Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السرطان والأمراض الفتاكة تنهش أجساد نازحي الحسكة

هربت عائلات من الريف إلى مخيم واشوكاني في 2019 لكنها تدفع ثمن الحرب

ملخص

قبل خمسة أعوام ومع وصول القذائف والاشتباكات إلى قريتهم في ريف الحسكة الشمالي همت عائلة الفارس إلى ترك منازلهم والتوجه نحو مدينة الحسكة هرباً من الموت.

كغيرها من عائلات قرية دردارة في ريف الحسكة، احتفظت عائلة إبراهيم الفارس لسنوات بمنزل ذي فناء واسع وقطعة أرض تستقي من خيراتها مصدراً للدخل وإطعام أفرادها حتى حل عام 2019 حين انقلبت الحال بإطلاق تركيا عملية عسكرية سمتها "نبع السلام"، فاضطر السكان إلى الفرار لمواقع بعيدة من القتال.

تفرقت عائلة إبراهيم المكونة من أسر صغيرة عدة لأبنائه وبناته في المدينة الكبيرة ثم لجأوا إلى مخيم واشوكاني الذي أنشئ على عجل في ريف مدينة الحسكة الغربي قبالة بلدة توينة والذي يؤوي قرابة 17 ألف نازح من ريف مدينة سري كانيه (رأس العين).

بعد وصول فصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة إلى تخوم منطقتهم في ريف الحسكة، تحولت المنطقة إلى خط تماس بين الفصائل وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بعد وقف إطلاق النار في إطار اتفاقات خفض التصعيد بين تركيا وروسيا.

ومع تضاؤل أمل العودة، تحولت الخيمة التي لا تتوافر فيها شروط الإقامة وفق معايير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى منزل بديل عن المكان الذي عاش فيه إبراهيم وزوجته وأولاده الذين كبروا أمام أعينهم في القرية. ببساطة تحول قماش الخيمة الأزرق المهترئ والغطاء الرمادي الرث المقدم من الوكالة الأممية إلى بديل عن حائط منزله المنيع الذي كان يعيد تشييده كلما اقتضت الحاجة.

 

 

خيمة رثة هي المأوى

هنا في مخيم واشوكاني، لا تتجاوز مساحة منزل إبراهيم الجديد 15 متراً مربعاً حيث مساحة الخيمة ومرفقاتها التي أسستها زوجته ببعض الحجارة والطين، إضافة إلى غرفة مشيدة حديثاً مع مرور أعوام بقائهم في المخيم عله يقيهم برد الشتاء والأمطار والحر اللاهب أثناء الصيف في منطقة أقرب إلى الصحراء القاحلة.

بعد مرور أكثر من عامين على النزوح القسري لإبراهيم وعائلته من قريتهم، ساءت حاله الصحية التي سبقها سوء أوضاعهم النفسية التي تأثرت بصورة جذرية بفقدانهم ما كانوا يملكونه من حصيلة جهد سبعة عقود من الكد والتعب من دون معرفة مصيره في الأيام المقبلة، ليكون سؤال الأمل معلقاً في أذهانهم، هل سنعود يوماً لمنزلنا وقريتنا؟.

السرطان بدل الراحة

فجأة مع مرور هذه المدة من النزوح والعيش في الخيمة، بدأت آلام غير عادية تثقل رأس الرجل الستيني، ثم تبدأ مرحلة جديدة من العذاب والشقاء في حياته التي بدأت بزيارات إلى الأطباء وكشوفات سريعة ومكثفة في المنطقة لتشخص حاله بوجود كتلة سرطانية فوق الدماغ مباشرة وفي الجهة اليمنى من الرأس، وكل ذلك أجبرهم على الوصول إلى الأطباء في العاصمة دمشق حيث يوجد أطباء ذوو اختصاص ومراكز أكثر خبرة من نظيراتها الموجودة في شمال شرقي سوريا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استؤصلت الكتلة السرطانية من رأس إبراهيم بكلفة عالية جداً مقارنة بدخلهم ومدخراتهم المالية التي وصلت إلى العدم مع فقدانهم مصدر رزقهم المرهون بزراعة الأرض التي تركوها خلفهم في قريتهم دردارة التي أصبحت موضوع الأخبار والقصف على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة، بل ضحية تفاهمات القوى العسكرية الكبيرة في الساحة السورية.

إمكانات محدودة

بضعة آلاف الدولارات كانت الكلفة الأولية لإجراء العملية التي خضع لها إبراهيم الفارس، دفعتها العائلة بعد أن تكافلت في ما بينها لتأمينها في ظل غياب برامج إنسانية من لدن وكالات الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية، ناهيك عن السلطات الصحية التابعة للإدارة الذاتية أو الحكومة السورية في المنطقة.

يجد ذوو مرضى السرطان أنفسهم وحيدين في مواجهة المرض وكلفه المرتفعة في ظل أزمات اقتصادية متلاحقة تثقل كاهل السكان. وتقول زوجة إبراهيم إن أبناءها على رغم مسؤولياتهم تجاه عائلاتهم وضعف دخلهم المادي "فهم المصدر الوحيد لتأمين علاج والدهم".

وبحسب إدارة المخيم، يبلغ عدد الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة 1100 مريض، من بينهم 23 مريضاً بالسرطان، في حين أن ذوي الإعاقة المسجلين رسمياً والحاملين لبطاقات تؤكد حالاتهم يبلغ عددهم 190 شخصاً من بينهم أطفال ونساء.

لم تنتهِ مسيرة هذا النازح مع المرض بإجراء الجراحة فحسب، بل أصبح مجبراً كذلك على السفر بصورة دورية إلى دمشق لمعاودة الطبيب المشرف على حاله الصحية، مما يثقل كاهلهم باستمرار لتأمين كلف السفر الباهظة والمرهقة. ولا يستطيع إبراهيم قطع تذكرة الطائرة من مطار القامشلي إلى دمشق التي تبلغ نحو 200 دولار للمسافر الواحد ذهاباً وإياباً، لذا يضطر إلى السفر براً عبر الحافلات لتصل مدة سفرهم إلى نحو 15 ساعة ما بين الحسكة والعاصمة.

 

 

على حائط الغرفة المقامة حديثاً قرب خيمة العائلة، يتدلى كيس كبير مليء بأنواع مختلفة من الحبوب والعقاقير الطبية اللازمة لإتمام علاج إبراهيم من أجل الحفاظ على استقرار وضعه الصحي والتخفيف من آثار المرض المميت والمؤلم وكذلك العمل الجراحي الذي بدت آثاره في جسده بعد أن فقد كثيراً من وزنه وساءت صحته بصورة كاملة، فيما تواظب زوجته الستينية على رعايته ومتابعة أوقات تناوله لأدويته اليومية.

مع ظهور المرض واستئصال الكتلة من داخل الجمجمة تثاقل لسان الرجل الكهل وبدا نطقه ناقصاً وقليلاً مع ألم مرافق، في حين أن نشاطه الاجتماعي تأثر سلباً أيضاً مع قلة الكلام، إضافة إلى الوهن في عموم جسده جراء المرض والآثار الجانبية المرافقة مع تناول الأدوية، بينما تبقى الأفكار ورواية الذكريات والأحداث حبيسة اللسان الذي لم يعُد قادراً على التعبير والحديث.

يبدو النازح القسري المقيم في مخيم واشوكاني مجبراً على العيش مع المرض الذي ألم به وغيّر في مسار شخصيته ونشاطه، في وقت يداري فقدان الأمل بالعودة إلى قريته التي تدمر معظم منازلها جراء قذائف فصائل المعارضة والمدفعية التركية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات