Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سديه تيمان" معتقل الموت البطيء في إسرائيل

"هآرتس" تنقل شهادات مرعبة لجنود احتياط عن تعذيب الأسرى الفلسطينيين وحرمانهم من العلاج مما أدى إلى وفاة 36 منهم

خمس منظمات لحقوق الإنسان طلبت إغلاق المنشأة لما كشفه معتقلون أفرج عنهم من ظروف غير إنسانية وتعذيب وتنكيل (أ ف ب)

ملخص

جاء هذا الحديث بهدف كشف حقيقة ما يعانيه المعتقلون الفلسطينيون بعد حادثة الاعتداء الجنسي على معتقل فلسطيني من قبل عدد من الجنود في هذه المنشأة العسكرية.

لم يكن ذلك المعتقل الفلسطيني قادراً على تحمل آلام الإصابات التي تعرض لها في غزة قبل اعتقاله ونقله إلى منشأة "سديه تيمان" العسكرية في إسرائيل من دون تقديم أي نوع من العلاج له. وبسبب قضائه أياماً طويلة من دون استحمام كان يقوم بحك جسمه ومحاولة الضغط عليه من الألم وهو معصوب العينين.

ذات يوم كانت في الوردية مجندة لم تتحمل قيامه بحك جسمه، وما إن نظر إليها من تحت عصابة عينيه حتى استدعت الضابط وادعت أنه يقوم بحركات ونظرات استفزازية وخطرة تجاهها. كان حديثها كافياً لأن يسحبوا المعتقل من مكانه بقساوة إلى زاوية خارج المنشأة، ووصل عشرات الجنود ورجال الشرطة وانهالوا عليه بالضرب في كل أنحاء جسمه وهو يصرخ "لم أفعل شيئاً". كانت جريمته هي تلك النظرة وحك جسمه.

تلك التفاصيل وغيرها من معاناة مرعبة يعيشها المعتقلون الفلسطينيون القابعون في منشأة "سديه تيمان" في إسرائيل، كشف عنها أحد جنود الاحتياط، شارك في القتال منذ بداية حرب "طوفان الأقصى" وقضى فترة طويلة في منشأة "سديه تيمان"، ثم قرر التحدث عبر صحيفة "هآرتس" التي نقلت شهادات مرعبة أخرى من مجندة وطبيب استدعي إلى المنشأة.

جاء الحديث بهدف كشف حقيقة ما يعانيه المعتقلون الفلسطينيون بعد حادثة الاعتداء الجنسي على معتقل فلسطيني من قبل عدد من الجنود في هذه المنشأة العسكرية، مما أدى إلى مواجهات واقتحامات من قبل متطرفين ومستوطنين وحريديين احتجاجاً على اعتقال الجنود، وذلك بدعم من وزراء في مقدمهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي أمر بإقامة هذا المعتقل وفرض الظروف القاسية على الأسرى الفلسطينيين فيه.

36 فلسطينياً توفوا في هذا المعتقل الإسرائيلي، وفي هذه الأيام تبحث المحكمة الإسرائيلية العليا التماسات قدمتها خمس منظمات لحقوق الإنسان طلبت فيها إغلاق المنشأة لما كشفه معتقلون أفرج عنهم من ظروف غير إنسانية وتعذيب وتنكيل وعدم تقديم الحد الأدنى لحقوق الأسير وفق القانون الدولي. والأخطر من هذا هو عدم تقديم العلاج لهم، علماً أن معظم المعتقلين يصلون وهم يعانون إصابات بعضها خطرة.

الصدمات الأولى

ذلك الجندي لم يستوعب، حتى بعد أن أنهى خدمته في منشأة "سديه تيمان" ما رأته عيناه هناك من تعذيب للفلسطينيين الأسرى، "الأمر الأول الذي يصيبك بالصدمة هو الرائحة، هذا مكان نتن حقاً. كانت رائحة عشرات الأشخاص الذين يجلسون باكتظاظ مدة شهر من دون استبدال الملابس وفي درجة حرارة مرتفعة. يسمحون لهم بالاستحمام لبضع دقائق مرتين في الأسبوع. ولكني لا أتذكر أنهم يبدلون ملابسهم"، قال الجندي.

إنه مجرد جندي احتياط استدعوه بسبب الحرب من دون أن يسأل عن أي شيء قبل أن يعود مجدداً إلى بيته بعد انتهاء المهمة، كان مقرراً أن تمضي الأمور هكذا لكن أحداثاً جرت في أعقابها لم يتمكن من الاستمرار هناك أكثر من ذلك. يحكي "الحادثة الأولى كانت في حظيرة وضعوا فيها عشرات المعتقلين، عندما جاء جنود من قوة المرافقة، وهم من رجال الاحتياط في الشرطة العسكرية وصلوا وفي أياديهم عصي تستخدم للتزلج، وقادوا إلى الحظيرة أربعة معتقلين أجبروهم على المشي وهم في حال انحناء ومكبلي الأيدي وعيونهم معصوبة. كل واحد أمسك بقميص الأسير الذي أمامه، وبعد ذلك فجأة شاهدت أحد رجال الشرطة، بالضبط عند مدخل الحظيرة، وهو يمسك برأس المعتقل الأول ويضربه بشدة ببوابة الحديد. بعد ذلك ضربه مرة ثانية، ثم ضرب وضرب وعندما رأيت ذلك أصبت بالصدمة، هذه صدمتي الأولى لكن بعدها كانت صدماتي كثيرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مجندة تحدثت هي الأخرى عن صدمتها الأولى لدى وصولها إلى "سديه تيمان" للخدمة "وأنا أنتظر المسؤول الذي سينقلني إلى مكان خدمتي في المعتقل سمعت أحاديث من خلفي، كان هناك من قالوا إنهم ينوون ضرب المعتقلين أو البصق في طعامهم. أشخاص تحدثوا عما ينوون القيام به من ضرب وتنكيل وكأنهم يتحدثون عن أمر عادي. حقيقة شعرت بعدم وجود أي نوع من الإنسانية وهذا أخافني، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 يرافقني الألم والخوف ولكنني لم أصدق إلى أية درجة نجح ذلك في تشويه رؤية الواقع لأشخاص يعيشون في محيطي. شعرت بأنه يجب توثيق ذلك، أخذت الهاتف وبدأت أكتب كل ما قيل".   

ما أصاب هذه المجندة من صدمة داخل "سديه تيمان" دفعها إلى التفكير بما يمكن أن يحدث لشخص يواجه ما يواجهه المعتقلون الفلسطينيون هناك، فـ"هم يجلسون فقط على الفرشات مكبلين وعيونهم معصوبة. هل يمكنك استيعاب ماذا يفعل بهم؟"، تساءلت المجندة في حديثها، مضيفة "قمت بتجربة في البيت، أردت اختبار ذلك، جلست وعصبت عيني بمنديل، من دون قيود أو جوع، ووضعت منبهاً يرن بعد ساعة. لم أحتمل، بعد 10 دقائق خطر ببالي الموت، وبعد 10 دقائق أخرى أصبت بالانهيار. تصور ماذا سيحدث بعد أسبوع أو شهر".

من دون علاج

المعاناة التي سبق أن تحدث عنها معتقلون أطلق سراحهم عكست الوضع الخطر للأسرى الفلسطينيين في هذه المنشأة العسكرية، إسرائيليون اعتبروا الشهادات التي قدمت إلى المحكمة العليا في التماسات لجمعيات حقوق الإنسان من نسج خيال وتحريض الأسرى، لكن الشهادات التي قدمها الآن الإسرائيليون أنفسهم من جنود وأطباء ممن خدموا في هذه المنشأة تشكل لائحة اتهام خطرة جداً ضد إسرائيل، وتبحث جهات ناشطة في حقوق الإنسان استخدامها ضمن الشكاوى المقدمة ضد إسرائيل في حرب "طوفان الأقصى"، إذ وصف بعضها "سديه تيمان" بـ"معتقل الموت البطيء".

أحد الأطباء قرر هو الآخر كشف تفاصيل ما يحدث بعد أن وصل إلى وضع لم يعد قادراً معه على الصمت. قال إن التعامل مع معتقلين مرضى ممن اضطر الجيش إلى نقلهم إلى المستشفى لإجراء عمليات جراحية أمر في غاية الخطورة وغير إنساني.

استدعي الطبيب لمعالجة بعض المصابين الذين وجدوا في خيمة صغيرة، وكان الطقس عاصفاً والبرد قارساً، "وكان هناك 20 مريضاً تقريباً جميعهم مكبلو الأيدي والأقدام في أسرة من حديد كتلك التي كانت تستخدمها المستشفيات عندنا منذ سنوات طويلة. جميعهم كانوا في وعيهم ومعصوبي العيون طوال الوقت".

يشير الطبيب تحديداً إلى أولئك الذين أجريت لهم عمليات جراحية بعضها خطر وأعيدوا فوراً إلى الاعتقال في هذه الخيمة على رغم خطورة وضعهم، "كان هناك من نقلوا إلى المعتقل بعد فترة قصيرة جداً من إجراء عمليات صعبة. وكان هناك كثير من المصابين بالرصاص، أحدهم أطلقوا عليه النار في بيته بغزة ونقلوه بعد ساعتين من العملية إلى المعتقل، وكنت هناك، كان وضعه مرعباً". ويتابع "كل طبيب كان يعرف أن ما يحتاج إليه هذا الشخص يوماً أو يومين في الأقل من العناية المكثفة وبعد ذلك يتم نقله إلى القسم، إذ هناك، فحسب، يجب تقديم العلاج له، لكن هذا الشخص تم إرساله إلى (سديه تيمان) بعد مرور ساعتين على العملية، نقل إلى الخيمة. في المستشفى قالوا إنه كان يمكن إطلاق سراحه. أنا لا أتفق معهم. مرضى كهؤلاء في المستشفى يرقدون في العناية المكثفة، هذا أمر لا يمكن الجدل حوله".

وكشف الطبيب حال معتقل آخر كان يعاني تلوثاً في جسمه وحاله خطرة، فـ"حسب البروتوكول ممنوع أن يوجد في (سديه تيمان) بسبب تلك الحال الخطرة"، مضيفاً "توجد طرق أخرى يمكن استخدامها إذا ما قرروا الإهمال الطبي وعدم تقديم علاج جيد، وحتى تعذيب المعتقل يمكن أن يتم من دون إطفاء السجائر في جسمه كما فعلوا لبعض الأسرى. لكن إبقاء المعتقلين المرضى والمصابين كما يفعلون مع الفلسطينيين في (سديه تيمان)، وكيفما شاهدت، وهم لا يستطيعون الرؤية أو الحركة أو التكلم لمدة أسبوع أو شهر، فهذا لا يقل عن التعذيب. لماذا نكبل أرجل شخص أجريت له عملية جراحية خطرة في بطنه قبل يومين. ألا يكفي تكبيل يديه فقط؟". مشدداً على ضرورة إغلاق هذه المنشأة العسكرية، ومؤكداً تجرد جميع العاملين فيه من الإنسانية.

هذا الطبيب كسابقيه ممن أكدوا تعذيب ومعاناة المعتقلين وإهمالهم طبياً مما أدى إلى وفاة 36 منهم، هو الآخر لديه ما يقوله عن صدمة "سديه تيمان"، "كنت خائب الأمل لأنني لم أتمكن من النظر في عيون المعتقلين المرضى. لم أتعلم معالجة مرضى بهذا الشكل، ولا يهم ما الذي فعلوه. مما صدمني أكثر هو أنه عندما كنت هناك، ويجب الاعتراف بذلك، شعرنا جميعاً بأن كل شيء سوريالي، لا احتجاج ولا تذمر، وأنت توجد في خيمة يحتجزون فيها 20 شخصاً جميعهم شبه عراة مصابون وينزفون ويتألمون. أمر لا يمكن تخيله. أنا أفهم لو أننا كنا نحارب في أفغانستان كنت استطعت بشكل ما استيعاب مستشفى ميداني كهذا. لكن هنا؟ ما زلت غير قادر على استيعاب ما رأيت".

المزيد من تقارير