ملخص
يوجد في الولايات المتحدة الأميركية نحو 13 حزاماً جغرافياً أي منطقة جغرافية كل منها لها خصائصها وطباعها، عادات أهلها وطباعهم، أساليب تفكيرهم وتوجهاتهم الحياتية والانتخابية، وبعض هذه الأحزمة شهيرة للغاية وفي مقدمها ثلاثة هي حزام الشمس وحزام الصدأ والحزام الإنجيلي
حين وضع ابن خلدون مقدمته الشهيرة عام 1377 لم تكن الولايات المتحدة الأميركية كفكرة نشأت ولم يكن المستكشفون الأوروبيون اقتربوا من أراضي العالم الجديد، التي يسكنها أهلها الأصليون من الهنود الحمر الذين أبادهم الرجل الأبيض.
في تلك المقدمة عبارة مهمة ينبغي التوقف أمامها بمزيد من التأمل والتفكر "البقاع تولد الطباع"، أي إن الجغرافيا عادة ما تترك أثرها في الممارسات الإنسانية، فعلى سبيل المثال الدول ذات الأجواء الباردة يتصف أهلها بهدوء وبرودة أعصاب أو كما يقال "دم بارد"، أما الدول ذات الأجواء الساخنة والحارة فإن أهلها غالباً ما يكونوا من أصحاب الرؤوس الحامية الذين ينفعلون سريعاً.
هل تلعب الجغرافيا السياسية دوراً فاعلاً في الولايات المتحدة الأميركية؟
مؤكد أن هذا بالفعل ما يحدث إذ يوجد نحو 13 حزاماً جغرافياً أي منطقة جغرافية كل منها لها خصائصها وطباعها، عادات أهلها وطباعهم، أساليب تفكيرهم وتوجهاتهم الحياتية والانتخابية، بعض هذه الأحزمة شهيرة للغاية وفي مقدمها ثلاثة هي حزام الشمس وحزام الصدأ والحزام الإنجيلي.
وهناك نحو 10 أحزمة أقل شهرة مثل الحزام الأسود وحزام الذرة والحزام القطني وحزام الصقيع والحزام الجيلي، إلى جانب حزام الرز وحزام الثلوج.
وكما هو واضح من الأسماء فإن هناك علاقة وطيدة بالأنشطة الحياتية والزراعية والصناعية في تلك المناطق، إضافة إلى أنماط التدين والحياة الروحية التي تلعب دوراً مؤكداً وفاعلاً على صعيد التوجهات السياسية وربما تحدد الفائز في الانتخابات الرئاسية، ومن له حظ الدخول إلى البيت الأبيض من عدمه.
هل من تفصيلات أكثر فيما يخص أهم ثلاثة أحزمة وفاعليتها ومدى تماسها بالنصر أو الهزيمة من دونالد ترمب وكامالا هاريس، في الطريق إلى الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية؟
عن حزام الشمس بداية
بحسب عدد من الموسوعات العالمية فإن حزام الشمس هو المنطقة الممتدة عبر جنوب الشرق وجنوب الغرب من الولايات المتحدة، وغالبية أراضيه صحراوية ومن اسمه يعرف المناخ الشمسي القاسي الذي يظلل مناطقه شبه الصحراوية مثل كاليفورنيا ونيفادا وأريزونا وتكساس، ومناطق المناخ المتوسطي والمناطق الرطبة شبه الاستوائية مثل أوكلاهوما وتكساس ولويزيانا وميسيسيبي وآلاباما، وأركنساس وجورجيا، وكارولاينا الجنوبية وكارولاينا الشمالية.
لماذا تعد ولايات الحزام الشمسي من الأماكن الفاعلة على صعيد عملية انتخابات الرئيس؟
ربما لأنها ترتبط بالنمو السكاني الوفير والقدرة العالية على التصويت، فمنذ ستينيات القرن الماضي شهدت ولايات المنطقة نمواً سكانياً كبيراً بسبب تدفق الذين يسعون إلى مناخ دافئ ومشمس، ويتسم بزيادة معدلات المواليد وارتفاع الفرص الاقتصادية.
تالياً ومع ظهور وسائل الراحة مثل التكييف المركزي في المنازل والمكاتب عطفاً على وسائل المواصلات، لم تعد قضية ارتفاع درجات الحرارة هناك تشكل عائقاً لمزيد من التنمية المستدامة.
متى ظهر هذا المصطلح إلى حيز الوجود للمرة الأولى؟
يمكن القطع أن أول من استخدمه هو المحلل السياسي "كيفن فيلبس" عام 1969 وذلك في كتابه المعنون "الغالبية الجمهورية الناشئة"، ومن هناك انتشر عبر الثلث الجنوبي للأمة الأميركية خلال أوائل سبعينيات القرن الماضي.
والثابت أن هناك مستقبلاً مهماً لولايات ذلك الحزام، فخلال عام 2005 توقع مكتب الإحصاء الأميركي أن نحو 88 في المئة من النمو السكاني في البلاد بين عامي 2000 و2030 سيكون في مناطق الحزام الشمسي، ومن المتوقع أن يزداد أكثر من 12 مليون شخص خلال تلك الفترة في كل من كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا.
هل من هنا يتفهم المرء لماذا باتت منطقة الحزام الشمسي تمثل أهمية خاصة للحزبين الكبيرين المتنافسين إلى حد التناحر، للفوز بأصوات مندوبيهم في المجمع الانتخابي المقبل؟
حزام الصدأ والأماكن الصناعية
يكاد يكون المصطلح المتقدم سيئ السمعة ويطلق على المنطقة الصناعية التقليدية في الغرب الأوسط ومنطقة البحيرات العظمى وشمال شرق الولايات المتحدة. شهدت هذه المنطقة الجغرافية التي كانت ذات يوم من أواخر القرن الـ19 إلى منتصف القرن الـ20 مركز وفخر الصناعة الأميركية انحداراً اقتصادياً كبيراً خلال النصف الثاني من القرن الـ20، بسبب توجهات الصناعة والعولمة.
يبدأ حزام الصدأ في نيويورك ويتجه إلى الغرب من خلال بنسلفانيا وفرجينيا الغربية وأوهايو وإنديانا، ثم ينحدر إلى شبه جزيرة ميتشيغان وينتهي في شمال إلينوي وشرق ولاية ويسكونسن.
كانت هذه المنطقة معروفة سابقاً باسم "قلب المنطقة الصناعية الأميركية"، وإن تراجعت الصناعة فيها منذ منتصف القرن الـ20 بسبب مجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية مثل نقل التصنيع إلى الغرب، وزيادة التشغيل الآلي وتراجع الولايات المتحدة على صعيد الصناعات الصلبة والفحم واتفاقات التجارة الحرة، أو الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
منذ ثمانينيات القرن الـ20 كرس المرشحون الرئاسيون قدراً كبيراً من وقتهم للمخاوف الاقتصادية في منطقة حزام الصدأ، والتي تضم عدداً من الولايات المتأرجحة ذات الكثافة السكانية العالية، بما في ذلك ميتشيغان وأوهايو وبنسلفانيا وويسكونسن.
وكانت هذه الولايات حاسمة في فوز دونالد ترمب خلال عام 2016 وهزيمته أمام الديمقراطي جو بايدن عام 2020، ولهذا فإن الأعين تتوجه إليها في انتخابات 2024.
ويكتسب حزام الصدأ أهمية سياسية فاعلة لا تقدر بثمن إذ يمتد عبر ولايات متأرجحة مهمة تشكل ساحة معركة أو ولايات غير محسومة يمكنها التصويت إما للمرشح الديمقراطي أو الجمهوري في الانتخابات الرئاسية. والولايات المتأرجحة الأكثر قيمة التي تنتمي إلى حزام الصدأ هي ويسكونسن ولها 10 أصوات في المجمع الانتخابي، وميتشيغان 15 صوتاً وبنسلفانيا 19 صوتاً وأوهايو 17 صوتاً، وقد فاز ترمب بجميع الولايات الأربع عام 2016، بينما في انتخابات 2020 عانى هزيمة ضيقة أمام جو بايدن في جميع الولايات باستثناء أوهايو، مما يجعل من هذا الحزام موضع اهتمام فائق من حملة ترمب الجمهورية هذه المرة.
الحزام الإنجيلي والتصويت الإيماني
يبقى من الواضح بصورة جلية أن المصطلح له علاقة وثيقة بالشأن الديني والإيماني المسيحاني في الداخل الأميركي، وهو أمر يعكس بدرجة أو بأخرى إشكالية تكافؤ الأضداد في الروح الأميركية الواحدة، بمعنى القول دستورياً بأن أميركا دولة علمانية مدنية تفصل بين المعتقد الإيماني وممارسة الحياة السياسية، وبين اعتبار الدين نقطة ارتكاز تدور من حولها الأحداث وفي مقدمها أهم فعل سياسي أميركي داخلي وهو انتخاب رئيس البلاد.
ويشير مصطلح الحزام الإنجيلي أو حزام الكتاب المقدس إلى منطقة جنوب الولايات المتحدة، التي تبدأ من عند ولاية ميسوري الواقعة في الغرب الأوسط والتي تتمتع بنفوذ كبير، إذ ينتشر التيار البروتستانتي ذاك الذي يعد أتباعه أن الكتاب المقدس جوهر حياتهم وليس أي شيء آخر، ويسعون في هديه صحواً ومناماً ولهم نفوذ اجتماعي وثقافي قوي.
ووصفت المنطقة بأنها واحدة من أكثر المناطق المحافظة اجتماعياً في جميع أنحاء الولايات المتحدة بسبب التأثير الكبير للمسيحية الإنجيلية في السياسة والثقافة.
كان أقدم استخدام معروف لمصطلح "حزام الكتاب المقدس" من قبل الصحافي الأميركي والمعلق الاجتماعي "أتش. أل. منكين" الذي كتب عام 1924 في صحيفة "شيكاغو ديلي تربيون" يقول "أعتقد أن اللعبة القديمة بدأت تلعب دوراً في حزام الكتاب المقدس"، أما اللعبة فيقصد بها التوجهات الدينية والإيمانية، وخلال عام 1927 ادعى منكين أن المصطلح من اختراعه.
ووفقاً للأستاذ الفخري المشارك في قسم الجغرافيا بولاية أوكلاهوما ستيفن تويدي فقد تم النظر إلى حزام الكتاب المقدس من حيث التركيز العددي لجمهور التلفزيون الديني، عندما نشر بحثه للمرة الأولى خلال عام 1995.
وفي الانتخابات الرئاسية، صوتت ولايات حزام الكتاب المقدس آلاباما وميسيسبي وكارولاينا الجنوبية وتكساس لمصلحة المرشح الجمهوري في جميع الانتخابات منذ عام 1980.
ومن المعروف أنه خلال الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري يميل المحافظون الاجتماعيون المسيحيون إلى الفوز بمعظم الولايات من حزام الكتاب المقدس.
ترمب – هاريس والولايات المتأرجحة
تبدو أهمية الصراع على الأحزمة الثلاثة السابق الإشارة إليها أمراً متصاعداً خلال الأسابيع القليلة المتبقية قبل الوصول إلى الخامس من نوفمبر، وبخاصة في ضوء استطلاعات الرأي الأقرب إلى الموثوقية والتي تقول إن ترمب وهاريس متعادلان في أربع ولايات متأرجحة، ولهذا تظل أحزمة الشمس والصدأ والإنجيلي عوامل مرجحة للوصول إلى البيت الأبيض.
وأظهر استطلاع للرأي نشر يوم السبت الـ17 من أغسطس (آب) الجاري في صحيفة "نيويورك تايمز" أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تتقدم على الجمهوري دونالد ترمب في أريزونا (50 في المئة مقابل 45 في المئة) وكارولاينا الشمالية (49 في المئة مقابل 47 في المئة).
هل يعني ذلك أن هاريس بالفعل تقلص الفجوة بينها وترمب؟
هذا صحيح، ففي ولايتي نيفادا وجورجيا نجحت هاريس في تقليص الفجوة إلى حد كبير مع الرئيس السابق.
لكن وبحسب استطلاع "نيويورك تايمز" فإن متوسط عدد الأصوات التي حصل عليها ترمب وهاريس في ولايات حزام الشمس الأربع يبلغ 48 في المئة، ويحتاج أي من المرشحين إلى الفوز بولاية واحدة في الأقل من هذه الولايات إلى جانب ثلاث ولايات من حزام الصدأ، ويسكونسون وبنسلفانيا وميتشيغان للفوز بالرئاسة.
ويمثل هذا الاستطلاع تحسناً كبيراً للديمقراطيين مقارنة باستطلاعات مماثلة أجريت خلال مايو (أيار) الماضي، إذ كان ترمب متقدماً على بايدن بنسبة 50 في المئة مقابل 41 في المئة داخل أريزونا وجورجيا ونيفادا.
وأظهر الاستطلاع أيضاً أن أصوات الناس منقسمة بصورة متزايدة بين الخطوط العرقية والجنسانية، فقد حصلت هاريس على دعم 84 في المئة من الناخبين السود و54 في المئة من الناخبين اللاتينيين.
وهنا يرتفع التساؤل، ما الذي تسعى إليه نائبة الرئيس كامالا هاريس لضمان انتقالها من مكتب النائب، إلى موقع الرئاسة؟
هاريس وثلاث ولايات في الصدأ
من بين كل الدروس التي تعلمتها حملة كامالا هاريس من حملة هيلاري كلينتون الرئاسية الفاشلة قبل ثمانية أعوام، الحديث عن الوظائف بدلاً من الأسلحة في الولايات الثلاث التي تحمل مفتاح البيت الأبيض.
إن خصوصيات الهيئة الانتخابية أو المجمع الانتخابي في البلاد ستجعل من المؤكد أن الانتخابات الرئاسية خلال نوفمبر المقبل يقررها الناخبون داخل سبع ولايات فحسب، وتقع أربع منها هي أريزونا ونيفادا وكارولاينا الشمالية وجورجيا في حزام الشمس الجنوبي.
بينما الولايات الثلاث الواقعة إلى الشمال، ولايات حزام الصدأ ميتشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن وهي التي يركز عليها الاستراتيجيون الديمقراطيون، وهي في كثير من النواحي ساحة المعركة الحقيقية.
قبل وقت قصير من انسحاب جو بايدن من السباق الرئاسي، كتب فريق حملته الرئاسية مذكرة تنص على أن الفوز في ولايات حزام الصدأ المتأرجحة هو المسار الأكثر وضوحاً لهزيمة دونالد ترمب.
وهنا يمكن القول إنه إذا تمكنت هاريس من الفوز بما يعرف بـ"الجدار الأزرق" إلى جانب الولايات التي يمكن الاعتماد عليها لدعمها، فإن هذا من شأنه أن يوفر لها 70 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي المطلوبة للفوز بالبيت الأبيض أياً كانت النتيجة في حزام الشمس.
ولكن في حين أن بعض العلامات الانتخابية المطلوبة للفوز بالبيت الأبيض جيدة لهاريس فإن حزام الصدأ قد يكون أرضاً انتخابية صعبة، كما وجدت هيلاري كلينتون الوضع عام 2016.
على أنه وفي كل الأحوال، يبدو من الواضح جداً أن هاريس تعيد أربع من ولايات حزام الشمس إلى المنافسة، وهي ولايات حاسمة بدا أن ترمب في طريقه إلى التفوق فيها قبل بضعة أسابيع فحسب.
ويمثل حزام الشمس مجموعة أساس من الولايات لترمب بينما يوفر طريقاً ثانياً محتملاً لهاريس للحصول على 270 صوتاً في المجمع الانتخابي، اللازمة للفوز.
ووفقاً لـ"نيويورك تايمز" ينظر كلا الحزبين إلى الفترة الحالية كنقطة تحول محتملة ويصبان عشرات الملايين من الدولارات في الإعلانات داخل الولايات المتأرجحة لتشكيل تصورات الناخبين.
وللمرة الأولى منذ أشهر أصبح لدى الحزب الديمقراطي سبب للأمل في ولايات حزام الصدأ المعروفة باسم "الجدار الأزرق".
هل من حقيقة باتت شبه مؤكدة بالنسبة إلى الديمقراطيين خلال هذه الآونة؟
قطعاً لقد فتح الارتفاع الكبير في شعبية كامالا هاريس منذ أن حلت محل جو بايدن كمرشحة للحزب الديمقراطي طريقاً ثانياً للفوز خلال نوفمبر المقبل، وإذا استمر هذا الاتجاه فهذا يعني أن هاريس قد تحقق فوزاً في المجمع الانتخابي، إما من خلال الفوز داخل ولايات جورجيا وأريزونا ونيفادا وكارولاينا الشمالية، أو بدلاً من ذلك من خلال الاستيلاء على ثلاث ولايات متأرجحة في حزام الصدأ في الغرب الأوسط، هي بنسلفانيا وميتشيغان وويسكونسن.
أين موقع وموضع دونالد ترمب من الحزامين الشهيرين الكبيرين؟
ترمب... حزام الشمس الفيصل
في كتابها "كيف تحول قلب البلاد إلى اللون الأحمر، لماذا تشكل القوى المحلية أهمية في عصر السياسة المؤممة"، تقطع الأستاذة المساعدة في شؤون الحكومة بجامعة هارفرد ستيفاني تيرنولو بأن دونالد ترمب عرف كيف يستولي على قلب الصناعة أي مناطق حزام الصدأ، مما يجعل الديمقراطيين يواجهون مهمة شاقة في طريق سعيهم إلى كسب أصوات تلك الولايات.
وتشير تيرنولو إلى أن المجتمعات الأكثر بياضاً أي مجتمعات (الواسب الأنغلو ساكسون)، وحتى لو كانت أقل ثراء في قلب أميركا الصناعية إذ تقل نسبة حصول السكان على شهادة جامعية، تظل مخلصة لدونالد ترمب بعد سبعة أعوام من مساعدتها له للمرة الأولى في إيصاله إلى الرئاسة.
تقع عدد من هذه الأماكن داخل حفنة من الولايات المتأرجحة التي ستحدد نتيجة انتخابات 2024 ومصير السياسة الأميركية في المستقبل المنظور وبخاصة ميتشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، وفهم تاريخ هذه المجتمعات لا يفسر فقط كيف أصبحت ساحة تصويب لترمب، بل وأيضاً كيف قد تستمر سياساتها في التحول خلال الأعوام المقبلة.
لكن هل يعني ذلك أن ترمب وحملته الانتخابية لا ترنو عيونهم نحو الولايات الزرقاء الشمالية على أمل تحويل دفة التصويت لصالحهم؟
وبما أن 43 ولاية متأكدة تقريباً من كيفية سير التصويت الرئاسي بالتالي تصويت الهيئة الانتخابية، فقد أصبح الأمر يقتصر على سبع ولايات فقط مقسمة جغرافياً بدقة بين الشمال والجنوب، أي بين حزام الشمس وحزام الصدأ.
يكتب "غري مايكل فوريس" من وكالة "أسوشيتدبرس" قائلاً "إنه بغض النظر عن عدد الأصوات الانتخابية التي تمنحها كل ولاية وما إلى ذلك، فإن الأمر يتلخص في هذه العملية الحسابية البسيطة، يتعين على ترمب أن يكتسح حزام الشمس ويستولي على إحدى ولايات حزام الصدأ".
بالنسبة إلى ترمب فإن الجمع بين الولايات التي من المؤكد تقريباً أنه سيفوز بها إضافة إلى اكتساح حزام الشمس، من شأنه أن يترك صوتين أقل من العدد المطلوب وهو 270 صوتاً، والذي كان بايدن سيفوز به.
ولعله من باب التذكير تبلغ أصوات الهيئة الانتخابية أو المجمع الانتخابي نحو 538 صوتاً، و270 هو بالضبط النصف زائد واحد، ومن يحصل على هذا العدد يفوز.
ومن دون الفوز بواحدة في الأقل من ولايات حزام الصدأ يخسر ترمب بفارق صوتين، لتصبح النتيجة النهائية هاريس 270 وترمب 268.
في الأساس يمكن لهاريس أن تخسر كل ولايات حزام الشمس التي فاز بها بايدن عام 2020 ومع ذلك تظل في المقدمة، وإن كانت بهامش أصغر كثيراً لكنه لا يزال كافياً.
هنا فإن هاريس تحتاج فقط إلى "الحفاظ على الصدارة" في حزام الصدأ وسوف تكرر فوز بايدن الأخير، لكن هناك ثغرة صغيرة في درع فريق هاريس أي ولاية بنسلفانيا، فإذا تمكن ترمب من الفوز بهذه الولاية بأصواتها الانتخابية الـ19 فقد يخسر في الواقع مجموعات مختلفة من ولايات حزام الشمس ويفوز في المجمع الانتخابي، ويعود بذلك إلى البيت الأبيض من جديد.
هل ستؤدي هذه الانتخابات إلى قلب التركيبة السكانية السياسية رأساً على عقب كما فعلت في الانتخابات السابقة وقلبت الجغرافيا الانتخابية؟
إن هذا الاحتمال حقيقي ولكن تجربة ترمب خلال عام 2020 تحوي تحذيراً، إذ لا يستطيع أن يتحمل الرضا عن حزام الصدأ بغض النظر عن مدى روعة حزام الشمس وتركيبته السكانية اليوم.
وهنا يطل تساؤل مثير بدوره، هل من حزام ثالث يمكنه أن يستنقذ ترمب بقوة من أية منافسة سياسية يقدم عليها الديمقراطيون في أي من الحزامين المتقدمين؟
الحزام الإنجيلي والتصوت للجمهوريين
هل يمكن اعتبار نتيجة ولايات الحزام الإنجيلي محسومة بالمطلق للمرشح الجمهوري دونالد ترمب؟
المؤكد أن الجماعات المسيحية المعمدانية والميثودية والإصلاحية والميشيخية والخمسينية والكاريزماتية هي عماد التيارات الإنجيلية المعاصرة، التي يعد أصحابها سياسيون إلى أبعد حد.
من تأسيس الولايات المتحدة يدعم الإنجيليون الحركات المحافظة المتطرفة والحزب الجمهوري، ويريد عدد من الإنجيليين أن تنعكس آراؤهم الدينية في أعمال حكومات الولايات المتحدة الأميركية، فهم يتطلعون لجعل أميركا دولة دينية مسيحية لديها قانون توراتي، ويقول البعض إنهم قد يصوتون لهتلر إذا كان سيحصل لهم على ما يريدون مثل وقف الإجهاض ومنع زواج المثليين وإنهاء الهجرة غير البيضاء.
هل المرشح الجمهوري دونالد ترمب هو النموذج الأعلى لولايات الحزام الإنجيلي، بالتالي يعد التصويت له أمراً مفروغاً منه؟
الجواب ربما يلزمنا العودة إلى انتخابات عام 2020 التي لعب فيها الدين دوراً مهماً، إذ صوت غالب الأميركيين البيض الذين يحضرون طقوس العبادة والصلوات بانتظام لمصلحة ترمب.
مرة جديدة خلال انتخابات 2024 يواصل المرشح الجمهوري دونالد ترمب الغزل على أوتار القوى الدينية اليمينية من البروتستانت الإنجيليين بقوة، على أمل أن يكون القوة المكافئة في مواجهة أنصار اليسار الديمقراطي المتطرف.
يكتب "بيتر سميث" من مجلة "بوليتيكو" الأميركية يقول "في وقت يغذي فيه دونالد ترمب حملته الانتخابية بصورة متزايدة بالزخارف المسيحية، تتزايد أعداد داعميه من بين الإنجيليين وغيرهم من المسيحيين المحافظين".
ويؤمن أنصار هذا التيار بأن ترمب هو بالفعل مرسل من السماء لاستنقاذ أميركا من الوضع المزري الذي وصلت إليه، ويقول عدد من الحاضرين في المقابلات والمؤتمرات التي يشارك فيها ترمب إنه يتشارك معهم في معتقداتهم وقيمهم المسيحية، وأشار عدد منهم إلى معارضتهم للإجهاض وحقوق المثليين، وبخاصة التعبير عن المتحولين جنسياً.
والغريب في المشهد أن أحداً من أنصاره لم يعرب عن قلقه إزاء سلوكه في الماضي أو الاتهامات الحالية الموجهة إليه، بما في ذلك إخفاء مدفوعات مالية لممثلة إباحية أثناء حملته الانتخابية عام 2016 مقابل سكوتها عن علاقة جمعتها، بل أكثر من ذلك إنهم يعدونه يعيش مرحلة التوبة والانسحاق وأن من حقه أن يحظى بفرصة ثانية.
ووفقاً لـAP Vote Cast فقد أيد نحو ثمانية من كل 10 مسيحيين إنجيليين بيض ترمب خلال عام 2020، ووجد استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث أن نسبة مماثلة دعمت ترمب عام 2016.
وهنا التساؤل، في ظل مظلومية تاريخية ترمبية تقول إن الانتخابات الماضية 2020 سرقت وزورت فهل سيتزايد عدد داعميه في الولايات كافة بما في ذلك وفي مقدمها الولايات المتأرجحة، مما يسهل من مهمة عودته إلى البيت الأبيض؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الهمينة الانتخابية للأحزمة إلى متى؟
يبقى التساؤل الخاص باستمرار فكرة الهيمنة الانتخابية لحزامي الصدأ والشمس وإلى أي مدى سيظل هذا النفوذ باقياً؟
عند الباحث السياسي الأميركي "لارس إيمرسون" أنه من المرجح أن يتغير الوضع في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2028، بسبب التغيرات الديموغرافية التي تطرأ على سكان الولايات المتحدة.
ففي المستقبل، ستتغير الخريطة السكانية في تسع ولايات متقاطعة، هي مينسوتا وميتشيغان وبنسلفانيا وويسكونسون في حزام الصدأ، وأريزونا وجورجيا ونيفادا وكارولاينا الشمالية وتكساس في حزام الشمس.
فعلى سبيل المثال بحلول منتصف القرن الـ21 من المرجح أن تصبح تكساس أكبر ولاية من حيث عدد السكان ويبدو أنها تسير على الطريق لمضاهاة هذا النمو بأهمية سياسية جديدة. إن حقيقة أنها على استعداد لتصبح ولاية نقطة التحول التي يجب الفوز بها في العقدين المقبلين، إذا استمرت الاتجاهات الحالية، تشير إلى تحول ملحوظ عما كان لعقود عديدة بمثابة موطن روحي للمحافظين. إن حقيقة أنها الولاية الأكثر احتمالاً لخلع نحو نصف قرن من سيطرة حزام الصدأ على نتائج الانتخابات هي شهادة مناسبة على التحالفات المتغيرة في أميركا والتيارات المتقاطعة للاستراتيجيات الانتخابية الحديثة.