Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما فرص نجاح إثيوبيا في حل الأزمة السودانية؟

يعاود آبي أحمد محاولة التوسط لإقناع الجنرالين بالعودة إلى المفاوضات لإنهاء الحرب في فرصة ربما تكون الأخيرة

مساعي آبي أحمد لوقف الحرب في السودان ناتجة من تخوفه من تمدد تأثيراتها وإمكانية تشابكها مع القضايا التي يحاول حلها (وكالة السودان للأنباء- سونا)

 

ملخص

مبادرة آبي أحمد تسعى إلى ترسيخ فكرة إثيوبيا بوصفها مركزاً سياسياً متميزاً يوحد البلدان المجاورة، وتوفر أيضاً فرصة لضمان نشوء منطقة أمنية حولها

تحكم ظروف محددة طبيعة العلاقات بين السودان وإثيوبيا إذ ترتفع وتيرتها في ظل الصراعات التي يمر بها البلدان، لا سيما خلال الحرب السودانية التي اندلعت منذ أبريل (نيسان) العام الماضي، ومر الموقف الإثيوبي بتموجات عدة تحكمها ظروف داخلية وإقليمية ودولية.

بات سعي رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى اعتماد نهج الوساطة في الحرب السودانية ذا أولوية، وعموماً لا يكاد يمر عام من دون أن تلتقي الوفود السودانية في أروقة أديس أبابا، إما للتفاوض في النزاعات الأهلية ابتداء من حرب جنوب السودان ثم دارفور، أو لعقد المفاوضات السياسية الأخرى، ومنها توسط آبي أحمد بين المدنيين والعسكريين بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير. وفي زيارته إلى بورتسودان العاصمة الموقتة خلال فترة الحرب يعاود آبي أحمد المحاولة بتقديم مقترحات حلول للأزمة، والتوسط بين قائدي الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان وقائد قوات "الدعم السريع" الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فيما يعتقد أنها محاولة يساندها المجتمع الدولي لإقناع الجنرالين بالعودة إلى المفاوضات لإنهاء الحرب، في فرصة للتفاوض ربما تكون الأخيرة قبل اتخاذ أي إجراءات أخرى.

إزالة التعقيدات

كانت آخر زيارة لآبي أحمد إلى السودان قبل اندلاع الحرب في يناير (كانون الثاني) 2023، لمناقشة قضيتين هما سد النهضة والنزاع الحدودي في منطقة الفشقة. وعندما سئل عن مدى استعداده للتوسط بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة السياسية، لا سيما أن الخلاف حول الاتفاق الإطاري كان بانتظار التوقيع النهائي عليه وسط خلافات عنيفة داخل كل مكون وبين المكونين معاً، فكان رده بأن "السودانيين قادرون على التفاوض من أجل الخروج من المأزق من دون مساعدة خارجية". وبعد اندلاع الحرب بأسابيع قليلة، أرسل البرهان مبعوثه الخاص وكيل وزارة الخارجية دفع الله الحاج إلى لقاء آبي أحمد ورئيس الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا لمناقشة الأزمة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023 زار حميدتي إثيوبيا قادماً إليها من أوغندا، وذكر أنه ناقش الحاجة إلى نهاية سريعة للحرب.

هذه الزيارة أزالت بعض التعقيدات التي أحاطت بالعلاقة بين البلدين خلال العام الماضي، وتعد أول زيارة لرئيس الوزراء الإثيوبي بعد الحرب، بل هو أول زعيم يزور مقر الحكم في بورتسودان. وبوصفه ممثلاً للجنة الاتحاد الأفريقي الرئاسية الخماسية التي يترأسها الرئيس الأوغندي يوري موسفيني وعضوية رؤساء من أقاليم أفريقيا الخمسة. أبلغ آبي أحمد البرهان بأهمية عقد لقاء مع حميدتي، وهو ما تسعى الآلية الأفريقية لعقده في العاصمة الأوغندية كمبالا.

مركز العلاقات

في إقليم تحدده التفاعلات المضطربة، فإن إثيوبيا الناشئة بوصفها نموذجاً أفريقياً للديمقراطية والساعية للازدهار الاقتصادي تنظر أيضاً إلى دور تمارسه في أعماق الفضاء الإقليمي خصوصاً في ظل الحاجة الملحة للسلام في مجالها الحيوي. ظلت أديس أبابا مركزاً حاسماً للعلاقات الإقليمية، ففيها مقر الاتحاد الأفريقي وقبله منظمة الوحدة الأفريقية منذ عام 1963. والقادة من مختلف دول الإقليم والمنظمات الإقليمية يجتمعون لمناقشة أزمات بلادهم هناك، وإقامة اتفاقات جديدة وتعزيز العلاقات. إن هذه المبادرة تعمل على ترسيخ فكرة إثيوبيا بوصفها مركزاً سياسياً متميزاً، يوحد البلدان المجاورة كما توفر فرصة لضمان نشوء منطقة أمنية حولها. وإضافة إلى هذه النظرة الكلية، فإن مساعي آبي إلى وقف الحرب في السودان ناتجة من تخوفه من تمدد تأثير الحرب وإمكانية تشابكها مع القضايا الحرجة التي يحاول حلها، وما يمكن أن تؤدي إليه من تدفق اللاجئين السودانيين وعودة اللاجئين الإثيوبيين الذين فروا من حرب تيغراي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صراعات إثنية

يواجه رئيس الوزراء الإثيوبي صراعات إثنية معقدة، فعلى رغم أن القتال في إقليم تيغراي توقف باتفاق السلام الذي وقعته حكومته و"جبهة تحرير شعب تيغراي" في بريتوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، ووافقت بموجبه على نزع سلاحها وإعادة سلطة الحكومة الفيدرالية في المنطقة، مقابل استئناف القدرة على الوصول إلى الإقليم الذي عُزل عن العالم خلال الحرب التي استمرت عامين، فإن الاتفاق لم يطبق بصورة كاملة ولا يزال سكان الإقليم يطالبون بالحقوق الأساسية.

يخشى آبي أيضاً أن تلوذ قوات "فانو" في إقليم أمهرة بالفرار إلى داخل السودان وقد كانت تقاتل إلى جانب الحكومة الفيدرالية ضد "جبهة تحرير تيغراي"، ثم وقع خلاف بينها وبين الحكومة أدى إلى اشتعال القتال، احتجاجاً على تنفيذ اتفاق "سلام تيغراي" مع الحكومة الإثيوبية الذي نص على نزع السلاح والتسريح، وأن تكون للبلاد قوة دفاع وطنية واحدة. واتخذت "فانو" من معقلها قرب الحدود السودانية، قاعدة لتنفيذ هجماتها، ويمكنها من ولاية القضارف شرق السودان، تنفيذ مزيد من الهجمات مستفيدة من حالة انعدام الأمن وإمكانية انتشار السلاح. وبوصول قوات "الدعم السريع" إلى مدينة سنار، حيث أصبحت أيضاً على مشارف القضارف، فإن ذلك يهدد بالتحام القوتين وتكوين تحالف عسكري.

 يواجه آبي كذلك اندلاع التمرد في منطقة أوروميا التي تقطنها إثنية أورومو أكبر إثنية في إثيوبيا، إذ تقاتل جماعة "جيش تحرير الأورومو" القوات الحكومية في جنوب ووسط إثيوبيا، بينما تدير عمليات اختطاف واسعة للحصول على فدية. كما نشأت دعوات الحكم الذاتي وسط مجموعات إثنية أخرى منها مجموعة سيديما في جنوب غربي إثيوبيا.

خلاف السد

على رغم أن حدة التصعيد في ما يتعلق بسد النهضة قد خفتت لهجتها لانشغال الدول الثلاث إثيوبيا والسودان ومصر بمشكلاتها الداخلية، فإن الخلاف بين كل من السودان ومصر من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى في شأن ملء وتشغيل السد لا يزال قائماً. ومن شأن توسع الحرب إلى جنوب النيل الأزرق، إذ تهدد قوات "الدعم السريع" بدخول عاصمة الولاية الدمازين، أن يؤثر في سير العمل في السد الذي يبعد نحو 40 كيلومتراً فقط من الحدود السودانية.

ومن القضايا المؤهلة للاشتعال النزاع حول منطقة الفشقة الزراعية الخصبة في القضارف، الذي تجدد عام 2021 بعمليات نفذتها ميليشيات "الشفتة" التابعة لإثنية "الأمهرة" ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا. تستفيد أمهرة من هذه المنطقة وفق اتفاق وقعته حكومتا البلدين عام 2007، وتزرعها الجماعة منذ عقود ولكنها بعد حرب تيغراي واعتماد آبي عليها في مواجهة الجبهة حاولت إخلاء المنطقة من المزارعين السودانيين. ومثلما استخدمت الخرطوم قضية سد النهضة للضغط على آبي في شأن الفشقة، يمكن أن يستمر التهديد الناشئ من السودان بفعل تمدد الحرب السودانية، ويتفاقم في حال انهيار اتفاق السلام الذي وقعه مع "جبهة تيغراي".

منفذ بحري

وقعت إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال اتفاقاً في شأن إيجاد منفذ بحري يخلصها من عقدة البلاد الحبيسة، وسط معارضة الصومال التي لمحت أخيراً لإبداء بعض التنازلات المشروطة، ومعارضة مصر وإريتريا. لم يبد السودان موقفاً صريحاً في هذا الشأن ولكن إن استطاعت الدول الرافضة التأثير عليه وسحبه من دائرة الحياد، فستكون إثيوبيا أمام مجموعة معارضين لوجودها البحري في الإقليم، إضافة إلى جيبوتي التي ستتأثر بذلك، لا سيما أن إثيوبيا تستأجر منها ميناء على البحر الأحمر.

وفي هذا الإطار، فسرت زيارة آبي أحمد للسودان بعد يوم من وصول الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى إريتريا في ثالث زيارة له إلى أسمرا خلال الأشهر الستة الأخيرة، بأن تحركات إقليمية كبرى في هذا الاتجاه يمكن أن تصاغ على وقع هواجس عدم الاستقرار وواقع الهشاشة في كل من الصومال بفعل النزاع مع "حركة الشباب"، وإثيوبيا الخارجة لتوها من صراع مع "جبهة تيغراي"، وحرب السودان بين الجيش و"الدعم السريع".

فرص النجاح

نظراً لقوة الدوافع المحركة لآبي أحمد باتجاه إيجاد حل للأزمة السودانية، فإن فرص نجاحه في الوساطة بين طرفي النزاع في السودان أكبر من فشله، حتى ولو جاءت المبادرة في مستوى تحريك العلاقات بين البلدين من مرحلة الخصومة إلى الإيجابية. يحرص آبي على أن تكون المبادرة إثيوبية خالصة باعتبار مكانة بلده في منطقة القرن الأفريقي، للاضطلاع بدور إقليمي أكثر هيمنة وتعزيز السلام والتعاون في المنطقة، إضافة إلى أن حكومته الفيدرالية، على رغم النزاع العسكري والإثني لا تزال قوية وتفرض سيطرتها على القطر الشاسع.

هناك احتمال آخر بأن يدمج رئيس الوزراء الإثيوبي مبادرته مع إحدى المبادرات الأخرى، إذا ضمن تلبية الأهداف التي سرعت تحركه وزيارته الأخيرة. كما أن آبي البارع في استخدام مزيج من الاستراتيجيات سيبتعد من التدخل المباشر في الصراع السوداني، ودعم أحد طرفي النزاع دعماً مفتوحاً، ما من شأنه أن يثير غضب واشنطن وحلفائها، في وقت يسعى فيه إلى التفاوض على تخفيف الديون والحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير