صعود ونهاية قطب التكنولوجيا البريطاني مايك لينش

كان مولعاً بالكمبيوتر منذ الصغر، وأول جهاز حصل عليه وهو في سن 16 سنة كان كمبيوتر "بي بي سي مايكرو" البدائي. ويعتبره البريطانيون من أنجح رجال التكنولوجيا والأعمال، حتى شبهوه بمؤسس "مايكروسوفت" بيل غيتس، إنه مايك لينش الذي توفي غرقاً في حادثة يخته الفاخر قرب شواطئ صقلية بإيطاليا قبل أيام.

أثارت حادثة غرق مليونير التكنولوجيا البريطاني علامات استفهام، إذ كان في رحلة مع عدد من أصدقائه المشاهير احتفالاً بتبرئته من قضية احتيال رفعتها عليه شركة "إتش بي" الأميركية التي اشترت شركته الشهيرة "أوتونومي" عام 2011 في صفقة بقيمة 8.6 مليار جنيه استرليني (11 مليار دولار)، وتجري السلطات الإيطالية تحقيقات في حادثة غرق اليخت نتيجة عاصفة على بعد مسافة قليلة من الشاطئ.

الغريب والمثير أنه في يوم غرق اليخت دهست سيارة صديقه ونائب رئيس شركته السابقة للشؤون المالية ستيفن تشامبرلاين، بينما يمارس رياضة الركض في كمبريدج، وغرق في حادثة اليخت مع مايك لينش رئيس بنك مورغان ستاني الدولي وزوجته ومحام في شركة محاماة كبرى وزوجته. وغرقت أيضاً ابنة لينش الصغرى وطباخ اليخت، بينما نجت زوجته وغالب أفراد طاقم اليخت.

شخصية مميزة

بدأ اهتمامه بالتكنولوجيا والأعمال في سن مبكرة، ومع أنه ابن لممرضة وإطفائي، إلا أنه كان شغوفاً بالأعمال. وأول صفقة له كانت وهو في المدرسة حين صمم برنامج كمبيوتر لتصنيف الموسيقى وباع التصميم، واستمر في هوايته وتعلقه بالبرمجيات خلال دراسته للعلوم الطبيعية في جامعة كمبريدج التي حصل منها على الدكتوراه في رياضيات الكمبيوتر.

في سن 26 سنة أسس لينش شركة "كمبريدج نيورودايناميكس" عام 1991 التي تخصصت في برامج كمبيوتر للتعرف على بصمات الأصابع. وبعد ذلك بنحو خمس سنوات أسس شركة "أوتونومي" التي طورت برامج كمبيوتر اعتمدت على طريقة إحصائية أساسها "تداخل بايزيان"، وهي نظرية رياضية قديمة.

وحمل اليخت الذي غرق بمايك وأصدقائه هذا الشهر اسم "بايزيان" نسبة إلى تلك النظرية الرياضية، التي طور لينش على أساسها برامج الكمبيوتر لشركة "أوتونومي".

توسعت شركة "أوتونومي" بسرعة بعد ذلك لتصبح واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في بريطانيا، وأدرجت على مؤشر بورصة لندن ضمن الشركات الكبرى، وأصبح من بين عملائها الذين يحصلون على برامج من إنتاجها شركات تكنولوجيا واتصالات كبرى في العالم. وكان للشركة وعمل لينش في البرمجيات والأعمال فضل حصوله على وسام الإمبراطورية البريطانية، لإسهامه في تقدم الصناعة وتعيينه كمدير غير تنفيذي في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي". كما ضمه رئيس الوزراء الأسبق من حزب المحافظين ديفيد كاميرون إلى مجلس العلوم والتكنولوجيا، الذي يقدم المشورة للحكومة.

كانت صفقة بيع شركته "أوتونومي" لشركة الكمبيوتر الأميركية الكبيرة "اتش بي" وفرت له أكثر من 800 مليون دولار، ودخل مايك لينش عالم المليارديرات بعد ذلك، ليظهر في قائمة "فوربس" للمليارديرات في عامي 2014 و2015 بثروة صافية مليار دولار، إلا أنه خرج من القائمة في ما بعد حين بدأت مشكلاته القانونية واضطراره إلى الإنفاق من ثروته على أتعاب المحاماة.

مشكلات قانونية

بعدما باع مايك لينش شركة "أوتونومي" بعام واحد، عدلت الرئيسة التنفيذية لشركة "اتش بي" وقتها ميغ ويتمان قيمة شركة "أوتونومي" بالخفض إلى 8.8 مليار دولار بدلاً من 11 مليار دولار التي دفعتها في صفقة شرائها، وبدأت معركة قانونية ضد مايك لينش، إذ اتهم بالتلاعب في الحسابات وتضخيم قيمة "أوتونومي" وقت البيع، وطالبت الشركة الأميركية بتعويضات بقيمة 5 مليارات دولار، مما أدى إلى غرقه وعدد من زملائه في فضيحة احتيال استمرت عقداً من الزمن.

كثيراً ما نفى لينش تهم الاحتيال، واتهم "إتش بي" بجعله كبش فداء لإخفاقاتها. لكن الادعاء اتهمه مع آخرين بالمشاركة في مخطط ضخم بصفته المدير التنفيذي لـ"أوتونومي" لخداع "إتش بي" عن طريق رفع قيمة شركته قبل بيعها، ودانت هيئة محلفين أميركية المدير المالي السابق للشركة سوشوفان حسين بالاحتيال في 2018، وحكمت عليه بالسجن لمدة خمس سنوات.

في عام 2023 سلم لينش من بريطانيا للولايات المتحدة لمحاكمته ومواجهة عقوبة بالسجن لمدة عقدين من الزمان، حال إدانته في 17 تهمة موجهة إليه. وأمضى 13 شهراً في سان فرانسيسكو قيد الإقامة الجبرية، لكن في يونيو (حزيران) من هذا العام برئ من التهم كافة. وصرح بعد صدور حكم محكمة سان فرانسيسكو بالقول "أتطلع للعودة للمملكة المتحدة، وإلى أكثر ما أحبه: عائلتي والابتكار في مجالي".

إلا أن قضية الاحتيال لم تغلق تماماً، لأنه في عام 2022 قضت المحكمة العليا في لندن في قضية احتيال مدنية بأن "إتش بي" تعرضت للخداع ودفعت مبالغ أعلى من الحقيقية لشراء "أوتونومي"، لم تحكم المحكمة بعد بالتعويضات التي تطالب بها الشركة الأميركية.