Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آثار وقلاع سورية عريقة تتحول إلى صالات أفراح

مديرية الآثار تعلن أن المشروع يدعم خزانة الدولة وأثرياء الحرب هم في الطليعة

قلعة دمشق تستقبل حفلات أعراس لدعم خزانة الدولة (اندبندنت عربية)

ملخص

تحولت قلاع وقصور وعمارات مسجلة على لائحة التراث العالمي في دمشق وبعض المدن السورية، إلى صالات أفراح وأعراس، يتسابق عليها أثرياء حرب ومتنفذون لإحياء حفلات عائلية واجتماعية.

ليست المرة الأولى التي تتحول فيها أماكن تاريخية وأثرية في دمشق إلى صالات لإحياء الأفراح، فقد دشن وزير الثقافة السوري الأسبق رياض نعسان آغا هذا النوع من التجاوزات خلال عام 2010، وذلك عندما منح قراراً بإقامة عرس أحد المتنفذين داخل متحف دمشق التاريخي. المكان الذي أعلن منه استقلال البلاد عن سلطة الانتداب الفرنسي عام 1947 شهد خلال أعوام الحرب عديداً من التشويهات، وتحول قسم منه إلى مطعم مشويات ومقهى لمدخني النراجيل، ومع أن متحف دمشق التاريخي تأسس بموجب المرسوم الجمهوري رقم 881 لعام 1974، والذي تنص المادة الثانية منه على أنه "يعرض ويحفظ في متحف مدينة دمشق – ومقره العقار المستملك في سوق ساروجة والمسجل في عداد المباني الأثرية برقم 136 - كل ما يتعلق بمدينة دمشق من وثائق تاريخية وجغرافية وقطع أثرية وفنية ومعمارية، إلا أن ذلك لم يؤمن الحماية لهذا المكان، وقد تحول في ما بعد إلى استوديو لتصوير مسلسلات البيئة الشامية ومُنع الزوار من دخوله.

قبل أشهر عاد سيناريو تأجير الخانات والقصور والقلاع الأثرية إلى الواجهة من جديد، وذلك بعد إقامة عدد من الأعراس لأبناء المتنفذين والأثرياء في كل من خان أسعد باشا وقصر العظم وقلعة دمشق، مما شكل مخالفات صارخة للتعليمات الناظمة لوظيفة المتاحف والأماكن الأثرية، وبخاصة دخول عناصر محددة لمكان الزفاف وعدم إشعال النار ومنع استخدام أجهزة مكبرات الصوت ذات الاهتزاز العالي، التي تؤثر في بنية الحجر والمقرنصات والزخارف وجداريات الخط العربي الإسلامي، وغيرها من جملة التعليمات الناظمة لاستخدام الأماكن التاريخية والأثرية.

عرس أسطوري

ومع أن القانون رقم 19 الذي يحمل الجهة التي ستقوم بالفعالية مسؤولية الحفاظ على المكان التاريخي وأية مخالفة للتعليمات يوقف النشاط على الفور، إلا أن كل هذه القوانين والأنظمة لم تكن كافية لمنع المحتفلين في العرس الأسطوري الذي أقيم داخل قلعة دمشق قبل أيام من تسيير حملة مشاعل داخل قاعة العرش الأثرية وإطلاق الألعاب النارية والمفرقعات في سماء دمشق، إذ استفاق سكان العاصمة السورية في الساعة الواحدة والنصف من فجر الجمعة الماضي على أصوات تشبه أصوات القصف الذي عادة ما تتعرض له العاصمة من الطائرات الإسرائيلية بين وقت وآخر، مما نشر الذعر والخوف لدى السكان واستدعى وصول عدد من وحدات الشرطة والأمن إلى المكان، لكن أصحاب الفعالية تنصلوا من المسؤولية وقالوا إن أحد المدعوين أحب أن يقدم مفاجأة للعروسين في حفل زفافهما، ومع أن المفرقعات التي أطلقت في الحفل تعد من البضائع المهربة والممنوع استيرادها من خارج البلاد، فإن ذلك لم يمنع القائمين على الحفل من استجلابها وإطلاقها علناً وعلى رؤوس الأشهاد، في وقت تمنع السلطات وتتشدد على حظر استيراد أي نوع من أنواع الدواء الأجنبي المهرب أو بيعه في الصيدليات السورية بما فيها جرعات مرضى السرطان، إذ تقوم الجمارك السورية بمصادرة الدواء المهرب ويعاقب القانون السوري الأطباء والصيادلة على ذلك، إلا أن هذا على ما يبدو لا ينطبق على تهريب الألعاب النارية ذات المنشأ الصيني والتي تسببت بذعر كبير بين أهالي العاصمة، ويمكن أن تحدث أضراراً كبيرة في جدران وقاعات قلعة دمشق الأثرية المسجلة على قائمة "اليونيسكو" لمواقع التراث العالمي منذ عام 1979.

"اندبندنت عربية" تواصلت مع مديرة قلعة دمشق عهد مبارك، وسألتها عن هذه التجاوزات. في البداية رفضت مبارك التصريح لكنها عادت وقالت "هناك شقان سلبي وإيجابي لتأجير القلعة لإقامة الأعراس، إيجاباً يقوم أصحاب هذه الفعاليات بتنظيف المكان على نفقتهم الخاصة وإعادة تأهيل أرضياته، وهذا ما يصعب علينا تنفيذه ككادر إداري وخدمي حالياً، أما الجانب السلبي فيتجلى في بعض التجاوزات التي تضر بالهيكل الإنشائي للمبنى التاريخي، أنا شخصياً ضد تأجير القلعة لإقامة الأعراس أو حفلات العشاء أو تصوير المسلسلات التي تقام دورياً في المكان، لكن القرار ليس عائداً لي بل لمديرية الآثار والمتاحف في وزارة الثقافة. لقد سعيت دائماً إلى إقامة فعاليات ثقافية وفنية راقية وهذا ما عكفنا على تنفيذه خلال الأعوام الماضية، لكن أخيراً تراجعت الأنشطة الثقافية لمصلحة إقامة حفلات الزفاف ودعوات العشاء، وتوقف عدد من المهرجانات البيئية والسينمائية والتراثية التي كانت تقام لدينا، لا أعرف ما أسباب هذا الولع بقلعة دمشق لإقامة الأفراح فيها وما هو "التريند" المنشود الذي يسعى هؤلاء إلى تحقيقه من خلال استئجارهم المكان".

رسوم ضريبية

وعند سؤال مديرة قلعة دمشق عن قدر الرسوم المدفوعة لتأجير المكان رفضت التصريح، لكن مديرة خان أسعد باشا الأثري نوار السالم والذي أقيم فيه أخيراً أكثر من عرس قالت "يحدد يوم ويتم حجز الخان من قبل المحتفلين وبعدها يقدم ’الزبون‘ طلباً لدى مديرية الآثار والمتاحف في وزارة الثقافة، والتي حددت رسوم استئجار الخان بمبلغ وقدره 10 ملايين ليرة سورية (ما يقارب 670 دولاراً أميركياً). ويدفع المبلغ في مالية دمشق ويذهب ريعه إلى مصلحة الخزانة العامة للدولة، ويُدفع مبلغ يساويه كتأمين يعود للمستأجر بعد الانتهاء من الحفل، فيما يقتطع من التأمين مبلغ وقدره 200 ألف ليرة سورية (ما يقارب 13 دولاراً أميركياً) يذهب إلى مصلحة الصندوق الصحي للعاملين في مديرية الآثار، وبعدها نقدم المكان على أن يتحمل المستأجرون كلفة تأمين المحروقات لمولدة الخان لاستجرار الكهرباء".

وبالنظر إلى قيمة الرسوم المدفوعة لاستئجار أجمل وأهم المباني الأثرية والمتاحف الدمشقية نسبة إلى رسوم تأجير أية صالة أفراح في أفخر فنادق العاصمة يلاحظ أنها أقل بكثير، إذ تصل كلفة رسوم استئجار صالة من صالات الفنادق ذات الخمس نجوم في العاصمة إلى نحو 50 مليون ليرة سورية (3300 دولار أميركي). وهكذا يمكن التساؤل عن فائدة الرسوم الرمزية التي تقوم وزارة الثقافة بجبايتها من مستأجري المتاحف والخانات والقصور الأثرية العائدة لملكيتها، في وقت كان من الممكن أن تقوم وزارة الثقافة باستثمار هذه الأوابد الحضارية بإقامة العروض المسرحية والموسيقية التي تعود بدخل أعلى يعود بالفائدة على الخزانة العامة للدولة، وهذا ما يدحض حجج القائمين على هذه الأماكن الأثرية.

وعلمت "اندبندنت عربية" من السيدة غادة سليمان المديرة السابقة لخان أسعد باشا أن وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح كانت قد أوقفت مشروعاً باستثمار غرف وقاعات خان أسعد باشا الأثري وعددها 82 قاعة، وذلك بتحويلها إلى محترفات ومراسم لفنانين ونحاتين وحرفيين سوريين، وأمرت بالتريث للمضي في هذه الخطوة، والتي كان من شأنها إنعاش خان أسعد باشا، وتحويله إلى محترف للفن التشكيلي السوري، وهذا في وقت لا تتردد الوزيرة بالموافقة على تأجير الخان كصالة أفراح، وما يمكن لهذه القرارات من إلحاق الأذى بالمبنى الأثري الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1753. إذ يعد الخان تحفة عمرانية كانت موئلاً لقوافل طريق الحرير القادمة من بغداد والموصل منذ منتصف القرن الـ18، ويمتد على مساحة 2500 متر مربع داخل سوق البزورية التراثي، ليشكل القلب التجاري القديم لمدينة دمشق القديمة.   

وأثار تأجير الخانات والقلاع والمتاحف الأثرية موجة من الاستياء وردود فعل غاضبة لدى عدد من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وحاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع مدير الآثار والمتاحف في وزارة الثقافة نظير عوض ولكن المدير المتخصص في آثار الشرق القديم أقفل خطه، وكان صرح لوسائل إعلام محلية معلقاً على حادثة إطلاق الألعاب النارية في أقدم قلاع الشرق الأوسط "ما جرى في قلعة دمشق ليل الخميس- صباح الجمعة الماضي مخالف للقوانين لجهة إطلاق الألعاب النارية، وفور وقوع المخالفة وصلت الجهات الشرطية وفتحت تحقيقاً في الموضوع، ونحن في المديرية اجتمعنا مع القائمين على النشاط صباح الجمعة، وأخبرونا أنهم ليسوا هم من أطلقوا الألعاب النارية، بل أحد الضيوف ودون تنسيق معهم، وهناك شروط ومعايير لاستثمار الأماكن الأثرية والتاريخية التي تتبع مديرية الآثار والمتاحف منها قلعة دمشق، ويجب على طالب موافقة الاستثمار الالتزام بها تحت طائلة العقوبات". وبخصوص العقوبات المترتبة على إطلاق المفرقعات داخل حرم القلعة قال عوض "هناك تحقيق جار حالياً من قبل الجهات الشرطية في هذه المخالفة، ومن جهة المديرية هناك غرامات مالية تفرض على مرتكبي المخالفات، إضافة إلى إمكانية رفض أي طلب مستقبلي لهم بهذا الخصوص".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول أحد الفنانين الذين يعملون في تصميم ديكورات هذه الأعراس في الأماكن الأثرية رفض ذكر اسمه "ما يحصل اليوم هو نوع من التنافس بين أثرياء الحرب ومحدثي النعمة بغية التفاخر الجاهل بالأموال الضخمة التي يبددها هؤلاء لإحياء حفلات زفاف أسطورية لأبنائهم، خلال وقت يعاني فيه أكثر من 90 في المئة من الشعب السوري العوز والحاجة، ويقع أكثر من 80 في المئة منه تحت خط الفقر. إنه نوع من التشوف الفارغ الذي يضم شللاً من أرباب المال وتجار الممنوعات الذين يسرفون في كلف العرس التي تصل أحياناً إلى 300 ألف دولار أميركي، والمصيبة أن هؤلاء يستقطبون خريجي وطلاب قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية كي يقوموا بأدوار كومبارس ومجاميع راقصة في حفلاتهم الأسطورية مقابل مبالغ زهيدة يدفعونها لهم". وأضاف "حادثة إطلاق المفرقعات في قلعة دمشق ليست الوحيدة من نوعها في هذا السياق، إذ درجت العادة على إطلاق أسهم وشهب الألعاب النارية عند دخول العروسين، ولقد شاهدت هذا بأم عيني غير مرة في قصر العظم الأثري، وكانت هناك حوادث نشوب حرائق في المكان، وقد تعرضت العروس في إحدى المرات لاحتراق ذيل فستانها الطويل، فهب الجميع لإخماده فيما تجاهلوا أشهر متحف لتماثيل الشمع الذي يصور التراث السوري في قاعات القصر، والذي أصبح اليوم مهدداً أكثر من أي يوم مضى بتدميره وإلحاق الأذى بمحتوياته".

وكانت قلعة دمشق قبل أن تتحول إلى صالة أفراح شهدت عدداً من المهرجانات الفنية والثقافية والحفلات الفنية الراقية ما قبل عام 2011، إذ قدم فيها الفنان زياد الرحباني آخر حفلاته عام 2008، واشتهر مسرح القلعة بأنه كان موئلاً للموسيقيين السوريين الذين أطلقوا من على خشبته أكثر من دورة لمهرجان موسيقى الجاز منذ عام 2007، فيما قدم عدد من المسرحيين عروضهم في سراديب القلعة الأثرية التي تمتد على مساحة 33 ألف متر مربع، وكان منهم الفنانة نوار مراد التي قدمت عرضها "ألف مبروك" عام 2006، فيما حقق الفنان نوفل حسين عرضاً بعنوان "صرخة" عن مأساة الشعب الفلسطيني في غزة عام 2009، أما قصر العظم فكان يعد قبل أعوام الحرب السورية بمثابة المكان المثالي لحفلات التراث والموسيقى الكلاسيكية، إضافة لتقديم أمسيات القدود والموشحات الحلبية ورقص المولوية، واختص خان أسعد باشا قبل أن يتحول أخيراً إلى صالة أعراس بإقامة معارض الربيع والخريف السنوية لأبرز الرسامين والنحاتين السوريين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة