Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تخلت الهند عن مواطنيها المرغمين على القتال مع روسيا في أوكرانيا؟

مجندون هنود في الجيش الروسي يتحدثون عن الجبهة الأمامية في أوكرانيا حيث تلاشت آمالهم بالتسريح من الجيش بعدما بدا ذلك احتمالاً مضموناً على خلفية محادثات ناريندرا مودي مع فلاديمير بوتين في موسكو

توفي ثمانية رجال يحملون الجنسية الهندية، وأحدهم تجبال سينغ الذي يظهر في الصورة، أثناء القتال مع الجيش الروسي في أوكرانيا فيما يسعى عشرات غيرهم إلى طلب التسريح المبكر بعدما علقوا في أتون الحرب (اندبندنت)

ملخص

مئة مواطن هندي تقريباً وجدوا أنفسهم يقاتلون إلى الجانب الروسي في أوكرانيا، بعدما وقع كثير من بينهم في شباك المتاجرين بالبشر الذين أنيطت بهم مهمة تجنيد مقاتلين أجانب لتعزيز صفوف الجيش الروسي

"أريد رؤية سماء زرقاء صافية لا تنهمر منها المسيرات والصواريخ إذا نجحت في الخروج من روسيا على قيد الحياة". هكذا يقول المواطن الهندي هارديب جيل* البالغ من العمر 24 سنة، والعالق وسط أول صراع أوروبي ضخم منذ الحرب العالمية الثانية، وهو يقاتل لمصلحة بلد غير بلده.

يُعتبر جيل المتحدر من إحدى مدن إقليم البنجاب، واحداً من بين مئة مواطن هندي تقريباً وجدوا أنفسهم يقاتلون إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، بعدما وقع كثير من بينهم في شباك المتاجرين بالبشر الذين أنيطت بهم مهمة تجنيد مقاتلين أجانب لتعزيز صفوف جيش فلاديمير بوتين.

يتواصل جيل مع "اندبندنت" من موقع على الجبهة في جنوب أوكرانيا، عبر تسجيلات صوتية عبر تطبيق "واتساب" يستخدم فيها اللغة الهندية خشية اكتشاف مسؤوليه الروس أمره.

ويقول جيل "قد أموت في أية لحظة، أنا في مكان خطر نتعرض فيه لهجمات المسيرات بصورة متواصلة".

شأنه شأن كثير غيره في إقليم البنجاب الهندي، نشأ جيل على حلم الاستقرار خارج البلاد وكانت رغبته أن يتابع دراسته في المملكة المتحدة. ويزعم بأنه على إثر رفض تأشيرته، سافر إلى روسيا في منتصف كانون الأول (ديسمبر)، بتأشيرة سياحية وغرضه من ذلك الحصول على ختم أجنبي على جواز سفره، أملاً في أن تعزز تجربة السفر تلك حظوظه في تأمين السفر إلى المملكة المتحدة في المستقبل.  

لكنه يقول إن كل خططه تداعت وتقطعت به السبل عندما طالبه سائق سيارة أجرة روسي بدفع مبلغ طائل قبل أن يسلبه ماله ومقتنياته. وفي غياب أي نظام دعم يمكنه اللجوء إليه وبسبب جهله باللغة المحلية، أخذ يجوب الشوارع قبل أن يقع في نهاية المطاف بين أيدي مجندين أدخلوه إلى صفوف الجيش الروسي.

وها قد وُضع جيل على الجبهة وهو يحفر الخنادق ويساعد الجنود في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.

 

ويقول "لا أستطيع أن أذكر ولا أن أفكر بوضوح في كل الأحداث التي سبقت قدومي هنا، وكيف كانت حياتي وماذا كنت أفعل. فكري مشوش بسبب أصوات الانفجارات المستمرة... كل ما أريده الآن هو العودة إلى منزلي ولقاء أهلي وعائلتي. لكنه حلم بعيد لأن رؤسائي هنا يخبرونني بأنهم لم يتلقوا أي أوامر بتسريحي من الخدمة".

صحيح أن وضع جيل سيئ لكنه ليس الهندي الوحيد الذي يشعر بالتخلي على جبهة أوكرانيا. إذ توصلت وزارة الخارجية الهندية إلى هوية 91 مواطناً مجندين في الجيش الروسي حتى الآن، قُتل ثمانية من بينهم.  

انتشرت في الإعلام الهندي تغطية إيجابية عن زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى موسكو في يوليو (تموز)، وأشارت التقارير إلى تلقيه وعداً من فلاديمير بوتين بتسريح كل المواطنين الهنود الذين يقاتلون في أوكرانيا. 

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية كيرتي فاردان سينغ، في وقت لاحق للبرلمان إن 12 هندياً قد غادروا بالفعل القوات المسلحة الروسية فيما يسعى 63 آخرون للحصول على تسريح مبكر. 

لكن الوزارة لم تكشف أسماء أي من الذين قيل إنهم عادوا على قيد الحياة ويزعم جيل بأن روسيا لم تسرح أياً من المجندين الهنود في الحقيقة. ويقول "لم يعد أي أحد من روسيا بعد، ولا أي شخص حي. هذه إشاعات وأخبار كاذبة. يوافيني قادتي بالتطورات كل يوم تقريباً في شأن الأوامر التي يتلقونها من الرتب العليا حول تسريحي، ولكن جل ما يقولونه لي هو أنهم لا يستطيعون تسريحي قبل تلقي أوامر بذلك".  

تواصلت "اندبندنت" مع وزارة الخارجية الهندية طلباً للتعليق على الموضوع.

 

يعيش جيل واقعاً يومياً صعباً. فهو يبقى في الجبهة لمدة 14 أو 15 يوماً متواصلة إذ يحفر الخنادق ويقدم الدعم للجنود. ثم يعود إلى القاعدة العسكرية فيرتاح فيها يومين قبل أن يعود إلى العمل من جديد.

ويقول "سوف أرسل إلى موقعي مجدداً الليلة ولا أعلم إن كنت سأعود. ربما أتحدث معك للمرة الأخيرة".

أما الطعام، فشحيح. ولم يتناول جيل وجبة كافية منذ أيام، ويعتمد على الخبز وحده للاستمرار. كما أن الهجمات الأوكرانية المتواصلة تحول كل لحظة إلى صراع للبقاء.

ويشير إلى أن "الهجمات متواصلة من الجانب الأوكراني. وهذا الوضع خطر. لا يسعني أن أخبرك بكل ما رأيته خلال الأيام التي قضيتها هنا. إنه أمر مرعب. أشخاص يموتون وخوف من الموت منتشر في كل مكان".

 

تجمع بين الهند وروسيا علاقات دبلوماسية واقتصادية وثيقة، وهي علاقة عمرها عشرات الأعوام ظلت قوية على رغم التحولات الجيوسياسية العالمية. كان من المفترض بزيارة مودي إلى روسيا أن تؤكد على هذا الود بين الطرفين، وقد عانق رئيس الوزراء بوتين عناقاً حاراً على رغم موقف فولوديمير زيلينسكي في أوكرانيا.

لكن لا زيارة مودي ولا العلاقة القوية بين نيودلهي وموسكو أفادت جيل على الإطلاق.

أحد المجندين الهنود الآخرين اسمه عمير مير*، يبلغ من العمر 32 سنة ويتحدر من كشمير. أصبح الطالب في كلية التجارة والداً بعد فترة قصيرة من تجنيده في الجيش الروسي لكن لم يتسن له أن يلتقي بعد بابنه الذي أتم شهره السادس، كما يقول شقيقه أفنان مير* لـ "اندبندنت".

ويشرح أفنان قائلاً "أرسلنا إليه صوراً وفيديوهات عن ابنه لكن باعتباره أباً جديداً، فهو يتوق إلى حمل ابنه الرضيع وزوجته تشعر بالبؤس هنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتكلم مير الذي كان يعمل في حفر الآبار في الهند عن تعرضه "للخداع" على يد "يوتيوبر" وعده بتأمين وظيفة له في دبي لكنه رتب لإرساله إلى روسيا بدلاً من ذلك في الـ14 من ديسمبر (كانون الأول). وقد قال آخرون انتهى بهم المطاف في ساحات القتال في أوكرانيا إنهم خُدعوا أيضاً على يد الشخص نفسه الذي نشر مقاطع فيديو يقول فيها إن الجيش الروسي بحاجة إلى "مساعدين" لكنه أنكر أية معرفة أو تورط في إرسال أي شخص إلى الجبهة.

ويقول شقيق مير "إنه متمركز على الجبهة منذ شهرين وأنا أتخبط وأدق كل الأبواب هنا منذ ثمانية أشهر لكن لم يحدث أي شيء. تخلت الحكومة الهندية عنا ولا نتلقى أية مساعدة".

وأضاف "لقد تركنا المسألة لله. لا أمل لدينا في الحكومة. سوف ينجو إن كانت تلك مشيئة الله". ينتظر مير وبعض الرجال الهنود الآخرين معه موعد انتهاء عقدهم مع الجيش الروسي في ديسمبر.

وفي رسالة وجهها عبر "اندبندنت" من ميدان القتال، يقول مير "هذا مكان خطر. طلبوا منا بناء ملجأ هنا. والحرب تستعر".

ويضيف في إشارة إلى الروس "لا يمكنني أن أتصل بك لأنهم سيعرفون ويصادرون هاتفي أو يضربونني حتى".

فيما يتمسك مير وجيل بالأمل، تنتظر عائلة أخرى في بنجاب بألم عودة جثمان ولدها الحبيب من روسيا. 

توفي تجبال سينغ، 29 سنة، من أمريتسار في الـ12 من مارس (آذار)، لكن لم تعلم عائلته بوفاته إلا في التاسع من يونيو (حزيران)، بعد مرور ثلاثة أشهر على مقتله الفوري في قصف صاروخي.

وتقول أرملته بارمندر لـ"اندبندنت" إنه قُتل خلال تمركزه في منطقة زابوريجيا التي استولى الجيش الروسي على ثلثيها خلال أسابيع الحرب الأولى.

 

لا يعرف طفلاه، وهما صبي عمره ست سنوات وفتاة بعمر الثالثة، أن والدهما قُتل في بلد غريب ولن يعود أبداً.

تزعم بارميندر بأن زوجها سافر إلى روسيا باستخدام تأشيرة سياحية بعدما طلب منه صديق في الجيش الروسي أن يأتي وينضم للجيش بصفة "مساعد".

وتقول وهي تعود بالذاكرة إلى الحديث الذي دار بينهما وحلم حياته بأن يخدم في الجيش "ذهب في الـ12 من يناير (كانون الثاني) وأرسل إلينا صورته بالزي العسكري الروسي بعد أربعة أيام. وقال لي 'لقد ارتديت الزي العسكري بعد طول انتظار'.

 

جرى آخر حديث بينهما في الثالث من مارس بعدما نُقل إلى مدينة توكماك في زابوريجيا.

وتذكر بأن "الاتصالات صمتت لمدة شهر وشعرنا بالقلق. طلب منا قبل ذلك أن ننتظر في حال عدم تواصله معنا وقد انتظرنا شهراً من الزمن. ثم اتصلت ببعض الأشخاص هناك أعطوني رقم شخص آخر أخبرني بأنه توفي. علمنا بالخبر في التاسع من يونيو".

تسعى بارمندر الآن إلى تحضير تقرير حمض نووي سوف يُرسل إلى روسيا للتأكد من هوية جثمان زوجها. وتقول الأرملة "الأمل الوحيد لدينا هو استرجاع جثمانه، كي نتمكن من توديعه بالطريقة التي تليق به".

*غُيرت الأسماء لحماية الأشخاص

© The Independent

المزيد من تقارير