Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فلسطين والهنود الحمر والقضية نفسها بين درويش وغودار وسمير صنبر

الفلسطينيان أسهما في اجتذاب السينمائي الفرنسي إلى القضية والأخير حول الشاعر إلى نجم سينمائي

محمود درويش في "موسيقانا": سينما على طريقة غودار (موقع الفيلم)

ملخص

تعرف الشاعر الفلسطيني محمود درويش إلى سينما المخرج الفرنسي جان لوك غودار وأحبها، وواصل نوعاً من تعاون ممتزج بقدر كبير من إعجاب متبادل ولا سيما من خلال صديق الاثنين في باريس الباحث الفلسطيني الياس صنبر الذي سيكون واحداً من أبرز مترجمي شعر ونثر درويش إلى الفرنسية

في ماض لكم يبدو الآن بعيداً جداً بل منتمياً إلى ما قبل تاريخ ما. في ماض كانت فيه القضية الفلسطينية كما حملها ودافع عنها أبناء فلسطين أنفسهم قبل أن تصبح مشجباً يعلق عليه الآخرون مطامعهم وتطلعاتهم ومشكلاتهم. في ذلك الماضي كان كبار مثقفي العالم ومبدعوه، ولا سيما الشرفاء الكبار منهم يلتفون حول تلك القضية معتبرينها قضيتهم الخاصة قبل أن تتحول في أزمنتنا الراهنة إلى مجرد مذابح تبحث عن فاعلي خير ومذرفي دموع وكل ما نشهده حولنا مما يبعد الحلم الفلسطيني عن واقعه الحقيقي أكثر وأكثر. في ذلك الماضي كان من الطبيعي لمبدعين كبار ولا سيما من طينة جان لوك غودار وجان جينيه وخوسيه ساراماغو وخوان غويتيسولو و... اسألوا ليلى شهيد عن الباقين كي لا تطول بنا اللائحة هنا، كان من الطبيعي لهم أن يلتحقوا بالقضية الفلسطينية بوصفها قضيتهم ويلتقوا بمحمود درويش وإميل حبيبي وسميح القاسم وجبرا إبراهيم جبرا وإحسان عباس واللائحة هنا تطول أيضاً وربما إلى ما لا نهاية، بوصفهم معاً أبناء وأصحاب قضية واحدة. حينها كان محمود درويش بين آخرين طبعاً يعتبر رمزاً للقضية وحاملاً حلمها في نظر تلك الأممية النضرة التي كانت متحلقة من حول فلسطين وقضيتها، كما في نظرنا نحن العرب بصورة عامة. ودرويش كان كما عاينا بأنفسنا في بيروت – ولاحقاً في باريس طبعاً-، كان من محبي السينما ومتابعيها ومن هنا كان يعرف الكثير عن سينما غودار الذي كان خلال تصوير هذا الأخير في عمان فيلمه الذي لم ينجزه أبداً "ثورة حتى النصر" ليستبدله لاحقاً بفيلم عنوانه "هنا وهناك" له حكاية أخرى، كان قد استخدم قصيدة له في مشاهد الفيلم تلقيها صبية صغيرة ما أثار فرح درويش وإعجابه.

دور بيروتي

لكننا نعرف أن الشاعر الفلسطيني الكبير الذي تعرف إلى سينما غودار أكثر وأحبها أكثر ولا سيما من خلال عروض لأفلام السينمائي الفرنسي – السويسري الكبير في النادي السينمائي العربي في بيروت لاحقاً، سيواصل نوعاً من تعاون ممتزج بقدر كبير من إعجاب متبادل ولا سيما من خلال صديق الاثنين في باريس الباحث الفلسطيني الياس صنبر الذي سيكون واحداً من أبرز مترجمي شعر ونثر درويش إلى الفرنسية وواحداً من أنشط الذين سيواكبون مسيرة صاحب "ذاكرة النسيان" في الأوساط الثقافية الفرنسية والأوروبية هو الذي إلى جانب ذلك معروف بكونه واحداً من أبرز اللذين عرّفوا القضية الفلسطينية وثقافتها وتاريخها للعالم منذ عقود طويلة. وهذا ما يرويه على أية حال الباحث الإنجليزي جيمس أس ويليامز في نص طويل عن العلاقة بين غودار ودرويش حول السينما من خلال الياس صنبر ولا سيما من خلال فيلم غودار "موسيقانا" الذي كان واحداً من أقوى أفلام غودار خلال المرحلة الأخيرة من حياة هذا الأخير وسينماه، تلك المرحلة التي في عدد لا بأس به من أفلامها كان لفلسطين وتاريخها وتاريخ قضيتها مكانة أثيرة، كما في فيلم "فيلم - اشتركية" و"في مديح الحب" و"كتاب صورة" وغيرها، مع العلم أن حضور فلسطين في فيلم غودار المدهش "موسيقانا" يبقى الأقوى من خلال حضور محمود درويش في الفيلم كشخصية محورية، ومن خلال لعبة مقارنة الفلسطينيين المطرودين من أرضهم والمحرومين منها بالهنود الحمر الذين اقتلعوا من أرضهم منذ وصول كريستوف كولومبوس. ولعل الجدير ذكره أن هذا الجانب الأخير يعتمد أولاً وأخيراً على كتاب وملاحظات لالياس صنبر نفسه وكان هو الذي قدم غودار ودرويش لبعضهما البعض بعد سنوات طويلة من التعارف بينهما عن بعد.

من خلال ساراييفو

يقول كاتب الدراسة أن "الشاعر محمود درويش كان بالنسبة إلى فيلم غودار "موسيقانا"، المحاور الرئيسي والمتعاون الأول خلال تصوير الفيلم الذي صور الجزء الأكبر منه في وعن ساراييفو التي كانت تحاول الخروج لتوها من الحروب والمجازر التي أصابتها أكثر مما أصابت أية منطقة بلقانية أخرى لدى تفكك يوغوسلافيا الاتحادية ومنطقة البلقان بصورة عامة". في ذلك الحين كان ثمة غضب عارم تجاه ممارسات الصربيين والكرواتيين ضد سكان سيراييفو ولا سيما المسلمون منهم، ما طرح على الطاولة بصورة مباشرة نوعاً من التشابه بين فلسطين وتلك المنطقة من العالم كانت فحواه سؤال وجواب شديدا الاختصار داخل الفيلم ومن حوله هما: "لماذا ساراييفو؟ لأن فلسطين". وإذ يقدم ويليامز لتدخل درويش في المشروع بهذه العبارات يذكر قراءه بأن حضور محمود درويش في فيلم غودار القديم "ثورة حتى النصر"، ولم يكن التقاه بعد، كان بالنسبة إليه بالغ الأهمية إلى درجة أنه – أي غودار – عاد واستخدم مشهد إلقاء الفتاة للقصيدة في واحد من أجزاء فيلمه المتأخر "جواز سفر حقيقي مزيف" الذي حققه عام 2005 لزوم معرض "رحلات في اليوتوبيا".

رفيقا سلاح

ومنذ ذلك الوقت المبكر بات في الإمكان بنظر الكاتب اعتبار محمود درويش واحداً من رفاق سلاح غودار "فلئن كان مسار المبدعين ولا سيما منذ سنوات الستين شديد الذاتية وكل على طريقته فلقد كان ثمة في الوقت نفسه تشابه في المسار ناهيك عن كيمياء عرفت كيف تشتغل بينهما منذ تعارفا وجاهياً". ولا شك أن الدور الكبير، بالمعنيين المباشر والموارب – أي هنا من حيث التأثير – الذي لعبه درويش في فيلم "موسيقانا" يعود إلى ذلك التشابه. غير أنه يعود أيضاً وبصورة خاصة إلى ذلك الكتاب الذي أصدره الياس صنبر في الفرنسية وحقق حينها نجاحاً وانتشاراً كبيرين وسط الحياة الثقافية والسياسية الفرنسية وعنوانه "فلسطين، صور أرضها وشعبها منذ عام 1830 وحتى اليوم"، وهو كتاب اطلع عليه غودار منذ صدوره ليكتشف الكثير جداً من نقاط الالتقاء الفكري بينه وبين صنبر ولكن أيضاً بين الفلسطينيين والهنود الحمر الذين يلعب ذكرهم وذكر "إبادتهم" ومنافيهم الطويلة خارج ديارهم، دوراً مركزياً – ولو مختصراً – في الكتاب. دوراً كان كافياً لغودار كي يلتقط أطراف خيوط لمواضيع تدور من حول فلسطين ستحضر في سينماه مذاّك وصاعداً مصرحاً أمامنا لاحقاً في لقاء خلال إحدى دورات مهرجان كان حين التقيناه في رفقة ومبادرة من صديقنا الناقد المغربي الكبير الراحل نور الدين صايل ليقول مدمدماً كعادته أنه لو كان ذلك الكتاب بين يديه ولو كان يعرف الياس صنبر ومحمود درويش حين صور "ثورة حتى النصر" في عام 1970 في عمان الأردنية، لتبدل مصير الفيلم وربما مصير سينماه كلها. والظريف أن الكاتب التركي أورهان باموك الذي كان من نجوم ذلك اللقاء بادر إلى القول بما يعني: فلماذا لا نعود إلى الموضوع الآن؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دمدمة مثمرة

المهم أن تلك المحادثة انتهت بدمدمة من غودار لم نفهم منها كلمة. لكن ما لاحظناه بعد ذلك إنما كان ذلك الحضور المتكرر لفلسطين في بقية ما حققه من أفلام. ولكن أبداً كما في "موسيقانا" الذي ظل درويش يقول متفكهاً خلال المراحل التالية أنه كان الفيلم الذي حقق له وبشكل غير متوقع واحدة من أمنيات طفولته وهي أن يصبح نجماً سينمائياً "لكن المؤسف أن دوري لم يكن يتضمن لا قبلاً ولا إطلاق رصاص ولا أي شيء من هذا القبيل".

والحقيقة أن الدور الذي لعبه درويش في الفيلم لم يكن سوى دور... الشاعر محمود درويش نفسه معطوفاً كما اكتشف غودار في تلك الأثناء، على دوره الرمزي كضمير لفلسطين نفسها واجداً في أشعاره التي ترجمها صنبر نفسه وربما شرحها له خلال جلسات مشتركة مهدت لتصوير الفيلم، ذلك التماثل بين القضية الفلسطينية وقضية الهنود الحمر عبر مشاهد رائعة في الفيلم جمعت بين درويش ومناضلين هنود حمر حقيقيين كان غودار يعرفهم منذ زمن ويتابع قضيتهم ليجعل ذلك الفيلم الكبير نفسه نوعاً من التوليف بين أقانيم ثلاثة هي فلسطين أميركا والهنود الحمر ما أضفى على القضية الفلسطينية ولا سيما بالنسبة إلى جمهور غودار المتعاطف عادة مع فلسطين بشكل بديهي إنما غير معمق، أبعاداً جديدة بالغة الجدة والأهمية. ونعرف أن ذلك قد أفرح درويش بقدر ما أفرحه أن يقول مازحاً بدوره: لقد أردنا أن نجعل غودار فلسطينياً حقيقياً بالمعنى الحضاري والانتماء الإنساني، فإذا به يجعلنا نجوم سينما ولكن من دون قبلات أو حكايات غرام أو طلقات رصاص...".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة