Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا لديها نفوذ في التعامل مع إسرائيل أكثر مما تظن

لماذا يمكن أن تقنع ضغوط واشنطن نتنياهو بتغيير المسار في غزة؟

تظاهرات ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب، أغسطس 2024   (رويترز)

ملخص

تظهر دراسة حديثة أن الولايات المتحدة تمتلك نفوذاً فعلياً للتأثير في السياسة الإسرائيلية، إذ يمكن للضغط الأميركي أن يدفع الإسرائيليين نحو التوصل إلى تسوية سلمية لإنهاء الحرب في غزة من دون التسبب في ردود فعل سلبية كبيرة تجاه أميركا.

على مدار الحرب المستمرة منذ ما يقارب العام بين إسرائيل و"حماس" في غزة، كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مترددة في ممارسة ضغوط جدية على تل أبيب للحد من عملياتها الأكثر تدميراً والسعي إلى إنهاء الصراع. وثمة أسباب عدة وراء تردد بايدن، أحدها هو الشك في أن الضغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتغيير مسارها قد يسفر عن نتائج إيجابية. وقد زعم بعض المحللين والخبراء أن الولايات المتحدة لا تملك النفوذ الكافي لتغيير سلوك الحكومة الإسرائيلية بصورة جذرية، وأن انتقاد رد إسرائيل على هجوم حماس" المدمر في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

ويبدو أن هذه التصورات تؤخذ على محمل الجد بين كبار صناع القرار في الولايات المتحدة. ففي وقت سابق من هذا الصيف، حذر آموس هوكشتاين، وهو مسؤول في إدارة بايدن يعمل وسيطاً بين إسرائيل و"حزب الله"، الساسة اللبنانيين من أن الولايات المتحدة تفتقر إلى القوة اللازمة لردع إسرائيل. ولخص إدوارد غابرييل، رئيس "مجموعة العمل الأميركي من أجل لبنان" غير الربحية، رسالة هوكشتاين قائلاً "إذا كنتم تعتقدون أننا نستطيع إملاء ما يجب على [المسؤولين الإسرائيليين] فعله أو عدم فعله، فأنتم مخطئون... عليكم أن تفهموا أن أميركا لا تملك النفوذ اللازم لإيقاف إسرائيل". وعلى نحو مماثل، قال دينيس روس، الدبلوماسي الأميركي المخضرم والمفاوض في الشرق الأوسط، في أواخر العام الماضي، إن "التاريخ يُظهر أن الناخبين الإسرائيليين سيرفضون المطالب الأميركية إذا اعتبروها غير معقولة، بغض النظر عن الكلف". وتسهم تصريحات المسؤولين الإسرائيليين جزئياً في تغذية وجهة النظر هذه. فعلى سبيل المثال، أكد وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش مراراً وتكراراً أن أي ضغط أميركي لإنهاء الحرب يحفز الإسرائيليين في الواقع على الاستمرار في القتال.

ولكن يبقى هذا الافتراض مجرد افتراض. ولاختبار مدى صحته، أجرينا في مايو (أيار) الماضي استطلاعاً فريداً للرأي العام الإسرائيلي حول الحرب لكي نفهم بصورة أفضل كيف ينظر الإسرائيليون إلى تصريحات الدعم غير المشروط من جانب الحكومة الأميركية، مقارنة بنظرتهم إلى الضغوط الأميركية لتغيير الإستراتيجية في غزة. وقد أظهرت النتائج أن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تفتقر إلى النفوذ هو خطأ، فمن المرجح أنها قادرة على الضغط على الإسرائيليين للتحرك نحو تسوية سلمية وإنهاء الحرب في غزة من دون إثارة ردود فعل عنيفة كبيرة. إذا مارست إدارة بايدن أو ربما الإدارة التي ستخلفها، ضغطاً حقيقياً ومستمراً على إسرائيل، على غرار وضع شروط على تصدير الأسلحة الهجومية إلى البلاد من أجل التوصل إلى اتفاق، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تقويض الدعم العام الإسرائيلي للحرب بصورة كبيرة وتسريع نهايتها.

جمهور يمكن إقناعه

لقد أظهرت استطلاعات الرأي العام الأخيرة بصورة متكررة أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون اتفاقاً لوقف إطلاق النار يشمل تحرير جميع الرهائن في مقابل إنهاء إسرائيل للحرب والانسحاب الكامل من غزة. وحتى أغسطس (آب) الجاري، أعرب 63 في المئة من الإسرائيليين عن تأييدهم لمثل هذه التسوية، مقارنة بـ 56 في المئة في يونيو (حزيران) الماضي. ربما تكون السياسة الأميركية قد أثرت بالفعل في هذه الأرقام إلى حد ما، فقد عبّر بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز بوضوح عن دعمهم خطابياً للاتفاق ونفاد صبرهما بصورة متزايدة إزاء رفض الحكومة الإسرائيلية قبوله.

ولكي نفهم بصورة أفضل كيف يستجيب الإسرائيليون لمواقف الولايات المتحدة تجاه البلاد، أجرينا استبياناً عبر الإنترنت في الفترة الممتدة بين السابع والـ12 من مايو الماضي، فطرحنا نحو 20 سؤالاً على عينة مكونة من 1.238 بالغاً إسرائيلياً، تمثل إلى حد كبير عموم السكان. وقد استُطلعت آراء المشاركين بعد أيام قليلة من انتشار أخبار تفيد بأن واشنطن علقت للمرة الأولى منذ أعوام إرسال شحنة أسلحة إلى إسرائيل في محاولة لمنع غزوها لرفح. في وقت إجراء هذا الاستبيان، كان هذا النهج سبباً في جعل السياسة الأميركية تجاه الحرب في غزة تبدو غير مضمونة بصورة خاصة.

وقد شمل استطلاعنا تجربةً صُممت بعناية، فأبلغنا المشاركين برسائل معينة لمعرفة ردود فعل الإسرائيليين على موقف الولايات المتحدة. وقسمنا المشاركين إلى ثلاث مجموعات. كانت المجموعة الأولى بمثابة مجموعة ضابطة [مرجعية]، لم تتلق أية رسائل قبل إكمال الاستطلاع. في المقابل، قبل الإجابة عن الأسئلة، قرأت المجموعة الثانية قصة إخبارية غير حقيقية ولكنها مصممة لتبدو معقولة وقابلة للتصديق تشير إلى أن الشعب الأميركي يساند إسرائيل في الصراع وأن إدارة بايدن ستوفر دعماً غير مشروط لتل أبيب لكي تحقق نصراً كاملاً على "حماس". أما المجموعة الثالثة فقرأت قصة إخبارية قيل فيها إن الأميركيين منزعجون من الصراع وإدارة بايدن أعلنت بصورة حازمة أن إسرائيل يجب أن تنهي هذه الحرب، وأن الدعم الأميركي لن يكون غير مشروط إذا لم تتجاوب إسرائيل مع الرغبة الأميركية. كان السيناريوهان المعروضان على المجموعتين التجريبيتين قابلين للتصديق بصورة كبيرة في مطلع مايو الماضي عندما كانت إدارة بايدن قد أعلنت أول حظر لتسليم شحنة أسلحة، وكانت هناك تقارير متضاربة حول ما إذا كانت الإدارة على وشك تغيير سياستها بصورة كبيرة أو سوف تستمر في دعم الحرب مع توجيه انتقاد طفيف لإسرائيل. بعد هذا التدخل [أي إبلاغ المشاركين بالرسائل]، طُرحت على المجموعات الثلاث الأسئلة نفسها في ما يتعلق بمواقفها تجاه الصراع في غزة، وإمكانية إنهائه، وغيرها من القضايا الجيوسياسية.

وكانت النتائج مذهلة. فقد وجدنا بصورة عامة أن قراءة الرسالة التي تفيد بأن الولايات المتحدة مستعدة لممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل من أجل إنهاء الحرب لم تغير بصورة كبيرة آراء الإسرائيليين في شأن الحرب، أو في شأن المفاوضات لإنهائها، أو في شأن الولايات المتحدة ومنافسيها الجيوسياسيين. ومن الجدير بالذكر أنه في المجموعة التي تم إبلاغها بأن الولايات المتحدة كانت تضغط على إسرائيل لتغيير مسارها، لم يكن هناك انخفاض ملموس في نسبة المشاركين الذين قالوا لاحقاً إن وجهة نظرهم إيجابية تجاه الولايات المتحدة، أو ارتفاع في نسبة من يحملون وجهة نظر إيجابية تجاه روسيا أو الصين، مقارنة بالمجموعة التي لم تتلق أية رسائل. وهذه النتائج تقوض المخاوف من أن الضغط الأميركي من شأنه أن يقلل من دعم الإسرائيليين لوقف إطلاق النار أو يضر بصورة كبيرة بوجهات نظرهم تجاه أميركا. وباختصار، سموتريتش مخطئ، لا دليل على أن الضغط قد يأتي بنتائج عكسية.

وتجدر الإشارة إلى أن نسبة الذين أعربوا عن وجهة نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة في المجموعة التي قيل لها إن الولايات المتحدة تقدم دعماً غير مشروط لإسرائيل كانت أعلى بثماني نقاط مقارنةً بالنسبة المسجلة في المجموعة الضابطة. وبالطبع، كان المشاركون في الاستطلاع يفضلون أن تقدم الولايات المتحدة دعماً غير مشروط لإسرائيل، ومع ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة لم تفقد ماء الوجه أمامهم حتى حينما أُبلغوا بأنها مارست ضغوطاً على إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

زيادة الضغط

من خلال تقسيمهم إلى مؤيدين لنتنياهو وغير مؤيدين له، وهو الانقسام السياسي الرئيس في إسرائيل، نظرنا بصورة أعمق كيف تأثر المشاركون في خبر ممارسة الضغوط الأميركية. وسألناهم عما إذا كانوا يخططون للتصويت لمصلحة نتنياهو أو لغيره من الساسة الإسرائيليين البارزين في الانتخابات المقبلة. ووجدنا أن دعم ناخبي نتنياهو للتوصل إلى اتفاق مع "حماس" ارتفع بصورة حادة، من 25 في المئة إلى 40 في المئة، عندما قرؤوا الخبر في شأن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، وهو ما يُظهِر في واقع الأمر أن فئات رئيسة من الجمهور الإسرائيلي تتأثر كثيراً عندما تسمع أن الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب، وأنهم يتفاعلون مع هذه الضغوط بالطريقة المتوقعة، خلافاً لما يدعيه بعض قادتهم.

وهذه النتائج لافتة بصورة خاصة نظراً إلى الآراء التي أعرب عنها الناخبون المؤيدون لنتنياهو وغير المؤيدين له في المجموعة الضابطة. فمن بين المشاركين الذين لم تصلهم أية معلومات عن الإستراتيجية الأميركية قبل استكمال الاستطلاع، بلغت نسبة الدعم للتوصل إلى اتفاق من أجل إنهاء الحرب وإعادة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، عوضاً عن الاستمرار في محاولة القضاء على "حماس"، 25 في المئة بين ناخبي نتنياهو و73 في المئة بين الإسرائيليين الآخرين. وبعبارة أخرى، يشير الأمر إلى أن ناخبي نتنياهو هم الداعمون الرئيسون للنهج المتطرف [وتحقيق النصر الساحق] في الحرب. إن إضعاف تصميمهم على تحقيق نصر كامل ودفعهم نحو التسوية من شأنه أن يقلل بصورة كبيرة من جدوى إطالة أمد الصراع في إسرائيل.

ولكن على رغم التزام نتنياهو الراسخ بالحرب، التي يرتبط بها مستقبله السياسي، فقد أظهر أنه حساس أيضاً إزاء ضغوط الحكومة الأميركية في الحالات النادرة التي تمارَس فيها. على سبيل المثال، بعد مكالمة مباشرة وعالية النبرة من بايدن في أبريل (نيسان) الماضي، قيل إنه طلب فيها من نتنياهو إجراء تغييرات جادة في سلوك إسرائيل في الحرب، زادت تل أبيب بصورة كبيرة عدد الشاحنات التي تنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة. وتزامنت هذه الأحداث مع فترة وصلت فيها نسبة تأييد نتنياهو إلى أدنى مستوياتها، وزادت فيها التكهنات بأن بيني غانتس وغادي آيزنكوت، العضوين الأكثر اعتدالاً في مجلس حربه، سيستقيلان. وقد يختار أنصار ممارسة الضغط أن يتحركوا عندما يرون مزيجاً مماثلاً من المعارضة العامة المتزايدة، والتهديدات المتصاعدة بانشقاق النخب، والتحولات في السياسة.

وربما هذا هو السبب الذي دفع نتنياهو نفسه، إلى جانب الوزراء الإسرائيليين الأكثر تطرفاً من اليمين والمدافعين الأكثر حماسة عن الحكومة الإسرائيلية في الولايات المتحدة، إلى إصدار مثل هذه التحذيرات المروعة في شأن ما قد يحدث إذا ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لإنهاء الحرب. في الواقع، هم يدركون قوة السياسة الأميركية في تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال إذا كانت الاحتجاجات الجماهيرية المنتظمة الواسعة النطاق، مصحوبة برفض مزيد من جنود الاحتياط الالتحاق بالخدمة احتجاجاً على تعريض نتنياهو غير المسبوق لأمن إسرائيل والدعم الأميركي للخطر، مثلما حدث خلال احتجاجات العام الماضي ضد الإصلاحات القضائية التي أقرتها حكومته، فقد تنزلق البلاد إلى مزيد من الفوضى.

ماذا عن تأثير سماع أن الولايات المتحدة ستقدم دعماً غير مشروط لإسرائيل؟ لقد وجدنا هنا تشابهاً مثيراً للاهتمام، وإن كان أقل وضوحاً، مع تأثير إخبار المشاركين بأن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على إسرائيل لإنهاء الحرب. فقد أدت قراءة القصة الإخبارية عن الدعم الأميركي غير المشروط لانتصار إسرائيل إلى انخفاض تأييد وقف إطلاق النار بين الناخبين غير المؤيدين لنتنياهو بنحو ست نقاط مئوية مقارنة بالمجموعة الضابطة، وهو فارق أصغر من الذي لوحظ عند سماع الناخبين المؤيدين لنتنياهو بخبر الضغوط الأميركية، وليس ذا دلالة إحصائية كبيرة. ولكن هذا يشير إلى أن الإسرائيليين عندما يعتقدون أن الولايات المتحدة تدعمهم مهما كلف الأمر، فإنهم يشعرون بأنهم يتمتعون بحرية التصرف في ملاحقة أهداف أكثر تطرفاً. وبالاقتران مع نتائج المجموعات التي سمعت خبر الدعم المشروط، فإن هذا يثبت أن وجهات نظر الإسرائيليين في شأن الحرب قابلة للتغيير، لذا فإن موقف الولايات المتحدة قادر على دفع الرأي العام الإسرائيلي نحو إنهاء الحرب.

في نهاية المطاف، تؤكد دراستنا بقوة أن الولايات المتحدة تتمتع في الواقع بتأثير كبير في طريقة تفكير الإسرائيليين في الكلف والفوائد المترتبة على استمرار الصراع. إن سماع الإسرائيليين عن الضغط الأميركي لإنهاء الحرب يمكن أن يدفعهم إلى معارضة استمرار العمليات العسكرية والتوجه نحو التسوية من دون الإضرار بصورة كبيرة بالطريقة التي ينظر بها الإسرائيليون إلى الولايات المتحدة بصورة عامة. وعلاوة على ذلك، فإن النتائج التي توصلنا إليها قد لا تبين بصورة كاملة الفعالية الحقيقية والكاملة للضغوط الأميركية، لأن المشاركين كانوا يقرؤون قصة إخبارية واحدة وهمية. وعلى رغم أن الحجج المضادة التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية [لدحض ما توصلنا إليه] قد تضعف تأثير استنتاجاتنا في الرأي العام، فإن نتائجنا لا تزال متفائلة للغاية في شأن قدرة الولايات المتحدة على تغيير وجهات النظر الإسرائيلية في شأن الصراع.

من هي القوة العظمى؟

بالطبع، لم يكن القلق من أن الضغط الأميركي قد يفشل أو يأتي بنتائج عكسية هو العائق الوحيد أمام واشنطن في سعيها إلى ممارسة مزيد من النفوذ على حكومة نتنياهو وأفعالها. فهناك في الأقل سببان رئيسان آخران وراء إحجام بايدن عن ممارسة ضغوط جدية على الحكومة الإسرائيلية في شأن سلوكها في الحرب. فالتعاطف الشخصي الطويل الأمد بين بايدن وإسرائيل يجعله متردداً في انتقاد تصرفات البلاد، ولا شك في أن قراراته تتأثر أيضاً في اعتبارات سياسية محلية بعام الانتخابات الرئاسية.

ولكن قريباً لن يحظى هذان العاملان بالأهمية نفسها. فبايدن يقترب من نهاية ولايته، وبعدها لن تكون وجهة نظره الشخصية في شأن العالم محركاً رئيساً في السياسة الخارجية الأميركية أو مقيداً لها وستزول أيضاً الضغوط السياسية الشديدة المرتبطة بالانتخابات الرئاسية العالية الخطر في البلاد، وذلك في غضون بضعة أشهر. وستتمتع الإدارة الرئاسية المقبلة بِحرية أكبر في تعديل سياستها في شأن الحرب.

في الأشهر الأخيرة، أعادت كامالا هاريس نائبة الرئيس، والمرشحة الرئاسية الديمقراطية الحالية، تأكيد التزامها الأساسي بالحفاظ على أمن إسرائيل، وأشارت في الوقت نفسه إلى تعاطف أكبر مع معاناة الفلسطينيين واستخدمت لهجة أكثر صرامة تجاه نتنياهو. ومن المرجح أن كبار مستشاري السياسة الخارجية لهاريس في الشرق الأوسط هم من التقدميين الذين دفعوها نحو هذا الموقف. لذا فإن بعض مؤيدي وقف إطلاق النار يأملون في أن تكون إدارة هاريس على استعداد لدمج خطابها مع إجراءات ملموسة تدفع الإسرائيليين و"حماس" بصورة أكثر حزماً نحو التوصل إلى اتفاق. وفي الواقع، تحول إجماع الحزب الديمقراطي في شأن إسرائيل إلى موقف أكثر ميلاً إلى اليسار [أي أكثر انتقاداً لإسرائيل] مقارنة بآراء بايدن، وقد يسعى الرئيس الديمقراطي المقبل، إلى جانب مجموعة جديدة من القادة الديمقراطيين، إلى ممارسة ضغط أكبر على إسرائيل. ومن المرجح أن تستمر المخاوف من أن مثل هذه الضغوط سيكون لها تأثير سلبي. ومع ذلك، تشير نتائج استطلاعنا إلى أن هناك مجالاً أكبر لهذا التحول السياسي مما يتوقعه عدد من الإستراتيجيين.

ولكن هل يمكن لنتائج استطلاعنا أن تؤثر أيضاً في سياسات إدارة ترمب الثانية [أن تقدم رؤى أو إرشادات مفيدة يمكن أن تؤثر في قرارات إدارته]؟ نظراً إلى احتضان دونالد ترمب لليمين الإسرائيلي في ولايته الأولى، ومعارضته الواضحة لوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة من أجل إنهاء الحرب، وتعليقاته بأن إسرائيل يجب أن "تنهي المهمة"، من الصعب التخيل أن إدارة ترمب ستكون مستعدة للضغط على إسرائيل من أجل وقف الصراع. ومع ذلك، فإن التوترات بين ترمب ونتنياهو التي يرجع تاريخها إلى نهاية ولاية ترمب الأولى، فضلاً عن العلاقات الوثيقة الأخرى لترمب في المنطقة، مثل علاقاته مع السعوديين، تترك الباب مفتوحاً أمام احتمال تزايد الضغوط الأميركية على إسرائيل لإنهاء الحرب في الإدارة المقبلة، بغض النظر عن نتيجة انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

إن ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية هي الأداة الرئيسة التي تمتلكها الولايات المتحدة للتشجيع على إنهاء الحرب.

أما في ما يتعلق بالخطوات التي قد تتخذها الإدارة الجديدة، فقد استخدم الرؤساء الأميركيون تاريخياً وسائل عدة لتغيير سلوك إسرائيل، من بينها الضغط الدبلوماسي، الذي يستلزم في كثير من الأحيان السماح بتمرير قرارات تنتقد إسرائيل في الأمم المتحدة أو حتى التصويت لمصلحتها. وفي يونيو (حزيران) الماضي، اتخذت الولايات المتحدة خطوة في هذا الاتجاه من خلال رعاية قرار للأمم المتحدة يدعو كلاً من إسرائيل و"حماس" إلى إنهاء الحرب، على رغم أن اللغة المستخدمة كانت متحفظة إلى حد ما، ولم يحظ القرار حتى الآن بتأثير كبير.

في الماضي، مارست الولايات المتحدة صوراً أكثر جدية من الضغوط في المجالين الاقتصادي والعسكري. ففي عام 1991، علق الرئيس جورج بوش الأب تقديم ضمانات قروض بقيمة 10 مليارات دولار لإسرائيل، مما أجبر رئيس الوزراء إسحق شامير على تغيير سياسة الاستيطان الإسرائيلية والمشاركة في مؤتمر سلام كبير في مدريد مع الفلسطينيين. وعلى نحو مماثل، أوقف الرئيسان رونالد ريغان وباراك أوباما شحنات أسلحة عالية المستوى إلى إسرائيل بسبب تدخلات الجيش الإسرائيلي في لبنان وقطاع غزة على التوالي. وعندما طُبقت هذه الصور من الضغط بحزم وصبر، فإنها غالباً ما نجحت في كبح جماح الحكومات الإسرائيلية ودفعها نحو طاولة المفاوضات من أجل إنهاء الحملات العسكرية.

وقد أوضح فيليب غوردون، مستشار الأمن القومي لهاريس، أن فرض حظر كامل على الأسلحة لن يكون مطروحاً على الطاولة إذا فازت هاريس بالرئاسة، بيد أن تعليقاته تترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية ممارسة ضغوط كبيرة، بما في ذلك وقف جميع شحنات الأسلحة الهجومية إلى إسرائيل حتى يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ومن بين التدابير المحتملة التي قد تتضمنها قائمة الإجراءات الضاغطة، وقف شحن بعض أو كل الأسلحة (غير الدفاعية) إلى إسرائيل، ورفض ضمان القروض الإسرائيلية ما لم تضع الحكومة حداً للقتال، وربما تقديم وعود بتوفير الحوافز الاقتصادية اللازمة لتحفيز التوصل إلى اتفاق. وإلى جانب هذه الإجراءات، من المرجح أيضاً أن تكون الجهود الدبلوماسية المتجددة لحث القوى الإقليمية الرئيسة على الضغط على "حماس" مطروحة على الطاولة.

في نهاية المطاف، يجب أن تنتهي الحرب في غزة، فقد تكبَّدت كل من إسرائيل وغزة خسائر بشرية مدمرة بالفعل. وكلما طال أمد النزاع، زادت فرص حدوث حرب إقليمية أوسع، وتأججت مشاعر معاداة السامية وكراهية الإسلام في مختلف أنحاء العالم. وكلما بدا أن الولايات المتحدة داعمة لإسرائيل أو تقف مكتوفة الأيدي، تشوّهت صورتها أكثر في مختلف أنحاء العالم العربي والجنوب العالمي. ومن الواضح أن إنهاء هذه الحرب يصب في المصلحة الوطنية الأميركية، ومثلما زعم عدد من الإسرائيليين، بمن في ذلك رؤساء الأمن السابقون ودعاة السلام، فإنه يصب في المصلحة الوطنية الإسرائيلية أيضاً. وفي الواقع، إن ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية هي الأداة الرئيسة التي تمتلكها الولايات المتحدة للتشجيع على إنهاء الحرب. ويشير تحليلنا إلى أن واشنطن قادرة على دفع الإسرائيليين من يمين الوسط بصورة فعالة نحو طاولة المفاوضات من دون أن تتعرض سمعتها لضرر كبير. وإذا كان الرئيس الأميركي المقبل يريد إنهاء الحرب، فلا بد من أن يجد الشجاعة لتحقيق هذا الهدف.

*       دانيال سيلفرمان أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة كارنيغي ميلون.

**        آنا بيتشينكينا أستاذة مساعدة في العلوم السياسية في جامعة ولاية يوتا.

***       أوستين نوب أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة ولاية يوتا.

****       يوناتان أبرامسون أستاذ مساعد في العلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس.

مترجم من "فورين أفيرز"، 28 أغسطس 2024

اقرأ المزيد

المزيد من آراء