ملخص
تأتي زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى بغداد لبحث إحياء جهود التهدئة مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير خارجيته، في خضم حراك البلدين الدبلوماسي الذي استثمرا فيه لسنوات عدة
ألقت الحرب في غزة والانتهاكات الإسرائيلية فيها بثقلها على معظم الترتيبات الأمنية والمقاربات السياسية السائدة في المنطقة، وهددت حالة خفض التصعيد والتهدئة القائمة قبلها بانتكاسة شديدة، خصوصاً عندما تبادل الطرفان الإسرائيلي والإيراني لغة الوعيد باستباحة أجواء المنطقة العربية في إشعال حربهما المؤجلة لعقود.
لكن دول الاعتدال في الإقليم مثل السعودية حاولت عدم التفريط في ما تبقى من استقرار، مهما كانت الاستفزازات المتبادلة، مستخدمة في ذلك علاقاتها الدبلوماسية والجيوسياسية مع مختلف الأوساط العربية والدولية.
وفي هذا السياق يأتي اتجاه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى بغداد لبحث إحياء جهود التهدئة مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير خارجيته، في خضم حراك البلدين الدبلوماسي الذي استثمرا فيه لسنوات عدة، مكنت العراق من الوساطة بين طهران والرياض، بما لعب دوراً إيجابياً في إحراز صفقة بكين المؤثرة في إعادة جو من الاستقرار غاب طويلاً عن المنطقة، قبل أن تعود للانفجار مجدداً بعد السابع من أكتوبر 2023.
ملفات دولية وثنائية على الطاولة
وذكر المكتب الإعلامي للسوداني بحسب ما نقلت وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن لقاء الجانبين أمس في بغداد، شهد "استعراض أهم التطورات في المنطقة، وتداعيات استمرار العدوان في غزة، وضرورة استمرار العمل المشترك وتنسيق الجهود العربية والدولية لإيقاف العدوان، وحث المجتمع الدولي نحو الاضطلاع بكامل دوره لمنع مأساة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ أكثر من 10 أشهر ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وحقه التاريخي في الحياة على أرضه".
إلى جانب ذلك تناول الطرفان "العلاقات الثنائية بين العراق والسعودية، وآفاق تطويرها وتنميتها في جميع المجالات، ولا سيما السياسية والاقتصادية، وتعزيز الشراكات المثمرة، وتفعيل المجلس التنسيقي العراقي السعودي، بما يحقق المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة للبلدين الشقيقين".
ولفت بيان الخارجية السعودية إلى مضمون مقارب للبيان العراقي، إذ أكد مناقشة اللقاء "عديداً من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
وعد مصدر مسؤول في الخارجية العراقية، في تصريحات إلى قناة "الشرق" بلومبيرغ، اجتماع البلدين استمراراً لدورهما البناء في تجنيب المنطقة مزيداً من التصعيد، لافتاً إلى أن "التنسيق بينهما يمثل جوهرة الاستقرار في الإقليم"، نظير ما يتمتعان به من حضور وثقة. لكن رئيس مركز الخليج للأبحاث عبدالعزيز بن صقر أشار إلى أن التحرك السعودي جاء بعد رسائل التهديد التي انطلقت من بعض الميليشيات في العراق باستهدافها السعودية والمصالح الأجنبية فيها، في إطار تداخلها مع الجبهات الأخرى المرتبطة بحرب غزة. ورأى أن "العراق الذي لعب دوراً مهماً في إعادة تحسين العلاقة بين السعودية وإيران له دور مميز في إيصال الرسائل وتهدئة المنطقة، فأي فعل والرد عليه على النحو الذي يجري التهديد به بين إيران وإسرائيل سيدفع إلى التصعيد في المنطقة، بما يمكن أن يؤثر في الأمن الأوسع فيها، وما يحدث في العراق ينعكس على المملكة وكذلك العكس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد بن صقر أن الجانب السعودي يعنيه أن تكون القيادة العراقية مسيطرة على كامل أراضيها، تجنباً للفوضى الأمنية، ولا يتم ذلك إلا عبر "تثبيت عناصر الأمن داخل العراق، بعيداً عما تلوح به الفصائل بتحويل العراق إلى جغرافيا للاشتباك، وهو ما ليس في مصلحة العراق ولا المنطقة، وهي مخاوف يتشاركها البلدان".
وعلى رغم محاولات الحكومة العراقية إبقاء بلادها خارج ما يعرف بوحدة الساحات بين وكلاء إيران الإقليميين، فإن الميليشيات النافذة في بغداد لا تزال تصر على القيام بدور تصعيدي في إطار الحرب الدائرة، هذا على رغم محاولة الحكومة تجنيبها هجمات انتقامية عدة كان يمكن أن تلحق بها خسائر فادحة من جانب القوات الأميركية.
العراق جزء من التهدئة
وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين "المنطقة برمتها تحت الخطر، لكن الجهود الدولية المكثفة لوقف إطلاق النار في غزة قد تساعد في فرض هدوء نسبي إقليمياً، والعراق جزء من تلك المنظومة التي تساعد وتسعى إلى التهدئة"، إلا أنه استدرك بأن حالة التوتر ستستمر ما لم يتم التوصل إلى هدنة في غزة، مجدداً مواصلة بغداد العمل على "تفادي الانزلاق إلى حرب أشمل" بين إسرائيل وإيران.
وحذر في لقاء مع قناة "العربية" من أن "دفع العراق إلى حالة الحرب خطر، ولا شك أن الحكومة والأحزاب السياسية تفهم هذه المسألة"، معتبراً أن مساعي بلاده الدبلوماسية هي التي منعت واشنطن من الرد على قصف قاعدة عين الأسد، من جانب بعض الفصائل.
على الجانب الاقتصادي كان الجانبان العراقي والسعودي اتفقا على مزيد من تفعيل لمجلس التنسيق المشترك بينهما، وهو الذي أبرم قبل نحو عام في جدة اتفاقاً على هامش دورته الخامسة، نص على "تكثيف التعاون وتبادل وجهات النظر بخصوص المسائل والقضايا التي تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية، بما يسهم في دعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وضرورة إبعاد المنطقة عن التوترات والسعي إلى إرساء الأمن المستدام".
وفي حينه اتفقت الجارتان على استمرار التواصل والزيارات المتبادلة استكمالاً للمشاورات الثنائية على أعلى المستويات، لتوسيع ومتابعة مجالات التعاون المشترك وبما يخدم مصالح البلدين، بما في ذلك "تعزيز التنسيق في مجال الدعم والتأييد المتبادل في إطار الدبلوماسية المتعددة الأطراف ولا سيما للمناصب والوظائف في المنظمات الدولية".
وشهد التبادل التجاري بين البلدين قفزة كبيرة، بتسجيله قبل نحو عام ارتفاعاً بنسبة 50 في المئة، فيما يتوقع أن تزيد تلك النسبة إلى أرقام أكبر، في أعقاب تفعيل الجانبين الاتفاقات التجارية والأمنية بينهما، مما سمح بفتح منفذ بري بينهما في "عرعر"، بينما يؤكدان العمل على فتح منفذ إضافي عما قريب. وقدرت دراسات اقتصادية حجم الفرص التي يمكن تفعيلها بين الجارتين بأكثر من مليار دولار.