ملخص
هناك تاريخ من العلاقة بين التصنيفات الجنسية والمسابقات الرياضية، لم تكن حالة إيمان خليف سوى حلقة منهـا، وثمة ميل غالب إلى التبسيط في أمر الهوية الجنسية للكائن الإنساني عبر تقليصها إلى عنصر وحيد كالهرمون أو الكروموزوم، لكنها أعمق من ذلك
إذاً، لقد حصل ذلك، وفازت إيمان خليف بذهبية الملاكمة الأولمبية للنساء في وزن 66 كيلوغراماً، وفي مؤتمر صحافي ذكرت خليف "إن شرفي مصون الآن".
ولا يهدئ فوزها الأمواج المتلاطمة من الكراهية التي طاولتها.
وتثير ميداليتها أسئلة عن أوجه القصور في "الرابطة الدولية للملاكمة" International Boxing Association التي تقودها روسيا، والهجمات المحملة بكراهية النساء التي طاولت النسوة السود والسمر البشرة ممن لا يتوافقن مع المثل العليا الغربية عن المرأة. وزعمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن الرياضيات الآتيات من الجنوب العالمي كن عرضة لتأثير "المراقبة والشك"، بشكل غير متناسب بمعنى أنه يفوق ما تعرضت له زميلاتهن الأخريات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفوق ذلك كله، تحرك ميدالية خليف السؤال عما إذا كان العلم سيتوصل في أي وقت، للجواب عن السؤال في شأن من يجب أن "يعد" كامرأة؟
وفي نقاش عن الرياضيين من أصحاب الهويات الجنسية العابرة للتصنيفات، ذكر سباستيان كو أنه قرر "حماية فئة الإناث" [في الرياضة]، وأن كل ما نحتاج إليه هو "الإنصات إلى العلم".
وكمؤرخة للطب والجسد، أستطيع رؤية الكيفية التي حصل فيها التبدل بتلك المقاربات. وقبل ستينيات القرن الـ20، اكتفى المسؤولون الرياضيون بأن ينظروا ببساطة إلى مظهر الأشخاص ثم التوصل إلى قرار في شأن كونهم نساء، بالاستناد إلى شكل الجسم وكثافة العظام وملامح الوجه والصدر وطريقة المشي. واعتمد ذلك على تعريفات محددة جداً، وكثيرة التبدل، عن مظهر المراة، وطريقة حركتها وسلوكها. وعلى رغم أن الهيئات المعنية بالرياضة لم تعد تحكم على النساء بالاستناد إلى المظهر، إلا أن الإشكالات التي أحاطت بإيمان خليف والعداءة كاستر سمنيا [من جنوب أفريقيا]، تظهر أن كثيرين منا ما زالوا يحكمون على الأمور بتلك الطرق.
لا تنتمي أي من الرياضيتين إلى المتحولات جنسياً، وحددت كلاهما كأنثى عند الولادة، وكلاهما أنثى قانونياً، وجرت العادة على تعريفهما كنساء. وأكدت "محكمة التحكيم في الرياضة" أن سمنيا مشخصة كحالة لديها "اضطراب النمو الجنسي" differences in sex development (DSD) واختصاراً "دي إس دي"، وبالتحديد أنها تحمل كروموزوم "46 إكس واي"46 XY DSD الذي يضعها ضمن الـ"دي إس دي". وقد يؤدي ذلك الكروموسوم إلى امتلاكها فرجاً، مثلاً، لكن من دون رحم، أو ثديين لكن مع وجود نسيج من النوع الموجود في الخصية. ومع رفضها تناول أقراص موانع حمل التي من شأنها خفض مستوى الـ"تستستيرون" [هرمون الذكورة] لديها، عمدت سمنيا إلى تغيير رياضتها، وانتقلت إلى ممارسة الركض لمسافات طويلة، حيث لا تفحص مستويات الهرمونات، لكنها لم تتأهل إلى أولمبياد باريس.
وثمة تضليل في فكرة أن هناك فحصاً بسيطاً يستطيع إزالة الالتباس في شأن شخص مثل إيمان خليف. لا وجود لفحص من هذا النوع، ومرد ذلك إلى أن نوع الجنس، في الأقل، لا يوجد بشكل ثنائية تبادلية، إما هذا أو ذاك.
