Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفلام مصرية تجاوزت خطوط "التابوهات الدينية" الحمراء

آخرها "الملحد" وقبله جسد نور الشريف 3 شخصيات جدلية في علاقتها بالإيمان في "الإخوة الأعداء" و"لقاء هناك" و"الرقص مع الشيطان"

مشهد من فيلم الملحد (مواقع التواصل)

ملخص

أمام الهجوم الشديد دافع بعض صناع الفيلم عنه وقالوا إن "العمل لا يروج للإلحاد بالعكس فهم اسمه بصورة خاطئة، وهو يدق ناقوس الخطر لكارثة موجودة ويجب التوعية بها وعدم الخوف من طرحها، وتشجيع أي عمل ينبه وينذر بوجود الملحدين في المجتمع".

على عكس تيار الحرية في الإبداع والتعبير، فوجئ الوسط الفني في مصر بهجوم على فيلم "الملحد" الذي كان من المقرر عرضه الـ14 من أغسطس (آب) الجاري، وصل إلى حد إقامة دعاوى قضائية تتهمه بالترويج للإلحاد، على رغم أن الفيلم حاصل على التصريح الرقابي والإجازة من المصنفات الفنية منذ عام تقريباً.

ويواجه الفيلم حرباً عاتية من جهات متعددة لدرجة تأجيل عرضه أسبوعين في الأقل، وقال منتجه إن السبب إعادة عمليات فنية للشريط السينمائي مثل المكساج والمونتاج، وهذا التصريح لم يصدقه الجميع بخاصة أن مخرج الفيلم محمد العدل كتب بصورة مباشرة عبر صفحاته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي عبارة واضحة وهي "المنع ليس حلاً".

وعلى رغم ما يثار حالياً من عواصف تدفع إلى تراجع فكرة حرية التناول الفكري تحديداً في ما يخص بعض الأفكار الدينية، فإن السينما المصرية منذ نحو 50 عاماً تناولت قضية الإلحاد وفكرة الإيمان ورحلته وما يمر بها أحياناً من تشكيك أو مراحل تأمل.

عواصف ضارية

قد ينضم فيلم "الملحد" المرتقب للمخرج محمد العدل والكاتب إبراهيم عيسى إلى قائمة الأفلام التي تناولت أفكاراً دينية خارج الإطار التقليدي، وكان فيلم "مولانا" للمؤلف نفسه من الأفلام التي تعرضت لشخصية الملحد في شخصية الممثل أحمد مجدي الذي لم يكن يعتقد في فكرة الأديان، وحاول عمرو سعد الذي قام بدور الشيخ المستنير أن يفتح أمامه آفاقاً جديدة ليستدل بنفسه على وجود الدين.

وفي فيلم "صاحب المقام" تم تناول شخصية تسخر من الأعمال الدينية وتعد التقرب من الصالحين مجالاً للعبث.

في عام 2014 عرض فيلم يحمل أيضاً اسم "الملحد" ودارت أحداثه استناداً إلى قصة حقيقية، حول ابن لأحد الدعاة المشهورين، الذي اتجه نحو اﻹلحاد، مما أثار حفيظة أسرته والمقربين منه نظراً إلى الخلفية الدينية التي تربي عليها، كما تطرق الفيلم إلى المدى الذي وصل إليه انتشار اﻹلحاد في مصر.

وعرض الفيلم بعد إجازة الرقابة على المصنفات الفنية من دون حذف أي مشاهد، وعند الهجوم على السماح بعرضه قالت الرقابة حينها إن "فيلم الملحد لا يسيء إلى الأديان ولا يدعو إلى الإلحاد، ولذا تمت الموافقة على عرضه لكن تحت لافتة (للكبار فقط)".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما حصل الفيلم على موافقة الأزهر الشريف، حيث شاهدته لجنة وسمحت بطرحه بشرط إجراء تعديلات على النص، وبعدها أجازته هيئة الرقابة.

والفيلم تأليف وإخراج نادر سيف الدين وبطولة صبري عبدالمنعم وحسن عيد وليلى عز العرب. وقد هوجم بشدة وفشل في دور العرض السينمائي وحقق إيرادات هزيلة جداً.

ومن أكثر العبارات التي أثارت الغضب على لسان أحد أبطال الفيلم جملة قال فيها "أنا ملحد، النظام الإلهي لا يوجد به أي نوع من أنواع الصدقية ولا العدل ولا الرحمة، أين الإله الذي يتحدثون عنه؟". وتلك العبارة صنفها البعض على أنها "كارثة بكل المقاييس ودعوة إلى نشر الأفكار الإلحادية".

وأمام الهجوم الشديد دافع بعض صناع الفيلم عنه وقالوا إن "العمل لا يروج للإلحاد بالعكس فهم اسمه بصورة خاطئة، وهو يدق ناقوس الخطر لكارثة موجودة ويجب التوعية بها وعدم الخوف من طرحها، وتشجيع أي عمل ينبه وينذر بوجود الملحدين في المجتمع". وقال مخرج الفيلم إن الهدف هو إلقاء الضوء على الشباب الذين يتجهون إلى الإلحاد وليس لديهم فكر وحجة واضحة للدفاع عن دينهم، ومن ثم يسهل اقتناعهم بأفكار الملحدين.

الشحات

بدأت فكرة التطرق إلى موضوعات متعلقة بالتابوهات الدينية بخاصة الإلحاد منذ عام 1973 وطرحها الكاتب الكبير نجيب محفوظ في فيلم بعنوان "الشحات"، وهو مأخوذ عن رواية له بالاسم نفسه صدرت عام 1965، وأنتج العمل عام 1973، وكان الهدف وقتها من التناول أن تظهر الشخصية الملحدة في حالة تخبط ومعاناة حتى تصل إلى الإيمان والهداية، ودارت الأحداث حول شخصية محام يدعى "عمر الحمزاوي" وهو من عائلة ثرية ويبحث عن معنى لحياته، ويبدأ رحلة الشك حيث يساوره قلق وجودي حول مغزى الحياة البشرية وسر الكون والإيمان بالله، ويزداد التخبط لدرجة تجعله يتمادى في الملذات الجسدية.

ومن المشاهد المهمة في الفيلم عندما تحدث الحمزاوي مع أحد الأشخاص وسأله "هل تؤمن بالله أم لا؟" وعندما يصل حمزاوي لذروة التخبط يلجأ إلى العزلة والتصوف فيهتدي للطمأنينة والإيمان مجدداً، والفيلم لعب بطولته محمود مرسي ومريم فخر الدين ونيللي وأحمد مظهر، ومن إخراج حسام الدين مصطفى.

الإخوة الأعداء

الفنان نور الشريف كان من أكثر النجوم الذين جسدوا شخصيات خارج المألوف في الناحية الدينية، وأدى ثلاث شخصيات نالت كثيراً من الجدل والهجوم، وكان أولها دوره في فيلم "الإخوة الأعداء" عام 1974، عن رواية ديستوفسكى "الإخوة كرامازوف"، وأعدها للسينما المصرية وكتب السيناريو والحوار لها رفيق الصبان ونبيهة لطفي، وشارك في البطولة يحيى شاهين وحسين فهمي ومحيى إسماعيل ونادية لطفي وميرفت أمين، وقدم نور دور شوقي الشاب الملحد الذي ينكر وجود الله، ليدخل في صراع مع العائلة حتى يصل إلى يقين بأن الله موجود.

وعرض في عام 1976 عن قصة للكاتب ثروت أباظة فيلم بعنوان "لقاء هناك"، من إخراج أحمد ضياء الدين، وجسد بطولته نور الشريف أيضاً وزبيدة ثروت وسهير رمزي ومحمد السبع وفتحية شاهين وأحمد الجزايرلي وزوزو شكيب، وتناول فكرة الوقوع في الإلحاد بسبب التشدد الديني من الأسرة، وبطل الفيلم الذي جسده نور الشريف يدعى "عباس" ينتمي لعائلة متشددة دينياً لدرجة أن والده فرض عليه كل شيء بصورة إجبارية، وأكرهه على ممارسة العبادة بصرامة جعلته يشعر بضغط نفسي كبير.

 

ويتعرض عباس لأزمة نفسية تضعه في مهب الريح فيعذبه صراعه بين أفكاره والرغبة في التحرر من قيود الأديان وتشدد والده، وإرغامه على إقامة الشعائر الدينية، وتتصاعد الأحداث عندما يفقد عباس الإيمان ويريد أن يصل إليه بقلبه وعقله وليس بالتشدد، ويصل إلى هدفه في النهاية عندما تتعرض حياة زوجته ليلى للخطر فيشعر عباس بالإيمان ويعود إلى الله باختياره الحر وليس بفرض وإكراه من الآخرين.

وفي فيلم "الرقص مع الشيطان" قدم نور الشريف في عام 1993 شخصية خارجة عن المعتقدات الدينية بصورة مختلفة، والعمل من إخراج وإنتاج علاء محجوب، وتأليف محمد خليل الزهار، ومن بطولة مديحة يسري وصباح السالم وعزيزة حلمي، ويحكي عن أستاذ جامعي يدعى الدكتور واصل لا يؤمن إلا بالمادة والعلم التجريبي، ويعود واصل من بعثة دراسية من إحدى الدول الكبرى وهي الاتحاد السوفياتي، ويحاول أن يعلي من شأن العلم على حساب المعتقدات الدينية، ويتعمد السخرية من بعض الأمور التي لا تعتمد على العلم والأدلة، وفي إحدى الجمل الحوارية بالفيلم يعارض حبيبته التي تؤكد أهمية الإيمان في الحياة لأن هناك أموراً لا يمكن التحكم فيها بالعلم مثل الموت والرزق وهي متعلقة فقط بإرادة الله، فيرد واصل على حديثها بقوله "العلم سيسيطر على كل شيء ونحن أصحاب الإرادة".

جدل منطقي

وفي تصريحات لـ"اندبندنت عربية" قال الناقد طارق الشناوي إن "الأعمال التي تقترب من التابو الديني وتحاول تقديم وجهة نظر طرف آخر حتى لو بهدف الوصول إلى الإيمان بالعقل والمنطق، ووجود نهاية منطقية ومرضية لكل الناس بما فيهم التيارات الدينية لا تستحوذ إلا على الهجوم حتى قبل مشاهدتها، وهذا مصير محتوم وغير مفاجئ بالنسبة إلينا جميعاً، ونرى ما يحدث لفيلم الملحد الذي لم يعرض بعد، إذ علقت المشانق لكل من سيحاول مشاهدته، وجاء الحكم المسبق لمجرد أن العمل يناقش قضية واقعية ويحاول فهم أسبابها، لكن المتربصين لا تعنيهم المناقشة بل الأهم هو المنع والوأد قبل المشاهدة".

 

وتابع الشناوي "لا بد أن يكون هناك متنفس فكري يحدث جدلاً منطقياً وهذا في صالح المعتقدات والأديان لأن هذا النقاش يفند بحكمة ومنطق كيفية الوصول إلى الإيمان بالمعتقدات الدينية بكل اقتناع، لكن بكل أسف أي فيلم يحاول طرح أي فكرة متعلقة بالأديان يحارب من قبل تصويره، وتقابله عاصفة رهيبة من الهجوم لمحاولة المنع حتى قبل المشاهدة، ولو فكر المهاجمون قليلاً سيدركون أنه من المهم وجود هذه النوعية، لكن الهجوم يكون على سبيل الاحتياط".

وكشف الشناوي عن أنه من المستحيل أن توافق الرقابة على أعمال تروج للإلحاد أو تشكك في الأديان، لكن يتم التعرض للقصة بصورة درامية واتجاهات مختلفة لاستخلاص حكمة أو رسالة في صالح الدين وليس العكس. وشدد على أنه "طبقاً للمعايير الرقابية المتعارف عليها يتم حذف أي مشهد يحرض أو يحمل شبهة الترويج لأي شيء مخالف للدين".

واختتم بأن "قضية الإلحاد موجودة ومعروفة، ومن حق الفن أن يتناول كل قضايا وشرائح المجتمع وتقديم ذلك بصورة محايدة من دون تبن للقضية أو دفاع أو ترويج".

قنبلة موقوتة

وأشار الناقد أحمد سعد إلى أن "القضايا الدينية سواء المسيحية أو الإسلامية وكل ما يتعلق بالمعتقدات الدينية والثوابت منطقة شائكة، وأي اقتراب منها بمثابة قنبلة ضخمة تنتظر كل من يحاول الفهم أو التطرق أو الشرح، وهذا رد فعل تجاه الفكرة نفسها سواء تم التعرض لها من طريق عمل فني أو روائي، وحتى في الأعمال الأجنبية هناك أفلام منعت من العرض بدول أوروبية لتجسيدها شخصيات أنبياء أو لاقترابها من الأديان بطريقة لا تروق لبعض المشاهدين، لكن يجب أن يستمر الفن في التخلص من المخاوف لعرض القضايا الحقيقية بصورة إبداعية بدلاً من الرسائل المباشرة والموجهة التي يعدها البعض نوعاً من التشدد".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون