Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حلم ليلة صيف" يروي حكايات الجن على شاطئ اللاذقية

المخرج سامر عمران أقام عرضه الشكسبيري داخل حديقة في اللاذقية والجمهور بين الأشجار

مشهد من المسرحية الشكسبيرية في اللاذقية (اندنبدنت عربية)

ملخص

ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الفنان سامر عمران إلى تقديم عروضه في فضاءات بديلة، فسابقاً قدم مسرحيته "عابرون" في سرير نهر بردى وعند ضريح الكاتب سعدالله ونوس في بلدة حصين البحر (غرب سوريا)، وقدم عام 2008 عرضه "المهاجران" في ملجأ حربي في دمشق. واستطاع عمران في كل هذه التجارب أن يطوع المكان لمصلحة العرض أيما تطويع. هذه المرة يعود صاحب "الحدث السعيد" إلى خيار الفضاء البديل عبر توظيف حديقة المتحف الوطني في اللاذقية لتقديم مسرحية "حلم ليلة صيف" لويليام شكسبير.

بين أشجار الرز والصنوبر والسنديان المعمرة، وتحت قناطر السقف الأثري المُقبب جالت شخصيات أشهر الكوميديات الشكسبيرية بين الأضرحة والتوابيت والتماثيل الحجرية العائدة إلى حضارة مملكة أوغاريت (7500 ق.م) على الواجهة الغربية للساحل السوري، واندمجت أجواء السحر والخيال والجن والرومانسية مع أجواء المرفأ الفينيقي القريب من حديقة المتحف، التي كانت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي خاناً لتجميع التبغ وتصنيعه في الطبقة الأرضية منها، فيما وظف سامر عمران الطبقة العليا من المتحف لحركة ممثليه، التي كانت في ما مضى مقراً للمندوب السامي خلال فترة الانتداب الفرنسي على سوريا (1920-1946).

الديكور الطبيعي كان هو الحل الفني اللافت الذي أخذ جمهور اللاذقية إلى أجواء "حلم ليلة صيف"، التي يعود تاريخ كتابتها إلى عام 1595، وقد قام شكسبير بتأليفها، كما بات معروفاً، من أجل حفل زفاف في أوساط النبلاء الإنجليز، إذ لم تظهر مطبوعة حتى عام 1600، وتعتبر هذه المسرحية الطريفة بشخصياتها التائهة بين الحلم والواقع وكأنها منام طويل وشيق، ولعبة لمسرح داخل مسرح، وهي في الغالب واحدة من ثلاث مسرحيات اعتمد فيها صاحب "هاملت" على دمج الخيال بالواقع، تماماً كما فعل في مسرحيتيه، "خاب سعي العشاق" و"العاصفة"، وجميعها استقاها الكاتب الغامض من أساطير وسيَر وقصص من الميثولوجيا الشعبية السائدة في القرن الـ16.

وتبدأ أحداث "حلم ليلة صيف" بمصالحة كل من ثيسيوس دوق أثينا (عمر العبيد) مع هيبوليتا ملكة الأمازون (مريم إسماعيل) بعد حرب بينهما ويقرران الزواج، لكن النبيل أيغيوس (رفيق لايقة) يقطع عليهما ذلك بمطالبته ثيسيوس بتطبيق قانون أثينا على ابنته هيرميا (صبا شحود) التي ترفض الزواج من ديمتريوس (إميل جنبرت) على رغم موافقة أبيها، وأن يحكم عليها بالموت، إلا أن هيرميا تقرر أن تهرب مع حبيبها الحقيقي ليساندر (قصي مزهر). وفي هذه الأثناء تبوح هيرميا بخطتها إلى صديقتها هيلينا (آية غنيجة) الفتاة التي تسعى إلى كسب محبة ديمتريوس لها، فتخبره بما فعلت خطيبته الجاحدة، لكن ديمتريوس يقرر، على العكس مما قدرت، أن يصحبها إلى الغابة لمطاردة الحبيبين، والثأر لكرامته المهدورة.

أنواع السحر

تكمل الأحداث تدفقها في غابة مرصودة بشتى أنواع السحر، إذ يتشاجر أوبيرون ملك الجن (مصطفى غانم) مع تيتانيا ملكة الجن (سيرين عبدالوهاب)، وذلك بسبب صبي مخطوف يريد كل منهما الاحتفاظ به لنفسه، فيرسل أوبيرون تابعه باك (سلطان الباروكي) لينثر رحيق زهرةٍ سحرية على عيني تيتانيا، ويقوم بالمهمة الأخرى التي كلفه بها أوبيرون، وهي نثر الرحيق السحري على عيني ديمتريوس كي يحب هيلينا، لكنه، من طريق الخطأ، ينثر الرحيق على عيني ليساندر، ليقع الشابان معاً في حب هيلينا، تاركين صديقتها هيرميا تنفجر غيظاً وغضباً ودهشة، بينما هيلينا ذاهلة تماماً أمام هذا التحول الطارئ والعجيب.