وفي عام 2000 اعتمدت الاختبارات الهرمونية في الرياضة الأولمبية، بعد التخلي عن فحص الكروموزومات التي اعتمدت أصلاً بداية من ستينينات القرن الـ20. وآنذاك، جرى اللجوء إلى الكروموزومات تحت تأثير مخاوف بأن الدول الشيوعية تدخل رياضيين رجالاً بوصفهم نساء كي تزيد رصيدها من الميداليات.
وفي المقابل، لا تملك الكروموزومات القول الفصل. إن النساء اللاتي لديهن كروموزومات "إكس واي" XY، لسن رجالاً، قد يمتلكن أرحاماً، أو يكون لديهن الكروموزوم "واي" [الخاص بالرجال] لكنهن يفتقدن الجين الذي يفعله.
ولقد كتبت عن التاريخ الأطول للأسئلة عن استعمال الجسد في تحديد هوية الجنس.
تاريخياً، دأب الطب على تعميق دخوله إلى الجسد، مع غزو متوسع وتدخلي لأجساد النساء، مما أدى بالنتيجة إلى الإقرار بأن المظاهر لا تتطابق مع دواخل الأجساد. وعثر التشريح على أمثلة على عدم التطابق لدى أشخاص لم يكن لديهم أدنى فكرة خلال حياتهم، عما نصنفه الآن باعتباره "اضطراب النمو الجنسي".
في القرون السابقة، قدمت الأثداء واللحى مداخل مناسبة، لكن غالباً ما نظر إلى الحيض بوصفه الدليل الأفضل على الأنثى لأنه يظهر أن هناك بالضرورة رحماً في الداخل، والأرحام أدله حاسمة. وجرى الاعتقاد بأن العيش كأنثى والنهوض بالمهمات المنزلية للنساء، يشكل "الخاصية الذهنية" الأنثوية.
وفي العقد الثاني من القرن الـ20، جرى اللجوء إلى أخذ عينات بيولوجية من أشخاص أحياء لا يبدو انتماؤهم الجنسي واضحاً. هل يتوجب إعادة تصنيف امرأة شابة لديها خصيتان غير فاعلتين في دواخل جسدها، لكن لا شيء ذكورياً آخر، باعتبارها رجلاً جسدياً؟ لقد رفض ويليام بلير، أحد رواد علم النساء والولادة، ذلك الأمر، معتبراً أنه من الخطأ تصنيف تلك الشابة في خانة جنس لا يتلاءم مع مظهرها ولا مع "غزائزها وسعادتها الاجتماعية".
ووفق ما كتبت الصحافية كات براون، "البشر مختلفون"، وتقدم لنا الألعاب الأولمبية "فرصة لمعرفة ماهية التفوق، والأشكال المختلفة التي يظهر فيها". وحينما يتعلق الأمر بالجندر، لا تقتصر المسألة على وجود أشخاص لا يتطابقون مع التصنيفات الثنائية، بل إنها تشمل القول إن "بيولوجيا الكائن الإنسان أكثر تعقيداً بكثير من أن تمثل عبر مؤشر وحيد"، هو هرمون "تستستيرون".
وإذاً، هل تتمثل المسألة في كروموزومي "إكس واي"؟ أو ارتفاع مستوى هرمون التستستيرون؟ أو أعضاء معينة في الجسد؟ وما تلك الأعضاء؟ فلنترك الكلمة الأخيرة للبطلة الأولمبية السابقة كاستر سمنيا. وذات مرة، أخبرت مسؤولي المسابقات أنه "حسناً. أنا أنثى، ولا أبالي بذلك. إذا أردتم التأكد أنني امرأة، فسأريكم فرجي. ماشي؟".
*هيلين كينغ مؤلفة كتاب بعنوان "أشكال غير نجسة، الكشف عن تاريخ أجساد النساء" Immaculate Forms: Uncovering the History of Women’s Bodies (غلاف من ورق مقوى)، سينشر في الخامس من سبتمبر (أيلول) المقبل، عن دار "بروفايل/ويلكوم")
© The Independent