ملخص
يتجه البنك المركزي العراقي لتأسيس شركة وطنية لإدارة أنظمة الدفع الإلكتروني في العراق، بمشاركة المصارف وشركات مزودي خدمات الدفع الإلكتروني ورابطة المصارف الخاصة العراقية.
شهد العراق منذ بداية يونيو (حزيران) 2023، نقلة نوعية في مجال الدفع الإلكتروني بهدف تقليل التداول بالعملة النقدية "الكاش"، فقبل هذا التاريخ لم تكن هناك أية خطوات حقيقية للاعتماد على أجهزة الدفع الإلكتروني المعدومة في الدوائر والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.
ويعد العراق من الدول المتأخرة في مجال الاعتماد على وسائل الدفع الإلكتروني بسبب ما شهده بعد 2003 من اضطرابات أمنية وسياسية واقتصادية كانت سبباً رئيساً في هذا التأخر.
وفي محاولة لخلق ثورة رقمية شاملة ولتعزيز الشمول المالي في البلاد، أعلن البنك المركزي العراقي، منتصف العام الماضي، دخول قرار مجلس الوزراء العراقي للعام 2023 حيز التنفيذ، والمتمثل بزيادة عدد أجهزة الدفع الإلكتروني في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لتعزيز ثقافة الدفع والتحصيل الإلكتروني، والتقليل من استخدام النقود الورقية في الجباية والتعاملات التجارية، إذ أسهم القرار الذي وفر سياسات مشجعة للدفع الإلكتروني في توفير البنية التحتية الضرورية لتسهيل وتوسيع نطاق الخدمات المالية الرقمية.
شركة وطنية لإدارة أنظمة الدفع
ومع تلك الخطوات، يتجه البنك المركزي العراقي اليوم لتأسيس شركة وطنية لإدارة أنظمة الدفع الإلكتروني في العراق، وبمشاركة المصارف وشركات مزودي خدمات الدفع الإلكتروني ورابطة المصارف الخاصة العراقية.
وقال البنك المركزي العراقي في بيان له، إنه جرى بحث أهمية تنظيم عمليات الدفع الإلكتروني ومواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة وصناعة مدفوعات تنافسية تقدم خدمات دفع آمنة وموثوق بها وسهلة الوصول وقابلة للتشغيل البيني على نطاق واسع والاستجابة السريعة والمرونة العالية للمتغيرات التقنية والتنظيمية.
وأضاف البيان "تم استعراض الأهداف الأساسية للشركة والمتطلبات الخاصة للمباشرة بالتأسيس إذ ستتولى مهمات إدارة بعض نظم الدفع الإلكتروني المركزية والأساسية على المستوى الوطني وتشغيلها وتطويرها".
توسع في استخدام قنوات الدفع الإلكتروني
في المقابل، أكد محافظ البنك المركزي العراقي علي محسن العلاق، أن البنك المركزي يعمل مع توجه البرنامج الحكومي في دعم الدفع الإلكتروني.
وقال العلاق خلال مشاركته في ورشة متخصصة بتسريع التحول نحو الدفع الإلكتروني، إن "البنك المركزي العراقي يعمل جنباً إلى جنب مع البرنامج الحكومي في دعم الدفع الإلكتروني، ونفخر بما حققناه حتى الآن، ففي 2023، شهدت المبالغ المعالجة عبر المقسم الوطني زيادة ملحوظة، مما يعكس تطور البنية التحتية والتوسع في استخدام قنوات الدفع الإلكتروني".
إحصاءات وأرقام
وأشار العلاق إلى أن هذه الاتجاهات التصاعدية استمرت في التطور خلال 2024، إذ وصل حجم المبالغ المعالجة في أنظمة المقسم الوطني أكثر من 2 تريليون دينار عراقي (1.5 مليار دولار) في يوليو (تموز) الماضي، مقارنة بـ800 مليار دينار (606 مليون دولار) في الشهر نفسه من عام 2023، بعدها أصبحت فقط تريليون دينار (٧٦٦ مليون دولار) في يناير (كانون الثاني) الماضي، كما شهدت المدفوعات الحكومية ارتفاعاً إضافياً، لتصل إلى 912 مليار دينار عراقي (٦٩٩ مليون دولار) في يوليو الماضي".
ولفت العلاق إلى ارتفاع هائل في عدد نقاط البيع (pos) لتصل إلى أكثر من 50 ألف نقطة بيع هذا العام مقارنة بما يقارب 11 ألف نقطة بيع في بداية 2023، وآلاف منها في المؤسسات الحكومية بعدما كانت صفر قبل انطلاق الحملة في يونيو 2023.
وأعرب محافظ البنك المركزي العراقي عن أمله في "تبني المؤسسات الحكومية إنشاء وحدات مختصة في تقنيات الدفع الإلكتروني للعمل على متابعة وتطوير هذا الجانب المهم".
يشار إلى أن عدد الحسابات المصرفية وصلت إلى أكثر من 13.28 مليون حساب مصرفي فعال في العراق، حتى نهاية 2023، بنسبة نمو وصلت إلى 51 في المئة مقارنة مع 2022 إذ كانت أكثر من 8.79 مليون حساب، بينما بلغ عدد البطاقات المصرفية خلال 2023، 19.75 مليون بطاقة، بنسبة نمو 22 في المئة عن 2022 التي بلغت 16.2 مليون بطاقة.
وارتفعت المحافظ الإلكترونية من 2.97 مليون محفظة في 2022 إلى 4.98 مليون محفظة في 2023، إذ تعزو أسباب ارتفاع الحسابات المصرفية والبطاقات وأجهزة نقاط البيع إلى توجهات الحكومة والبنك المركزي في نشر أدوات الدفع الإلكتروني، وتحويل معظم الدوائر إلى استخدام الدفع الإلكتروني، وكذلك إجبار الشركات والمتاجر على فتح حسابات مصرفية لاستيراد البضائع وبيعها، وكذلك الاستفادة من سعر صرف الدولار الرسمي.
سياسات المدفوعات
وفي هذا السياق، وصف المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، سياسات المدفوعات التي أطلقتها الحكومة منذ عام بأنها واحدة من أهم القضايا التي جاء بها البرنامج الحكومي في نطاق تطبيق مبادئ الحوكمة الإلكترونية، وأهم أذرعها تحديث كفاءة أنظمة المدفوعات من خلال التحول من المدفوعات النقدية إلى الرقمية التي يحمل تطبيقها المتسارع عوامل إيجابية عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستعرض صالح تلك العوامل لافتاً إلى تنامي أعداد شركات الدفع الإلكتروني في عموم البلاد إلى قرابة 17 شركة دفع غالبها فاعل في ساحة العمل الاقتصادي، وكذلك التوجه نحو الصيرفة الإلكترونية بإجازة عدد من المصارف الرقمية الفاعلة في هذا الشأن .
وقال المسؤول المالي إن "تطور البنية التحتية الرقمية المتعلقة بالدفع الإلكتروني التي يمسك بها البنك المركزي العراقي ويتولى تطويرها بصورة متسارعة، بما في ذلك تطبيق المعايير الرقابية والتنظيمية القياسية للمدفوعات الرقمية، رافق ذلك اتساع نطاق استعمال أجهزة الدفع الإلكتروني واعتماد مجلس الوزراء للتعليمات والضوابط القانونية الميسرة لتنظيم قطاع المدفوعات والتحول الرقمي، وكذلك تحول عمليات الجباية للمؤسسات الحكومية نحو الجباية الإلكترونية".
وأشار إلى ارتفاع المدفوعات الرقمية في محطات الوقود الحكومية وغيرها على سبيل المثال إلى أكثر من 50 في المئة من عمليات المدفوعات لديها حالياً، وهي في حراك متزايد لتستكمل المحطات متطلبات الجباية الرقمية كافة حتى نهاية العام الحالي، كذلك استكملت الجباية الإلكترونية الحكومية في مفاصل النشاط الحكومي كافة وعلى وفق المسار الزمني نفسه في التحول نحو الجباية الإلكترونية، فالنتائج المتوخاة من إشاعة المدفوعات الرقمية تتمثل في ارتفاع عدد الحسابات المصرفية إلى قرابة 16 مليون حساب مصرفي وهي تغطي 50 في المئة من عدد البالغين في بلادنا، والهدف أن يكون لكل مواطن بالغ حساب مصرفي.
واعتبر المستشار المالي لرئيس الوزراء أن هذه الطفرة في عدد الحسابات المصرفية عززها استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني التي لامست قرابة 20 مليون مواطن حامل لبطاقة الدفع الإلكتروني، أي إن حاملي بطاقة الدفع الإلكترونية من البالغين تلامس 60 في المئة منهم على رغم هيمنة بطاقات الدفع السابقة التي ترتبط بحسابات الشركات المصرفية المصدرة لها حيث ترتبط البطاقات مباشرة بحساب مصرفي شخصي وهو أمر بات يجسد التنامي المتسارع لأهداف الشمول المالي الرقمي، والتطلع كي تلامس الخدمات المصرفية أكثر شرائح المجتمع ضعفاً وهشاشة من خلال إشاعة استخدام بطاقة الدفع الإلكتروني.
وأكمل صالح "التحول من المدفوعات النقدية إلى الإلكترونية سيحقق بلا شك ثلاثة أهداف أساسية في تحديث الحياة الرقمية في العراق وفي آن واحد، أولها تعظيم مستوى التدفقات النقدية إلى الجهاز المصرفي مما يؤدي إلى التقليل من ظاهرة أخطار السيولة النقدية المصرفية، وثانيها سيترتب على ذلك النمو في السيولة المصرفية من تعاظم في الروافع المالية للجهاز المصرفي التي تقود إلى نمو الائتمان النقدي وتحقيق مستوى أعلى من العمق المالي وما يرتبط بمؤشرات الائتمان إلى الناتج المحلي الإجمالي"
وعن ثالث الأهداف أضاف "يساعد التحول نحو المدفوعات الرقمية على زيادة الإيرادات النقدية الحكومية وانتظامها أو ما يسمى بالتدفقات النقدية للخزينة العامة وعلى نحو متسارع ذلك في إطار تنمية حساب الخزانة الموحد الذي يعد أحد أهم أهداف الإصلاح المالي في العراق".
وتابع "ستشهد البلاد مؤتمراً فنياً للمدفوعات الإلكترونية ستلتئم فيه أطراف المصلحة المعنية بالدفع الإلكتروني كافة ذلك لإجراء تقييم شامل لمرحلة التحول نحو المدفوعات الرقمية ورسم مسارات المستقبل وتقييم النجاحات المتحققة والخروج برؤية متكاملة للانتقال إلى المرحلة الرقمية القادمة في المدفوعات".
رغبة لثورة رقمية شاملة
في المقابل، يرى متخصص الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أنه في الأوان الأخيرة شهد العراق تحولاً ملحوظاً نحو الدفع الإلكتروني، مما يعكس رغبة واضحة في تحقيق ثورة رقمية شاملة، وأضاف أن هذا التحول يتجلى من خلال عوامل عدة إذ قامت الحكومة والبنك المركزي العراقي بتطبيق سياسات مشجعة للدفع الإلكتروني، مثل دعم شركات الدفع الرقمية وتخفيف الرسوم والضرائب على المعدات التقنية اللازمة، مثل أجهزة الصراف الآلي وآلات نقاط البيع.
وأكد السعدي أن هذه الإجراءات ساعدت في توفير البنية التحتية الضرورية لتسهيل وتوسيع نطاق الخدمات المالية الرقمية، لكن حتى الآن لم تكن بمستوى الطموح خاصة لو تمت المقارنة مع دول الجوار.
وأوضح متخصص الاقتصاد الدولي أن وعي المستهلكين والتجار على حد سواء بأهمية المدفوعات الإلكترونية يتزايد، ليس فقط لسهولة الاستخدام، ولكن أيضاً لما توفره من أمان وسرعة في التعاملات المالية، وفي البيئة التجارية اليوم، إذ إن الزمن والكفاءة يلعبان دوراً محورياً، أصبح الدفع الإلكتروني ضرورة ملحة لتحسين تجربة العملاء وتعزيز الثقة بين المستهلكين والتجار، علاوة على ذلك، يسهم الانتقال إلى المدفوعات الرقمية في تعزيز الشمول المالي، إذ يتيح لمزيد من الناس الوصول إلى الخدمات المالية التي كانت في السابق حكراً على فئات محددة، هذا يعني أن شريحة أكبر من السكان يمكنها الاستفادة من الخدمات المصرفية، مثل الحسابات البنكية والقروض، مما يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة والحد من الفقر.
وبحسب السعدي، تتيح المدفوعات الإلكترونية للحكومة والمصارف جمع بيانات مفيدة تساعد في اتخاذ قرارات اقتصادية أكثر دقة، وأيضاً المراكز البحثية في الجامعات التي تخدم تطوير السياسات المالية بما يتوافق مع حاجات السوق المحلية وتبني التكنولوجيا المالية يقلل من أخطار الاحتيال المالي ويعزز الشفافية في التعاملات التجارية.