ملخص
"الظروف الصعبة لا تمنعني من تقديم الواجب الإنساني ومساعدة المرضى وذويهم لأن حجم الكارثة كبير ويتطلب تضافر الجهود، لا سيما بعد تفشي الأوبئة الفتاكة"
فوق قسوة الحرب وتداعياتها من نزوح وتشرد وجوع، يدفع السودانيون فاتورة الأمطار والفيضانات التي اجتاحت البلاد بتفش كبير للأمراض في ولايات عدة، وسط أوضاع إنسانية صعبة للغاية ونظام صحي وصل حد الانهيار، فضلاً عن تزايد أعداد الضحايا والخسائر بسبب السيول التي تدمر كل يوم مزيداً من المنازل والمباني بعد أن تعذر تصريف المياه التي لا تجد حتى الآن منفذاً بسبب امتلاء كل المجاري المائية.
وعلى رغم تعدد الكوارث والمآسي برزت وسط الأزمات خصال المروءة والنخوة والقيم التكافلية من أجل إغاثة المتضررين وإنقاذ الأرواح وكفكفة الجراح والأحزان، وكذلك كثير من المشاهد المعبرة لمواقف إنسانية ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي.
موقف إنساني
لم يكترث مدير مستشفى طوكر في شرق السودان لشدة مياه السيول الجارفة وقرر المغامرة من دون النظر إلى العواقب، إذ ظل وعلى مدى ساعات يسبح وسط بركة المياه من مقر الأطباء إلى المستشفى لتفقد أوضاع المرضى المتأثرين بالفيضانات والأشخاص الذين يتم إخراجهم من تحت أنقاض المنازل.
ووثقت كاميرات الهواتف المحمولة المشهد الشجاع للطبيب السوداني وهو يجازف بحياته من أجل إنقاذ المرضى من دون خوف، وسط مطالبات على مواقع التواصل الاجتماعي، بتكريمه.
ولم يغفل المغردون توجيه النقد إلى السلطات في العاصمة الإدارية الموقتة بمدينة بورتسودان التي لم تقم بأي إجراءات تجاه المتضررين من الأمطار والسيول في منطقتي طوكر وأربعات وسط انشغالها بالصراع المسلح.
محمود العبيد، أحد الموجودين في منطقة طوكر، قال إن "مدير المستشفى نجح في علاج أكثر من 11 شخصاً، وأنقذ حياة آخرين، على رغم المجهود الكبير الذي بذله في السباحة بمسافات طويلة من مقر الأطباء إلى المستشفى".
وأضاف أن "الطبيب السوداني لبى الاستغاثة وغامر من دون تردد وسط الأخطار في وقت غاب المسؤولون في الدولة ووزارة الصحة عن دورهم الرئيس في مثل هذه الظروف والكوارث".
ووصف العبيد الوضع بأنه كان انهياراً كاملاً للمنطقة، وأن تيار المياه العنيف جرف البشر والمنازل والحيوانات، وأغرق بعض المواطنين، وهناك عشرات الجثث التي جرفتها السيول".
خيمة للعلاج
وفي ولاية شمال كردفان اجتاحت السيول مناطق عدة، وأحدثت خسائر كبيرة في المنازل بالقرى والأرياف وهربت مئات الأسر المتضررة إلى العراء.
وفي معسكرات النازحين عمقت الأمطار والسيول جراح سكانها، ونتيجة عدم توافر الرعاية الصحية نشط الطبيب السوداني مجدي البشير في تقديم الخدمات بعد أن نصب خيمة في منطقة إيواء النازحين والهاربين إلى العراء من كارثة السيول، ويساعده في ذلك عدد من الممرضين المتطوعين.
ويفحص البشير يومياً 30 شخصاً ويقدم خدمات العلاج مجاناً، كما يتابع النساء الحوامل وحالات أمراض الكوليرا والإسهالات المائية الحادة بصورة دورية من دون كلل أو ملل.
وينشط عدد من المتطوعين في توفير الأدوية من مناطق بعيدة تشهد هطول أمطار بصورة مستمرة، لكنهم لا يتأخرون في تجهيز الحاجات الطبية للعيادة داخل الخيمة.
ويقول الطبيب السوداني إنه لم يستسلم لواقع كارثة السيول والفيضانات، وقرر المغامرة والعمل في "هذه الظروف الصعبة لخدمة النازحين والمتضررين من الأمطار بخاصة بعد تفشي أمراض الكوليرا والتهاب ملتحمة العين الفيروسي والحصبة في ظل انهيار القطاع الصحي ونفاد الأدوية، فضلاً عن الأوضاع المعقدة التي يعانيها السكان في تلك المناطق".
وأضاف "الظروف الصعبة لا تمنعني من تقديم الواجب الإنساني ومساعدة المرضى وذويهم لأن حجم الكارثة كبير للغاية ويتطلب تضافر الجهود، لا سيما بعد تفشي الأوبئة الفتاكة".
التجول بالدراجة
وفي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، يستقل الطبيب الطاهر جقدول دراجته الهوائية ويتجول في مناطق تجمع النازحين والمتضررين من كارثة السيول والأمطار، ويقدم خدمة الإسعاف والفحوص الطبية والعلاجات، ويضطر في كثير من الأحيان لحمل دراجته بسبب تراكم المياه للوصول إلى المواقع المتضررة والقرى.
ويحرص جقدول يومياً على الذهاب إلى مناطق السيول، حيث ينتظره العشرات من مرضى الإسهال والملاريا ونزلات البرد والالتهابات لكي يقدم لهم الخدمات الطبية.
يقول الطبيب السوداني إن "بعض المناطق في الإقليم باتت منكوبة نتيجة هطول الأمطار الغزيرة واجتياح السيول القرى، بالتالي فإن الواجب الإنساني يتطلب التضحية لإعانة المرضى، خصوصاً في ظل توقف المستشفيات وضعف الرعاية الصحية ونفاد المدخرات المالية للسكان كافة".
وأضاف أنه نشط مع "متطوعين في توفير الأدوية والمحاليل الوريدية نظراً لتفشي أمراض الكوليرا والإسهالات الحادة بصورة كبيرة وسط النازحين والموجودين في العراء بعد أن تدمرت منازلهم"، لافتاً إلى أن "جميع خدماته مجانية فهو لا يتلقى أي مقابل".
ضحايا وأوبئة
ويشهد السودان هذه الأيام موجة مدارية ضربت أكثر من 10 ولايات، وتسببت في سيول جارفة ألحقت خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
وقالت غرفة الطوارئ التابعة للحكومة السودانية، إن حصيلة وفيات السيول والفيضانات بلغت 132 في 10 ولايات، في حين ارتفع عدد الأسر المتضررة إلى 31 ألفاً و666، تضم 129 ألفاً و650 فرداً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت الغرفة أن عدد المنازل المنهارة جراء السيول والفيضانات بلغ 12 ألفاً 420 منها انهارت بالكامل، و11 ألفاً ونحو 470 منزلاً انهارت بصورة جزئية.
بدورها، أعلنت وزارة الصحة السودانية وفاة 138 شخصاً بسبب الأمطار والسيول في الولايات المتأثرة البالغة 10، منها 50 محلية، و434 منطقة.
وأشارت إلى تسجيل 102 حالة جديدة بالكوليرا، ليرتفع التراكمي إلى 1223حالة، وخمس حالات وفاة جديدة، وتراكمي 48 حالة.