ملخص
يمكن اعتبار حصان طروادة الشهير الذي تحصن في داخله الجنود لعبور حصون وبوابات مدينة طروادة بأنه دبابة، أو معدة عسكرية بدائية تشبه مهمتها وفكرتها وهدفها مهام الدبابة الحديثة المتطورة.
يطلق اسم الدبابة على كل معدة عسكرية محصنة لحماية الجنود في داخلها، ويمكنها أن تحمل الأسلحة والتنقل بها من مكان إلى آخر في ساحات الحرب. واستناداً إلى هذا الوصف فإن كل آلية مهما كانت بدائية وتستخدم لعبور الخنادق المحصنة أو لاقتحام الأبواب الضخمة للقلاع والمدن وتدمير الأسوار للوصول إلى حيث يوجد العدو بدلاً من انتظار وصوله، تنتمي إلى طراز الدبابة ولو كان ذلك قبل آلاف الأعوام، فتصميم الدبابة وقدراتها تغيرت وتطورت تقنياً وتسليحاً إلا أن مهمتها والسبب الأول من وجودها ما زال نفسه.
الوصف العام للدبابة يمكن أن ينطبق على كل آلية ولو صنعت من الخشب يتحصن في داخلها الجنود كي يتمكنوا من الوصول إلى هدف معين من دون التعرض لخطر كبير. وفي هذه الحال يمكن اعتبار حصان طروادة الشهير الذي تحصن في داخله الجنود لعبور حصون وبوابات مدينة طروادة بأنه دبابة أو معدة عسكرية بدائية تشبه مهمتها وفكرتها وهدفها مهام الدبابة الحديثة المتطورة. وهناك مئات الأمثلة على الآلات الحربية القديمة والبدائية والتي يمكن وصفها بالدبابة مقارنة بتطور السلاح في زمنها. وأشهر هذه الدبابات البدائية التاريخية كان الجسر المتحرك العمودي الذي كان يستخدم تحت الأسوار العالية كدرج عمودي يتحصن فيه الجنود الذين يحاولون الوصول إلى أعلى السور.
قبل ظهور آلية الجسر الخشبي بقرون كثيرة كان لاكتشاف العجلات الدائرية وإتقان صنعها دور كبير في ظهور العربات العسكرية المسلحة بالسهام والأقواس والرماح والتي تجرها الخيول. وكان ذلك منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، واشتهر المصريون القدماء والحيثيون بصناعتها واستخدامها في حروبهم فكان لها كبير الأثر في انتصار إمبراطوريات وسقوط أخرى.
الدبابة الحديثة عبارة عن آلية تدمج فكرة الجسر الخشبي الذي يحمي الجنود في داخله حتى وصولهم إلى سور العدو مع عربة الخيول والأسلحة التي تحملها، على رغم أن الجسر الخشبي تطور على مراحل مختلفة في التاريخ وكذلك عربة الخيول التي كان تطويرها مستمراً مع تطور الأسلحة ونوعية الحروب والخطط العسكرية والمواقع المحصنة للعدو.
بدأ النوعان من المعدات اندماجاً في المركبات القتالية التي اخترعها العالم الإيطالي جيدو دا فيغيفانو خلال عام 1335، ثم أعقبه في التطوير ليوناردو دافنشي خلال عام 1484، وصولاً إلى جيمس كاون صاحب براءة اختراع أولى الدبابات العسكرية الحديثة في إنجلترا عام 1855، وكانت عبارة عن مركبة مدرعة مسلحة ذات عجلات يتم ربطها وجرها بواسطة جرار يعمل على البخار، وكانت الجرارات البخارية في بدايات استخدامها وظهورها التجاري في أوروبا منذ بدايات القرن الـ19.
تطور الدبابات بتطور أرض المعركة
أدى تطور عالم السيارات خلال بدايات القرن الـ20 حين صارت المركبة نفسها تحمل المحرك لتنقل عدداً قليلاً من الركاب مقارنة بعربة النقل البخارية ذات العجلات أو القطارات البخارية، إلى تطوير الدبابة الحديثة بدورها وذلك عبر جعلها مركبة واحدة تضم مساحة لحمل الجنود في داخلها، وسطحاً يمكنه حمل مدفع أو رشاشات مختلفة، ومساحة أخرى لوضع المحرك البخاري. وعلى رغم أن أصل الدبابة كما نعرفها اليوم بدأ منذ ذلك الحين فإنها كانت عبارة عن معدات ضخمة لتتمكن من الاتساع لكل شيء وبطيئة الحركة بسبب ثقلها، ومن هنا بدأ التغير الواضح في هذا السلاح الحربي بالبروز، فعمل المهندسون الحربيون والميكانيكيون على تخفيف وزنها وخفض عدد الأفراد العاملين بداخلها وتحصينها بصورة جيدة ومحاولة اختيار أنواع الأسلحة الخفيفة والفعالة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واحتاج الأمر حتى بدايات الحرب العالمية الثانية كي نشهد ولادة الدبابة الحديثة المتطورة والقادرة على أداء مهام كثيرة والأساس في أرض المعركة، بعدما كانت دبابة الحرب العالمية الأولى معدة مهمة لحروب الخنادق لتمكنها من العبور من فوقها، ومعدة لعبور الطرق الموحلة والتضاريس الصعبة على عربات الخيول والجنود المشاة، ولهذا يمكن القول إن دبابة الحرب العالمية الأولى كانت عبارة عن وسيلة نقل فعالة في زمنها، بينما صارت بعد عقود قليلة وسيلة نقل وهجوم ذات استخدامات كثيرة يمكنها أن تمنح الأفضلية الواضحة للجيش الذي يملكها.
دان هذا التطور المتسارع في جزء منه إلى ظهور الجرار الزراعي المجنزر قبل وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، ولكن قبول الجنزير الثقيل وسريع العطب على متن هذه المركبات العسكرية لم يأت بسهولة، فرفضته السلطات العسكرية في فرنسا خلال عام 1903 وكذلك في إنجلترا عام 1908، ثم رفضته هيئة الأركان العامة النمسوية المجرية ثم الألمانية، وخلال عام 1912 رفضت وزارة الحرب البريطانية تصميماً آخر.
الحرب العالمية الأولى
أدت محاولات جعل المعدات المدرعة قادرة على التحرك خارج الطرق وفي المناطق ذات التضاريس الصعبة، والحاجة إلى عبور حقول الأسلاك الشائكة والحواجز التي تحمي الخنادق إلى ظهور أول مركبة مدرعة مجنزرة خلال يوليو (تموز) 1915 في بريطانيا. كانت الفكرة بسيطة جداً تجمع بين هيكل سيارة مدرعة وجرار كيلين ستريت المجنزر. وبدعم من اللورد الأول للأدميرالية الإنجليزية ونستون تشرشل أدت سلسلة من التجارب خلال سبتمبر (أيلول) 1915 إلى ظهور دبابة أطلق عليها اسم "ليتل ويلي"، وتبعها بناء نموذج ثان أطلق عليه اسم "بيغ ويلي" صممت للعبور فوق الخنادق الواسعة، وكانت الخنادق لا تزال إحدى الاستراتيجيات الدفاعية الرئيسة خلال الحرب العالمية الأولى.
وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 أنتجت فرنسا 3870 دبابة وصنعت بريطانيا 2636 دبابة. ونجا معظم الدبابات الفرنسية وكانت أكثر ملاءمة للخدمة في الحرب من نظيراتها البريطانية الأثقل وزناً والأبطأ حركة، وكانت عقيدة الجيش الفرنسي المسلحة لا تزال تعد الدبابة مجرد معدة لمساعدة المشاة. أما النسخة الأميركية منها فكانت الدبابة الخفيفة "أم 1917"، والنسخة الإيطالية هي "فيات 3000". وكانت الدبابات الفرنسية الأصلية مزودة بمدافع عيار 75 ملم، بينما كانت البريطانية الأثقل وزناً مزودة بمدافع عيار 57 ملم.
أسفرت التجارب المختلفة خلال عشرينيات وأوائل ثلاثينيات القرن الـ20 عن التبني العام لفئتين من الدبابات، وهي المتنقلة والمخصصة للدور الذي كان يؤديه سلاح الفرسان في وقت سابق، والدبابات الأبطأ ولكن الأكثر تسليحاً دعماً للمشاة على أرض المعركة في حمايتهم خلال تنقلهم وشق الطرق أمامهم.
بعد تحول الدبابة إلى مركبة قتالية مدرعة مخصصة كسلاح هجومي رئيس في القتال البري وتحديداً في الخطوط الأمامية، باتت تصميمات الدبابات الحديثة تقوم على التوازن بين القوة النارية الثقيلة والدروع القوية والقدرة على الحركة في ساحة المعركة مهما كانت صعوبة الحركة فيها، مما يتطلب بدوره محركاً قوياً.
وصارت الدبابات الحديثة تعرف بمدافعها الضخمة المثبتة فوق البرج الدوار، وإلى مدافع رشاشة صغيرة أو أسلحة أخرى بعيدة المدى مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات أو قاذفات الصواريخ. ودرع الدبابة الحديثة يوفر الحماية للطاقم ومخزن الذخيرة في المركبة وخزان الوقود وأنظمة الدفع. وتمكن هذه الميزات الدبابة من الأداء في مجموعة متنوعة من القتال في وقت واحد سواء هجومياً أو دفاعياً كدعم ناري ودفاعي للقوات الصديقة بسبب عدم قابلية الاختراق تقريباً للأسلحة الصغيرة الشائعة للمشاة والمقاومة الجيدة ضد الأسلحة الثقيلة. على رغم أن الأسلحة المضادة للدبابات المستخدمة خلال عام 2022 وبعضها محمول باليد أثبتت قدرتها على تدمير أنواع مختلفة من الدبابات المتقدمة، فإن تطور الدبابات يترافق دائماً مع تطور السلاح المضاد للدروع.