Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حميدتي حي أم ميت؟ تعددت السرديات والنفي واحد

خروجه للملأ يخضع لتقديرات استخبارات "الدعم السريع" والدوائر الداخلية حرصاً على سلامته

تصاعد الجدل في شأن مصير حميدتي الذي بات يكتفي بتسجيلات صوتية ومصورة (غيتي)

ملخص

"لو كان حميدتي قتل كما قيل لكانت تفاصيل مقتله وصورته والسلاح الذي قتله أعلنت من قيادة الجيش السوداني ولم تترك للمنصات الإعلامية، ولكان ’الدعم السريع‘ اختار قائداً بديلاً، لكن في هذه الحرب العبثية يبدو أننا نشاهد مسرح اللا معقول واللا منطق".

لم يكن جنود "الدعم السريع" وحدهم هم الذين يردون على الأسئلة المشككة في حياة قائدهم محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فإضافة إلى قيادات الجيش السوداني التي تقف بين التصورين، كونه حياً أم ميتاً، يتهم أعضاء النظام السابق كطرف ثالث، يستمرئ هذه القصة ويستمر بتغذيتها في كل مناسبة محاولاً منع حسمها، إذ إنها على أقل تقدير تظل مادة خصبة صالحة لإلهاء تيارات عريضة من المجتمع السوداني داخل السودان وخارجه، نازحين ولاجئين عن النظر إليهم كفاعلين مؤثرين في سير الأحداث في ساحة الحرب وآثارها الوخيمة.

في كل مرة يظهر فيها حميدتي، يكون التشكيك في كون الأمر حقيقياً حاضراً أحياناً بسيناريوهات معدة مسبقاً، أو ردود ونقاشات معلبة تضج بها وسائل التواصل الاجتماعي. كثيرون لا يصدقون أن حميدتي "حي يرزق"، كما يحاول جنوده تأكيد ذلك، وآخرون لا يتمنون ذلك، لذلك تجدهم ينتهجون ويبرعون في النفي العكسي بكل السبل ويضخون مزيداً من المواد للمحافظة على حيوية القصة وفرص تطورها.

تجدد الروايات

في إحدى الهدن القصيرة التي اقترحتها الولايات المتحدة والسعودية خلال الأسبوع الأول من الحرب، أعلنت قوات "الدعم السريع" أن موقعها الإلكتروني تعرض لعملية اختراق، ونشر عليه نعي لقائدها حميدتي. واتهمت في بيان الجيش السوداني بعملية اختراق الموقع، زاعمة أن الأخير قام ببث أخبار رسائل غير أخلاقية، في إشارة إلى نعي حميدتي.

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بخبر مقتل حميدتي في غارة جوية، لكنه ظهر بالزي العسكري الخاص بـ"الدعم السريع" وهو يحمل بندقية، على عربة مسلحة رباعية الدفع، محاطاً بعدد من جنوده عند القصر الرئاسي الذي تسيطر عليه قواته منذ اليوم الأول للحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطوال الأشهر الأولى من الحرب، ظلت الوسائل مشغولة بتجدد الخبر ومحاولات إثباته من تيارات داعمة للجيش، ونفيه من أخرى مؤيدة لـ"الدعم السريع". وخلال تلك المدة أجرت معه بعض وسائل الإعلام مقابلات قبل أن يختفي مرة أخرى وتتجدد الروايات في شأن حياته.

تصاعد الجدل في شأن مصير حميدتي الذي بات يكتفي بتسجيلات صوتية ومصورة، بعد أن كان يحرص على الظهور المتكرر قبل الحرب، فأثناء الفترة التي قضاها في منصب نائب رئيس مجلس السيادة كان حضوره طاغياً على رئيس المجلس وقائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان. وإضافة إلى تحركاته الداخلية التي شملت معظم أقاليم السودان، في زيارات رسمية ولقاءات جماهيرية، كانت له جولات إقليمية ودولية، حتى تنبأ بعضهم بأنه يعد نفسه لدور الرئيس المقبل.

اتصالات متزامنة

أثار غياب حميدتي عن ساحة المعركة وهو الأحرص من البرهان على وجوده وسط جنوده الشكوك، إذ لم يظهر بصورة مباشرة على وسائل الإعلام منذ فترة طويلة، فقفز إلى الأذهان التساؤل: هل ذلك نتيجة لإجراءات أمنية أم ظروف أخرى مثل الإصابة والمرض، هذا إذا استبعدت فرضية الموت.

استعاض إعلام "الدعم السريع" عن الحضور الفعلي بالتسجيلات المصورة والمسموعة، مثل كلمته المسجلة الموجهة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الـ21 من سبتمبر (أيلول) الماضي، التي قال فيها إن "الحرب أشعلها النظام السابق الذي انتفض ضده الشعب". وكانت كلمته المصورة في الـ28 من يوليو (تموز) 2023، هي بداية التشكيك في أن الفيديوهات والرسائل الصوتية، قد تكون تمت معالجتها فنياً أو باستخدام الذكاء الاصطناعي، ثم تواصل التشكيك عندما بث إعلام القوات تسجيلاً آخر في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. كما بثت مواقع تابعة لـ"الدعم السريع" ومنها موقع حميدتي أكثر من مرة فيديوهات اتضح أنها تحتوي على معلومات قديمة، مثل فيديو تخريج الدفعة التاسعة من قوات "الدعم السريع" بمدينة الفاشر بدارفور في يوليو 2021، مما اضطر المواقع إلى حذفها بعد مهاجمتها، إضافة إلى بعض التسجيلات لحميدتي مصحوبة بترجمة وصورة ثابتة له مما زاد من الشك.

ثم بدأ الانتباه إلى الاتصالات الثنائية المتزامنة التي كان يجريها مسؤولون غربيون وإقليميون مع البرهان وحميدتي، فمثلاً عندما سئل المبعوث الأممي السابق للسودان فولكر بيرتيس عن هل لديه معلومات عن حميدتي، أجاب بالنفي. كما تعلل مسؤولون كثر بأنهم لم يستطيعوا التوصل إلى حميدتي.

وأخيراً أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالاً مع البرهان لحثه على المشاركة في مفاوضات جنيف، من دون أن يعلن أنه أجرى محادثة مع حميدتي.

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أعدت "إيغاد" ترتيباً للقاء قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان في جيبوتي، لكن قائد "الدعم السريع" اعتذر عن اللقاء، وظهر فجأة في العاصمة الأوغندية كمبالا في لقاء مع الرئيس الأوغندي يوري موسفيني.

عملية معقدة

ناشطون كشفوا عن معلومات حول مقتل حميدتي وأكدوا على وسائل التواصل الاجتماعي أنهم تلقوا معلومات من طبيب كان ضمن 13 اختصاصياً قاموا بإجراء جراحة معقدة لقائد "الدعم السريع" بمستشفى "شرق النيل" بعد إصابة بالغة تعرض لها. وأوضحوا أن حميدتي أصيب في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، وتواصل الرواية المتداولة على نطاق واسع أنه في بداية الأمر استدعي الطبيب المعروف سليمان صالح فضيل لعلاج حميدتي في مستشفى الفؤاد بحي الصحافة جنوب الخرطوم ثم نقل سريعاً إلى مستشفى "شرق النيل" بعيداً من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة وأعين الجيش.

ويستمر السرد بأن الأطباء أجمعوا على استحالة نجاح العملية التي كان من المقرر إجراؤها لحميدتي، فقرروا بتر رجله بعد فشل محاولة نقله إلى ألمانيا. وقالوا إن قائد "الدعم السريع" توفي في الـ17 من أبريل، لكنه ظل داخل ثلاجة الموتى بالمستشفى لمدة سبعة أيام، ليدفن بعدها داخل مزرعة رجل الأعمال عصام الشيخ التي تقع شرق النيل أيضاً.

 

وهناك رواية أخرى روجت أن حميدتي قتل بعد الضربة التي استهدفت موكبه مباشرة، لكن خرج به بعض جنوده ليدفن مع سيارته ومتعلقاته في الصحراء، وهناك رواية ثالثة تدعي أن حميدتي أصيب بالفعل ويتلقى العلاج بإحدى دول الجوار.

وفي تلك الظروف التي لم تتوفر فيها كثير من التفاصيل المترابطة، سوى روايات كل منها منفصلة عن بعضها، ظهر رجل أعمال سوداني - هولندي يدعى يسلم الطيب، بقصة أخرى رواها لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني ذكر فيها أنه تعرض للاحتجاز من قوات "الدعم السريع" في الـ22 من أبريل 2023، الذي صادف أول أيام عيد الفطر. وقبل أن يفك أسره وينقل مع الجالية البريطانية التي أجليت من السودان، قال إنه تحدث إلى طبيب كان يعمل في مستشفى "شرق النيل"، وأخبره بأن قوات "الدعم السريع" أغلقت الطوابق العليا من المستشفى ونقلت أفضل الجراحين والأطباء في الخرطوم إلى هناك لإجراء جراحة عاجلة لقائد كبير، ويضيف أنه علم من أحد الضباط بعد ذلك أن "القائد" المعني هو حميدتي.

ثغرة فنية

 من ضمن من روجوا وقتها لمقتل حميدتي من معسكر الجيش كان عضو المجلس العسكري السابق الفريق أول طيار صلاح عبدالخالق عندما أشار إلى أن الأخبار المتداولة عن وفاة حميدتي يوم الـ17 من أبريل صحيحة، وأضاف "أدركت هذه النهاية لحميدتي منذ ساعات الحرب الأولى، عندما سمعت صوت طلق ناري فاتصلت باللواء طيار حسين محمد عثمان الذي كان يسكن حي المطار، وعلى رغم أنه لم يكن يعلم شيئاً لكن تصورت سيناريو الحرب وتبعاتها". كما أن سفير السودان لدى ليبيا إبراهيم محمد أحمد ذكر في لقاء تلفزيوني ومن دون سرد التفاصيل أن حميدتي قتل، وأن من ظهر بعد ذلك شبيه له.

وقال رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل في إطار تأكيده على مقتل حميدتي، أن "حميدتي لم يعلن أي اجتماع خلال الأشهر الماضية، ولم يلتق بأي مسؤول غربي أو عربي أو أفريقي، وأن كل ما يقال عن ظهوره مجرد تسجيلات ذكاء اصطناعي، كما أن هناك ثغرة فنية تتعلق بادعاء التحدث معه هاتفياً من أشخاص لا يتحدثون العربية، وهو لا يتحدث الإنجليزية، وكذلك المكالمات المبثوثة صوتية وليست فيديو بالصورة".

نسج خيال

في الاتجاه الآخر كان مستشارو حميدتي ينفون كل هذه الروايات مؤكدين أنه في قلب العمليات العسكرية التي يديرها بنفسه، وقال مستشار قائد "الدعم السريع" عمران عبدالله "أظهر إعلام المؤتمر الوطني أن حميدتي قتل منذ الأيام الأولى للحرب، لكنه ظهر بعدها وسط جنوده". وعلل ذلك بأن قواته تتقدم في الحرب واستطاعت السيطرة على مدن ومناطق عدة بعد طرد القوات المسلحة منها، وتساءل: "كيف يكون كل ذلك إن لم يكن موجوداً، ومن يقود الحرب الآن؟".

وأوضح عبدالله أن "حميدتي لا يحب الظهور في وسائل الإعلام والحديث عما يفعله، وإنما يهتم بالنتائج فقط"، وأضاف "خروج حميدتي للملأ يخضع لتقديرات استخبارات ’الدعم السريع‘ والدوائر الداخلية حرصاً على سلامته، وبعض اللقطات التي يصورها أفراد من ’الدعم السريع‘ تصور وتنشر خلسة من دون استشارة الطاقم الإعلامي".

 

أما علي رزق الله من إعلام "الدعم السريع" فذكر أن "حميدتي ظهر في جولات خارجية كثيرة، مما يدل بما لا يدع مجالاً للشك بأنه في تمام صحته وعافيته"، وأورد أن "كل ما يقال عكس ذلك فهو من نسج خيال الإخوان، وهم معروفون بالكذب والتلفيق منذ أن ابتلي بهم الشعب السوداني". وأكد أن "حميدتي الآن في ساحة الحرب يقود معارك تحرير البلاد من فلول النظام السابق، أما ما يتعلق بجولاته الخارجية فإن القرار في ظهوره يعتمد على مجريات الأحداث، ومدى ضرورة ذلك كما يرتبط بتقديرات أمنية معقدة".

حرب نفسية

بعض العسكريين استبعدوا مقتل حميدتي نسبة إلى تقدم القوات على الأرض، ونسبة إلى أن طريقة القتال على رغم فظاعتها لم تظهر روحاً انتقامية لمقتله، وهي عقيدة قتالية معروفة لدى بعض القبائل السودانية خصوصاً في دارفور.

من جهته قال عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي السوداني كمال كرار "الجدل البيزنطي حول حميدتي حياً أم ميتاً هو معركة في غير معترك، وهو يمثل حرباً نفسية تمارس من طرفي الصراع لتحقيق انتصارات وهمية".

وأكد كرار "حميدتي موجود وفي خضم المعارك المستمرة يختفي أحياناً كشأن كل القادة لأسباب منطقية ولتأمين حياتهم وإخفاء تحركاتهم، ومن أطلقوا إشاعة مقتله وصدقوها وأرادوا من الآخرين تصديقها يواصلون في الكذبة ذاتها حتى بعد سفره وظهوره بمعية بعض الرؤساء الأفارقة، ومقابلته لهم، فباتوا يتحدثون عن رجل آلي وروبوت وغير ذلك من الأكاذيب".

وأفاد عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي بأنه "لو كان حميدتي قتل كما قيل لكانت تفاصيل مقتله وصورته والسلاح الذي قتله أعلنت من قيادة الجيش السوداني ولم تترك للمنصات الإعلامية، ولكان ’الدعم السريع‘ اختار قائداً بديلاً، لكن في هذه الحرب العبثية يبدو أننا نشاهد مسرح اللا معقول واللا منطق".

 وواصل "هذه الادعاءات مقصودة لخلق معارك انصرافية تشغل الرأي العام عن حقيقة سير المعارك على الأرض، ومن المهزوم ومن المنتصر وهكذا".

المزيد من تقارير