Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العقارب تطارد منكوبي السيول العالقين بأعالي الجبال في السودان

هربوا إليها لإنقاذ أنفسهم فحوصروا بالجوع والهجمات السامة ويستغيثون لإجلائهم إلى مكان آمن

انقطعت بهم الطرق وتعذرت كل محاولات إيصال المساعدات من غذاء وأدوية ومواد الإيواء ومضخات سحب (أ ف ب)

ملخص

بين ليلة وضحاها تحولت حياتهم إلى مأساة حينما فاجأتهم السيول والأمطار بصورة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة فقضت على الأخضر واليابس.

أكثر من 52 عاماً عاشها المواطن السوداني صالح الطيب في قريته "سركمتو" جنوب مدينة وادي حلفا بأقصى شمال السودان (تبعد عن الخرطوم 909 كيلومترات)، ممتهناً الزراعة بإنتاج الفول المصري والحمضيات فضلاً عن الخضروات، وهي المهنة التي يعتمد عليها 90 في المئة من السكان، مما جعل حياتهم مستقرة في أبسط صورها، لكن بين ليلة وضحاها تحولت حياتهم إلى مأساة حينما فاجأتهم السيول والأمطار بصورة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة فقضت على الأخضر واليابس، ولم يجدوا بديلاً غير الهرب إلى أعلى الجبال والمناطق المرتفعة لإنقاذ أنفسهم من كميات المياه المتدفقة بغزارة، التي اجتاحت قريتهم لتصبح منازل 200 أسرة تسكنها أكوام الركام وبخاصة أنها مبنية من الطين.

يقول الطيب "نعيش الآن في العراء حيث نعاني الأمرين، الجوع من جهة، ولدغات العقارب والحشرات السامة التي خرجت من تحت الأرض من جهة أخرى، وليس لنا خيار غير هذا المكان على رغم أخطاره، فالوضع كارثي بكل ما تحمل الكلمة من معنى. أرسلنا استغاثة إلى المسؤولين في المنطقة لإجلائنا إلى مكان آمن، وننتظر الآن مصيرنا وبخاصة أن برفقتنا أطفالاً وكبار سن لا يتحملون الجوع والمشقة".

 

 

حال سكان هذه القرية (سركمتو) هو نفسه حال سكان أكثر من 60 منطقة تقع في 16 ولاية من إجمالي 18 ولاية في البلاد، حيث جرفت السيول والأمطار مساكنهم، فضلاً عن المزارع والبساتين ونفوق آلاف الحيوانات، وهو ما أظهره عدد من مقاطع الفيديو التي تتداول في مواقع التواصل الاجتماعي وتحمل معظمها أصوات استغاثة يطلقها المنكوبون في المناطق المتأثرة في هذه الكارثة، إذ يحملون الدولة سبب مأساتهم لعدم استعدادها وتحوطها لموسم الأمطار كما يحدث سنوياً من خلال صيانة السدود والجسور وفتح المجاري وقنوات الري وغيرها.

يرى مراقبون أن السودان يشهد حالياً وضعاً مأسوياً بسبب غزارة السيول والأمطار التي اجتاحت معظم ولاياته وخلفت أضراراً بالغة في الأرواح والممتلكات مما زاد أوجاع السودانيين، وهو ما يتطلب إعلان البلاد منطقة كوارث نظراً إلى حجم الكارثة الهائل وعدم استطاعة الدولة السودانية التعاطي مع هذه المشكلة بالاهتمام اللازم في ظل انشغالها بظروف الحرب الحالية المتفجرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ أبريل (نيسان) 2023، مما يفتح الباب أمام المجتمع الدولي للتدخل بالسرعة المطلوبة لمعالجة هذا الوضع المأزوم.

منطقة كوارث

حول حقيقة الوضع في شأن كارثة السيول والأمطار التي تعرض لها السودان، قال المتحدث باسم تحالف القوى المدنية لشرق السودان صالح عمار لـ"اندبندنت عربية"، إن "ما يحدث بالطبع هو نتيجة لإهمال جهاز الدولة في القيام بواجباته المنوط بها لفترة طويلة من الزمن، على سبيل المثال عندما نتحدث عن سد (مربعات) الموجود شمال مدينة بورتسودان نجد أن انهياره وما أحدثه من غرق للمناطق التي حوله جاء نتيجة للإهمال وهي مسألة واضحة وضوح الشمس، وكذلك الحال بالنسبة إلى غرق مدينة طوكر في شرق البلاد بأكملها بسبب إهمال الجسر الواقي للمدينة، وعلى ذلك قس كل الكوارث التي تعرضت لها المناطق الأخرى سواء في الشمال أو الشرق وغيرهما".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع عمار "لكن في نظري أن الإهمال في الفترة الحالية واضح وملحوظ، فسلطة الأمر الواقع في بورتسودان برئاسة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان لا تقوى على شيء، فهي سلطة نازحة تكرس وقتها للجهد العسكري من دون أن تعير مشكلات البلاد أي نوع من الانتباه مهما بلغت آثارها".

وأردف "المطلوب الآن بصورة أساسية فتح الباب للمساعدات سواء كانت محلية أو خارجية، وتيسير الإجراءات بعدم فرض قيود على المبادرات والمتطوعين وحملات النفير الشعبي، فضلاً عن كبح جماح يد موظفي الدولة الفاسدين، فقد شاهدنا كثيراً من الإغاثات التي وصلت إلى مطار بورتسودان، لكن ليس هناك مواطنون أفادوا بأنهم تسلموا حصتهم من هذه الإغاثة، مما يؤكد بالفعل تسربها إلى الأسواق، فعلى الدولة الارتقاء إلى مستوى الحدث والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها".

وحض المتحدث باسم القوى المدنية لشرق السودان، المجتمع الدولي والإقليمي على الوقوف إلى جانب بلاده "نتيجة للوضع الكارثي الذي تشهده حالياً، فهي تعتبر الدولة الأكبر من ناحية المعاناة الإنسانية، صحيح أن البلاد ظلت خلال الأعوام الأخيرة تتلقى العون لكن هناك الآن حوجة ماثلة، فالسودان أصبح منطقة كوارث، ولم تفارقه هذه المأساة بل تزداد يوماً بعد يوم".

148 وفاة

بحسب المتحدث باسم المجلس القومي للدفاع المدني اللواء قرشي حسين، فإن عدد ضحايا الأمطار والسيول والفيضانات في السودان ارتفع إلى 148 حالة وفاة، و246 إصابة في 11 ولاية، إذ شملت الوفيات 59 في نهر النيل، و31 في الولاية الشمالية، و16 في البحر الأحمر، و22 في كسلا، وسبع وفيات في القضارف، وأربع في ولاية جنوب كردفان، وثلاث وفيات في الجزيرة، وحالتي وفاة في كل من النيل الأبيض وشمال كردفان والنيل الأزرق، ووفاة واحدة في الخرطوم. في حين توزع عدد الإصابات بين 166 إصابة في الولاية الشمالية، و47 في كسلا، و29 في نهر النيل، وثلاث في البحر الأحمر، وإصابة واحدة في النيل الأبيض.

وقال حسين في تصريحات صحافية، إن هطول الأمطار والسيول جرف طرقاً قومية وفرعية، منها طريق "هيا- عطبرة"، و"مروي- تنقاسي"، و"ناوا- كريمة". مشيراً إلى أن الإجراءات الاحترازية التي قام بها الدفاع المدني شملت سحب المياه وإخلاء المواطنين في بعض المناطق وتوفير مواد الإيواء مثل الخيم والمشمعات والبطاطين والناموسيات، إضافة إلى خزانات المياه ومادة الكلور لتنقية المياه والتعقيم.

 

 

ورفض انتقادات المواطنين في منطقة سد أربعات في شأن عدم قدرة الدفاع المدني على انتشال الجثث بسبب عمق المياه، مؤكداً أن هذا الحديث غير صحيح، فهناك قوات مرابطة وارتكازات للتدخل وغواصون مدربون وأجهزة حديثة لا تزال تعمل في السد.

وأكد المتحدث باسم المجلس القومي للدفاع المدني استقرار الأوضاع اليوم في مناطق سد أربعات و"طوكر" على رغم وصول دفعة جديدة من المياه من كوبر دولابيياي، مؤكداً وجود زيادة في عدد الأحياء المغمورة بالمياه لتصبح ستة أحياء إضافة إلى السوق. ومطالباً السلطات بضرورة توفير المواد الغذائية والأدوية ومواد الإيواء ومضخات السحب الكبيرة، وبخاصة بعد انقطاع الطريق وتعذر كل المحاولات للدخول من أجل إيصال المساعدات، مما يتطلب التدخل عبر الطيران بصورة عاجلة، خصوصاً أن الوضع حرج جداً في تلك المناطق.

تواصل السيول

وكانت هيئة الأرصاد الجوية حذرت أمس الأربعاء، من حدوث سيول جديدة في ست مناطق في الأقل بولاية البحر الأحمر شرق السودان، وسط مخاوف من تأثير سحب قادمة من السعودية في نهر النيل والولاية الشمالية.

وشهدت ولايات البحر الأحمر ونهر النيل والشمالية وغرب دارفور وكسلا خلال أغسطس (آب) الجاري أمطاراً غزيرة وسيولاً جارفة تضرر منها 317 ألف شخص في الأقل، وتسببت في تدمير آلاف المنازل والأفدنة الزراعية.

 

 

وأشارت الهيئة في بيان لها إلى أنها رصدت سحباً رعدية قادمة من غرب السعودية إلى ولاية البحر الأحمر، يتوقع أن تؤدي إلى أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية ورياح قوية. لافتة إلى أن هذه الأمطار قد تتسبب في سيول مفاجئة بمعظم مناطق وسط وجنوب وغرب ولاية البحر الأحمر، بما في ذلك بورتسودان، وهيا، وجبيت، وسنكات، وطوكر، وأربعات.

واجتاحت الإثنين الماضي سيول هادرة مدينة طوكر شرق البلاد، مما أحدث تأثيراً واسع النطاق في قرى المنطقة، وذلك بعد يوم واحد من انهيار سد أربعات الذي يقع على بُعد 38 كيلومتراً من بورتسودان، العاصمة الإدارية للدولة السودانية.

ويغطي سد أربعات معظم حاجات بورتسودان من مياه الشرب، إذ جرى إنشاؤه عبر حفر سلسلة من الآبار السطحية التي تُغذى بواسطة مياه الأمطار، وقد صُمم بسعة تبلغ 15 مليون متر مكعب من المياه، لكن أخطاء التشغيل خفضت السعة التخزينية إلى 5 ملايين بعد تراكم الطمي.

وتأثرت 70 قرية في انهيار هذا السد منها 20 قرية دمرت بالكامل، كما انهارت منازل 10 آلاف أسرة من إجمال 13 ألف أسرة تقيم في المنطقة، علاوة على فقدان 10 آلاف رأس من الماشية.

المزيد من متابعات