Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتدادات الحروب قد تدوم لعقود من الزمن والبيئة الضحية الصامتة

أنشطة الجيوش في زمن السلم تمثل ستة في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي

يمكن خلال الحروب أن تقع حوادث تلوث خطرة خصوصاً عند مهاجمة المنشآت الصناعية أو النفطية أو منشآت الطاقة (pxhere)

ملخص

تسببت الحرب على أوكرانيا في عامها الأول بإجمالي 120 مليون طن متري من تسخين الكوكب وهو ما يعادل الانبعاثات السنوية لبلجيكا، ويتولد هذا الرقم من خلال الوقود المستخدم في الدبابات والطائرات والمعدات الأخرى إلى جانب بناء التحصينات وإنتاج واستخدام الأسلحة والمتفجرات وافتعال الحرائق.

لا تنحصر تبعات الحروب السلبية بالخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات وما تحمله في طياتها من تفكيك وتشتت المجتمعات، بل المسألة أكثر تعقيداً وتشعباً إذ تخلف النشاطات العسكرية تأثيرات دراماتيكية على البيئة كونها تنتج كميات كبيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تسهم في تغير المناخ، وتتسبب باستنزاف الموارد وغيرها الكثير.

وتشير التقارير العلمية الواردة من ساحات القتال والبحوث حول النزاعات المسلحة السابقة، إلى أن التأثير البيئي للحروب قد يكون عميقاً ويدمر الحياة البرية والمائية ويتسبب بتلوث واسع، فضلاً عن أنه يعيد تشكيل النظم البيئية بالكامل مع ما لذلك من عواقب قد تستمر على مدى عقود من الزمن.

ولعل أبرز من لخص الانعكاسات الكارثية للحروب على البيئة والتي قد لا يلاحظها الإنسان مباشرة، هو الباحث البيئي البريطاني دوغ وير، حين قال "البيئة هي الضحية الصامتة للصراعات".

الحروب والدمار البيئي

دأب العلماء في الأعوام الماضية على تكرار وجود رابط مباشر بين ارتفاع مستويات الحرارة والكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير، والجفاف، وفقدان التنوع البيولوجي، والانهيارات الأرضية، وارتفاع مستويات سطح البحر، مع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي الناجم عن الأنشطة البشرية، وفقدان التنوع البيولوجي الذي كان من الممكن أن يمتص مثل هذه الغازات من مصادرها كالدور الذي تؤديه الأشجار.

 

 

وفي حين تلتزم الدول بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة الخالية من الكربون على المستوى الدولي، فإنها تحاول تحقيق هذه الأهداف من خلال إعادة توجيه وتنظيم حياة المدنيين، من دون التطرق إلى أنشطتها العسكرية التي تنبعث منها أيضاً مثل هذه الغازات إلى حد اعتبر خبراء بيئيون أن انبعاثات الكربون المتراكمة من المدنيين قد تصبح ضئيلة مقارنة بها.

وهناك أرقام وحقائق لافتة تتحدث عنها بعض الدراسات العلمية، وتبين أن أنشطة الجيوش في زمن السلم تمثل ستة في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، فيما يقدر تقرير حديث صادر عن معهد "واتسون" الأميركي، أن تكون "الحرب على الإرهاب" التي قادتها الولايات المتحدة قد أطلقت 1.2 مليار طن متري من الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وهو ما كان له تأثير أكبر على ارتفاع درجة حرارة الكوكب مقارنة بالانبعاثات السنوية لـ 257 مليون سيارة.

في الموازاة يذهب بعض العلماء إلى القول إنه خلال الحروب تُرتكب مستويات متطرفة من الجرائم البيئية التي يُنظر إليها على أنها "إبادة بيئية"، وتشمل الهجمات على المنشآت الصناعية التي تلوث الجو وإمدادات المياه الجوفية، والقصف المتعمد لمحميات الحياة البرية وغيرها من النظم البيئية المهمة.

الأضرار البيئية في حرب أوكرانيا

من الأمثلة الحديثة البارزة لانعكاسات الحروب المدمرة على البيئة هي حرب أوكرانيا، إذ قدم تقرير بيئي أوكراني حمل عنوان "الأضرار المناخية الناجمة عن حرب روسيا في أوكرانيا" معلومات حاسمة في ما يتعلق بالدمار البيئي الناجم عن الحرب في عامها الأول بناءً على البيانات التي تم جمعها من مصادر متعددة، ومنها الأقمار الاصطناعية والأوراق العلمية والمقابلات مع الخبراء وتقارير الصناعة والاستخبارات مفتوحة المصدر.

وبحسب التقرير فقد تسببت الحرب في عامها الأول بإجمالي 120 مليون طن متري من تسخين الكوكب وهو ما يعادل الانبعاثات السنوية لبلجيكا، ويتولد هذا الرقم من خلال الوقود المستخدم في الدبابات والطائرات والمعدات الأخرى إلى جانب بناء التحصينات وإنتاج واستخدام الأسلحة والمتفجرات وافتعال الحرائق.

 

 

في السياق ذاته، تسببت الحرب في أوكرانيا بحسب العلماء في أضرار جسيمة للمباني والطرق والبنية التحتية بما في ذلك صناعات الطاقة والمعالجة الكيماوية، مما أدى إلى تلوث الهواء وتراكم الجسيمات والمواد الخطرة التي تؤثر في حياة المدنيين وصحتهم وأجهزتهم التنفسية. كذلك تهدد الهجمات الروسية على المنشآت التي تعالج المواد الكيماوية الخطرة في أوكرانيا مثل الأمونيا، سلامة المدنيين المقيمين في المناطق المجاورة.

من ناحية أخرى، أثار النشاط العسكري الروسي في محمية "المحيط الحيوي للبحر الأسود" الواقعة على الساحل الجنوبي لأوكرانيا والتي تعد موطناً لمئات الحيوانات المهددة بالانقراض، قلق علماء البيئة لا سيما أن النشاطات الروسية أشعلت حرائق كبيرة بما يكفي لرؤيتها من الفضاء، وهذا ما دفع ثور هانسون، عالم الأحياء والمتخصص في كيفية تأثير الحروب في البيئة للقول "نحن نرى ما يحدث في أوكرانيا وإننا مصدومون وخائفون من الكلفة البشرية أولاً وقبل كل شيء، ومما يحدث للبيئة هناك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أمثلة متفرقة

إلى ذلك وجد علماء البيئة في دراسة أجريت عام 2018 أن الصراعات المسلحة كانت مرتبطة بانحدار الحياة البرية في المناطق المحمية في أفريقيا، وبأن أعداد الحيوانات البرية تميل إلى الاستقرار في وقت السلم والانحدار أثناء الحرب، وكلما زادت وتيرة الصراعات زاد الانحدار.

بعد اندلاع الحرب الأهلية في أنغولا عام 1975 انتشر السلاح بين الناس بصورة غير مألوفة، وكانت النتيجة خسائر غير متناسبة للثدييات الكبيرة، والتي يلعب عديد منها أدواراً حاسمة في تشكيل أنظمتها البيئية.

الأمر نفسه حصل خلال الحرب الأهلية في موزمبيق، والتي استمرت من عام 1977 إلى 1992، وتمخض عنها انخفاض أعداد الفيلة وأفراس النهر والجواميس وغيرها من الحيوانات بنسبة تزيد على 90 في المئة في حديقة "جورونغوسا الوطنية".

وبالعودة إلى التاريخ نجد أنه في بعض الحالات يكون تدمير البيئة تكتيكاً عسكرياً، فمثلاً خلال حرب فيتنام، رش الجيش الأميركي مواد إزالة أوراق الشجر على مساحات واسعة من الغابات لتقليل كثافتها وحرمان قوات "الفيتكونغ" من الغطاء النباتي.

ولكن حتى عندما لا يكون التدمير البيئي متعمداً، فإن الحرب يمكن أن تتسبب بأضرار عميقة طويلة الأمد، ومن الأمثلة على ذلك ما حدث عام 2011، حين أفاد العلماء بأن مستويات الرصاص والنحاس لا تزال مرتفعة في التربة في مناطق معينة حول إيبرس البلجيكية، وهي التي كانت ساحة معركة رئيسة إبان الحرب العالمية الأولى.

كيفية تأثيرها في البيئة

يختلف التأثير البيئي للصراعات بصورة كبيرة، فقد تكون بعض الصراعات المسلحة الدولية قصيرة الأمد ولكنها مدمرة للغاية، وقد يستمر بعضها لعقود من الزمن، ومهما يكن من أمر فمن المعروف أن الحروب العنيفة تستهلك كميات هائلة من الوقود، مما يؤدي إلى انبعاثات هائلة من ثاني أكسيد الكربون ويسهم في تغير المناخ.

 

 

ويمكن خلال الحروب أن تقع حوادث تلوث خطرة خصوصاً عند مهاجمة المنشآت الصناعية أو النفطية أو منشآت الطاقة، وتهدد مثل هذه التكتيكات الأمن الغذائي وسبل العيش، وتزيد من ضعف المجتمعات الريفية، وتؤدي إلى تأثيرات عابرة للحدود كتلوث الهواء والأنهار وطبقات المياه الجوفية والبحار، وفي بعض الحالات قد تكون لهذه التأثيرات قدرة على تغيير الطقس أو المناخ العالمي.

وتترك الأسلحة والمعدات العسكرية المستخدمة أثناء الصراعات بصمتها السلبية بيئياً أيضاً، فالألغام الأرضية والذخائر العنقودية وغيرها من مخلفات الحرب المتفجرة يمكن أن تحد من الوصول إلى الأراضي الزراعية وتلوث التربة ومصادر المياه، ناهيك عن أن أسلحة تقليدية عدة تحتوي على مكونات سامة، وبعضها الآخر مثل الفوسفور الأبيض ليس ساماً فحسب، بل يمكنه أن يلحق الضرر بالموائل من خلال الحرائق.

مرحلة ما بعد الحرب

وبينما تستمر الحروب في تدمير الأنظمة البيئية والإيكولوجية، فإن عملية إعادة الإعمار من شأنها أن تحرق كميات هائلة من المواد مثل الإسمنت والخرسانة، وهذا ما قد يولد مستويات عالية جداً من تلوث الكربون.

وهذا تحديداً ما تطرق إليه تقرير للأمم المتحدة العام الماضي حين ذكر "أن عدم الاستقرار والفوضى الناجمين عن الحروب يمكن أن يؤديا إلى منافسة غير قانونية على الموارد الطبيعية ينتج منها قطع الأشجار غير القانوني، وإشعال حرائق الغابات عمداً لتطهير الأراضي، واستخراج المعادن الثمينة بطرق غير صحيحة".

وتجدر الإشارة في الختام إلى أنه على رغم كل النداءات والتحذيرات لتحقيق انبعاثات عالمية صافية صفرية في الأعوام الـ25 المقبلة، فلا يوجد سوى ثماني دول فحسب ذات قاعدة صناعية منخفضة وغابات ضخمة، وهي بوتان وجزر القمر والغابون وغويانا ومدغشقر ونيوي وبنما وسورينام، قد حققت حتى الآن هدف الانبعاثات الصفرية الصافية، ويبدو أنه من المستحيل على عديد من الدول الوصول إلى هذه المرحلة بسبب القوة العسكرية، وحاجاتها الصناعية غير المشبعة وغير المحدودة، ورغبتها في التنمية السريعة وغير المستدامة.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة