Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السلاح الفلسطيني في لبنان... معادلة البندقية والسياسة

بقي تحت السيطرة طوال حياة ياسر عرفات وبعد خروج القوات السورية دعم "حزب الله" المجموعات الفلسطينية بالعتاد لتعزيز نفوذه

منذ بداية حرب غزة نشطت المجموعات الفلسطينية المسلحة في لبنان من جديد داخل المخيمات وخارجها (أ ف ب)

بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في الـ 26 من أبريل (نيسان) 2005، انعقدت أولى جلسات "الحوار الوطني" في الثاني من مارس (آذار) 2006 بهدف طي مرحلة السيطرة السورية على البلاد والتأسيس للمرحلة الجديدة، إذ كان الهدف التوصل إلى اتفاق على القضايا الإستراتيجية وعلى رأسها قضية سلاح الميليشيات اللبنانية والفلسطينية، إذ حضر الأقطاب السياسيون شخصياً ومن ضمنهم الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله.

وبعد جلسات متتالية قرر المجتمعون في الـ 14 مارس 2006 الموافقة على إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري وإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في مهلة ستة أشهر، ومعالجة قضية السلاح داخل المخيمات والعمل على حصرها بيد منظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بالتنسيق مع الجيش اللبناني، وذلك كبند تطبيقي للقرار الدولي رقم (1559) الصادر عام 2004، والداعي إلى حل جميع الميليشيات غير اللبنانية ونزع سلاحها.

 

وعلى رغم الغطاء الدولي لمقررات الحوار والأجواء الإيجابية وموافقة "حزب الله" حينها، قبل أن ينقلب عليها لاحقاً وينسف الاتفاق حين رفض نتائج تحقيقات المحكمة الدولية وحاول عرقلة تمويلها من داخل الحكومة، تؤكد تقارير استخباراتية وتصاريح عدة لمسؤولين من حركة "فتح" أن الحزب دعم بالمال والسلاح مجموعات فلسطينية وعلى رأسها "حماس" التي حاولت على مدى جولات عدة من القتال شهدتها بعض المخيمات، ولا سيما مخيم "عين الحلوة" في الجنوب، لتوسيع نفوذها والقضاء على منظمة التحرير.

كذلك لم يطبق بند تسليم سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات، إذ بقيت قواعد "الجبهة الشعبية" المنتشرة في جبال الناعمة والدامور على حالها، وكذلك قواعدها في البقاع الغربي بمنطقة قوسايا والتي شاركت في القتال إلى جانب الجيش السوري و"حزب الله" في سوريا منذ عام 2011.

واللافت أن القرار الدولي رقم (1701) ألقى الضوء مجدداً على السلاح الفلسطيني الذي أجمعت طاولة الحوار على سبل معالجته، مما يُلزم لبنان بواجبات جديدة سواء تجاه سلاح "حزب الله" أو سلاح الفلسطينيين خصوصاً في منطقة ما وراء خط نهر الليطاني، وحينها أبلغت الدولة اللبنانية الجانب الفلسطيني أنها تريد تسيير دوريات لقوى الأمن الداخلي اللبناني في جميع المخيمات الفلسطينية، وهو ما وافقت عليه السلطة الفلسطينية لكنه عُرقل بعد توسع نفوذ "حزب الله" داخل الحكومات المتعاقبة.

تجاوز "الطائف"

في هذا السياق يوضح مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات حسان القطب أن "اتفاق الطائف" تضمن حل مشكلة السلاح خارج المؤسسات الأمنية الشرعية، بما فيها السلاح الفلسطيني ضمن المخيمات وخارجها، وتعهد النظام السوري حينها بتطبيق الاتفاق لكنه لم يلتزم بما ورد فيه من بنود ومن ضمنها حل السلاح غير الشرعي بيد الميليشيات اللبنانية، وبرأيه فقد حرص النظام السوري على إبقاء السلاح الفلسطيني ليس فقط في داخل المخيمات بل وخارجها أيضاً، سواء في منطقة الناعمة طريق بيروت- صيدا التي تشرف على مطار بيروت، أو في البقاع الغربي.

 

ولفت إلى أن سلاح المخيمات الفلسطينية بقي قيد السيطرة والضبط تحت رعاية منظمة التحرير الفلسطينية طوال حياة الراحل ياسر عرفات ومن بعده رئيس السلطة الحالي محمود عباس، ولكن بعد خروج القوات السورية من لبنان واستلام "الثنائي الشيعي" الحاكم بدأت تبرز في بعض المخيمات الفلسطينية فصائل ومجموعات جديدة لم تكن موجودة في السابق، مثل "أنصار الله" و"الشباب المسلم" و"عصبة الأنصار" و"فتح الإسلام" وغيرها.

وأشار إلى أن الهدف من عملية تفريخ وصناعة مجموعات مسلحة في المخيمات الفلسطينية هو تسويق إبقاء سلاح ميليشيات "حزب الله" تحت شعار منع التوطين الفلسطيني، أي معادلة سلاح الثنائي في مقابل السلاح الفلسطيني، وذلك بهدف استخدام الورقة الفلسطينية لترهيب البيئة المسيحية من تكرار مشاهد ووقائع الحرب الأهلية (1975 – 1976)، وإظهار الثنائي الحاكم بمظهر الحاضن للقضية الفلسطينية الذي يقدم الدعم للفلسطينيين في لبنان وفي فلسطين، وتحريك ملف السلاح الفلسطيني عندما يتم الحديث عن ضرورة تسليم الثنائي سلاحه إلى الدولة اللبنانية، وترسيخ وحدة المؤسسة الأمنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد أن المجموعات الفلسطينية غير الخاضعة للسلطة الفلسطينية تُستخدم لتعطيل أي اتفاق بين السلطة الفلسطينية والدولة اللبنانية إذا لم يكن يناسب "الثنائي" الحاكم، بافتعال اقتتال بين هذه المجموعات بين حين وآخر ثم لا تتم تسويته إلا بتدخل مباشر منها.

وكشف القطب أن أسلحة هذه المجموعات خفيفة ولكن الخطورة تكمن في الاستثمار في جمهورها ومناصريها واستخدامهم حين يشعر بعضهم بأنه بحاجة إلى تأكيد وجود سلاحه، كما جرى خلال الأشهر الماضية من إطلاق صواريخ تجاه إسرائيل باسم منظمات فلسطينية، لتأكيد وجودها ووجود سلاحها ولكن برعاية مباشرة من "حزب الله" الذي يؤمن لها حرية التنقل والحركة ولعب الدور المطلوب.

شرعية سنيّة وفلسطينية

من ناحيته يشير الناشط السياسي المحامي أمين بشير إلى أنه منذ بداية حرب غزة نشطت من جديد المجموعات الفلسطينية المسلحة داخل المخيمات وخارجها ووجدت دوراً لها تجدده، ولكن من خلال "حزب الله" عبر إطلاق الصواريخ نحو شمال إسرائيل وإعلان حركة "حماس" في لبنان فتح باب التطوع للانضمام إلى ما سمته بـ "طلائع طوفان الأقصى"، كون الحزب يسعى إلى استغلال غطاء الطائفة السنيّة لإعطاء بعد وطني لحروبه، وكذلك الغطاء الفلسطيني لكسب شرعية القضية.

وأكد أن تلك التنظيمات لا تستطيع الحصول الصواريخ من دون علم ومساعدة "حزب الله" وغض نظر الدولة اللبنانية، متخوفاً من أن تعيد تلك الأعمال المسلحة فتح جراح اللبنانيين خلال الحرب الأهلية ومرحلة ما يعرف بـ "الكفاح المسلح" عبر الأراضي اللبنانية، وأن تفتح شهية مجموعات جديدة تركب موجة العصر، وكلما ازدادت تطرفاً دينياً تكون مطلوبة لدى "حزب الله" لكي يوقفها بوجه كل تيار "سنّي" معتدل وطني يدعو إلى سيادة الوطن على أراضيه.

 

وقال بشير، "نرى اليوم انتشار مجموعات جديدة تشجعت على العمل العسكري لأنه ليس لديها أي عمل آخر، لا سياسي ولا سواه، بل دورها العسكري هو المطلوب من قبل "حزب الله"، فنراها تقدم أوراق اعتمادها يومياً عبر البيانات الطنانة والرنانة ومصطلحاتها التي أكل عليها الدهر وشرب، ولكنها لا تخلو من شد العصب الديني والغلو في الاستثمار بالقضية الفلسطينية لاستثارة حمية الشباب المسلم السنّي تحديداً، مع بعض الامتيازات من حصانة حزبية وأسلحة وذخيرة".

وأضاف أن "الحزب استغل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها جميع المقيمين في لبنان لتأمين أعمال غير مشروعة عبر الحدود اللبنانية – السورية، والتي يغزوها تهريب البضائع ولا سيما المواد المحظور دخولها إلى سوريا بموجب العقوبات الأميركية، لكن هناك تجاراً لبنانيين وفلسطينيين يستقدمون هذه البضائع إلى مرفأ طرابلس ويقومون بإدخالها عبر شاحنات يومية، وذلك ضمن شبكة النفوذ والامتيازات التي يحصل عليه هؤلاء، ومع إمكان التجول على الأراضي اللبنانية كافة بموجب بطاقات حزبية يستخدمونها في أعمالهم تؤمن حمايتهم".

 

في المقابل تبرر أوساط مقربة من "حزب الله" أهمية السلاح داخل المخيمات الفلسطينية لسببين، الأول وجود "الاحتلال الإسرائيلي" قرب لبنان وحق دفاع الفلسطينيين عن وجودهم وحياتهم، والثاني مرتبط بالحال اللبنانية المضطربة التي من الضروري أن يكون الفلسطينيون فيها قادرين على الدفاع عن أنفسهم في ظل الانقسام اللبناني الحاد حول القضية الفلسطينية، مما يجعل من اللازم وجود سلاح بأيديهم.

وبرأيها فإن السلاح الفلسطيني في المخيمات شهد في الماضي مراحل تاريخية صعبة إلا أن وجهته واضحة اليوم صوب إسرائيل، والجميع شاهد حالياً على أهمية هذا السلاح في مساندة غزة إلى جانب فصائل "المقاومة"، ولذلك فإن من ينادون بسحبه أو يهاجمونه أهدافهم واضحة وتصب في مصلحة الدولة العبرية.

الكفاح المسلح

ويضم لبنان 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين معترفاً بها من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، بتعداد 174.422 لاجئاً، وبحسب مراجع رسمية لبنانية يتمركز اللاجئون بنسبة 36 في المئة في منطقة صيدا، و25 في المئة بمنطقة الشمال، و15 في المئة بصور، و13 في المئة في بيروت، ويشكل الأفراد ما دون الـ 15 عاماً 29 في المئة منهم، ويبلغ متوسط حجم الأسرة الفلسطينية في لبنان أربعة أفراد.

 

وتشكلت المخيمات الفلسطينية في لبنان من اللاجئين الذين جرى تهجيرهم من القسم الشمالي من فلسطين، وتحديداً قرى الجليل ومدن الساحل مثل يافا وحيفا وعكا، وكان معظمهم من سكان الريف والفقراء، وعلى رغم حال التعاطف معهم فإن قيوداً عدة تواجههم مثل تملك العقارات ومنعهم من مزاولة أكثر من 30 مهنة.

وبدأت قصة شرعنة سلاح المخيمات وامتلاكها بموجب "اتفاق القاهرة" عام 1969، حين سمح للفلسطينيين بإقامة قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني والعمل السياسي داخل المخيمات وتشكيل لجان للفلسطينيين ونقاط للكفاح المسلح داخل المخيمات، وتأمين الطرق للمشاركين في "الثورة الفلسطينية".

لكن الاتفاق تعرض لانتقادات لبنانية عدة واُعتبر تهديداً لسيادة الدولة لأنه يسمح بتشكيلات مسلحة من خارجها، وفي يونيو (حزيران) 1987 وقع الرئيس اللبناني أمين الجميل قانوناً يلغي "اتفاق القاهرة" مع منظمة التحرير، سبق أن صوّت البرلمان اللبناني على إلغائه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير