ملخص
الأمين السياسي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر عبدالسلام يرى أن "السجال من قبل الحكومة غير منطقي، في وقت يعاني الشعب السوداني الآن الأمرين من تشريد وغياب الشرعية السياسية المدنية، فضلاً عن معركة قضت على الأخضر واليابس، وفي نظري أن الطرفين المتحاربين خانا العملية السياسية ويرغبان في حكم عسكري، وكل طرف منهما يريد تحقيق نصر عسكري على الآخر لتقوية موقفه".
دب التخوف وسط قطاعات سياسية وشعبية في السودان من تفويت فرصة إنهاء الصراع العسكري الدائر بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 وانزلاق البلاد في أتون حرب طويلة.
يأتي ذلك خصوصاً مع السجال القائم بين الوساطة الدولية وفي القلب منها الجانب الأميركي والحكومة السودانية حول إمكان مشاركة الأخيرة في المفاوضات التي تجري منذ أيام في جنيف لبحث الأزمة من جوانبها العسكرية والإنسانية، بعد فشل كل الجهود التي بذلت في هذا الجانب، مما قاد الطرفين المتحاربين لتصعيد المعارك بينهما بصورة غير مسبوقة شملت جبهات عدة في العاصمة والفاشر وولاية الجزيرة راح ضحيتها أكثر من 100 مواطن.
هذه التطورات السلبية أقلقت المجتمع الدولي والإقليمي الذي عبر عنه المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو بقوله، "في الوقت الذي نركز فيه في سويسرا على إنقاذ الأرواح نشعر بالفزع لرؤية تصعيد العنف من جانب الجيش والدعم السريع مما أسفر هذا الأسبوع عن مقتل أكثر من 100 مدني في مناطق قوز بيضاء والفاشر بدارفور".
وأشار بيرييلو في منشور له على منصة "إكس" إلى أن الهجمات المباشرة على المدنيين من خلال القصف العشوائي وإطلاق النار تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. حاثاً طرفي الصراع على الإيفاء بالتزاماتهما بموجب إعلان جدة في الأقل الحد الأدنى من حماية المدنيين الأبرياء من الأذى.
ممرات آمنة
من ناحية أخرى، قال وسطاء بقيادة الولايات المتحدة اليوم الجمعة، إنهم حصلوا على ضمانات من الطرفين المتحاربين في السودان خلال محادثات في جنيف بتحسين وصول المساعدات الإنسانية، لكن غياب الجيش السوداني عن المحادثات أعاق التقدم.
وعلى مدى 10 أيام من المحادثات، حاولت مجموعة جديدة تضم وسطاء من السعودية ومصر والإمارات التفاوض على زيادة المساعدات وتوفير الحماية للمدنيين الذين يواجهون المجاعة والنزوح الجماعي وانتشار الأمراض بعد 16 شهراً من اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع".
ووافق الجيش و"قوات الدعم السريع" في السودان على توفير ممرين آمنين للمساعدات الإنسانية للتخفيف من تداعيات الحرب الدائرة بينهما منذ نحو عام ونصف العام، وذلك في بيان ختامي صدر اليوم بعد مباحثات في سويسرا.
وأكدت دول الوساطة في البيان أنها استحصلت "على ضمانات من طرفي النزاع لتوفير نفاذ آمن ومن دون عراقيل عبر شريانين رئيسين، هما الحدود الغربية عبر معبر أدري في (إقليم) دارفور، وطريق الدبة التي تتيح الوصول إلى الشمال والغرب من بورتسودان". مشددة على أن "الغذاء والجوع لا يمكن استخدامهما سلاحاً في الحرب".
وأكد البيان الختامي للمباحثات أن "شاحنات المساعدات في طريقها لتأمين مساعدات لمواجهة الجوع في مخيم زمزم وأجزاء أخرى من دارفور"، مشدداً على ضرورة أن "تبقى الطرق مفتوحة وآمنة لنتمكن من إدخال المساعدات إلى دارفور ونبدأ بتحويل مجرى الأمور ضد المجاعة".
وشدد الوسطاء في بيانهم على مواصلة "تحقيق تقدم" بغرض فتح ممر آمن ثالث للمساعدات عبر سنار في جنوب شرقي البلاد.
قصر نظر
وحول ما يشهده الملف السوداني من تطورات سياسية وعسكرية على إثر مفاوضات جنيف، قال الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء معتصم عبدالقادر، "على رغم تعامل واشنطن الطويل مع حكومات السودان المتعاقبة، لكن يبدو أنها بعيدة تماماً عن فهم المحركات الفكرية والسياسية للدولة السودانية شعباً وحكومات مختلفة وتتعثر دائماً في التعامل مع الملفات السودانية، ويرجع ذلك لتحركاتها المتأخرة وربطها للأحداث العالمية بالمكسب الانتخابي الداخلي".
وأضاف، "منذ التوقيع على إعلان جدة بين الجيش والدعم السريع في مايو (أيار) 2023، الذي انسحب منه الوفد الأميركي وعلق آليات التنفيذ انتظاراً لهزيمة الجيش السوداني لم تعد الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات إلا بعد أن استيقنت من هزيمة عملائها من الميليشيات المتمردة ونبذ القوى السياسية المساندة لها من قبل الشعب السوداني".
وأشار إلى أن "محاولات خلق منبر جديد في جنيف إجراء قصد منه تخليص الدول المتورطة في سفك وسحل الشعب السوداني وإخراجها في ثوب الوسطاء، وإعفاءها من المسؤولية الأخلاقية والجنائية على الجرائم المرتكبة التي أقر بها الخبراء الدوليون المتخصصون، كما أن اصطحاب الأميركان لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) ومشاورتها والسعي لتمكينها في السلطة مستقبلاً كي تكون أدواتها في البلاد من الأسباب التي زادت من قصر نظر واشنطن للقضايا السودانية وحجبها عن الواقع المؤلم في السودان".
ويرى عبدالقادر أن "فتح المعابر وانسياب المساعدات الإنسانية مسائل مبدئية تعمل الحكومة السودانية على وصولها لمستحقيها، لذلك استجابت لفتح معبر أدري رغم القناعة بأن ميليشيات الدعم السريع دأبت على نهب ممتلكات المواطنين والمساعدات التي تقدم إليهم والدليل على ذلك تفشي المجاعة في مناطق انتشارها وهرب المواطنين منها إلى مناطق الحكومة السودانية ودول الجوار".
وعدّ أن استمرار حكومة السودان عبر قواتها المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية في كنس الميليشيات عسكرياً واجب دستوري وقانوني تجاه المواطن الأعزل الذي تستهدفه بانتهاكاتها الوحشية المتنوعة بعد فشلها في تحقيق أهدافها الانقلابية والاستيلاء على السلطة وتبعثرها في البلاد في جزر معزولة، فضلاً عن المشاركة في أي مبادرات سلمية.
ورأى الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية أن انفتاح الحكومة السودانية على الدول من أجل مساندتها السياسية والعسكرية ضرورة أملاها التكالب التآمري ضدها من قبل أكثر من 20 دولة في قضايا مختلفة، مؤكداً أن سياسة الحكومة في حمل البندقية بيد وباليد الأخرى أغصان الزيتون وحمائم السلام، فضلاً عن التحالفات الداخلية الراسخة مع الحركات المسلحة والهبة الشعبية المسلحة المساندة حتماً ستقود إلى نصر مبين على الميليشيات المتمردة وحلفائها وشركائها وتؤدي إلى طريق إعادة الإعمار وعودة البلاد أقوى وأكبر بين الأمم.
مرارة الهزيمة
من جانبه، أوضح الأمين السياسي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر عبدالسلام أن "السجال من قبل الحكومة غير منطقي، في وقت يعاني الشعب السوداني الآن الأمرين من تشريد وغياب الشرعية السياسية المدنية، فضلاً عن معركة قضت على الأخضر واليابس، وفي نظري أن الطرفين المتحاربين خانا العملية السياسية ويرغبان في حكم عسكري، وكل طرف منهما يريد تحقيق نصر عسكري على الآخر لتقوية موقفه".
وأردف عبدالسلام، "في الحقيقة أن قيادة الجيش شاعرة بمرارة الهزيمة في مناطق مختلفة وتريد تحقيق نصر تذهب به للمفاوضات لأنها تعاني انكساراً نفسياً حاولت تعالجه بالاستنفار لكن لم يحقق نتائج مرضية، فنحن كقوى مدنية ليس لدينا مصلحة في هزيمة الجيش وأن يخرج من هذه المعركة مهزوماً، إذ نعده جيش الوطن على رغم من التدخلات السياسية داخله، لكن رغم تجاوزات الدعم السريع المريرة على الأرض من تشريد المواطنين ونهب ممتلكاتهم فإنه يعد وليد عقلية هذا الجيش الذي كانت قيادته الحالية والسابقة (فترة الرئيس السابق عمر البشير) تتفاخر به وتمجده وضخمته حتى أصبحت القوة العسكرية الأولى لاعتبارات مختلفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وواصل، "في تقديري أن الحكومة السودانية يصاحبها قصور في تعاطيها مع المفاوضات الجارية في جنيف لوقف إطلاق النار، لأنها لا تضم مدنيين سياسيين، فلذلك نشاهد ما يحدث من ترنح وغياب الفهم وليس أدل على ذلك من مقاطعة تلك المفاوضات والتشبث بضرورة تنفيذ مقررات إعلان جدة التي هي مجرد شعارات، لأن ما رشح خلال لقاء الجانبين الأميركي والسوداني في جدة أخيراً يؤكد أنه تم تناول القضية السياسية ولم يتطرق لمسألة الأعيان المدنية، حتى إن فشل لقاء القاهرة كان بسبب الاعتراض على افتقار وفد السودان للصلاحيات".
وأضاف الأمين السياسي في حزب المؤتمر الشعبي أنه "من المؤكد أن الولايات المتحدة لها خيارات مختلفة في التعامل مع الملف السوداني، وأن الجيش أيضاً خلق له خيارات أخرى من خلال العلاقات مع روسيا والصين وإيران، لكن كل ذلك ليس في مصلحة السودان الذي يتوق شعبه للسلام وتحول ديمقراطي عبر سلطة مدنية، فلا بد من قيادة الجيش التعقل بخاصة أن الأميركان يعترفون بشرعية الجيش بخلاف الدعم السريع، فيجب عدم خسران المجتمع الدولي".
نفق مظلم
في السياق يرى رئيس المكتب التنفيذي لحزب التجمع الاتحادي بابكر فيصل أن "المبادرة الأميركية تعد فرصة ذهبية لوقف الحرب لتوافر عوامل غير قابلة للتكرار في الأقل خلال الفترة القريبة المقبلة، ويقف على رأسها رعاية واشنطن للتفاوض بوصفها أكبر قوة مؤثرة وصاحبة نفوذ في مجتمع الدول، إلى جانب وجود كل الأطراف صاحبة المصلحة بصفة وسطاء أو مراقبين".
ولفت فيصل إلى أن الاهتمام الأميركي بلغ أقصاه في تواصل الرئيس جو بايدن مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من أجل حث الجيش السوداني على المشاركة في مفاوضات جنيف، لكن المؤكد أن هذا الاهتمام سيبدأ في التراجع خصوصاً أن الانتخابات الأميركية باتت على الأبواب وأن أية إدارة جديدة للبيت الأبيض لن تلتفت لترتيب أوراق السياسة الخارجية إلا بعد نهاية يناير (كانون الثاني) 2025 وهو موعد مباشرة الرئيس الأميركي الجديد لمهام منصبه.
وتابع، "كذلك من المؤكد سيقل حماس الشركاء الإقليميين وعلى رأسهم السعودية لرعاية أية وساطة جديدة، خصوصاً بعد التعثر الكبير الذي أصاب منبر جدة وانشغال الدول العربية بمشكلات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها في الإقليم (غزة)، فضلاً عن التغيير الذي سيشهده الاتحاد الأفريقي في دورته الجديدة".
وبين فيصل أن "جل هذه الأسباب ستسهم في انحسار الزخم الذي صاحب منبر جنيف لستة أشهر مقبلة في الأقل، وفي هذه الفترة سيحتدم الاقتتال ويتسع نطاق الحرب بسبب محاولة الأطراف تغيير الواقع على الأرض، وهو ما يزيد المعاناة الإنسانية ووصولها إلى درجات غير مسبوقة من السوء مع تفشي الأوبئة وغلاء السلع وندرتها واستهداف المدنيين من قبل الطرفين المتحاربين".
ومضى، "بلا شك أن استمرار الحرب شهوراً طويلة مقبلة يعني ازدياد التدخلات الخارجية السالبة وتعزيز خطاب الكراهية والانقسام الاجتماعي وتفاقم العنف واتساع نطاقه مع الزيادة في انتشار السلاح، وكل هذه العوامل لا شك ستؤدي إلى السير في طريق تفكيك البلد وتشظيه".
وتوقع رئيس المكتب التنفيذي لحزب التجمع الاتحادي مع نهاية فصل الخريف الحالي احتدام المعارك بين طرفي الصراع بصورة واسعة وانتقال الحرب لمناطق جديدة، لكن لن يكون هناك نصر حاسم لأي طرف، بل المؤكد أن فشل منبر جنيف سيكون بمثابة جرس إنذار بأن الحرب قد تدخل في نفق الحروب المنسية (الصومال مثالاً) التي استمرت لعقود من الزمن من دون أن يلتفت إليها المجتمع الدولي أو يعيرها الاهتمام اللازم.
كسب نقاط
فيما أشار الباحث القانوني أحمد موسى عمر إلى استدعاء عدد من الأشياء المحيطة بالحرب وما حولها بالنظر لمفاوضات جنيف خصوصاً الظروف العالمية فنجد أن المحور الغربي رسم خريطة طريق لسير الأوضاع في السودان لكنه لم يتحسب للموقف السوداني الشعبي من الحرب الذي تحول إلى تنظيمات مدنية وعسكرية دفاعاً عن عرضه وماله ووطنه بسبب انتهاكات الدعم السريع بحقه، لذا تغيرت موازين القوى الداخلية فاضحي الجيش هو طوق نجاة المواطن".
وتابع عمر، "كما أدى يأس الحكومة السودانية من دعم المجتمع الغربي لها دبلوماسياً بخاصة من ناحية منع التدخلات الخارجية في هذا الصراع إلى اتجاهها شرقاً الأمر الذي أربك الغرب بسبب تخوفاته من أي وجود روسي أو إيراني أو تركي أو صيني في السودان، بخاصة الصين لأسباب اقتصادية أكثر منها عسكرية، مما وضع الغرب أمام خيار الإسراع في حل الأزمة السودانية والسعي لتوسعة منبر جدة بمفاوضات جنيف لأغراض مقصودة أو نتائج غير مقصودة ومنها معالجة العلاقات السودانية الإماراتية، فضلاً عن سحب الملف السوداني من المحور الشرقي، ومحاولة إدخال موضوعات تتعلق بوضع الدعم السريع المستقبلي في المفاوضات".
وختم الباحث القانوني أن "الحزب الديمقراطي يسعى لكسب نقاط خارجية تساعده على السباق الرئاسي، وذلك إما بإنجاح جنيف أو حل الأزمة السودانية بأي شكل، لذلك فإن الإدارة الأميركية ستستخدم كل الأسلحة الممكنة للضغط على حكومة السودان عبر الدول أو بالتلويح بالعقوبات بسبب سعي البعض لتحويل العلاقة الأميركية- السودانية إلى شكل عدائي ونقل الولايات المتحدة من خانة الوسيط إلى خانة الطرف على رغم أن الأيام المتبقية لفترة حكم بايدن تعد فترة نقاهة تنفيذية تقل فيها اتخاذ القرارات الكبيرة، بالتالي في ضوء هذه المؤشرات يبقى ملف السودان مفتوحاً لكل الاحتمالات".
واندلعت المعارك منتصف أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وهو أيضاً رئيس مجلس السيادة والحاكم الفعلي للبلاد، وقوات "الدعم السريع" بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
واتسع نطاق الحرب لتطاول مناطق واسعة من البلاد، وتتسبب بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وبدأت المباحثات الأسبوع الماضي في جنيف برعاية الولايات المتحدة والسعودية وسويسرا، وحضرها ممثلون لقوات "الدعم السريع"، بينما غاب عنها الجيش واكتفى الوسطاء بالتواصل مع ممثليه عبر الهاتف.
وهدفت المباحثات التي حضرها خبراء وأفراد من المجتمع المدني، إلى تحقيق وقف للقتال وضمان إيصال المساعدات الإنسانية وتطبيق تفاهمات يوافق عليها الطرفان.
وسبق لطرفي النزاع أن أجريا سلسلة جولات من المباحثات خصوصاً في مدينة جدة، من دون التمكن من تحقيق خرق جدي أو الاتفاق على وقف مستدام للنار.
وأوقعت الحرب عشرات آلاف القتلى وأدت إلى أزمة إنسانية كبرى، وفق الأمم المتحدة التي وعلى غرار منظمات غير حكومية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، تندد بعوائق توضع أمام العمل الإنساني.
وأرغم النزاع أكثر من خُمس السكان على النزوح، بينما يواجه نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، "انعدام الأمن الغذائي الحاد"، وفق ما أفاد تقرير مدعوم من الأمم المتحدة في يونيو (حزيران).