Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الثابت والمتغير في السياسة الخارجية البريطانية الجديدة

"العمال" يعيدون صياغة علاقات لندن مع العالم من دون المس بالتحالف مع واشنطن

الرئيس الأمريكي جو بايدن بارك رحب بانفتاح الحكومة البريطانية الجديدة على الاتحاد الأوروبي (غيتي) 

ملخص

 تعيد الحكومة البريطانية الجديدة صياغة العلاقات الخارجية للمملكة المتحدة في ضوء جملة من المؤثرات الدولية والداخلية، إذ تنطوي سياسة الحكومة العمالية في هذا السياق على متغيرات عدة مقارنة بسابقتها التي كان يقودها المحافظون، ولكن الحفاظ على التحالف مع واشنطن لا يبدو قابلا للتغير أو عرضة للمساس به لأي اعتبار.

طاولت السياسة الخارجية البريطانية متغيرات عدة مع قدوم حكومة جديدة إلى السلطة في الخامس من يوليو (تموز) الماضي، فبدت المملكة المتحدة أكثر انفتاحاً على جيرانها الأوروبيين بعد سنوات من التوتر الذي تلا "بريكست" عام 2020، كما تبدلت مواقفها تجاه إسرائيل والصين وراحت تبحث عن حضور دولي أكبر مما ساد خلال عهد الحكومة السابقة التي قادها المحافظ ريشي سوناك وتولى دبلوماسيتها ديفيد كاميرون.

رئيس الوزراء كير ستارمر تعهد مرات خلال حملة حزب العمال في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بفتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي تحت عنوان "نسج علاقات أفضل مع التكتل من دون العودة لعضويته"، ومنذ وصوله إلى المنزل رقم 10 وسط لندن قبل شهرين، لم يدخر ستارمر جهداً وراء هذه الغاية، ولكن الأمر وفق مراقبين لن يكون سهلاً ويسيراً بسبب خشية أطراف داخلية وأوروبية من تنازلات مقلقة لها.  

ويقول "مركز الإصلاح الأوروبي" في تقرير حديث إن على رئيس الحكومة البريطانية أن يفعل الكثير لتحسين صفقة "بريكست" الحالية، فعلى الصعيد الداخلي يجب أن يقنع نوابه وجمهوراً واسعاً في المملكة المتحدة بأهمية تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي من دون العودة للتبعية لمؤسساته، أما على الضفة الأوروبية فسيواجه مفاوضات سياسية صعبة مع بروكسل أكثر مما كانت عليه محادثات الخروج عام 2019.

ويوضح المركز أن طريق بريطانيا إلى الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي سيكون طويلاً ومكلفاً على رغم تقارب ستارمر مع قادة ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، فالاتحاد يعيش أصلاً مشكلات داخلية، كما باتت سياساته مختلفة مع مسارات عدة للمملكة المتحدة، ناهيك عن عوامل خارجية عالمية ودولية قد تؤثر في القارة العجوز عموماً، وتظلل العلاقات البينية لدولها بما يتعارض أحياناً مع حسابات الساسة وقادة الحكومات الراهنة.

الصحافي المتخصص في الشؤون الأوروبية رافائيل بير يقول "إن حزب العمال البريطاني يمتلك أكثرية برلمانية لا تتمتع فيها الأحزاب القائدة لدول كثيرة في أوروبا، ومع اتساع رقعة اليمين المتطرف في عموم القارة لم يعد من السهل توقع الاتفاق بين بروكسل ولندن على علاقات سلسة من دون تقديم تنازلات من الطرفين، وبخاصة من جانب المملكة المتحدة التي تحتاج أكثر إلى تعاون الاتحاد الأوروبي في مجالات مختلفة".

ولعل الحاجة إلى التعاون الأمني والدفاعي هي أكثر ما يجذب بروكسل في التقارب مع لندن، ولكن المشكلة أن الأوضاع المالية الصعبة التي تعيشها المملكة المتحدة اليوم تهدد موازنة جيشها وقد تقود إلى إلغاء مشاريع تصنيع عسكري، وفق وزير الدفاع جون هيلي، إضافة إلى أن المراجعة الجديدة للسياسة الدفاعية التي بدأتها الحكومة البريطانية قبل شهر قد تستمر عاماً كاملاً قبل أن تصدر التوصيات وتضع المحددات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في العوامل الخارجية المؤثرة في مستقبل العلاقات الأوروبية - البريطانية تبرز الانتخابات الرئاسية الأميركية كعنوان عريض يحمل توجهين مختلفين في ضوء نتائج ذلك الاستحقاق، وفق الصحافي المتخصص في الشؤون الدولية كيث بول، فإن عاد دونالد ترمب للبيت الأبيض قصرت المسافة بين ضفتي القنال الإنجليزي، وإن فازت كامالا هاريس فقد باتت الحاجة إلى التقارب أقل بكثير، وربما تعقدت المحادثات بين لندن وبروكسل.

حكومة لندن أعدت العدة لكلا الاحتمالين في الانتخابات الأميركية المقبلة على رغم أنها تميل أكثر لهاريس، لأن قادة الدبلوماسية البريطانية اليوم ليسوا على وئام مع ترمب، بل كانوا خصوماً له خلال ولايته الرئاسية الأولى، بدءاً من وزير الخارجية ديفيد لامي ومروراً بوزير شؤون أميركا الشمالية ستيفن دوتي ووزيرة المحيطين الهندي والهادئ كاثرين ويست، وجميعهم سبق لهم انتقاد ترمب بعبارات وتصريحات قاسية قبل أعوام.

ربما يغفر ترمب للمسؤولين البريطانيين وقد يضطر ستارمر إلى تغيير طاقمه الدبلوماسي كاملاً، فالعلاقة الإستراتيجية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة لطالما تجاوزت الأشخاص، ولكنها لم ترجح لمصلحة لندن كما أراد ساستها بعد "بريكست"، وبخاصة في اتفاق التجارة الحرة الذي وعد به ترمب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، ثم نسفته إدارة الرئيس جو بايدن بصورة كاملة بعد وصوله إلى البيت الأبيض عام 2020.

مجلة "بوليتكو" قالت إن بايدن قدم لستارمر هدية كبيرة عندما التقاه في واشنطن قبل شهرين من خلال مباركته تقارب المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولعل هاريس تدعم هذا التقارب بعد أن قدمت لها ديبورا ماتينسون، إحدى كبار مستشاري ستارمر، نصائح للفوز في الانتخابات المقبلة استناداً إلى تجربة حزب العمال الأخيرة في بريطانيا، إذ ستلتقي ماتينسون الأسبوع المقبل في واشنطن مسؤولين في حملة نائبة الرئيس الأميركي.

 

الشرق الأوسط

نتائج الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة تؤثر في علاقات لندن وواشنطن الثنائية منها والدولية، فالحرب الأوكرانية مثلاً ستكون محط خلاف أو اتفاق بين البلدين وفقاً لساكن البيت الأبيض بعد نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأوضاع في الشرق الأوسط والعلاقة مع الصين، إذ إن حكومة ستارمر تبدو أقل حماسة في تأييد حرب إسرائيل على قطاع غزة، وأقل اهتماماً بالخصومة الاقتصادية مع الصين.  

ويقول رئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني المعروف اختصارا باسم "كابو"، غريس دويل، إن الحكومة البريطانية الجديدة لا تؤيد إسرائيل على غرار ما فعلت سابقتها التي كان يقودها حزب المحافظين، لافتاً إلى أن انسحاب لندن من التشكيك بمذكرات اعتقال أصدرتها "الجنائية الدولية" بحق رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعه، وتقليص صادرات السلاح البريطانية إلى تل أبيب، خطوتان تحملان دلالة واضحة في هذا السياق.

ويلفت دويل في حديث إلى "اندبندنت عربية" إلى أن حكومة ستارمر تتعرض لضغوط داخلية كبيرة في ما يتعلق بحرب غزة منذ قدومها إلى السلطة، لذلك كان لا بد من اتخاذ قرارات تدلل على رفضها استمرار الحرب، منوهاً إلى أن بريطانيا لن تتخلى عن إسرائيل أو تعاديها، ولكن ستعمل من أجل وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، وهي قادرة على التصعيد في ضغوطها اقتصادياً وسياسياً من أجل دفع تل أبيب نحو هذا الخيار.

ويقلل دويل من احتمال الخصومة بين واشنطن ولندن في ضوء مواقف الحكومة البريطانية الجديدة من الحرب على غزة، مشدداً على أن المملكة المتحدة لن تتخذ إجراء يثير نقمة أميركا، سواء في هذه الأزمة أو سواها، و"لابد من أن حكومة ستارمر تبلغ البيت الأبيض بخطواتها قبل أن تعلن عنها"، كما أن قرارات لندن في مضمونها لا تحمل ضرراً مباشراً على أمن إسرائيل، ولكنها تخفف الضغوط عن ستارمر ووزرائه في الداخل.

الصين وإيران

ثمة متغيران آخران في السياسة الخارجية البريطانية بعد وصول "العمال" إلى السلطة ظهرا في الاتصالين الهاتفيين الذين أجراهما رئيس الوزراء مع الرئيسين الإيراني والصيني خلال الشهر الماضي، إذ كان ستارمر أول رئيس حكومة للمملكة المتحدة يتواصل مع رئيس إيراني منذ ثلاثة أعوام في الأقل، وقد وصفت الباحثة في العلاقات الدولية لويز كيتل الأمر بـ "الخطوة اللافتة"، لكنها لن تؤدي إلى تحسن في العلاقات بين الدولتين طالما بقيت واشنطن على خصومة مع طهران، أياً كان الرئيس المقبل لأميركا.

الاتصال مع شي جينبينغ كان الأول أيضاً بين رئيس حكومة بريطانية ورئيس صيني منذ مارس (آذار) 2022، دعا فيه ستارمر إلى علاقات أفضل بين لندن وبكين، وأطلق مراجعة جديدة لسياسة المملكة المتحدة تجاه التنين الآسيوي، ويقول ديفيد لامي إنها "ستحدد كل المسارات الممكنة لتعامل بلاده مع الدولة الثانية على قائمة أقوى الاقتصادات العالمية"، وإضافة إلى المراجعة ترتب زيارة قريبة لوزير الخارجية إلى بكين.

وتقول الأكاديمية والباحثة في الشؤون الدولية صوفيا جاستون إن تواصل لندن وبكين في ظل حكومة حزب العمال الجديدة يجب أن يراعي ثلاثة أمور رئيسة، الأول عدم زيارة أي مسؤول بريطاني للصين قبل إنجاز المراجعة الخاصة بالعلاقة معها، والثاني عدم تقديم أية تنازلات سياسية لبكين، لأنها لن تعود بمنافع أبدا، والثالث ألا تتعارض أية خطوات في هذا الاتجاه مع تحالفات المملكة المتحدة في الغرب، وبخاصة مع أميركا.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير