ملخص
في أسواق العملات ستظل الأنظار موجهة إلى التفاعل بين التضخم وتوقعات أسعار الفائدة والنمو الاقتصادي
تستعد بنوك مركزية حول العالم لبدء خفض أسعار الفائدة هذا الخريف منهية بذلك حقبة من كلفة الاقتراض المرتفعة تاريخياً في حين ستواصل أخرى مسار الخفض الذي بدأته في وقت سابق العام الحالي.
وفي سبتمبر (أيلول) الجاري من المؤكد تقريباً أن ينضم "الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) إلى بنوك "المركزي الأوروبي" و"إنجلترا" و"الشعب الصيني" و"الوطني السويسري" و"السويد" و"كندا" و"المكسيك المركزي"، وغيرها، في خفض أسعار الفائدة الرئيسة التي كانت في مستويات لم تر منذ فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية 2007-2008.
وكانت الأسواق المالية احتسبت بالفعل خفضاً لأسعار الفائدة من "الاحتياطي الفيدرالي"، ولكن الأسبوع الماضي، اكتسب المستثمرون مزيداً من الثقة في مسار التيسير النقدي المتوقع.
وفي الندوة السنوية لـ"جاكسون هول"، صرح رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" جيروم باول أن "الوقت قد حان لتعديل السياسة"، وأن البنك المركزي يمكنه الآن التركيز بصورة متساوية على فعل "كل شيء" للحفاظ على قوة سوق العمل ومواصلة التقدم في مسألة التضخم.
ويشير التسعير الحالي إلى توقعات عالية لثلاثة تخفيضات بمقدار 25 نقطة أساس من "الاحتياطي الفيدرالي" قبل نهاية العام، وفقاً لأداة "فيد وتش" التابعة لشركة "سي أم أي"، وهذا سيبقي "الاحتياطي الفيدرالي" متماشياً مع أقرانه، على رغم تحركه بصورة متأخرة.
ومن المتوقع أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في الأقل ثلاث مرات هذا العام، وبنك إنجلترا بالزيادة نفسها ثلاث مرات، وفقاً لبيانات "أل أس أي جي"، ومن المتوقع أيضاً أن تستمر البنوك المركزية الثلاثة في التيسير النقدي في الأقل في بداية 2025، حتى في ظل استمرار مشكلات التضخم في قطاع الخدمات.
الاقتصاد العالمي والفائدة المنخفضة
بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي يعني ذلك بيئة ذات معدلات فائدة منخفضة بصورة أساسية في العام المقبل إلى جانب ضغوط تضخمية أقل بكثير، ففي الولايات المتحدة تراجعت مخاوف الركود التي تصاعدت أخيراً إلى حد كبير، وعلى رغم ضعف بعض الاقتصادات الكبيرة المرتكزة على التصنيع مثل ألمانيا، فإن الاقتصادات التي تركز على الخدمات مثل بريطانيا تسجل نمواً قوياً، لكن ما يعنيه كل ذلك للأسواق ليس واضحاً تماماً، فالأسهم الأوروبية تعافت عام 2023 من تراجع عام 2022 وحققت زيادة تقارب 10 في المئة حتى الآن هذا العام، وفي "وول ستريت"، ارتفع مؤشر (S&P 500) بنسبة 17 في المئة حتى الآن عام 2024، وارتفع مؤشر (VIX) بصورة كبيرة خلال التراجع العالمي للأسهم في بداية أغسطس (آب) الماضي، وعاد الآن إلى ما دون المعدل الطبيعي، بحسب إفادة رئيس شركة "بورتا للاستشارات" بيت ويتمن، لشبكة "سي أن بي سي" في برنامج "سكواك بوس أوروبا".
وقال ويتمن، "سوق الأسهم من حيث زخم الأسعار والتقييمات والمعنويات تعافت إلى حد كبير، ونحن ندخل الآن فترة سبتمبر (أيلول) الجاري وأكتوبر (تشرين الأول) القادم، والتي غالباً ما تكون ضعيفة موسمياً، لذا أتوقع أسواقاً متقلبة تدفعها عوامل متنوعة، مثل الجغرافيا السياسية وأرباح الشركات والمؤشرات الرائدة مثل قطاع الذكاء الاصطناعي".
وأضاف ويتمن، أن التقلبات ستكون أيضاً بسبب "تصحيح متأخر" وبعض التدوير في القطاعات، لكن "فئة الأصول المفضلة هنا بوضوح لبقية هذا العام، بخاصة لعام 2025 وما بعده، هي الأسهم".
وحتى إذا كانت تعليقات "الاحتياطي الفيدرالي" الأخيرة تبدو داعمة للأسهم تظل البيانات من سوق العمل الأميركية مع التقرير الرئيس التالي المقرر في السادس من سبتمبر الجاري مهمة للمراقبة، كما قال كبير مسؤولي الاستثمار لمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا في "ستاندرد تشارترد" مانبريت غيل لشبكة "سي أن بي سي".
وقال غيل، "ما زلنا نرى أن الهبوط الناعم للاقتصاد الأميركي قابل للتحقيق، فيما يصبح الأمر أكثر ثنائية قليلاً، لأننا طالما تجنبنا الأخطار السلبية، فإن نمو أرباح الأسهم لا يزال داعماً، وشهدنا نوعاً من تطهير المراكز خلال الانخفاض الأخير". وأضاف، "أعتقد أن تخفيضات أسعار الفائدة، أو في الأقل توقعاتها، كانت بالفعل آخر عنصر تبحث عنه الأسواق، لذلك بصورة عامة نعتقد أن هذه نتيجة إيجابية"، مشيراً إلى أخطار بيانات الاقتصاد الأميركي التي قد تسبب تقلبات في الأشهر المقبلة.
وقال رئيس قسم الاقتصاد واستراتيجيات الأصول المتعددة في "كلبر تشيفريكس" أرنو جيرود إن السندات شهدت صيفاً قوياً واستعادت الأسهم قوتها، لكن المستثمرين يجب عليهم الآن اتخاذ "قفزة إيمانية" في شأن اتجاه الاقتصاد الأميركي وسرعة تخفيضات أسعار الفائدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف جيرود، "أعتقد أنه كلما زادت تخفيضات أسعار الفائدة زادت احتمالية أن تكون هذه التخفيضات مصحوبة ببيانات سلبية، بالتالي إضعاف زخم الأرباح، لذا من الصعب أن نكون متفائلين جداً". وتابع، "أظهرت سوق الأسهم أن البعض لا يبال بأسعار الفائدة، لأن الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا سجلت ارتفاعاً خلال أشهر الذروة في أسعار الفائدة، وهي فترة يفترض تقليدياً أن تؤثر سلباً في الأسهم التقنية والنمو، وهذا سيجعل أحداثاً مثل أرباح شركة (إن فيديا) هي الأحداث الرئيسة التي يجب مراقبتها".
تركيز الأسواق على أسعار الصرف
وفي أسواق العملات ستظل الأنظار موجهة إلى التفاعل بين التضخم وتوقعات أسعار الفائدة والنمو الاقتصادي، بحسب ما قالت رئيسة "استراتيجية الفوركس" في "رابو بانك" جين فولي.
وتقول فولي إنه في حال ارتفع اليورو بصورة كبيرة مقابل الدولار، فقد يكون "للتأثيرات التضخمية بعض الأثر على توقعات السوق في شأن توقيت تخفيضات أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي".
وفي الولايات المتحدة قالت فولي، "ستكون لنتيجة الانتخابات الأميركية تداعيات على الفيدرالي، ففي حال فاز ترمب، فقد يستخدم أمراً تنفيذياً لزيادة التعريفات بسرعة، مما قد يؤدي إلى أخطار تضخمية ويقصر دورة التخفيف التي يتبعها (الفيدرالي)".
وتوقعت الشركة الهولندية المتعددة الجنسيات والتي تعمل في مجال الخدمات المصرفية والمالية "رابو بانك" حالياً أربعة تخفيضات لأسعار الفائدة من "الفيدرالي" بين سبتمبر الجاري ويناير (كانون الثاني) القادم، ومن ثم تثبيت للأسعار لبقية عام 2025، مما يوفر للدولار الأميركي إمكانية تعزيز قيمته حتى الربيع.
وأضافت فولي، "من المرجح أن تبقى يد (بنك إنجلترا) مقيدة بتضخم قطاع الخدمات، والذي يعد نتيجة لتضخم الأجور، وهذا قد يحد من وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة لبنك إنجلترا إلى مرة واحدة في الربع".