Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مونولوغ" مسرحية العبث السوري بالفن الياباني

المخرج نورس برّو قدم عرضه بتوليف التمثيل والرقص والفيديو ضمن رؤية تجريبية

مشهد من مسرحية  "مونولوغ" السورية (اندبندنت عربية)

ملخص

يقدم مختبر "خلق" الذي أنشأته الفرقة السورية للمسرح الراقص، مقترحاته التجريبية، في العرض الجديد لهذه الفرقة الذي يحمل عنوان "مونولوغ"، وهو من تأليف نورس برّو وإخراجه،  وقد اعتمد فيه فن الدمى الياباني.

نشاهد في مسرحية "مونولوغ" (70 دقيقة) توليفة درامية بين الرقص والتمثيل والفيديو، جنباً إلى جنب مع استعارة دمية البونراكو الضخمة، والتي اقتبسها القائمون على العرض السوري من مسرح العرائس التقليدية في اليابان لتوظيفها درامياً.

تدور أحداث "مونولوغ" حول فتاة شابة (ناي سلطان) تخوض صراعاً مع ذاتها مجسداً في دمية البونراكو (تصميم إيمان عمر)، ويتمحور الصراع حول سؤال قديم جديد هو: "ما الجدوى من وجودنا كبشر في هذه الحياة". سؤال يستحضر أفكاراً ومفاهيم لا مادة درامية، ويجعل المؤدية شبه الوحيدة على الخشبة تستشيط ساعتها على المسرح دون أي تطوير في حبكة أو تصاعد درامي، أو حتى توفير مفاتيح فهم للمتفرج لاستيعاب ما يحدث، وهذا ما جعل العرض يقترب من شكل محاضرة عن أفكار الفيلسوف الروماني إميل سيوران (1911-1995). وزاد الطين بلة هو خروج (نورس برو) من إطار شخصية الكاتب التي قام بأدائها في العرض، معلناً عدم حياده هو الآخر، وتوجيه الأسئلة للجمهور عبر ميكرفون إلكتروني مثبت إلى فمه، ليحيل سؤاله إلى الجمهور مرة تلو المرة: "ما الجدوى من حياتنا كبشر في هذه الحياة"؟

إجابات الجمهور كانت متنوعة وخجولة على سؤال برو، فمنهم من رد بذكره آيات من "القرآن الكريم" عن مآل الإنسان يوم الحساب والدينونة، وكونه خليفة الله في الأرض، ومنهم من أجاب بطريقة تهكمية على نحو: "حتى نعيش بلا كهرباء" في إشارة ساخرة لزيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي في البلاد، فيما أجابت سيدة من الجمهور بقولها، "الجدوى من حياتنا هي مشاهدة هذا العرض الفاشل". عبارة قالتها السيدة الأربعينية بغضب، ثم غادرت بعجل صالة مسرح الحمراء الدمشقي.

مسرح تجريبي

والحقيقة أن "مونولوغ" لم يحمل جديداً بطرحه أسئلة عن عبثية الوجود، إلا في اجتراره لشكل مسرح تجريبي عربي كثيراً ما حرص على الدمج كيفما اتفق بين عناصر الرقص والتمثيل والفيديو كوصفة فنية جاهزة وصالحة لكل الأوقات، فتحت مسمى التجريب يتم ممارسة فنية أقرب إلى الشعوذة منها إلى مختبر تجريبي، وهذا ما ينم عن خلل في فهم طبيعة الشرط الفني للمسرح، وعقم في تحقيق متعة فعلية لجمهور الفرجة، والاستعاضة عن ذلك بتقديم ما يشبه أكروبات مشتقة من رياضة الجمباز الإيقاعي، ومن أشكال فنية وراقصة مشوشة وعديمة الملامح.

وبالعودة إلى "مونولوغ" يمكن رصد الخلل الحاصل بين عناصر هذا العرض، من خلال المادة الفيلمية التي انتهت بأغنية (سورية يا حبيبتي)، ليعود السؤال من جديد عن كيفية اختتام المخرج لعرض يتساءل فيه بإلحاح عن جدوى الوجود البشري على هذا النحو التعبوي؟ أما عن استعارة نورس برو لدمى البونراكو اليابانية (تحريك خوشناف ظاظا) فيمكن العثور على أخطاء بالجملة عن طبيعة التعاطي مع فن العرائس اليابانية باستسهال قل نظيره، كما يمكن الحديث عن صعوبة التدريبات التي يستدعيها هذا النوع من الممارسات المسرحية المستمدة من تراث عرائس اليابان في القرن الـ15، لا سيما على صعيد تصميم الدمية وتحريكها، أو حتى على صعيد الموسيقى التي ترافق رواية فصولها، والقصص التاريخية المتعلقة بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على صعيد التدريب يذكر خبراء يابانيون في هذا النوع من المسرح أن المتدرب يحتاج إلى ما يقل عن 20 عاماً من الخبرة حتى يقوم بتحريك رأس الدمية ويدها اليمنى بيسر وسهولة، فيما يحتاج إلى فترة أقل لمن يقوم بتحريك قدميها ويدها اليسرى، وذلك نظراً إلى حجم دمية البونراكو، والذي يصل أحياناً إلى قرابة متر ونصف المتر، وما يتطلبه هذا النوع من العرائس التراثية من ممارسة لتمارين رياضية خاصة، ومعرفة عميقة بتصاميمها وحكاياتها الشيقة والفريدة في العالم.

ما حدث في "مونولوغ" يمكن اعتباره نسخة مشوهة عن مسرح دمى البونراكو، وتعمية مقصودة للتغطية على قلة الحيلة الفنية، وتورية لانعدام الصراع الدرامي إلا على هيئة قفزات عشوائية للمؤدية، والتعويل أكثر فأكثر على الخلط المجاني بين مقاطع الفيديو التي يظهر فيها كل من مخرج العرض وبطلته على أنهما "روميو وجولييت" في قصة حب غابرة، وبين كاتب يحاول استعادة شخصياته على أوراق بيضاء يقوم بتمزيقها في نهاية المسرحية دون مبرر درامي يذكر، بينما نشاهد تكرارات لا نهائية لحركات الراقصة، والتي انحصرت في "مونولوغ" بأداء شقلبات وارتطامات جانبية عنيفة حاول الضوء (إياد عساودة) عزلها قدر الإمكان عن أشعة الشاشة المنتصبة في عمق الخشبة.

ونتيجة كل ما تقدم يمكن ملاحظة التراخي الحاصل في إيقاع العرض "إنتاج مديرية المسارح والموسيقى"، وعدم السيطرة على عناصره الفنية، إذ كان من الممكن توظيفها درامياً، بدلاً من الذهاب إلى محاولة توظيفها جمالياً وحسب، لكن حتى توظيفها الجمالي لم يكن بالمستوى المطلوب، فقد أسهم إسقاط المادة الفيلمية للعرض عبر جهاز إسقاط ضوئي (فيديو بروجكتور) في تشويش الفرجة المسرحية، وتشتيت المتفرج عن حركات الجسد الراقص، في حين جعل المخرج مستويين للصوت: الأول جاء على هيئة مختارات من الموسيقى العالمية (جمال الشرع)، أما المستوى الثاني فتجلى في صوت المادة الفيلمية مدمجاً مع صوت الراوي- الكاتب، والذي جاءت شخصيته مقحمة على الصراع الأساس في "مونولوغ" بين الراقصة وذاتها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة