ملخص
يكشف التحقيق عن مافيا تهريب خيار البحر في مصر، مدفوعاً بالطلب الكبير في آسيا، إذ يُعد محفزاً جنسياً، وتأثير هذه التجارة غير القانونية على البيئة البحرية، وكيف تتحايل العصابات على الموانئ والقوانين لتهريب هذا الكائن البحري المهدد بالانقراض.
"كدت أفقد حياتي، بعدما نفد الأوكسجين من أسطوانة الغوص"، تسع كلمات تلخص مشهداً لا يغفله مصطفى كساب حين خاض رحلة الموت في شلاتين، بعد انضمامه إلى عمليات غوص "غير شرعية"، استهدفت صيد "خيار البحر" المحظور تداوله أو الاتجار به في مصر.
في العاشرة مساء تبدأ رحلة كساب وسط عصابات صيد وتهريب خيار البحر، إذ عليه أن يرضخ لقوانين وضعها السماسرة للابتعاد من أعين الأمن، منها التزام أوقات العمل المحددة، التي دائماً ما تكون في ساعات الليل حتى الانتهاء منها فجراً. يقول كساب، "شاركتهم العمل في المناطق المحظور الصيد فيها بالبحر الأحمر. كنا نستخدم مراكب صيد مجهزة بأدوات غوص حديثة، تحت إشراف مقاولين يتسلمون الأصناف المتنوعة التي نصطادها من خيار البحر بغرض تهريبها".
وتحظر مصر صيد أو تداول أو الاتجار بـ"خيار البحر" أو تصديره إلى الخارج، وفق القرار الرئاسي رقم 102 لسنة 1983، وقانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994 وتعديلاته، وقرار محافظة البحر الأحمر الصادر في أبريل (نيسان) 2000، إضافة إلى قوانين حماية الحياة البحرية.
وخيار البحر حيوان لا فقاري من عائلة شوكيات الجلد، يقتصر وجوده في مصر بمناطق محدودة بالبحر الأحمر، بسبب الصيد المكثف له على مدى العقود الأخيرة، خصوصاً مع مطلع الألفية الثانية، ومن وظائفه أنه يسهم في التخلص من الرواسب والمواد العضوية بالتغذي عليها وتحويلها إلى "رمال"، مما يزيد من أهميته ككائن بحري في تنقية مياه البحر الأحمر، إضافة إلى فوائده الواسعة للبيئة البحرية.
مافيا عابرة للحدود
بالبحث، رصدت "اندبندنت عربية" تعدد أساليب تداول خيار البحر في مصر بعد الاصطياد الجائر لأصناف اقتصادية من مناطق انتشارها بالبحر الأحمر، بين توزيعه محلياً أو تصديره بأسماء "وهمية" مثل "سمك رملي" إلى دول آسيوية، أهمها الصين.
وفق شهادات متطابقة، فإن حيلة الأسماء الوهمية هي الأكثر استخداماً من قبل المهربين لاجتياز نقاط التفتيش، وعبور هذه الأصناف إلى دول جنوب شرقي آسيا.
ويشير تقرير أعدته منظمة "ترافيك" (هيئة دولية غير حكومية تكافح أنشطة التجارة غير المشروعة في الكائنات البرية والنباتات، مقرها المملكة المتحدة)، إلى أن من بين تسعة مضبوطات مبلغ عنها لخيار البحر في بلدان أفريقية خلال الفترة بين عامي 2017 و2019، كان مصريون متورطين في تصدير شحنة غير مشروعة تحوي 1900 كيلوغرام من خيار البحر المجفف إلى هونغ كونغ، وادعى المهربون أنها عبارة عن "عظام حبار"، قبل أن تضبط.
وكثيراً ما تعلن الأجهزة الأمنية في مصر اكتشاف محاولات تهريب أصناف من خيار البحر إلى الخارج عبر استخدام أساليب وطرق مشابهة، منها ضبط سلطات إدارة مباحث قرية بضائع مطار القاهرة الدولي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، محاولة تهريب كميات من خيار بقيمة تقدر بـ8 ملايين جنيه (165 ألف دولار)، داخل طرد كان في طريقه إلى الصين، بواسطة إحدى الشركات تحت مسمى أكسسوارات إلى هونغ كونغ.
ونجحت الأجهزة الأمنية المصرية في أكثر من واقعة في اكتشاف عمليات تهريب لخيار البحر في أثناء تفتيش مغادرين من مطار القاهرة ينتمون إلى جنسيات شرق آسيوية. وفي يوليو (تموز) 2016 اكتشفت إدارة التأمين بمطار القاهرة الدولي راكبة صينية حاولت تهريب 28 كيلوغراماً من خيار البحر المحظور حيازتها في أثناء إنهاء إجراءات سفرها عبر رحلة متجهة إلى أديس أبابا.
وبدت شكوك تحوم حول اجتذاب مهربين لأفراد تؤدي مهام التأمين، لتسهيل عبور هذه الشحنات إلى الخارج. وأحبطت سلطات مطار القاهرة الدولي في نوفمبر 2017 محاولة تهريب كمية كبيرة من خيار البحر وكائنات بحرية أخرى محظور تداولها قدرت قيمتها بنحو 4 ملايين جنيه (82 ألف دولار)، كانت بحوزة راكبين قبل تهريبها خارج البلاد بمساعدة عدد من العاملين في المطار.
تطرقت ورقة لـ"سايتس" ضمن فعاليات مؤتمر المناخ "كوب 18"، إلى استهداف عملية تصدير خيار البحر أسواقاً رئيسة، معظمها في هونغ كونغ وجزيرة تايوان وسنغافورة، ثم يعاد تصديره إلى البلدان ذات الأعداد الكبيرة من السكان الصينيين. ويشترط منح تصاريح لتصدير الأصناف المهددة بالانقراض من خيار البحر والتجارة الدولية فيها، مما يتطلب فهماً من موظفي الجمارك بالأنواع التي تحتاج إلى مثل هذه التصاريح.
وكشف مدير محمية الجزر الشمالية بالبحر الأحمر أحمد غلاب في تصريح خاص عن اكتشافهم وقائع متعددة للصيد الجائر لخيار البحر، مما استدعى تحرير قضايا وضبط كميات كبيرة منه، منها واحدة استهدفت أخيراً أحد المنازل في الغردقة، الذي كان بمثابة مخزن لخيار البحر.
وتفرض غرامات كبيرة على المخالفين، وفق غلاب، تراوح ما بين 100 و200 ألف دولار، مؤكداً أن بعض الصيادين يحبسون على ذمة هذه القضايا"، نافياً اختفاء خيار البحر من شواطئ البحر الأحمر، لكن وفق حديثه "تناقصت الأنواع من جراء ممارسات الصيد الجائر، لكنه لا يزال ينتج أجيالاً جديدة".
شبكة من السماسرة
قادنا البحث إلى شبكة من السماسرة وعلى رغم اختلاف طرق تسويقهم الأصناف الاقتصادية من خيار البحر، فقد تشابهت أساليب الترويج لاستخداماته المتعددة في الطب الصيني، التي كان أبرزها علاج الضعف الجنسي والأورام وتقوية المناعة، وأمراض مزمنة أخرى.
"تعتمد تجارتنا على أصناف معينة، أكثرها مبيعاً سي أتش وجيلي وكوجينو وسند وأبيض، ولدينا أيضاً المجفف والطازج". أسلوب دعائي استخدمه أبوعبدالله البحار، اسم شهرته بين العاملين في هذه التجارة المحظورة في مصر، بعد أن باغتنا بأسئلة متتابعة للتأكد من جديتنا في الاستفادة من هذه السوق التي تعمل من دون خضوعها لرقابة كافية من السلطات والأجهزة المعنية. ففي هذا العالم يطلق التجار والمهربون أسماء تجارية تعارفوا عليه في ما بينهم للتمييز بين أنواع خيار البحر المختلفة كبديل لنظيرتها العلمية.
وحول الكلفة المستحقة نظير توفير هذه الأنواع رد بحسم، "تراوح أسعار الكيلوغرام من خيار البحر نوع جيلي من 6 آلاف إلى 6500 جنيه (123.5 إلى 133 دولاراً) للمجفف و5 آلاف جنيه (103 دولارات) للطازج. أما الأصناف الأكثر طلباً خارج مصر الجيلي والسند وسي أتش". واستكمل حديثه في محاولة لحثنا على التعامل معه "الكيلوغرام الواحد يشتريه الصينيون مقابل 140 دولاراً".
وبتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، رصدنا عدداً من الصفحات التي تروج لهذا النشاط المحظور في مصر، وتسللت إلى واحدة منها تحمل اسم "بيع وشراء خيار البحر والكائنات البحرية"، وتحت مظلتها، ما يقارب ألف عضو من جنسيات مختلفة، غالبيتهم من شمال أفريقيا.
اشترط أحد الأعضاء النشطين في هذه المجموعة يدعى أبونوارة، أن ندفع عربوناً نظير توفيره كمية خيار البحر، مؤكداً أن "لكل نوع من خيار البحر سعراً محدداً وفقاً للسوق وما تريده سنوفره لك". وشرح بشكل تفصيلي بعض المهام التي يمارسها في هذا النشاط المجرم قانوناً "عملية التجفيف مرهقة، تتطلب عملاً شاقاً تحت أشعة الشمس. وإضافة الأملاح على هذه الأصناف، واستخدام بعض المواد لقتل البكتيريا. ويمكن تسليمك عينات حتى تتأكد من الجودة".
ويلفت إلى أن "سعر الكيلو من خيار البحر إذا تداولته مع صينيين يصل إلى 105 دولارات، وتصل بعض الأنواع إلى 500 دولار، ومع ذلك سأقدمه لك بالعملة المحلية وأسعار مخفضة، علماً أن تجفيف كيلو واحد من خيار البحر يتطلب 10 كيلوغرامات من الخيار الطازج، بسبب احتوائه على نسبة عالية من المياه التي تفقده وزنه عند عملية التجفيف".
كان لكل تاجر أسلوبه الخاص لإقناع الزبائن المحتملين بالتعامل معه واجتذابهم إليه، عبر استخدام أساليب دعائية، معظمها يركز على فوائد خيار البحر الجسدية والجنسية، واستخداماته المتعددة في دول جنوب شرقي آسيا.
واستخدم يوسف هندي، وهو سمسار من محافظة السويس، أسلوباً دعائياً مغايراً، موضحاً أنه يبيع خيار البحر بالقطعة لا بالكيلو. متابعاً "في السوق المحلية يراوح سعره بين 700 جنيه (14.5 دولار) و1000 جنيه (20.5 دولار) وأكثر الأنواع مبيعاً لدي الجيلي والشوكي".
ارتفاع الأسعار والطلب عليه عالمياً
تشير ورقة علمية شاركت "الفاو" في إعدادها ونشرت نتائجها عام 2010 إلى ارتفاع أسعار التجزئة إلى ما بين 300 و500 دولار أميركي للكيلوغرام الواحد لخيار البحر (المجفف)، كثيراً ما كان الاستغلال غير تمييزي ومفرط، مما أدى إلى انقراض محلي للأنواع ذات القيمة العالية في بعض الأماكن خلال الأعوام الأخيرة.
سيد محمد سمسار اقتصر عمله على الربط بين التجار الذين ينشطون في هذه المهنة والزبائن المحتملين، أظهر تجاوباً معنا، وعزا أسباب التداول الواسع لهذه التجارة في مصر إلى أن "الصين لم تترك شيئاً إلا اقتحمته، وكانت سبب نشاط هذه السوق في مصر".
وعن المبلغ المطلوب نظير توفير 60 كيلوغراماً من خيار البحر من نوع "جيلي" بعد تجفيفه، قال سيد "سنوفره لك في حدود مليون و200 ألف جنيه (25 ألف دولار)، والبضاعة تأتي من البحر باسمك وأي إخلال بالاتفاق يضيع عليك عربون قدره 80 ألفاً (1650 دولاراً).
حذرنا السمسار من أن التهرب من عملية الشراء، والإخلال بالاتفاق، وعدم الحضور في الموعد المحدد لتسلم البضاعة من السويس يعني أن يضيع عليك العربون الذي دفعته.
ورداً على ما جرى توثيقه من انتشار سوق تداول "خيار البحر" في مصر، قال المستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر محمود حنفي، "لا ننكر وجود هذه الممارسات، لكن قديماً كانت تخرج من البحر الأحمر أطنان وكميات مهولة، انخفضت تدريجاً، ما زاد من سعرها في هذه الأسواق، لتعويض نسبة الفقد"، محذراً من أن عمليات الصيد الجائر لخيار البحر في مصر لها تأثير متفاقم على البيئة لن يظهر إلا على المدى البعيد، لأنه يحسن من خواص التربة بقاع البحر".
ولفت حنفي إلى اختفاء بعض أصناف اقتصادية شهيرة في أعماق كبيرة بالبحر الأحمر، ومن يعلم أماكنها هم الصيادون. ويعزو أسباب الإقبال على هذه المجازفات من الصيادين والنشطاء في هذه التجارة إلى أن "تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، الذي أسهم في استمرار عمليات صيده".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اختفاء أصناف متعددة
وأظهرت دراسة أنجزها رئيس قسم البيئة المائية بكلية الثروة السمكية بجامعة السويس محمد حمزة حسن، انخفاضاً في أعداد خيار البحر نتيجة الصيد الجائر، وعدم خضوع هذه الممارسات للرقابة. بحسب المسح الذي أجراه بمنطقة أبوغصون جنوب مرسى علم على ثلاث فترات خلال أعوام 2000 و2006 و2016، توصل إلى أن أنواع خيار البحر في المنطقة تقلصت من 13 نوعاً إلى سبعة فقط خلال هذه الفترة.
وكذلك تراجع كثافة خيار البحر في المنطقة من 10 أطنان في عام 2000 إلى نحو خمسة أطنان ونصف الطن في عام 2006 وصولاً إلى 1.3 طن في عام 2016، كما رصد حمزة تغيرات ملحوظة في نسب انتشار خيار البحر على مدى 16 عاماً، واختفاء بعض الأنواع الاقتصادية تماماً.
وعلى رغم النتائج الصادمة للدراسة، تمكنت مباحث قسم شرطة مرسى علم في فبراير (شباط) 2017 من ضبط عامل بحوزته كمية من حيوان خيار البحر المحرم صيده تقدر بنحو 800 حيوان بحري. وقدرت إدارة محميات البحر الأحمر حجم الإضرار بمليون و200 ألف دولار.
وأرجع أستاذ البيئة البحرية محمود حنفي أسباب الطلب الزائد على الأنواع المصرية إلى أن دول جنوب شرقي آسيا تعد خيار البحر مقوياً (جنسياً)، مما يدفعها إلى استيراده بكميات كبيرة من دول متعددة وبأسعار فائقة. وما يحدث من صيد جائر لخيار البحر في البحر الأحمر ليس حالة خاصة، مشيراً إلى ارتفاع أسعار خمسة أنواع اقتصادية عالمياً، بسبب انخفاض أعداده، موضحاً "هذه الأنواع الاقتصادية ذات القيمة العالية اختفت من جميع أماكن المياه الضحلة في مصر، التي يصل عمقها إلى 20 أو 30 متراً بحد أقصى، مما دفع البعض إلى النزول لأعماق أكبر لاصطياده".
ضحايا الصيد غير الشرعي لخيار البحر
بحسب مسؤولين مصريين، فإن أماكن انتشار خيار البحر حالياً في أعماق قد تتخطى 39 متراً، مما ينتج من هذه الرحلات ضحايا بين وفيات وإصابات بشلل، نظراً لأن الصيادين "غير مدربين أو مؤهلين للغوص في هذه المناطق التي تتطلب فهماً لجدول الأعماق".
يقول كساب، الحاصل على شهادات دولية معتمدة في الغوص، إن أعداداً هائلة تفقد حياتها في هذه الرحلات، بسبب عدم المعرفة بكيفية التعامل مع الأعماق المختلفة، لافتاً إلى أن الغواص المحترف يمكنه أن يبقى في عمق 39 متراً مدة لا تتجاوز خمس دقائق، وإذا زادت لأي سبب يدخل في حالة تسمى "سكر أعماق" أو "تخدر نيتروجين". لذا، يتطلب العمل فيها معدات غوص تقنية، لا مجرد أسطوانات أوكسجين.
ويستقر خيار البحر في قاع البحار أو قربها، وغالباً ما تنتشر تكتلاته في المياه الضحلة، بينما تعيش بعض أنواعه في المياه العميقة. وتعرف بحار العالم نحو 1717 صنفاً من خيار البحر، وتنشط عمليات الاتجار به في أكثر من 70 بلداً.
ولا تزال أعداد هائلة من الصيادين تصل إلى أعماق كبيرة من أجل صيد خيار البحر وفقاً لحنفي، الذي أكد أنها تسببت في سقوط وفيات وإصابات بشلل، نتيجة الإقبال على هذه الرحلات بسبب ارتفاع أسعاره. وخلقت أزمات اجتماعية واقتصادية بالغة، لا سيما في الفترة من 2000 حتى 2005.
وأوضح أحمد عباس عبدالجواد أحد صيادي البحر الأحمر، أن ثلاث حالات في الغردقة "أصيبت بشلل خلال البحث عن خيار البحر، بسبب غياب الثقافة والمعلومات المتعلقة بالصيد في أعماق البحار، التي تتطلب التوقف في محطات متعددة لتفادي الإصابات".
واعتبر عبدالجواد أن واحدة من الأخطار الرئيسة التي تواجه الصيادين هي "عدم فهمهم أهمية الحفاظ على التوازن أثناء الغوص في أعماق تزيد على 30 متراً، نتيجة عدم التدرب الجيد على الغوص في هذه الأعماق"، مشيراً إلى أن العصابات اتجهت إلى أماكن أعمق، مستكشفة مواقع جديدة، ويتحركون بصورة سرية، ويخالفون القانون، لذا اختفى خيار البحر من الغردقة بنسبة كبيرة.
وحول كيفية العمل في هذا النشاط رغم قرارات الحظر روى الغواص كساب "كنا نسير في مدقات جبلية لتفادي اكتشافنا من حرس الحدود، ويحصل صاحب المركب على تصريح من الميناء للصيد بسنار، ويلتقي الغواصون في مدق ترابي بالمساء، ويجري ربط المعدات الممنوعة في القارب من أسفل لتجنب اكتشافها".
التخطيط لهذه المهام يحتاج إلى عمل دؤوب، وفق كساب الذي شرح أن "مقاولين يسيطرون على مجموعة من المراكب، ويوفر الغواصون معداتهم، والمؤن التي تكفيهم في البحر. نحصل كغواصين على نسبة لا تزيد على خمسة في المئة من كميات خيار البحر التي نصطادها".
"نستهدف جميع الأنواع المحرم اصطيادها دولياً، ويتطلب الغوص الاحترافي فهماً لجدول الأعماق، فكل عمق له وقت محدد للاستراحة فيه حتى لا تحدث إصابات أو حالات وفيات" يقول كساب قبل أن ينتقل بدفة حديثه إلى تقلص أعداد خيار البحر في البحر الأحمر، "كنا نعثر على خيار البحر في أعماق قريبة تصل إلى 10 أمتار، وبسبب الصيد المكثف بات وجوده في أعماق قد تتخطى 39 متراً، وهو عمق غير مسموح بالغوص فيه بسبب الأخطار المتوقعة، ومعظم أماكن صيد خيار البحر حالياً في شلاتين والغردقة والقصير على أعماق تزيد على 39 متراً".
وكشفت دراسة أنجزها الباحث بجامعة قناة السويس محمد أحمد في عام 2015 أن ارتفاع الطلب على الأنواع المصرية من خيار البحر أدى إلى الإفراط في الصيد الجائر له. وبحسب الدراسة التي رصدت التغيرات التي حدثت للأصناف المصرية خلال عقد من الزمن (من 2004 إلى 2014) على طول الساحل المصري للبحر الأحمر انخفاض في كميات ستة أنواع منه بصورة ملحوظة، إذ أزيلت بعض الأنواع التجارية تماماً من مناطق معينة.
وتشير الدراسة إلى أن خيار البحر لا يحصد في مصر إلا بسبب ارتفاع الطلب في السوق الآسيوية. مستندة إلى إحصاءات تقول، إن كمية الصيد العالمية من خيار البحر تصل إلى 120 ألف طن في السنة، أي ما يعادل أكثر من 60 مليون دولار أميركي. وتؤكد الدراسة أنه على رغم الإعلان الحكومي عن حظر صيد خيار البحر في عام 2004 على طول الساحل المصري للبحر الأحمر، فإن الصيد غير المشروع "لا يزال مستمراً على نطاق واسع".
وبحسب الدراسة عمليات الصيد في مصر تستهدف ستة أنواع من خيار البحر. ومنذ عام 2000، انخفضت كمية صيد الأنواع التجارية من الدرجة الأولى، بما في ذلك (سكابرا، وفوسكوغيلفا، ونوبيليس)، مع إدخال أنواع تجارية أخرى أقل قيمة، بما في ذلك (أكتينوبيغا ماوريتيانا، وأكتينوبيغا كروسا، وستيشنوبوس هيرماني)، التي تتميز بتوزيعات واسعة النطاق في البحر الأحمر، وهي وفيرة في المياه الضحلة والهادئة ذات الأعماق الرملية.
ولإحكام السيطرة على المناطق المحظور الصيد فيها دعا أحد صيادي البحر الأحمر أحمد عباس إلى تشديد الرقابة بصورة أكبر، إذ إن بعض الدخلاء يستخدمون أنابيب الغطس، ويساعدهم في ذلك عصابات تمتلك كميات من تنكات للغطس وأجهزة كمبريسور لشحن هذه الأسطوانات. هؤلاء الصيادون المحترفون، يمتلكون شهادات ورخص غوص معتمدة، يأتون من مدن مثل الإسماعيلية والسويس والإسكندرية للوصول إلى أعماق أكبر. مع ذلك شدد على تقلص خيار البحر ووصوله إلى حد الاختفاء من الغردقة.
ورجح نور الدين محمد، مدير هيئة بحوث البيئة والحفاظ على الكائنات البحرية (هيبكا) أن المخالفين يتجهون إلى أماكن خارج الحدود أو مناطق أقصى الجنوب على الحدود، في ظل اختفاء بعض الأنواع الاقتصادية الرئيسة من شواطئ البحر الأحمر، موضحاً أن عدداً من المراكب تصل إلى أقصى الجنوب والمناطق الحدودية عند حلايب وشلاتين بغية الصيد والبحث عن خيار البحر.
تجارب استزراع قيد الدراسة
وفي ما يتعلق بالتجارب المتعلقة باستزراعه، كشف مدير "هيبكا" أنهم يواجهون صعوبة في العثور على الأمهات، مما يعوق جهود الاستزراع. وأجرى المستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر محمود حنفي، تجارب على أنواع غير اقتصادية من خيار البحر، مؤكداً صعوبة الوصول إلى الأنواع الاقتصادية الأكثر تداولاً الموجودة في جنوب مصر. وأشار إلى أنه درس استيراده من السودان أو السعودية، وتراجع عن الفكرة بسبب تعقيدات الحجر البيطري.
وانتهى الحال بكساب باعتزاله العمل غير الشرعي والمحظور بشواطئ البحر الأحمر، بعد نجاته من رحلة الموت بشلاتين، بعد ما لم يجد مساعدة سريعة من السماسرة الذين يتحكمون في المركب الذي يؤمن رحلتهم، واكتشافه مشكلات تقنية في أسطوانة الأوكسجين كادت تودي بحياته، تاركاً خلفه كثيراً من العاملين في هذا النشاط المحظور.
فيما لا تزال القوانين التي تحكم عملية الصيد غير كافية أمام الحركة النشطة للباحثين عن الثراء السريع، لتأمين الطلب المتزايد من دول جنوب شرقي آسيا للأصناف المصرية من خيار البحر.