ملخص
منذ أسابيع أثارت المخاوف الأوروبية والغربية بشكل عام من التقارب الروسي - الصيني مع تونس تلاسناً نادراً بين البلد الواقع شمال أفريقيا والاتحاد الأوروبي الشريك الرئيس له.
خرجت المخاوف الأميركية من تنامي النفوذ الروسي - الصيني في تونس إلى العلن، وذلك بعد أشهر من زيارات قادت الرئيس قيس سعيد إلى بكين ووزير الخارجية السابق نبيل عمار إلى موسكو. وقال السفير الأميركي لدى تونس جوي هود إن "الولايات المتحدة تشاطر الاتحاد الأوروبي مخاوفه من تنامي النفوذ الروسي - والصيني في تونس، إنه أمر من شأنه أن يزعزع الاستقرار في المنطقة وفي أفريقيا".
ونقلت صحف تونسية عن هود قوله إن "رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد تحدث عن هذا بشكل واضح، ومن بين الأشياء التي لا يريدها لتونس هو أن تكون منصة أو منطلقاً لعمليات عسكرية لبلدان مجاورة".
ويشير تعبير السفير الأميركي إلى مخاوف واشنطن بعد أسابيع من نشر تقارير غربية أكدت أن طائرات روسية يشتبه في أنها عسكرية هبطت في مطار جربة الدولي الواقع على بعد 130 كيلومتراً عن الحدود الليبية.
مضايقة ومزاحمة
منذ أسابيع أثارت هذه المخاوف الأوروبية والغربية بشكل عام تلاسناً نادراً بين البلد الواقع شمال أفريقيا والاتحاد الأوروبي الشريك الرئيس له، وسبق أن أعرب مفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن قلق التكتل من التقارب التونسي مع روسيا والصين، داعياً إلى تقييمه وتطوره.
ورد وزير الخارجية التونسي السابق نبيل عمار على تصريحات بوريل بالقول "لا أريد إثارة جدل حول بوريل لا يستحقه، وهو يحمل حملاً على كتفيه".
بينما قال وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس إن "تصريحات السفير الأميركي تدل على أن التمدد الروسي والصيني في بلاده والمنطقة بشكل عام، يشكل إحراجاً ومضايقة ومزاحمة للقدرات الأميركية في المنطقة".
وأوضح ونيس في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "هذه المخاوف مشروعة، لأنه بالنسبة إلى الدول المعنية في شمال أفريقيا ترى أن الوجود الروسي باستراتيجية واضحة المعالم والحضور الصيني أيضاً يخدم مصالحهما، ويعطينا قدرات دبلوماسية أقوى بفضل المزاحمة والتنافس".
وتابع "ما تقدر عليه الصين في شمال أفريقيا لا تقدر عليه الولايات المتحدة وأوروبا، فهناك قابلية وتوزيع أدوار بالنسبة إلى بكين التي لا تبيع الطائرات أو السيارات، لكنها قادرة على ملء الأسواق بالمواد التي اكتسحت بها أسواقاً جديدة على حساب الدول الغربية".
واستنتج ونيس أن "هناك مزاحمة ومضايقة من الصين وروسيا للولايات المتحدة وتصرفاتها في تونس كما في المنطقة"، لافتاً إلى أن "تونس ليس لها رصيد استراتيجي يجعلها في قلب المزاحمة بين الغرب وروسيا والصين لكنها تنتسب إلى منطقة لديها قيمة استراتيجية عالية".
مناورات تونسية
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023 زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تونس في زيارة أجلت مرتين، وجاءت في ذروة الفتور بين تونس والعواصم الغربية إثر تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وعلى رغم الضغوط الدولية والعقوبات التي مورست ضد روسيا بسبب عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا في الـ24 من فبراير (شباط) 2022، إلا أن تونس ضاعفت من وارداتها من موسكو سواء من النفط أم الحبوب أم غيرهما.
وقال الناشط السياسي التونسي المقيم في إيطاليا والنائب البرلماني السابق مجدي الكرباعي إن "الوجود الروسي في تونس بدأ منذ نشر معلومات حول استعمال الطائرات الروسية للمطارات التونسية من أجل التزود بالوقود أو فحص تقني، وهو أمر أثار حفيظة وقلق الولايات المتحدة وأوروبا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع الكرباعي في تصريح خاص أن "زيارة الرئيس قيس سعيد إلى الصين أيضاً غذت هذه المخاوف، لكن في اعتقادي ما يحدث هو مناورات من سعيد من أجل تحسين التفاوض مع أوروبا وأميركا خصوصاً في ما يتعلق بصندوق النقد الدولي".
وشدد على أن "هذا يشكل مخاوف لدى أوروبا وكذلك الولايات المتحدة لأن الوجود الروسي بخاصة في مالي وبوركينافاسو وليبيا والنيجر مقلق للغاية بالنسبة إلى كلا الطرفين، نوعاً ما هذا يجعل أوروبا وواشنطن والناتو على يقظة من أي حضور للعنصر الروسي في تونس".
ورقة ضغط
وترى أوساط سياسية في تونس، كما تقارير غربية، أن التقارب الذي تسعى إليه تونس مع روسيا والصين مدفوع بمحاولات للضغط على الغرب خصوصاً في ظل عدم تدعيم ملف تونس للحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار.
ولم يقتصر التقارب بين روسيا وتونس على الصعيد الاقتصادي أو الدبلوماسي بل تعدى ذلك إلى المجال السياسي، ففي الـ15 مارس (آذار) الماضي وقعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية مذكرة تعاون مع نظيرتها الروسية.
وبالنسبة إلى الصين، التي زارها الرئيس قيس سعيد في يونيو (حزيران) الماضي، فإن توسيع النفوذ في أفريقيا أولوية بالنسبة إليها، لكنه توسيع ناعم بشكل كبير من خلال استثمارات ضخمة وغير ذلك.
وعلى رغم الحفاوة التي حظي بها الرئيس سعيد في بكين فإن تونس سجلت في الربع الأول من عام 2024 عجزاً في الميزان التجاري مع الصين، التي تصدر إلى تونس عديد المنتجات كالمنسوجات والملابس والأجهزة الإلكترونية وأجهزة الاتصالات وألعاب الأطفال وغيرها.
وقال مجدي الكرباعي إنه "بالنسبة إلى قيس سعيد فإن حراكه مع روسيا والصين ما هو إلا وسيلة وورقة ضغط بيده من أجل تحسين شروط التفاوض مع واشنطن سواء على صعيد التمويل أم الحريات، وإلى غاية الآن لا وجود رسمياً أو عسكرياً روسياً الذي قد ينشئ موقفاً متشدداً أو راديكالياً من الولايات المتحدة الأميركية أو أوروبا إزاء تونس، لكنها تبقى مخاوف يعبر عنها".
استفادة ممكنة
وفيما قرر عدد من الدول الأفريقية تحريك بوصلتها نحو روسيا والصين على غرار النيجر ومالي وبوركينافاسو وهي دول قطعت صلاتها مع الغرب، لا يزال شمال أفريقيا محل منافسة محتدمة.
ويثير ذلك تساؤلات حول ما إذا كانت تونس ومنطقة شمال أفريقيا ستستفيد من هذه المنافسة لا سيما على المستوى الاقتصادي والأمني في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة مع تصاعد الهجرة غير النظامية.
واعتبر وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس أن "استفادة بلاده كما بقية الحكومات في الجزائر والمغرب وليبيا من التنافس بين الغرب وروسيا والصين ممكنة، وتونس ستستفيد لأن ما من شك أن صفقات ستذهب إلى موسكو على حساب ما كانت تستفيد منه الدول الأوروبية الغربية والولايات المتحدة".
وفي خضم التلاسن بين تونس والقوى الغربية حول التقارب الأخير مع روسيا والصين، فإنه من غير الواضح مآلات العلاقات بين الطرفين.