وفي هذه الأثناء نتابع تدريبات مجموعة من الممثلين الهواة (أحمد جانودي، جواد كاتبة، هادي عرب، كرم عامر) في الغابة نفسها على أداء مسرحية هزلية بعنوان "مأساة بيراموس وثيزبي"، فيقوم تابع ملك الجن بمداعبتهم بما يملك من فنون السحر، جاعلاً لبوتوم النساج (حذيفة حسان) بطل المسرحية رأس حمار، وبمحض الصدفة يكون أول من تقع عليه عينا تيتانيا، فتولع به وتتدله بحبه، وتأمر أتباعها من الجنيات (نسرين بدر، ماسة قضيماني، ليلى الحامد) بإحاطته بشتى صنوف الدلال والرعاية، وذلك بعدما رأت هذا المخلوق جميلاً، وشُغفت بما يتمتع به من عذوبة صوت ورجاحة عقل!. يحدث هذا تحت تأثير السحر، وتتوه الشخصيات مجدداً في مناخ من الأحلام الوردية المضحكة.

ينتهي العرض بأن يشفق أوبيرون على تيتانيا التي غفت ثانية بين ذراعي بوتوم صاحب رأس الحمار، كما يشفق على العشاق الذين اضطربت علاقاتهم بسبب خطأ من تابعيه (رامي الجوهر، محمد خدوج)، فيأمر أن يُزال السحر عن الجميع. وعند الفجر يعود كل شيء إلى حاله، ويتقرر الاحتفال بالزيجات الثلاث معاً، وأن تُقدم مسرحية "بيراموس وثيزبي". فيبارك ملكا الجن السعيدان بعودة الصفاء بينهما حفل الزواج الكبير. ويقدم الممثلون الهواة مسرحيتهم السخيفة التي تضحك لدرجة ذرف الدموع، عوضاً من أن تبكي، ولكن كل ما جرى يظل في الذاكرة مثل حلم عذب وغريب وغير قابل للتفسير.

وكان من الواضح أن مخرج "حلم ليلة صيف" (إنتاج كلية فنون الأداء- جامعة المنارة) حاول تقديم سينوغرافيا من أصل المكان، فقام بتوضيب الفضاء عبر زرع بقع إضاءة (غزوان إبراهيم) متناثرة. وكانت بمثابة دليل لجمهور متحرك عكف على تعقب أحداث المسرحية مشياً على الأقدام، فمن باحات المتحف الخارجية نحو ممراته الداخلية مضى العرض السوري المتحرك في رواية أحداثه، ومن دون وجود كراس للمتفرجين الذين توزعوا بين جنبات الحديقة التي تمتد على قرابة 3000 متر مربع. وهي المساحة التي قام عمران بمحاولة إشغالها وجعلها حيزاً مفتوحاً لذهاب ممثليه وإيابهم، بما أسهم في إنجاز أسلوب عرض مختلف ومغاير عن صورة التلقي التقليدية في مسارح العُلب الإيطالية أو ما يعرف بمسرح الإطار، إذ لا صالة ولا خشبة هنا، بل كان هناك دمج متناوب بين فضاء اللعب وفضاء الفرجة، مما أتاح لـ20 ممثلاً وممثلة استعراض طاقتهم الصوتية ولياقتهم البدنية لتجسيد الخرافة الشكسبيرية المرحة، وجعل الجمهور يطارد فرجتهم عبر أروقة أبرز المتاحف التاريخية على البحر المتوسط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن العرض كان تقليدياً في استعادة حذافير الكوميديا الشكسبيرية، فإن الصورة الفنية له بدت مناوئة على نحو لافت، وهذا ما كان جلياً من الدمج بين الرقص المعاصر (هاني حمود) وأزياء حاكت نمط عصر النهضة الأوروبية، في حين استعان سامر عمران بقِطع من ستائر الدانتيلا والحبال لإيجاد أراجيح معلقة بين أشجار المتحف قام الممثلون بالأداء من فوقها باعتبارها منصات متحركة ومضاءة بصورة فاقعة تحاكي مناخات "حلم ليلة صيف". واعتمد عمران في ذلك على مؤثرات صوتية مرافقة حاكت أجواء السحر وطقوس الجن المتخيلة وسط غابة تتدافع فيها شخصيات العرض بحركية مرحة ومحببة، واستخدام إكسسوارات بسيطة قاربت غرائبية النص وتداخل عوالمه بين الحقيقة والخيال.

وهذا ما جعل التوجه العام لأداء الممثلين والراقصين على حدٍ سواء، مليئاً بالأكروبات والمفارقات المضحكة، وأسهم في تمرير ساعتين (زمن العرض) من المواقف الساخرة المليئة بحوارات تبرز التناقض بين عالمي الحلم والواقع، وتترك مساحة حرة لمخيلة جمهور أحاط بالمؤدين من كل جانب دون أن يفسد تتالي المناظر. فلم يكن من مسافة تذكر بين الممثل والمتفرج، بل كان هناك إصرار على جعل الجمهور في أحيان كثيرة جزءاً من اللعبة المسرحية، يطاردها ويتعقب مآلات شخوصها، وذلك عبر إشراكه وتوريطه أكثر فأكثر في التفاعل مع أحلام "الليلة الصيفية" التي اختلطت فيها أصوات أمواج بحر اللاذقية مع صيحات الممثلين وتصفيق المتفرجين وضحكاتهم، وتضافرت فيها نظرات التماثيل الرومانية في المكان مع نظرات الشخصيات الشكسبيرية الهائمة على وجهها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة