Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين المنع والإباحة... جدل اللحية والـ"كاب" العسكري

بعض الدول أجازتها لاستقطاب منتسبين جدد إلى جيوشها والقضية تتحول عربياً إلى أبعاد دينية وسياسية

إطلاق اللحى في الجيش من عدمه يتعلق بجوانب دينية وسياسية   (اندبندنت عربية – علاء رستم)

ملخص

بينما تستند المناقشات في ما يتعلق بالسماح للجنود بإطلاق لحاهم في الجيوش العالمية إلى أمور مثل الحريات الشخصية والنظافة الشخصية ومدى ملاءمة طول شعر الوجه للمعدات العسكرية يتحول الجدل في العالم العربي إلى جوانب دينية وسياسية بحتة.

في حين لا تتوقف صرعات تربية اللحى ما بين قصيرة ومدببة، وذات حواف ناعمة دائرية أو شعثاء، حتى إن موضة تربية اللحية انتشرت أخيراً باعتبارها نوعاً من الـ"ستايل"، لكن المنتسبين لغالبية المؤسسات العسكرية في العالم محظورون من تجربة أي من هذه المظاهر، فالقواعد الصارمة تتخطى قطعاً مسألة البحث عن الوسامة والجاذبية أو اعتماد "لوك جديد"، والأسباب مختلفة ما بين سياسية ودينية وتنظيمية وأخرى تتعلق بالسلامة، والأمر ينطبق إلى حد ما على المؤسسات الأمنية، إذ إن كثيراً من الدول تشدد على ضرورة التزامهم بضوابط تشمل الشعر والذقن والشارب والوشوم إضافة إلى الزي الرسمي بالطبع، بعد أن كان الجنود يتباهون باللحية والشارب حتى ما قبل القرن الـ20 باعتبارهما من علامات القوة والصرامة والجلد، وكلها أمور تتلاءم مع فكرة الخدمة العسكرية وحماية الأوطان.

لكن على ما يبدو فإن هناك تغييراً ما يحدث، إذ تم التخلي عن بعض تلك البنود الصارمة في بعض الجيوش، وبات هناك هامش من الحرية في اعتماد اللحى إذا ما طابقت مواصفات معينة تتم مراقبتها بعناية، وقد يكون قرار الجيش البريطاني بالسماح لجنوده بإطلاق لحاهم من ضمن علامات هذا التوجه، إذ جاء بعد مرور قرن من الزمان من حظر اللحية في غالبية أسلحة جيش المملكة المتحدة، وقد أصدر الملك تشارلز الثالث باعتباره القائد العام للقوات المسلحة قراراً في مارس (آذار) الماضي بإنهاء حظر إطالة شعر الوجه في الجيش بعد 100 عام من تطبيقه بصرامة.

لحى الجنود الشباب

يأتي هذا بعد نحو ستة أعوام من اتخاذ الدولة الكندية قراراً مماثلاً إذ سمح للمنتسبين الجنود بإطلاق لحاهم وإنهاء أعوام المنع، ليستقطب القرار منتسبين جدداً لصفوف الجيش لا سيما من الجيل الأصغر سناً، وهو تفسير تم تبنيه أيضاً في الحال الإنجليزية، إذ ذكرت الـ"تلغراف" أن التغيرات الأخيرة تستهدف تشجيع محبي اللحى للانضمام للمؤسسة العسكرية، وكذلك تعزيزاً لمبدأ الشمول إذ إن شكاوى الجنود وجدت صداها أخيراً بعد كل هذه العقود من الحرمان من إطلاق لحاهم، ووفقاً للصحيفة فقد وصف وزير الدفاع البريطاني السابق غرانت شابس، هذه القواعد بالسخيفة خصوصاً أنه طوال هذا الوقت كان مسموحاً بتربية اللحى لجنود سلاح الجو الملكي البريطاني وكذلك جنود البحرية الملكية.

 

مع ذلك لا تزال هناك ضوابط أساسية يجب أن يلتزم بها العسكريون تتعلق بضرورة تشذيب اللحية، وأن تكون قصيرة ومنسقة، كما أنه يتحتم عليهم حلقها إذا أعاقت وضع الخوذة بصورة سليمة أو إذا اضطروا إلى استخدام أي أقنعة للحماية من الغازات، أو إذا اقتضت بيئة التدريب ومتطلباته ذلك، وربما تكون هذه النقطة هي التي تجعل جيوشاً كثيرة تشدد على فكرة حلق اللحية خصوصاً في القطاعات التي يتلقى فيها الجنود تدريبات تلزمهم بارتداء الأقنعة المشابهة، وأيضاً في القطاعات التي قد تستلزم الغوص أسفل الماء مما يجعل من الضروري عدم وجود ما يعوق استخدام أقنعة التنفس ومتطلبات الغطس.

واللافت أنه جرت العادة بالنسبة إلى تربية اللحى في الجيوش ألا تكون من دون شوارب، إذ يجب أن ترتبط بشارب مشذب أيضاً لا يغطي الفم، كما أن عديداً من المؤسسات العسكرية تتيح تربية اللحية إذا ما اقتضت الأوامر الطبية ذلك خصوصاً أن المواظبة على استخدام أدوات الحلاقة الحادة قد تسبب لدى بعض الأشخاص تحسساً جلدياً، وفي ما يتعلق ببريطانيا على وجه التحديد فإن الهدف من حظرها في ما سبق كان يتعلق بالحرص على توحيد مظهر الجنود لكي لا يتمايزوا عن بعضهم بعضاً، خصوصاً مع تنامي الاعتراف بأن التزام تفاصيل مثل الزي وقص اللحية تمثل رمزاً أساسياً من رموز الرضوخ للقواعد والأوامر العسكرية باعتبارها أشياء لا نقاش فيها ولا مجال للحريات الشخصية المتعلقة بالمظهر.

مبررات دينية وسياسية

توحيد المظهر سبب أساسي يتم ذكره حينما يتعلق الأمر بشروط "الميري" بحسب التعبير الشائع الذي يطلق على العاملين في الحقل العسكري، كذلك تعتقد المتخصصة في مجال العلوم السياسية نهى بكر أن هناك معايير تتعلق بالزي نفسه ودرجة طول الشعر، سواء في الوجه أو الرأس، وهي كلها اشتراطات ضرورية وتعبر عن أهمية الانضباط العسكري، لافتة إلى أن الأمر في الدول العربية على وجه التحديد يتحول إلى نقاش سياسي وديني ويقابل بحساسيات شديدة نظراً إلى أن اللحية الطويلة في نظر تيار معين هي علامة الالتزام الديني، مضيفة "تستخدم تلك القضية من قبل المواليين لفكرة اعتمادها لتغذية الشد والجذب في ما يتعلق بتوطين توجه ديني أو أيديولوجي داخل الجيوش".

 

كذلك يشدد المتخصص في مجال العلوم السياسية وزميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا رامي عاشور، على أن الجدل حول اللحية له جذور دينية في الأساس، معتبراً أن حظرها عالمياً مرتبط بالقلق من التوجهات الدينية الإسلامية المتطرفة، كما أن منعها في بعض الجيوش العربية سببه يعود إلى التاريخ السلبي للجماعات الدينية سواء جهادية أو إخوانية في تلك المؤسسات، وأصبحت الدول تحظر أي مظاهر من هذا النوع لإبعاد المؤسسة العسكرية عن النقاشات السياسية والدينية، لافتاً النظر إلى أن اللحية وارتداء الساعة في اليد اليمنى من الأمور التي يجادل فيها كثير من المنتمين لتلك التيارات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان الأمر اتخذ حيزاً كبيراً من النقاش المجتمعي في مصر إثر ما عرف بقضية ضباط الشرطة الملتحين عام 2014، إذ كان مجموعة منهم يصرون على إطلاق لحاهم فتعرضوا للجزاءات الإدارية وفقاً لما هو منصوص عليه في لوائح العمل، كما شهد عام 2013 قضية أخرى بعدما أثار طالب أزمة بسبب إصراره على الالتحاق بخدمة الجيش من دون أن يتخلى عن لحيته. والمعروف أن ضباط الشرطة والجيش كانوا يطيلون شعر ذقونهم بشكل عادي قبيل ثورة يوليو (تموز) 1952، وبعدها بسنوات قليلة أصبح المظهر السائد للعاملين بتلك المؤسسات أن يكونوا حليقي اللحى وقصيري الشعر كذلك، مع الاحتفاظ بالشوارب إن أرادوا، ولكن مع تشذيبها بشكل منمق.

إن فاتك "الميري"

من بين أبرز الدول التي تحظر اللحية في جيوشها الولايات المتحدة الأميركية استناداً إلى أن المظهر الموحد يسهم في الشعور بالانضباط والتماهي مع الزملاء وإطاعة الأوامر العسكرية، ويزيد من الرغبة في الالتزام، إضافة إلى أن التخلص من اللحية يبرر بمعايير الحفاظ على النظافة الشخصية كي لا تعلق أية شوائب في شعيرات الوجه لأن ظروف عمل الجنود تتطلب وجودهم في بيئات قاسية. وفي ما كان هناك تباين واضح في قوانين إطلاق اللحى بين الجنود في أسلحة الجيش المختلفة، فإنه تم تطبيق قرار بعدم تربية شعر الذقن للجميع بحلول منتصف ثمانينيات القرن الماضي، والشيء نفسه بالنسبة إلى كوريا الجنوبية وفنلندا وروسيا وتركيا، كما أن ألمانيا تجيز تربيتها بضوابط صارمة بينها أن تكون خفيفة للغاية وكأنها محلوقة للتو كي لا تعوق استخدام الجنود لأي مستلزمات أو أدوات أثناء خدمتهم.

 

 

وهناك ضوابط مشابهة أيضاً في الجيش الفرنسي، فعلى رغم السماح قبل 10 أعوام تقريباً لأفراد الشرطة الفرنسية بإطلاق لحاهم ورسم الوشوم التي لا تثير حساسية المواطنين، فإن الأمور أكثر صعوبة في صفوف الجيش الوطني. في المقابل هناك دول مثل الدنمارك وهولندا والمجر ترى أن إطلاق الجنود للحاهم يندرج تحت بند الحريات الشخصية، كما يخضع لعوامل أخرى بينها طبيعة الجلد، في حين أن الجنود في الجيشين الهندي وكذلك الباكستاني مسموح لهم بإطلاق اللحية وفق ضوابط ضيقة بينها الأسباب الطبية الموثقة، وأيضاً لأسباب دينية إذ يتم تقديم طلب رسمي بهذا الأمر، في حين يظهر جنود الحرس الثوري الإيراني بلحى كثيفة، أما أفراد الجيش الوطني فإما تكون لحاهم خفيفة أو مقصرة مع الاحتفاظ بالشارب.

 

بين المنع والإتاحة

من الشائع أيضاً أن يتخلى الجنود في دول مثل المغرب والجزائر وتونس عن لحاهم، بينما حدث بعض التزحزح في الأعوام الأخيرة في الحال الليبية، بخاصة أن الأمر كان يحكمه العرف الإداري وليست القوانين الواضحة في غالب الأوقات، في حين كان مسموحاً حتى أعوام مضت للجنود العراقيين بإطلاق لحاهم أثناء خدمتهم في الجيش الوطني بعد انتهاء حكم صدام حسين، لكن في عام 2012 أصدرت الحكومة العراقية مرسوماً يمنع أفراد الجيش والشرطة من تربية شعر ذقونهم تماماً خلال فترة خدمتهم، وكانت الأسباب وراء ذلك تتمحور حول محاولات تخفيف حدة الانقسامات الطائفية في الدولة، إذ أقرت وزارة الداخلية بأن هذا القرار يصب في المصلحة العامة، وكذلك من غير المسموح للجنود في لبنان إطلاق لحاهم، والوضع نفسه في سوريا مع السماح بالشوارب.

في المقابل هناك عدد من الدول العربية، لا سيما في الخليج العربي، تسمح للجنود والضباط بإطلاق اللحى بصورة طبيعية، كما أن ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله الثاني الذي تمت ترقيته قبل نحو شهرين إلى رتبة رائد في الجيش الوطني الأردني يظهر بلحية قصيرة ومشذبة بينما يرتدي ملابسه العسكرية.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات