ملخص
بعد عشرات السنوات لا يزال أهالي المفقودين والمخفيين قسراً متمسكين بقضيتهم ويطلقون في اليوم العالمي للمخطوفين والمخفيين قسراً صرخة من القلب، أما الدولة فغائبة فيما الجرائم تتكرر.
يتشابه أهالي المفقودين في مساعيهم من أجل تحقيق العدالة وإظهار الحقيقة مع أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، فالوجع واحد والظلم واحد والجرائم تتكرر.
"نحن بشر، ولم نولد لنكون أهالي مفقودين. الاستقرار العائلي حق لنا كأي إنسان آخر"، صرخة تطلقها رئيسة جمعية "لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان" وداد حلواني، بعد مرور 42 عاماً على اختطاف زوجها، فتختصر فيها كل الوجع في قلوب الأهالي الذي يكتبون قصصهم يومياً بحبر القلوب. أكثر من 40 سنة مضت، غلبت فيها الخيبات على المحطات الإيجابية في رحلة إحقاق الحق وإظهار الحقيقة، لكن في كل مرحلة من هذا المسار الأليم، تمسك أهالي المفقودين بشعارهم الذي لم يتخلوا عنه يوماً "لن ننسى". زوجات وأمهات وأبناء وأحفاد يتمسكون بالأمل بعد عشرات السنوات، عل الحلم يتحقق يوماً، هم لا يزالون يترقبون عودة أحبائهم أو في الأقل معرفة مصيرهم المجهول، متسلحين بالإيمان بقضية محقة، وفي ظل الخيبات المتكررة، هم لا ينتظرون المحاسبة، لأنه حلم أكبر من أن يتحقق في بلادنا، يكفيهم أن تظهر الحقيقة لتشفي غليلهم وتهدئ قلوبهم المتمسكة بالأمل على رغم تقاعس الدولة عن أداء واجباتها، وتحمل مسؤولياتها في تطبيق العدالة وحماية مواطنيها، وإهمالها قضية مؤلمة لحامليها تماماً كقضية انفجار مرفأ بيروت الذي حصد آلاف الضحايا ولا تزال الحقيقة حوله مجهولة.
خيبات متكررة والأمل موجود
وبعد انقضاء 36 عاماً من الانتظار والمساعي والجهود والخيبات، استطاعت اللجنة الوطنية الكشف عن مصير المفقودين في سوريا وفي الداخل اللبناني أن تنتزع القانون 105/2018 من المجلس النيابي، وبعد مسار نضالي طويل فيه كثير من الدموع والوجع والقهر والتظاهرات والصراخ، تحقق هذا الإنجاز وكتب أعضاء اللجنة بأنفسهم قانوناً بدمع العيون، بعد أن فشلت كل محاولاتهم لإيجاد آذان صاغية من الدولة أو تجاوب يهدئ قلوبهم.
في حديثها مع "اندبندنت عربية" تؤكد رئيسة اللجنة، بمناسبة اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسراً، أن الأهالي كتبوا بأنفسهم القانون بأيدي أشخاص من ذوي الاختصاص قبل أن يضعوه بين أيدي النواب في البرلمان، إذ إنهم لم يجدوا أي تجاوب مع نداءاتهم ومساعيهم وصرخاتهم الموجوعة سابقاً. لعلها أهم المحطات الإيجابية الأهم في مسيرتهم الطويلة هذه، لكن على رغم أهمية هذا القانون، كإنجاز حققته اللجنة على رغم التحديات، مرت ست سنوات على إقراره ولم يطبق حتى الآن "أهمية هذا القانون في كونه صدر في لبنان وكرس حق كل عائلة في معرفة ما حصل لمفقوديها. كما علقت كل آمالنا كأهالي على الهيئة المستقلة التي أنشئت، لكنها بقيت مكبلة ولم تعط أياً من الصلاحيات المطلوبة لتكون فاعلة وتحقق الهدف الذي أنشئت من أجله. هناك تنصل رسمي ظالم غير مقبول من المسؤولية في معالجة نتائج الحرب، خصوصاً قضية المفقودين ليس فقط في السجون السورية، إنما أيضاً في الداخل اللبناني على يد الميليشيات المتنازعة، ويشكلون العدد الأكبر من المفقودين. هذا التنصل الرسمي المتعاقب من المسؤوليات غير مقبول في قضية بدأت مع الحرب التي بدأت في عام 1975 وانتهت في عام 1990. وبعد عشرات السنوات من انتهائها إذ تخللتها انتهاكات جسيمة، لم تقفل القضية ولم يظهر بعد شيء من الحقيقة، ولم نعرف أي أمر عن أحبائنا".
وكانت فرحة كبرى للأهالي بصدور القانون في مسيرتهم كمحطة أساسية وإنجاز مع "انتزاع اعتراف من المرتكبين أنفسهم"، لكن الأهم هو ألا يبقى حبراً على ورق، خصوصاً أن تطبيقه لا يعود بالفائدة على أهالي المفقودين فحسب، بل على الشعب اللبناني كاملاً، "وحتى إذا لم يحاسب المرتكبون، فيكفي أن تظهر الحقيقة في الأقل فيسهم في قيامة الدولة ويشكل رادعاً لارتكابات مماثلة وحالات خطف من الممكن أن تحصل في المستقبل، حتى أن إقرار هذا القانون أكد أن الدولة بدأت تعامل الجميع بمساواة من دون تمييز بين الطوائف والانتماءات، وبين مسيحيين ومسلمين، بما أن أهالي المفقودين ينتمون إلى مختلف الطوائف، وهذا ما من المفترض أن تبنى على أساسه الدولة" وفق ما تشدد عليه حلواني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
طائفة مميزة تجمع كل الطوائف
وفي عام 2000، كان أهالي المفقودين حققوا إنجازاً مهماً تحرص حلواني على تسليط الضوء عليه، لأهميته في هذا المسار النضالي، وحصل ذلك عندما اجتمع أصدقاء القضية واتحدوا من أجلها ليقيموا حملات وتحركات عدة فشكلوا طائفة مميزة وفريدة من نوعها تجمع مختلف الطوائف والانتماءات، وتحول اتحادهم إلى نقطة قوة أساسية لهم، لا بل هي سلاحهم الأقوى للمساهمة ببناء وطن حقيقي لا انقسامات فيه وتتحقق فيه العدالة، وهذ ما يشكل مصدر فخر أساس لهم.
"حتى اليوم لم تتحمل الدولة مسؤولية شعبها ولم تقم بدورها في حمايته، أما رهان الدولة بأن ينسى الأهالي مفقوديهم مع مرور الزمن وبأن ينسوا القضية، فسقط كونهم يتمسكون بقضيتهم وبمساعيهم إلى إظهار الحقيقة، مهما طال الزمن، وإن كانوا يخشون أن تمضي 36 سنة أخرى من دون أن يكشف عن الحقيقة بعد إقرار القانون، ولعل ما حصل في انفجار المرفأ خير دليل على أن التاريخ يعيد نفسه في لبنان، وأن اللبنانيين هم بالفعل ضحايا مؤجلون" كما تصفهم حلواني، فمساعي أهالي المفقودين في الحرب هي نفسها لأهالي ضحايا انفجار المرفأ لإظهار الحقيقة، فتتساءل كيف يمكن تفسير هذه الجريمة الجديدة التي لم تتحقق فيها العدالة، وتخشى أن تتكرر الجرائم على اختلافها في المستقبل، ومع مرور الزمن تحترق قلوب أهالي المفقودين، كما قلوب أهالي ضحايا المرفأ على أحبائهم، خصوصاً أنهم لا يجدون من يلبي نداءاتهم ويستمع إلى صرخاتهم، أما الدعم الرسمي الذي يجدونه من بعض الشخصيات والنواب، فهو غير كاف ومحدود، وإذا كانت هناك بوادر أمل مع تشكيل الهيئة الوطنية المنوطة الكشف عن المفقودين وتقفي أثرهم يبقى تفعيلها وتطبيق القانون مطلباً أساسياً يتمسكون به اليوم وفي كل الأوقات في ظل غياب تام للدولة.
الحل بيد الشعب
وتعتبر حلواني الشعب اللبناني جزءاً من الحل، وأيضاً من عدم إيجاد حل، ولا بد له من التكاتف ليصل إلى الحقيقة في أية قضية، بما أن أياً من هذه القضايا يعني الجميع وليس مجموعة معينة من اللبنانيين. وأكثر بعد، إضافة إلى أن الأهالي أصحاب قضية مقدسة وأصحاب حق، يعتبر اللبنانيون كافة عرضة للخطر في مواجهة ما يمكن أن يحصل من جرائم متكررة قد تحصد مزيداً من الضحايا لاحقاً، فإذا لم يتوحد الشعب اللبناني، لن يكون من الممكن التوصل إلى الحقيقة ولا تجنب كوارث كبرى لاحقة "التوصل إلى حل للقضية فيه مصلحة مشتركة للجميع حتى تعاد قيامة دولة القانون والمؤسسات، فالضحية واحدة، كما أن الظالم واحد، أما قوة أصحاب الحق ففي صمودهم وتمسكهم بحقوقهم حتى الرمق الأخير".
ومهما طال الانتظار الأهالي مستمرون بنضالهم لمعرفة الحقيقة عن مصير أحبائهم الذين يصل عددهم إلى 17 ألف مفقود ومخطوف، إضافة إلى 622 معتقلاً في السجون السورية، فهم يتسلحون بالأمل ويثقون بأن الحقيقة ستظهر في يوم من الأيام.