ملخص
يرى بعض نواب البرلمان في تونس أن إيقاف زميلهم تم من دون احترام الإجراءات ودعوا وزيري العدل والداخلية إلى البرلمان، بينما يعتقد آخرون بأن الدستور الجديد نص على عدم تمتع النواب بالحصانة في حالات العنف داخل البرلمان وخارجه.
عاد الجدل في تونس حول الحصانة البرلمانية بعد توقيف النائب المستقل حمدي بن صالح، وأثناء جلسة عامة للبرلمان طالب عدد من النواب بإطلاق سراح زميلهم، ورفعوا شعارات وصوراً للنائب المحتجز، كما دعوا وزيري الداخلية خالد النوري والعدل ليلى جفال إلى عقد جلسة طارئة للتداول حول اعتقاله، وسط تباين المواقف إزاء حدود الحصانة البرلمانية وهامش التمتع بها.
وبينما أكد النائب ورئيس لجنة التشريع العام في البرلمان ياسر القوراري أن القانون فوق الجميع بمن فيهم النواب، اعتبر رئيس كتلة الخط السيادي الوطني عبدالرزاق عويدات أن إجراءات إيقاف النائب حمدي بن صالح تكتنفها شكوك تحتاج إلى توضيح.
وينص الفصل 66 من الدستور الجديد في تونس على "لا يتمتع النائب بالحصانة البرلمانية بالنسبة إلى جرائم القذف والسب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضاً في حال تعطيله السير العادي لأعمال المجلس".
والجدل حول الحصانة البرلمانية في تونس ليس جديداً، إذ أثير حوله لغط كبير في البرلمان السابق، عندما وصل الأمر إلى تبادل العنف بين النواب تحت قبة المجلس، علاوة على ممارسات عدد منهم خارج أسوار البرلمان.
القطع مع الممارسات البرلمانية السابقة
وفي السياق، يؤكد أستاذ القانون العام ناجح سالم في تصريح خاص أن "الحصانة البرلمانية في دستور 2022 تتعلق بما يؤدّيه النائب في مناسبة أو أثناء أداء وظيفته، بمعنى أن النائب يكتسب الحصانة عند مناقشته للقوانين في الجلسة العامة، أي إنه لا يؤاخذ على الأقوال التي يدلي بها شرط عدم مساسها بسمعة زملائه وخلوّها من التجريح"، وأضاف أن "النائب يكتسب أيضاً الحصانة عند مغادرته للجلسة العامة في البرلمان أو عند توجهه إلى المجلس لأداء عمله".
وبينما لم ينص دستور 2022 صراحة على هذه التفاصيل، إلا أن سالم يشير إلى تغيير عبارة "السلطة التشريعية" في دستور 2014 بـ"السلطة الوظيفية"، مما يعني أن النائب هو موظف يمارس وظيفة التشريع ومناقشة القوانين وعليه فالحصانة تُكتسب أثناء ممارسة تلك الوظيفة أو بمناسبتها أي عند تنقل النواب إلى الجهات في إطار ممارسة مهماتهم.
وتضمّن دستور 2022 مقاربة مختلفة عن دستور 2014 في ما يتعلق بالحصانة البرلمانية من أجل القطع مع الممارسات التي كانت سائدة في البرلمان السابق.
ويرى ناجح سالم أن "دستور 2022 ضيّق من نطاق الحصانة التي كان يتمتع بها النواب في دستور 2014، ولم يعُد مسموحاً للنواب أن يمارسوا تلك الأفعال التي كان يأتيها بعضهم في البرلمان السابق، ومن بينها الثلب والعنف اللفظي أو المادي، مما أعطى صورة سلبية عن البرلمان لدى عموم التونسيين الذين طالب بعضهم بحل البرلمان وقتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد بأن "ما أتاه بعض النواب من احتجاج داخل البرلمان على خلفية إيقاف زميلهم حمدي بن صالح، يتنزل في إطار التضامن القِطاعي (الوظيفي)، بعيداً كل البعد من مفهوم الحصانة البرلمانية، مما يكرّس المقاربة التي تعتبر البرلمان وظيفة وليس سلطة"، لافتاً إلى أن "إيقاف النائب تم بعد استشارة مجلس النواب حتى تنأى الوظيفة القضائية بنفسها عن كل المؤاخذات، والنائب لا تمنحه صفته إمكان تجاوز القانون، وما حصل لا يدخل في إطار وظيفة النائب لأن من مقاصد دستور 2022 القطع مع ممارسة العنف في مجلس نواب الشعب أو خارجه".
معاملة النواب كبقية المواطنين
وكان المتحدث الرسمي باسم محكمة سوسة وسام الشريف صرّح بأن النيابة العمومية أصدرت أمراً بإيقاف النائب حمدي بن صالح، استناداً إلى شكوى قدّمها موظف في بلدية سوسة، قال فيها إنه تعرض للعنف اللفظي والجسدي، بعد خلاف مع النائب وصل إلى حد الاعتداء الجسدي.
واستغرب النائب عبدالرزاق عويدات، استناد القضاء إلى الفصل 66 من الدستور الذي ينص على "عدم تمتع النواب بالحصانة في قضايا الثلب والعنف، سواء داخل البرلمان التونسي أو خارجه"، مشيراً إلى أن "الهدف من هذا الفصل هو تفادي تعطيل أعمال البرلمان، وليس إسقاط الحصانة في كل الحالات".
وأكد عويدات أنه "تم احتجاز النائب بينما تم الإبقاء على الطرف الآخر في حال سراح"، مضيفاً أن "البرلمان لا يطالب بمعاملة خاصة للنواب، بل يسعى إلى أن يعاملوا مثل بقية المواطنين لأنه في حالات العنف البسيط بين المواطنين، عادة ما يتم عرضهم على المحكمة في حال سراح، ثم تغريمهم مالياً بدلاً من إيقافهم".
لا حصانة مع العنف
في المقابل، يؤكد رئيس لجنة التشريع العام ياسر القوراري في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أننا "كنواب لا ندافع عمّن يمارس العنف، ولم نطالب بإطلاق سراح النائب الموقوف، بل نطالب باحترام مقتضيات الدستور وليتحمل كل طرف مسؤوليته".
ويضيف أنه "في حال التلبس يتم إعلام مجلس النواب قبل إيقاف النائب ويبدأ المجلس إجراءات رفع الحصانة عنه، وإذا لم تُرفع الحصانة فإن التتبعات القضائية تؤجل إلى ما بعد نهاية المدة النيابية، أما في حال ممارسة العنف فلا يمكن الحديث عن الحصانة لأن الدستور واضح وينص على عدم تمتع النائب بالحصانة عند ممارسته العنف سواء كان داخل البرلمان أو خارجه".
وفي ما يتعلق بدعوة وزيري العدل والداخلية إلى البرلمان، علّق القوراري أن الهدف من الدعوة هو "التأكيد على احترام الإجراءات والدستور وأن لا أحد فوق القانون بمن فيهم النواب".
ولا يمنح دستور 2022 صلاحيات رقابية مباشرة للبرلمان على أعضاء الحكومة، بالتالي فإن تصويت البرلمان في الجلسة العامة على طلب عقد جلسة حوارية مع وزارتي العدل والداخلية لا يعني بالضرورة انعقادها لأنها مشروطة بموافقة مسبقة من الوزيرين المعنيين.