ملخص
مع انتقال يونس من كونه متخصصاً في التنمية إلى رجل دولة، فإن أي تعثر قد يسبب مشكلات كبيرة للبلاد التي تمزقها الصراعات.
بعد عام من فوزه بجائزة نوبل للسلام لإبداعه في تقديم القروض الصغيرة للفقراء في العالم، أعلن البنغالي محمد يونس خططاً لتأسيس حزبه السياسي الخاص. وكان من المقرر أن يسمى الحزب "حزب قوة المواطن"، وكان من المفترض أن يشكل سكان القرى في بنغلاديش قاعدته الأساسية.
وقال يونس للصحافيين في 2007 "لا أستطيع الابتعاد عن السياسة أكثر من ذلك أنا مصمم".
إعلان يونس من المطار في دكا أثار دهشة أصدقائه وزملائه، بما في ذلك عدد من الذين أرادوا أن يدخل السياسة، وعندما ضغطوا عليه في شأن خططه، بدا أنه لم يفكر بصورة جدية في تفاصيل تأسيس الحزب، قبل
أن يتخلى عن فكرته السياسية بعد بضعة أشهر.
الآن، يتولى يونس البالغ من العمر 84 سنة إدارة بنغلاديش، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 170 مليون نسمة، بعدما هزت الاحتجاجات الطلابية البلاد وأجبرت رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة على الاستقالة المفاجئة.
ومع انتقال يونس من كونه متخصصاً في التنمية إلى رجل دولة، فإن أي تعثر قد يسبب مشكلات كبيرة للبلاد التي تمزقها الصراعات.
ويقول أصدقاء وزملاء يونس إن رائد التمويل المتناهي الصغر رجل مبادئ مهووس بالقضاء على الفقر في العالم، لكنه أحياناً أظهر سذاجة عميقة تجاه السياسة.
وقال محرر في صحيفة "ديلي ستار" البنغالية وصديق يونس لفترة طويلة محفوظ أنام، "لقد كرس حياته لمساعدة الفقراء، وهو غير معتاد تماماً على عالم السياسة، خصوصاً في بلاده التي تملؤها الفخاخ والرمال المتحركة."
ويقول المحللون السياسيون إنه سيواجه مطالب متنافسة من الطلاب الذين يريدون تغييرات دستورية لإصلاح الديمقراطية في بنغلاديش بعد حكم حسينة الاستبدادي، في حين ستضغط الأحزاب السياسية لإجراء انتخابات سريعة بعدما تم إبعادها عن السلطة.
وبموجب الدستور، يجب إجراء انتخابات جديدة في غضون 90 يوماً من حل البرلمان.
ويخشى بعض حدوث انقلاب عسكري إذا لم يتمكن يونس من إعادة القانون والنظام إلى الشوارع وتشغيل حكومة فعالة.
وتولى الحائز على جائزة نوبل السلطة بعدما سحب الجيش دعمه من حسينة وقبل اقتراحاً من المتظاهرين بوضع يونس في القيادة.
وقد أقر يونس بالأخطار التي تواجهه وقال إنه سيتبع توجيهات الحركة الاحتجاجية، التي أودت بحياة مئات الأشخاص منذ أن بدأت التظاهرات الطلابية في يوليو(تموز) الماضي، احتجاجاً على فرص الحصول على وظائف حكومية، قبل أن تتصاعد إلى انتفاضة أوسع ضد حسينة.
وقال يونس الأحد الماضي "لا أقول إنني أستطيع إدارة حكومة"، مستدركاً "لكن ما أقوله هو أنني لدي بعض الخبرة في إدارة بعض المؤسسات"، مضيفاً "سأستخدم خبرتي بقدر ما أستطيع".
وتابع قائلاً "في اللحظة التي يبدأ فيها اتخاذ القرارات، سيحب البعض قراراتك، بينما لن يحبها البعض الآخر".
المصرفي القروي
نشأ محمد يونس في مدينة شيتاغونغ الساحلية، التي تعرف الآن باسم شاتوغرام، على الساحل الجنوبي الشرقي لبنغلاديش.
وكان يونس الثالث بين تسعة أطفال، وشارك بنشاط في الكشافة، وسافر في سن المراهقة إلى تجمعات كشفية دولية في أماكن بعيدة مثل اليابان والولايات المتحدة وأوروبا.
وحصل يونس على منحة "فولبرايت" للدراسة في جامعة فاندربيلت، إذ نال درجة الدكتوراه في الاقتصاد عام 1971، ودرّس الاقتصاد في جامعة ولاية تينيسي الوسطى.
وخلال حرب استقلال بنغلاديش ضد باكستان عام 1971، ناشد يونس الحكومة الأميركية للاعتراف رسمياً بالدولة الجديدة وساعد في إدارة نشرة إخبارية للجالية البنغالية، ومن ثم عاد إلى بنغلاديش عام 1972، حريصاً على المشاركة في بناء الدولة الجديدة بقيادة المحارب من أجل الحرية الشيخ مجيب الرحمن، والد حسينة، إذ تولى في البداية دوراً في لجنة التخطيط الحكومية قبل العودة إلى جامعة مسقط رأسه لتدريس الاقتصاد.
وسرعان ما اتخذت البلاد منحى مظلماً، واغتيل الرحمن عام 1975 خلال انقلاب عسكري.
الفقراء ومرابي الأموال
كانت البلاد أيضاً من أفقر دول العالم، ووصفت بصورة سيئة من قبل هنري كيسنغر بأنها "سلة مهملات"، وكانت تعاني النزاعات والمجاعات والكوارث الطبيعية.
وبينما كان يتجول في قرية مجاورة، قال يونس إنه لاحظ أن عدداً من الأشخاص الذين يديرون أعمالاً صغيرة كانوا مجبرين على الاقتراض من مرابي الأموال بأسعار فائدة مرتفعة لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على قروض من البنوك التقليدية.
وقال يونس في خطاب في 2006 "صدمت لاكتشاف امرأة في القرية تقترض أقل من دولار واحد من المقرض، بشرط أن يكون له الحق الحصري في شراء كل ما تنتجه بالسعر الذي يحدده"، مضيفاً "كان هذا، بالنسبة إلي، وسيلة لتجنيد عمالة مستعبدة".
بدأ يونس في إقراضهم مبالغ صغيرة من ماله الخاص، وفي عام 1983 أسس بنك "غرامين"، أو "البنك القروي" باللغة البنغالية.
وأمضى العقدين التاليين في التنقل حول العالم، مروجاً لفكرة التمويل المتناهي الصغر للحكومات في جميع أنحاء العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأطلقت أكثر من 100 دولة نامية خدمات التمويل المتناهي الصغر منذ ذلك الحين، وذات مرة أشادت حسينة بعمله، واصفة التمويل المتناهي الصغر بأنه "الخطوة التالية الحاسمة" في القضاء على الفقر.
استمر في اكتساب الشهرة الدولية، وفي 2006، فاز بجائزة نوبل للسلام مع بنك غرامين "لجهوده في خلق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من القاعدة."
يقول أصدقاؤه وناقدوه إن محاولة يونس الفاشلة في دخول السياسة في العام التالي كانت بداية مشكلاته في بنغلاديش.
وقالت حسينة في ذلك الوقت "الوافدون الجدد إلى السياسة عناصر خطرة."
وقالت رئيسة مجموعة تصنيع الملابس روبانا حق، إن "يونس أخبر زوجها الراحل عن خططه لتشكيل حزب سياسي، فيما نصح زوج حق، الذي كان من طلاب يونس، بترك الفكرة لأنه يفتقر إلى الدعم المؤسسي لتشغيل حزب فعال".
وقالت حق "يجب أن يكون لديك ذلك الدعم، تلك القوة، الدعم على المستوى الأساس"، مضيفة "الأستاذ يونس شخص رائع لكنه أكاديمي، وليس سياسياً."
وقال يونس إنه شعر بخيبة أمل عندما اكتشف أن الأشخاص المهتمين بالانضمام إلى حزبه "كانوا الأشخاص نفسهم الذين كنا نحاول إخراجهم من الحكومة".
سجن يلوح في الأفق
وعلى رغم عدم نجاحه في محاولته السياسية، رأت حسينة، التي عادت إلى السلطة عام 2009، في يونس منافساً سياسياً محتملاً وبدأت الحكومة تستهدفه من خلال القضايا القانونية والتحقيقات، وأُبعد من بنك "غرامين" عام 2011 واتُهم بتخريب قرض من البنك الدولي لمشروع جسر كبير.
وبدأ يونس مشاريع جديدة تهدف إلى مساعدة الفقراء، ففي عام 2012، عين يونس، بروفين محمود، مديرة تنفيذية لمؤسسة "غرامين تليكوم ترست"، وهي شركة رائدة لمشروعه الآخر للأعمال الاجتماعية، وهي شركات تعيد استثمار الأرباح في الأعمال بهدف زيادة تأثيرها الاجتماعي.
وقالت بروفين محمود، التي تعرف عائلتها يونس منذ أن كانت طفلة، إنه "كان دائماً يطرح أفكاراً جديدة ويشجع الآخرين على التعبير عن آرائهم، وكان سريعاً في الرد على الرسائل النصية، ويجيب فوراً حتى أثناء سفره للخارج".
وأضافت "في مرحلة ما، أخبرته أنه يجب على الشركة التوقف عن الاستثمار في عدد من المشاريع والتركيز على بعض المجالات مثل تمويل كلية تمريض"، قائلة "لقد منحني حرية كاملة في ذلك".
وقالت المديرة التنفيذية لمركز الحوار السياسي، وهو مركز فكري مقره دكا، فهيمة خاتون، إنها كانت تلتقي يونس على مر الأعوام وتناقش عملهما، الذي كان له عدد من أوجه التشابه، وكان يوفر لها منظوراً ميدانياً حول السياسات الأكثر قابلية للتطبيق لمقالات كتبتها حول مواضيع مثل تمكين المرأة.
وأضافت خاتون "لديه بساطة طفولية، وتفكيره يتجاوز بعض المسائل الدنيوية."
وكانت تشعر بالحيرة والألم كلما بدأت الحكومة في توجيه قضايا متتالية ضده، ونصح أصدقاءه بتقليل الزيارات لتجنب إثارة المشكلات لأنفسهم، بعدما كانت حكومة حسينة تراقبه من كثب في الأعوام الأخيرة.
وفي احتفالية صحيفة "ديلي ستار" بذكرى مرور 25 عاماً على تأسيسها عام 2016، دعا أنام وزراء الحكومة لكنه لم يذكر في الدعوة أن يونس سيكون الضيف الرئيس، وعندما دعا يونس إلى المنصة، نهض عدد من الوزراء وخرجوا فجأة.
تذكر أنام ذلك قائلاً "ركضت خلفهم وسألتهم ماذا حدث؟"، فقال "كان الرد إنك لم تخبرنا أنك ستجلب هذا الرجل في الاحتفالية".
قال أنام إن "ذلك كان بداية حملة ضده وضد الصحيفة، تضمنت 84 قضية قانونية، منها 16 قضية تتعلق بالتحريض"، مضيفاً "كان يونس مذهولاً تماماً، ثم كان خائب الأمل جداً".
في وقت سابق من هذا العام، حُكم على الحائز على جائزة نوبل بالسجن ستة أشهر بتهمة انتهاك حقوق العمل، لكن الحكم نقض الأسبوع الماضي.
إضافة إلى ذلك، زعمت لجنة مكافحة الفساد في بنغلاديش أن يونس وأكثر من 10 من مساعديه متورطون في غسل الأموال واختلاسها من "غرامين تليكوم".
وقالت بروفين محمود، التي كانت متهمة أيضاً، إن "لقاءاتها الأخيرة مع يونس كانت بصفتهما مدعى عليهما مشتركين في المحكمة"، مضيفة "خلال جلسة في يونيو(حزيران) الماضي، طلب القاضي من الجميع ما عدا يونس أن يقفوا في قفص حديدي أثناء إجراءات المحكمة، لكن يونس أصر على الوقوف في القفص مع الجميع"..