعة، وضغوط تضخمية ناجمة عن ضعف العملات، وتعاني موازنة أعباء ديونها المقومة بالدولار مع حاجات الإنفاق الاجتماعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الوقت نفسه، تتقدم دول أخرى مثل سلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات في قدرتها على توليد نمو غير نفطي وتنويع اقتصاداتها. كذلك تقترض هذه البلدان المصدرة للطاقة بكثافة، إذ يبلغ متوسطها الآن 30 في المئة من نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ10 في المئة قبل عقد من الزمن. لكن هذا الاقتراض يؤتي ثماره: تميل شركات النفط الوطنية الخليجية الآن أكثر من شركات النفط الأميركية الكبرى إلى التباهي بمشاريع واستثمارات كبرى في مجال الطاقة المتجددة، فإن الفرص الاقتصادية المتاحة لهذه البلدان آمنة بفضل الأسواق الآسيوية التي تصل إليها الآن، وليس بسبب علاقاتها داخل الشرق الأوسط أو أوروبا. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تشهد الفترة بين عامي 2022 و2028 نشوء 90 في المئة من النمو في الطلب على النفط على مستوى العالم من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما سيؤدي أيضاً إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال مع تحول بلدانها بعيداً من الفحم.

وتساعد المبيعات القوية للمحروقات هذه الدول المزدهرة نسبياً في الشرق الأوسط على البدء بتحويل مصادر الطاقة المخصصة للصناعات التحويلية القائمة مثل تصنيع الصلب والأمونيا من النفط إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون أو خالية من الكربون، مما يجعل هذه الصادرات أكثر جاذبية للعملاء الذين يستهدفون التحول إلى الاقتصادات الخضراء. كذلك تسعى شركات النفط العربية العملاقة إلى استثمارات مشتركة جديدة مع الصين في تصنيع الطاقة الشمسية وتطوير محطات الطاقة. فالشركات الصينية "تي زد إي" TZE و"سانغرو" Sungrow و"جينكو سولار" JinkoSolar مثلاً، تعمل كلها لتوسيع صادراتها وقدراتها التصنيعية في الشرق الأوسط، خصوصاً في سلطنة عمان والسعودية والإمارات. ولا تقتصر الروابط بين آسيا والشرق الأوسط على النفط. فوفق بيانات "مركز التجارة الدولية" World Trade Centre، وهو وكالة أُنشئت لمساعدة البلدان النامية في الوصول إلى الأسواق العالمية، بلغ إجمالي صادرات الخليج من البلاستيك والكيماويات والمطاط والمعادن الثمينة إلى آسيا نحو 56 مليار دولار العام الماضي، ولدى هذه الصادرات القدرة على تحقيق زيادة بمقدار 50 مليار دولار أخرى بحلول عام 2030. وتستضيف السعودية الآن أكثر من ألف و300 مصنع للبلاستيك وأصبحت مصدراً رئيساً للمنتجات البلاستيكية والمطاطية إلى الصين.

والأهم من ذلك، تركز البلدان الآسيوية – لا سيما الهند والصين – على توسيع اتفاقات التجارة الحرة والتعاون الاقتصادي مع الخليج بدلاً من فرض قيود تجارية جديدة. ففي مايو (أيار) الماضي، توقع تحليل أجراه مصرف "أتش أس بي سي" HSBC أن يبلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر التراكمية بين آسيا والشرق الأوسط، لا سيما دول الخليج، أكثر من 270 مليار دولار على مدى الأعوام الـ10 المقبلة، مرتفعاً من أقل من 140 مليار دولار على مدى العقد الماضي من الزمن. مثلاً، تثبت "اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة" المبرمة بين الهند والإمارات التي هي قيد التنفيذ منذ مايو 2022، أنها ضرورية لتعزيز الصناعات غير النفطية في دولة الإمارات، إذ أدت إلى زيادة صادرات صناعات الطيران من دولة الإمارات إلى الهند من 40 مليون دولار عام 2022 إلى ملياري دولار في 2023.

قبول التجارة

مع ذلك، تميل الطريقة التي يواصل بها واضعو السياسات الأميركيون النظر إلى المنطقة ككتلة مترابطة إلى ترسيخ تدخلاتهم بصورة ضيقة على إسرائيل وعلى استقرار أسعار الطاقة، بدلاً من الانطلاق من الاعتراف بكيفية تموضع الدول المتنوعة على نحو مختلف لتحقيق الأمن الاقتصادي. وتتضمن جهود الولايات المتحدة في الدفع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة مقترحات للتكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط، بما في ذلك تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسعودية، مقابل ضمانات أمنية والوصول إلى التكنولوجيا النووية التي تتوق إليها. لكن الخطوة لن تحقق كثيراً في مجال تحفيز الاستثمار في أي من البلدين أو لتسوية النزاعات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وفي مفاوضات وقف إطلاق النار، تدفع الولايات المتحدة أيضاً باتجاه إنشاء ممرات تجارية جديدة تربط الخليج بأوروبا، بما في ذلك الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا الذي يحظى بترويج كبير. وكان التعميق السريع للعلاقات الاقتصادية في المنطقة بعيد المنال قبل السابع من أكتوبر. لكن هجوم "حماس" والعمليات العسكرية الإسرائيلية اللاحقة وتحول دول الخليج شرقاً تطورات جعلت الأمر أقل احتمالاً حتى.

عندما ينظر واضعو السياسات الأميركيون إلى فرص التجارة والاستثمار في أنحاء الشرق الأوسط كله، تكون تل أبيب عادة شريكاً جذاباً للوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية وموطئ قدم في حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، ذلك أن أكبر ثلاث وجهات للاستثمار الأجنبي المباشر في الشرق الأوسط، على صعيد عدد المشاريع الجديدة ومخصصات الاستثمار، هي إسرائيل والسعودية والإمارات. وقد تكون هذه الدول على استعداد للاستثمار في بعضها بعضاً، ولها مصلحة مشتركة في استمرار استقرار الاقتصاد المصري وسهولة الشحن عبر قناة السويس. لكنها لا ترى مشروعاً تنموياً مشتركاً في أنحاء الشرق الأوسط كله.

من الخطأ الاعتقاد بأن حل الدولتين يمكن أن يجعل الشرق الأوسط كله يزدهر

تُعدّ الأولويتان الاستراتيجيتان للولايات المتحدة في ما يتعلق بالشرق الأوسط في الواقع بسيطتين للغاية: التنافس مع الصين والحد من نفوذ إيران. لكن من الناحية الاقتصادية، لا تستطيع الولايات المتحدة تحدي الهيمنة الصينية في الشرق الأوسط من خلال بناء طريق حرير جديد منافس. ويجب أن تتقبل السياسة الاقتصادية الأميركية تجاه المنطقة أن الصين ستظل شريكاً تجارياً واستثمارياً رئيساً. وتعمل الصين الآن على تحويل سلاسل الإمداد الخاصة بها من خلال البحث عن مستثمرين مشاركين في الخليج في مصافي النفط الصينية، وفي الخليج تنشئ مشاريع مشتركة في صناعات الطاقة الجديدة مثل الألواح الشمسية وإنتاج السيارات الكهربائية. ولأن الصين لم تتنافس قط مع الولايات المتحدة في تزويد أي بلد في الشرق الأوسط بقدرات دفاعية وفضائية، ربما تختار واشنطن التركيز بصورة أضيق على اتفاقاتها الدفاعية، لا سيما تلك المبرمة مع دول الخليج وإسرائيل. وعلى رغم أن الشراكات التي تركز على الدفاع تشكل أيضاً علاقات تجارية مهمة، لا يمكن لها أن تشكل للولايات المتحدة استراتيجية اقتصادية أو دبلوماسية ناجحة بعيدة الأجل في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، في الأجل البعيد، يجب على واشنطن أيضاً أن تدرك أنه حتى لو سعت القوى الخليجية الكبرى وإسرائيل إلى تحقيق قدر أكبر من التكامل، سيواصل كل فريق إعطاء الأولوية إلى مسارات النمو الخاصة به وشراكاته المفضلة. ويركز كثير من المسؤولين الأميركيين بصورة كبيرة على ابرام اتفاق السلام الإسرائيلي- السعودي، للمساعدة في الدفع إلى وقف لإطلاق النار في غزة وتوجيه ضربة إلى النفوذ الصيني والروسي في المنطقة من خلال إنشاء دائرة نفوذ حول الممرات الحيوية الضيقة الرئيسة في مضيق هرمز وممر البحر الأحمر. لكن في نهاية المطاف، لن يؤدي هذا إلى تسريع الاستثمار وازدهار التجارة في أنحاء الشرق الأوسط كله. بالتالي لا يشكل عرض احتمال تحقيق تكامل اقتصادي إقليمي أكبر الإغراء الذي تأمل الولايات المتحدة في أن يكونه.

إن إنهاء الحرب في غزة هو أولوية استراتيجية تشترك فيها الولايات المتحدة ومعظم دول الشرق الأوسط. لكن من الخطأ الاعتقاد بأن وقف إطلاق النار أو حتى حل الدولتين يمكن أن يعجّل بالتكامل الاقتصادي ويجعل المنطقة بأسرها تزدهر. يجب على بلدان الشرق الأوسط التي تشهد نمواً اقتصادياً قوياً تأمين طرق تجارية مستقرة وآمنة شرقاً واتصالاً بالأسواق الناشئة في آسيا وأفريقيا. ويجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تتصالح مع واقع الجغرافيا الاقتصادية الخاصة بالطاقة. سيتواصل ربط الخليج بآسيا بفضل المشاريع التعاونية في تصنيع الطاقة المتجددة وكذلك أهمية الوقود الأحفوري في تسهيل الانتقال إلى طاقة أكثر اخضراراً. ويجب على الولايات المتحدة أن توضح ما يمكنها فعله في الواقع: يمكنها أن تضع ثمناً للاستقرار الذي توفره في ممرات العبور الرئيسة للأطراف المستفيدة، داخل الشرق الأوسط وخارجه، بما في ذلك الصين. ويمكنها أن تعمل بقوة أكبر على تعطيل شبكة الإرهاب الإيرانية لتوليد إمكانات بغية تحسين الحوكمة والنمو.

* كارين إي يونغ باحثة بارزة في "مركز سياسة الطاقة العالمية" بجامعة كولومبيا ومؤلفة كتاب "فن الحكم الاقتصادي لدى دول الخليج العربية: نشر المساعدات والاستثمارات والتنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان"

مترجم عن "فورين أفيرز"، 31 يوليو 2024

المزيد من آراء