Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حدود مفتوحة وجواز موحد... هل يتحقق حلم الـ "شنغن الأفريقي"؟

تؤمن الخطوة فرصاً استثمارية واعدة في المنطقة التي تتمتع أصلاً بثروات هائلة يمكن استغلالها

يستهدف جواز السفر الموحد تسهيل حركة تنقل الأفارقة وتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز الحركة التجارية داخل القارة السمراء (أ ف ب)

ملخص

ستُلغى بموجبه الحدود بين 54 دولة ويصبح بإمكان شعوب أفريقيا التنقل بحرية وتتدفق البضائع والسلع بصورة غير مسبوقة

في وقت تئن القارة السمراء تحت وطأة مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية يصعب حلها، يسعى الاتحاد الأفريقي إلى تكريس "شنغن" أشبه بـ الـ"شنغن الأوروبي"، إذ ستُلغى بموجبه الحدود بين 54 دولة ويصبح بإمكان شعوبها التنقل بحرية وتتدفق البضائع والسلع بصورة غير مسبوقة.

تندرج خطة تكريس "شنغن أفريقي" ضمن أجندة 2063 التي رسمها الاتحاد الأفريقي منذ فترة ويسعى إلى تنفيذها على رغم المصاعب التي قد تعترض طريقها، على غرار انعدام الأمن واهتراء البنى التحتية في قارة لا تزال تعاني آفات مثل الفساد والمحسوبية والأنظمة الاستبدادية وغير ذلك.

مبادرة جادة

وعلى رغم حال الجمود التي تخيّم على ملف الـ"شنغن الأفريقي"، إلا أن التخطيط لإطلاق جواز سفر موحد بين الأفارقة الذين تتقاذفهم مياه البحر بعد أن اختار الآلاف منهم طريق الهجرة غير النظامية، جعل تحريك هذا الملف أقرب من أي وقت مضى.

ويستهدف جواز السفر الموحد أو التأشيرة الموحدة تسهيل حركة تنقل الأفارقة وتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز الحركة التجارية داخل القارة السمراء.

وأوضح رئيس مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية عبدالصمد ولد امبارك أن "أفريقيا تُعتبر ثاني أكبر قارات العالم من حيث الكثافة السكانية التي تصل إلى نحو 1.4 مليار نسمة، فضلاً عن أنها قارة يافعة نتيجة متوسط العمر الشاب والحيوي وكذلك وجود الثروات الطبيعية الهائلة في معظم أرجائها من معادن نفيسة ومقدرات ثمينة"، قائلاً في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "لكن القارة تعاني في الوقت نفسه جملة اختلالات بنيوية تهدد الأمن والتنمية وتقف في وجه أي مسعى جاد لتحقيق الاندماج والتكامل الاقتصادي بين أقطارها".

وتابع أنه "لذلك ظلت مختلف الجهود والسياسات الأفريقية تراوح مربع الانطلاقة نتيجة العجز عن تحقيق حلم الشعوب الأفريقية في التوحد، وخلق إطار شامل وجامع للمكون الأفريقي في نسق متجانس يفضي إلى التبادل وفتح الحدود أمام رأس المال البشري والمادي في الاستثمار والنهوض بالواقع المتردي الذي تعيشه القارة".

وبيّن ولد امبارك أن "الشنغن الأفريقي من المبادرات الجادة التي تتزامن مع استراتيجية 2063 والتي تضاف إلى جواز السفر الأفريقي الموحد، لكنها أمور ظلت غير قابلة للتطبيق نتيجة الخصوصية الأمنية التي تواجهها مختلف البلدان الأفريقية".

عقبات أمنية

ويبدو أن المشكلات الأمنية قد تُعرقل خطط الأفارقة لتحقيق حلم الحدود المفتوحة وذلك في وقت تعاني دول عدة استفحال معضلة تهريب البنزين ومواد أخرى.

وقال ولد امبارك إن "انتشار ظواهر مثل النزاعات المسلحة والخلافات والصراع المحتدم بين كثير من الأقطار وتفشي عوامل الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية، كلها أمور تشكل عقبات بل أخطاراً تهدد السلم الأهلي والتعايش السلمي في أرجاء المنتظم الأفريقي، كما تأخذ قضايا التحرر حيزاً مهماً من انشغالات أفريقيا باعتبار قضايا تصفية الاستعمار ما زالت مطروحة بشدة على مستوى اهتمامات الشعوب الأفريقية".

وأردف أن "هذه العوامل من ضمن أخرى حادة تعوّق بصورة مباشرة أية خطوة نحو التكامل والاندماج الاقتصادي الحقيقي، بل تشكل أحد المستحيلات نحو الاستثمار والتنمية المستدامة التي تطالب بها جل النخب الأفريقية".

ورأى أن "مسألة فتح الحدود ليست من أولويات المرحلة بالنسبة إلى قارة تعاني إشكالية متعددة ومعقدة ومتنوعة المصادر والأسباب، كما تتفاوت مستويات ومقدارت هذه البلدان بين بلد وآخر، فضلاً عن أن الخصوصية التي تطبع كل بلد تجعل من أفريقيا منظومة غير متجانسة، على رغم ما تزخر به من مؤهلات ذاتية تجعلها في مقدمة الركب إن أحسنت استغلال الموارد الطبيعية وعقلنت توجيهها وترشيد السياسات الإنمائية بصفة مشتركة، تفضي إلى صيانة القرارات الأفريقية المشتركة مع توحيد رؤية تضامنية لمواجهة المتغيرات التي يعرفها المنتظم الدولي".

مقاربة متعددة الأبعاد

وبالفعل، تُعاني دول أفريقية عدة أهمها في الساحل والصحراء اضطرابات أمنية جراء حركات تمرد وانتشار جماعات إرهابية على غرار "القاعدة" و"داعش"، علاوة على النزاعات بين دول جارة وغير ذلك.

ولم تتوقف متاعب القارة الأفريقية عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى حدوث موجة انقلابات عسكرية أطاحت بأنظمة وصعدت بحكام جدد يحملون تفكيراً مغايراً وعدلوا بوصلتهم على تحالفات جديدة.

وشهدت دول عدة هذا السيناريو مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو والغابون، وهي دول تُكافح من أجل الخروج من مربع الفوضى الأمني والسياسي والانهيار الاقتصادي على رغم الثروات التي تسبح فوقها.

وتسببت الانقلابات في تعميق الفجوة بين دول أفريقية عدة كما حدث بين بنين والنيجر والأخيرة ونيجيريا حيث تفاقمت الخلافات بين تلك الدول بسبب كثير من المعطيات أهمها خريطة التحالفات الإقليمية والدولية.

واعتبر ولد امبارك أن "قوة الأفارقة تكمن في صياغة مشروع مارشال موحد من شأنه تضافر الجهود للضغط من أجل مستقبل أفريقيا داخل عالم متجدد ومتحرك ويعرف متغيرات جذرية في القيم التي تحكم منطق عصر ما بعد العولمة والليبرالية والانفتاح الديمقراطي"، لافتاً إلى أن "منطق العالم اليوم يفضي حتماً إلى مقاربة نموذجية تمكن أفريقيا من أخذ مكانة مناسبة داخل المجتمع الدولي انطلاقاً من تاريخ القارة وحضارتها ومؤهلاتها".

وأبرز أن "أفريقيا تواجه مجموعة من التحديات التي تتطلب خططاً مشتركة ورؤية موحدة لضمان العبور الآمن بالقارة، نظراً إلى حجم الأخطار المحدقة بالمنطقة وانتشار مظاهر عدم الأمن وعدم الاستقرار السياسي الناجم عن ظاهرة الانقلابات العسكرية وتفشي الانقسامات الفئوية والإثنية والطائفية والقبلية والجهوية، وأمور تنخر الجسم الأفريقي وتقف عائقاً أمام أية سياسة جامعة محكمة يراد لها النجاح، مما يتطلب التفكير الجاد للنخب المثقفة قصد التوصل إلى الحلول الجذرية للمشكلات التي تعانيها أفريقيا في تكاملها وشمولها".

وخلص إلى أن "العقل الأفريقي بحاجة اليوم إلى مقاربة متعددة الأبعاد تضمن الانسجام الحقيقي للنهوض وإعادة بناء المكون الأفريقي انطلاقاً من المصالح العليا للمنظومة الأفريقية، مما يفرض من دون شك خلق رأي عام موحد لصيانة مستقبل أفريقيا واحدة وموحدة".

يفتح آفاق لكن

وكان الاتحاد الأفريقي أطلق أجندة 2063 في مايو (أيار) 2013، عندما كان يحتفل بمرور 50 عاماً على تأسيسه، وهو مشروع طموح بالفعل يقوم على سبعة محاور رئيسة هي التنمية المستدامة والتنمية الشاملة وقارة موحدة ومندمجة، معتمدة على مبادئ الحوكمة الرشيدة مع احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية وسيادة القانون وتكريس هوية ثقافية واضحة وميراث وقيم مشتركة والتعويل على أبناء القارة وتكريس الأمن والاستقرار.

وكان مسار رسم هذه الأجندة ثمرة جهود مشتركة بذلتها منظمات إقليمية في غرب أفريقيا وشرقها، والأمم المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي.

واعتبرت الباحثة في الشؤون الأفريقية ميساء نواف عبدالخالق أن "الشنغن الأفريقي خطوة مهمة وقد يساعد الدول الأفريقية على التعاون في ما بينها، ونحن نعرف أن الدول الأفريقية غنية وقد تكون الاستثمارات البينية بينها واحداً من جملة حلول لأزماتها الاقتصادية".

وتساءلت "لكن هل ستنجح هذه الخطوة أم لا؟. 54 دولة أفريقية بعضها يعاني مشكلات حتى على مستوى بنى الدولة، وتحقيق هذا الحلم يحتاج إلى خطوات كبيرة، والتحدي الأكبر هو إزالة العقبات أمام هذا الحلم".

وأكدت في حديث خاص أنه "إذا نجحت الدول الأفريقية في تكريس الـ’شنغن الأفريقي‘، فستكون لذلك نتائج اقتصادية مهمة على مستوى الاستثمارات والعلاقات بين دول القارة، وسيشجع المستثمرين الأجانب على سبر أغوار الاستثمار داخل القارة الغنية بالمعادن والنفط وغيرهما".

وخلُصت عبد الخالق إلى أن "الشنغن سيفتح آفاقاً استثمارية ويشجع الدول على الاستثمار في القارة وفتح سوق حرة مشتركة، لكن هناك عقبات متعددة أبرزها ضعف الدولة البنيوية، مما يحول دون التوصل إلى رؤى مشتركة بين الدول الأفريقية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثروات مهدورة

وتأتي خطط الاتحاد الأفريقي الذي يسعى إلى القيام بدور حاسم في ظل التغيرات التي تعرفها القارة سياسياً وأمنياً، في وقت يضع كثير من الأفارقة نصب أعينهم الهجرة غير النظامية كملاذ أخير لهم في ظل انهيار الأوضاع في دولهم.

وتعرف دول عدة مثل الجزائر وليبيا وتونس تدفقاً غير مسبوق من المهاجرين من منطقة غرب أفريقيا، وهم الذين يحدوهم أمل العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط، مما يضع الاتحاد الأفريقي أمام تحدٍّ آخر وهو وضع حدّ لاستنزاف طاقاته.

وقال الباحث السياسي محمد أوال إن "أفريقيا غنية بثرواتها سواء الباطنية أو الظاهرة لكن كلتيهما مهدورة، لقد قام عدد كبير من الشركات الغربية سواء المتخصصة في التنقيب عن النفط أو الذهب أو اليورانيوم باستغلال ثرواتها من دون مقابل يُراعي سيادتها".

وتابع أوال في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أنه "في المقابل هناك ثروات أخرى مهدورة وهي أبناء القارة الذين يتم تكوينهم وتعليمهم بكلفة باهظة في المؤسسات التعليمية الوطنية، ليصبحوا مهندسين أو أطباء أو غير ذلك ليغادروا لاحقاً سواء بصورة نظامية أو غير نظامية نحو عواصم غربية حيث يجدون وظائف لم يجدوها في دولهم وبيئة عمل أفضل من تلك المتوافرة في بلدانهم".

وأكد أن "الاتحاد الأفريقي والمنظمات عليها التفكير في مثل هذه النقاط لسد الثغرات أمام تحقيق حلم ’شنغن‘، وهو حلم بالفعل لو يتحقق قد يُشكل حلاً لأزمات القارة لكنه غير قابل للتحقق ما دام أن حال الفوضى والانقلابات التي تقوّض المؤسسات والديمقراطية في القارة، مستمرة".

وبالفعل، من شمال القارة إلى غربها فشرقها، يهاجر سنوياً آلاف الأطباء والمهندسين نحو دول غربية وجدوها ملاذاً لهم في ظل ما توفره من رواتب وظروف عمل مريحة لهم.

وبات هذا الوضع مدعاة لقلق كثير من المنظمات والسلطات في القارة التي تسعى إلى الحفاظ على "رأسمالها البشري"، خصوصاً في دول يعاني نظامها الصحي مشكلات حقيقية.

ورأى أوال أن "إقناع أبناء القارة بالبقاء فيها هو أولوية باعتقادي لأن فتح الحدود بين دولها من دون الاستفادة من ذلك من حيث تنقل وتبادل الخبرات والكفاءات أمر غير مجدٍ، وكفاءاتنا تغادر الآن لذلك يجب وقف النزيف أولاً".

وتابع أنه "ثانياً يجب على الأفارقة التحرك بصورة منسقة ضد المشكلات الأمنية، لا يهم من يحكم في الدول التي تشهد فوضى، المهم هو وضع حد لهذه الفوضى التي تكتوي منها دول عدة وليست تلك الدولة فقط، فما يحدث في الساحل الأفريقي يلقي بظلاله على ليبيا والجزائر وتونس وغيرها، ويجب على قادة القارة التحرك لأن شعوبها يدركون الاخطار ويدعون إلى التكاتف من أجل الوحدة بدلاً من التشتت الحالي".

استثمارات واعدة

ومن المقرر أن يتيح فتح الحدود بين 54 دولة أفريقية فرصاً استثمارية واعدة في القارة السمراء التي تتمتع أصلاً بثروات هائلة يمكن استغلالها.

وتوقع تقرير للبنك الدولي أن يشهد نمو الاقتصادات الأفريقية ارتفاعاً خلال العام الحالي بنسبة 3.4 في المئة، وإلى 3.8 في المئة في غضون 2025 وهي نسبة تُعدّ متدنية في ظل ثروات القارة والفرص التي توفرها.

وتهدف أجندة 2063 إلى جعل المجتمع الأفريقي بلا حدود مع تعزيز التجارة والاستثمار بين دول القارة، وكذلك العمل على مساندة مواقفها خلال المفاوضات حول الصفقات الاستثمارية مع دول خارج القارة.

وينشط عدد من الشركات البترولية والمتخصصة في مجالات أخرى على غرار الذهب واليورانيوم في القارة مثل شركات "توتال" و"أورانو" وغيرهما.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة، فإن قارة أفريقيا موطن لنحو ثمانية في المئة من احتياطات العالم من الغاز الطبيعي، في وقت يتزايد الطلب على هذه المادة، خصوصاً بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا في الـ24 من فبراير (شباط) 2022.

وتملك القارة كذلك نحو 60 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، ولديها نصف احتياط الذهب في العالم وهو احتياط يتركز بصورة رئيسة في السودان وغانا وزامبيا ونيجيريا وزيمبابوي ومصر.

وتعيش الاستثمارات كما التحالفات العسكرية في أفريقيا على رمال متحركة، حيث تجاوزت الصين باعتبارها لاعباً اقتصادياً واستثمارياً، الولايات المتحدة الأميركية بحجم الاستثمارات في القارة، بينما سجلت روسيا دخولاً منقطع النظير عسكرياً وحلت محل فرنسا التي كانت موجودة عسكرياً بالتوازي مع استثمارات في منطقة الساحل الأفريقي.

مرحلة جديدة

ووسط عجزها في كثير من التدخلات على غرار فض النزاعات بين دولها الأعضاء، فإن قدرة منظمة الاتحاد الأفريقي على تكريس "شنغن" الذي تُعلق عليه آمال كبيرة بالفعل غير واضحة.

وقال أوال إنه "لا يجب أن نكون متشائمين لكن حتى جواز السفر الأفريقي لا يزال تداوله محدوداً للغاية، لذلك لا يمكن الجزم بقدرة الاتحاد الأفريقي على تحقيق تقدم في مسألة الـ’شنغن‘ على أرض الواقع".

وأوضح أن "منظمة الاتحاد الأفريقي مرت بمراحل تاريخية، أولها عندما كانت منظمة الوحدة، ووقتذاك اقتصر نشاط المنظمة وعملها على دعم مساعي استقلال الدول الأفريقية عن المستعمرين البريطاني والفرنسي وغيرهما، لكن الآن المنظمة دخلت مرحلة جديدة".

وشدد أوال على أن "قادة الاتحاد عليهم أن يكونوا في مستوى هذه اللحظة، لكن الثابت أن هناك أموراً كثيرة ليست بأيديهم أيضاً، إذ هناك ضغوط خارجية تُكرس ضد هؤلاء".

المزيد من تقارير