ملخص
عمت الفوضى أرجاء المدرسة بعد قراءة منشورات تدعو إلى الإخلاء الفوري وسارع الجميع إلى مغادرة المكان بأقصى سرعة.
فجأة تلبدت السماء بقصاصات الورق الصغيرة التي بدأت تسقط على مدرسة تعليمية حوّلها النازحون إلى مركز إيواء، ومن على الأرض التقط سليمان الورقة وأخذ يقرأ على مسمع الحاضرين أنه "إلى جميع الموجودين في حارات دير البلح وسط قطاع غزة عليكم الإخلاء الفوري، أنتم توجدون في منطقة قتال خطرة، جيش الدفاع الإسرائيلي".
وما إن فرغ سليمان من قراءة التعليمات العسكرية ورفع نظره عن القصاصة الورقية حتى عمت الفوضى مدرسة الإيواء، والجميع يركض ويحاول أن يغادر المكان بأقصى سرعة، لكن الرجل أخذ يفكر في وجهة جديدة يذهب إليها.
خلفية عن دير البلح
يعيش سليمان حالياً رفقة مليون شخص في محافظة دير البلح وسط قطاع غزة، إذ انتهى به المطاف في مراكز الإيواء التي تقدم خدماتها للنازحين الذين وصلوا المنطقة الوسطى بعد أن حددها الجيش الإسرائيلي منطقة خدمات إنسانية آمنة.
وعلى خلفية تقليص وتغيير المساحة الإنسانية اضطر نحو 500 ألف شخص من أصل 2.3 مليون نسمة إلى التكدس والعيش في محافظة دير البلح التي تحولت إلى المدينة الأكثر اكتظاظاً في العالم والتاريخ، ولكن بعد أن استقر المطاف بالنازحين في مراكز الإيواء شرعت تل أبيب في إصدار أوامر إخلاء للمنطقة.
وتبلغ مساحة محافظة دير البلح نحو 15 ألف دونم تتبع لها مخيمات المنطقة الوسطى، وهي النصيرات والبريج والمغازي ومخيم دير البلح، وبعد اجتياح محافظة رفح أقصى الجنوب وصل النازحون إلى وسط القطاع.
وتأخذ جغرافيا دير البلح طابع الأراضي الزراعية والقليل من الوحدات السكنية، ولذلك اضطر مليون نازح إلى العيش في مدارس الأمم المتحدة والمرافق التعليمية الحكومية والخاصة وحتى في دور روضة الأطفال، وبعضهم ذهب إلى مخازن المدارس ومراكز توزيع المساعدات، وآخرون عاشوا في مؤسسات وجمعيات أهلية.
إخلاء مراكز الإيواء
وبعد أن استقر النازحون في مراكز الإيواء بدأت إسرائيل في ترحيلهم مرة أخرى، إذ أصدر الجيش أوامر عسكرية تطالب النازحين الانتقال إلى غرب محافظة دير البلح فقط وإفراغ باقي المساحة من السكان.
ووزع الجيش الإسرائيلي منشورات الإخلاء على مراكز الإيواء التي يعيش فيها النازحون مما تسبب في فوضى كبيرة وعرقلة وتوقف الخدمات الأساس والإنسانية، كما أدى إلى تقليص المساحة الإنسانية الآمنة.
رفع سليمان هاتفه وأخذ يتصل بأقاربه الذين يعيشون في مراكز إيواء أخرى وجميعهم في محافظة دير البلح وسط قطاع غزة، وأجرى الرجل ما يقارب 15 مكالمة هاتفية طالباً من معارفه النزوح إلى أماكن قريبة منهم، لكنهم أبلغوه أنهم يتجهزون للرحيل وإخلاء المنطقة أيضاً.
صدم سليمان من ذلك ويقول إن "هؤلاء الأصدقاء نزحوا إلى محافظة دير البلح ويحتمون في مراكز إيواء عدة"، ويتساءل "هل جميع مراكز الإيواء تلقت تعليمات بالإخلاء؟ وأين سنذهب الآن ومن سيتولى شؤون النزوح الجديد؟".
انتبه سليمان لتجمع عدد من الأشخاص عند باب إدارة مدرسة الإيواء وركض مسرعاً ليسمع الأخبار العاجلة، ويضيف "أبلغتنا المنظمات التي تدير المكان بإخلاء مراكز الإيواء وطالبت النازحين بالبحث عن مكان آمن آخر".
يعرف سليمان أنه يجب عليه من الآن تحمل مسؤولية نفسه وعائلته، فبعد إشعار المنظمات الدولية النازحين بإخلاء المكان تتوقف تلك المؤسسات عن تقديم الخدمات الإغاثية والطبية للنازحين وتغادر الإدارة الإيواء.
وربط سليمان حقائب الطوارئ في بعضها وحملها على ظهره وانطلق يسير في شوارع غرب دير البلح يبحث عن مركز آخر، لكنه لم يجد أية منطقة خدمات إنسانية فيها إيواء للنازحين، ويقول إنه "بسبب الأوامر الإسرائيلية خرجت جميع مراكز الإيواء عن الخدمة".
ربع مليون نازح
فعلياً يوجد في محافظة دير البلح نحو 420 مركز إيواء، سواء في مدارس أو أراض زراعية أو مساحات خدمات إنسانية، وبحسب رئيس بلدية دير البلح دياب الجرو فإن 400 مركز إيواء خرجت عن الخدمة، وتوقف تشغيل عدد من المنشآت المائية إثر إخلاء أحياء واسعة في دير البلح.
ويقول الجرو إن "أوامر الرحيل تسببت بتهجير ربع مليون شخص، ولقد باتوا هؤلاء في الشارع من دون إيواء ويعيشون في أماكن غير آمنة وسط صعوبة الوصول إلى المستشفيات، وإسرائيل مستمرة في التضييق على الأهالي وتقليص المساحة الإنسانية في دير البلح".
وبحسب الجرو فإن مدينة دير البلح كانت مركز إيواء كبير، ولكن بعد أوامر الإخلاء لم يعد هناك من مركز قادر على استيعاب أعداد المشردين.
الجيش الإسرائيلي: نقاتل "حماس"
تقول النازحة شيرين إنه "لا أماكن في مراكز الإيواء الباقية غرب دير البلح، والجيش الإسرائيلي عمد إلى إخلاء معظم مراكز الإيواء وجعلها خارج الخدمة، ومنذ يومين وأنا أبحث عن أي مكان أذهب إليه ولكن لم أوفق".
وتقول القائمة بأعمال مدير إعلام الأمم المتحدة إيناس حمدان إن "أوامر الإخلاء تركزت في دير البلح على مراكز الإيواء المكتظة بالسكان مما جعل تقديم المهمات الإنسانية أمراً مليئاً بالتحديات، إذ يعاني موظفو الإغاثة النزوح المستمر والظروف القهرية نتيجة القصف المتواصل، ولكنهم مستمرون في تقديم خدماتهم لإنقاذ حياة المدنيين".
أما إسرائيل فإن المتحدث باسم جيشها دانيال هاغاري قال "نحارب الأماكن التي يوجد فيها مقاتلو 'حماس' إذ إن عناصر الحركة يختبئون في مراكز الإيواء ومناطق الخدمات الإنسانية وبطريقة تخالف قوانين الحرب، ونحن لا نقصد تشريد سكان غزة والنازحين وإنما الهدف القضاء على ما بقي من الحركة".