ملخص
يرى حقوقيون أن تعديلات الحبس الاحتياطي في مصر ستكون بلا فائدة إذا لم يلغ العمل بمثيلاتها في قانون مكافحة الإرهاب والتوقف عن تدوير المتهمين
تترقب الأوساط الحقوقية والسياسية في مصر الصورة النهائية للتعديلات التشريعية الخاصة بمواد الحبس الاحتياطي، بعد استجابة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى مقترحات مقدمة من الحوار الوطني، وإحالتها على الحكومة، التي بدورها أحالت على مجلس النواب مجموعة من تعديلات قانون الإجراءات الجنائية.
وينتقد حقوقيون وسياسيون حبس متهمين احتياطياً مدداً طويلة على ذمة قضايا سياسية وجنائية، مع التحفظ على أموالهم ومنعهم من السفر، وتكررت المطالبات بتعديل تشريعي يمنع أن تكون مدة الحبس الاحتياطي عقوبة بحد ذاتها، بخاصة أن القانون يحددها عامين في بعض القضايا.
وقدم مجلس أمناء الحوار الوطني في الـ19 من أغسطس (آب) الجاري 24 توصية في شأن الحبس الاحتياطي، ورفعها إلى الرئيس السيسي، بعد مناقشات شارك فيها 120 متحدثاً من مختلف الانتماءات، وفق بيان للمجلس. وشملت الجلسات بحث مدة الحبس الاحتياطي وبدائله وتطبيقه في حال تعدد الجرائم في الوقت نفسه، إضافة إلى التعويض عن الحبس الاحتياطي الخاطئ والتدابير المصاحبة له.
وبعد أقل من 48 ساعة على تقديم التوصيات، أعلن السيسي استجابته ووجه بإحالة التوصيات على الحكومة وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها، لافتاً إلى أن تلك الاستجابة لتوصيات الحوار الوطني "نابعة من الرغبة الصادقة في تنفيذ أحكام الدستور المصري والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان".
وأكد السيسي "أهمية خفض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي إجراء وقائياً تستلزمه ضرورة التحقيق، من دون أن يتحول إلى عقوبة، مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطي المختلفة، وأهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ".
سرعة استجابة السيسي لاقت ردوداً مرحبة من أعضاء البرلمان والأحزاب والنقابات وعدد من الشخصيات العامة، وسارعت الحكومة إلى تبني مسودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد المقدمة من لجنة الشؤون الدستورية والقانونية بمجلس النواب، بدلاً من مشاريع القوانين السابق إرسالها من الحكومة إلى المجلس في هذا الشأن.
ومنذ مطلع الأسبوع الجاري عقدت اجتماعات عدة في مجلس النواب بمشاركة وزارات وممثلين عدة عن نقابة المحامين والنيابة العامة والقضاء العسكري وغيرها، في مؤشر على الإسراع في إنجاز التعديلات القانونية المطلوبة.
السوار الإلكتروني
ويرى عضو مجلس أمناء الحوار الوطني والمحامي الحقوقي نجاد البرعي أن تقليص مدة الحبس "ليس الحل الأمثل"، موضحاً "التشريع يجب أن ينص على مدة محددة للنيابة العامة إما تحيل المتهم للمحاكمة أو تخلي سبيله، وأنه لا يمكن أن يظل سيف الاتهام على رقبة المتهم سنوات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن رؤيته للتشريع قال البرعي لـ"اندبندنت عربية" إنه "على سبيل المثال في جرائم الجنح بنهاية الأشهر الأربعة للحبس الاحتياطي إذا لم تجد النيابة دليلاً تحيل به المتهم للمحاكمة، فيمكن منحها ثلاثة أشهر تدابير احترازية قبل المتهم، وبعدها تصدر أمراً بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بما يعني (حفظ القضية)، فضلاً عن إلغاء المنع من السفر مباشرة من دون استمرار المتهم في التظلم عليه كل ثلاثة أشهر، بحسب ما تنص مواد قانون الإجراءات الجنائية الحالية".
أما عما يسمى بـ"التدوير"، أي إعادة اتهام المحبوسين بعد إخلاء سبيلهم في قضايا أخرى، فوصفها بأنها "ممارسة غير قانونية، ولا يجب أن توجه الاتهامات نفسها مرة أخرى إلى المتهم"، لافتاً إلى إمكان تطبيق "السوار الإلكتروني تدبيراً احترازياً، مصر لديها بنية تكنولوجية جيدة، لكن الأفضل إنهاء الاتهام بالإحالة للمحاكمة أو الحفظ خلال مدة زمنية محددة، فاستخدام التدبير الاحترازي قد يسبب وصمة مجتمعية للمتهم"، مؤكداً أن هناك إرادة سياسية لإحداث اختراق في مسألة الحبس الاحتياطي.
كذلك اقترح أستاذ القانون في جامعة القاهرة عبدالله المغازي تطبيق "الأسورة الإلكترونية على أي متهم محبوس احتياطياً مثلما يحدث في بلاد عربية وأوروبية"، مؤكداً أن ذلك "سيخفف عن كاهل الدولة أية نفقات مادية للمحبوسين احتياطياً داخل السجون".
ما المدة المنطقية؟
وفي رأي المغازي "يكفي أن يكون المتهم متحفظاً عليه داخل منزله لحين انتهاء التحقيقات"، مؤكداً أن مدة 18 شهراً حبساً احتياطياً "طويلة جداً"، وهي المدة التي يجري التداول حولها في مناقشات مجلس النواب، مشيراً إلى أن تلك المدة تشكك في استدلال النيابة والتحقيقات، متسائلاً "كيف يوضع متهم قيد التحقيقات كل هذه المدة من دون الإحالة والتأكد من صيغة الاتهام؟"، مجيباً "المدة المنطقية قد تكون 6 أشهر".
وأشار المغازي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إلى أن أقصى مدة لوقف تنفيذ العقوبة في القانون المصري هي عام، مما يعني أن مداناً يكون حراً طليقاً، بينما متهم يحبس احتياطياً لمدة تصل إلى عامين، على رغم القاعدة القانونية بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، متسائلاً أيضاً "لماذا تطبق نفس مدة إيقاف التنفيذ على الحبس الاحتياطي؟".
وكان رئيس اللجنة الفرعية المشكلة لتعديل قانون الإجراءات الجنائية النائب إيهاب الطماوي قال في تصريحات صحافية إن التعديلات التي أدخلتها اللجنة في مواد الحبس الاحتياطي تشمل خفض مدد الحبس الاحتياطي لتكون في الجنح أربعة أشهر بدلاً من ستة أشهر، وفي الجنايات 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، و18 شهراً بدلاً من سنتين، إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام.
أوقفوا التدوير
من جانبه يقول المحامي الحقوقي ورئيس المركز العربي لاستقلال القضاء ناصر أمين لـ"اندبندنت عربية" إن تعديل قانون الإجراءات الجنائية "يحتاج إلى إعلان فلسفة قانونية واضحة"، لكنه يستنبط من بعض التعديلات الحالية أن هناك اتجاهاً من المشرع لـ"الإساءة إلى سمعة القاىون، والاتجاه لاستخدامه في مزيد من القمع واللا عدالة"، مستدلاً بمواد توسيع سلطة النيابة العامة في مقابل الانتقاص من حق المتهم ودفاعه.
أما عن تعديلات الحبس الاحتياطي فيرى أمين أنها "ستكون بلا فائدة إذا لم يلغ العمل بمثيلاتها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لعام 2015"، موضحاً "كي لا تكون تعديلات الحبس الاحتياطي مجرد دعاية يجب التوقف عن ممارسة التدوير (الاتهام في قضايا عدة متلاحقة)"، الذي اعتبره "ممارسة غير قانونية وتهدر حق المتهم ومبدأ العدالة".