ملخص
ثمة عوامل عديدة أدت إلى هذا الفوز الكبير لترمب والحزب الجمهوري، ومن بينها ما أشار له جينينغز بـ"الأساسات"، فاستطلاعات الرأي الأولية للناخبين عند الخروج من مراكز الاقتراع أشارت إلى أن 72 في المئة من الأميركيين الذين صوتوا في الانتخابات "غير راضين عن الاتجاه الذي تسلكه البلاد".
كانت الصدمة واضحة على وجوه وتعليقات الحضور داخل استوديوهات شبكات التلفزيون الأميركي مع ورود نتائج فرز أصوات الناخبين في أنحاء الولايات المتحدة، فبحلول الساعات الأولى من اليوم الأربعاء كانت تتبلور ملامح هزيمة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أمام منافسها الجمهوري دونالد ترمب الذي حقق فوزاً واسعاً غير متوقع، في الأقل بالنسبة إلى من يجلسون أمام الكاميرات.
جاء فوز ترمب بعد محاولتي اغتيال ومحاكمات قضائية وانسحاب دراماتيكي لمنافسه الديمقراطي والدفع ببديل وسط حملة إعلامية ضخمة تدعم المنافسة الديمقراطية وتبرعات اقتربت من المليار دولار خلال ثلاثة أشهر فقط منذ إعلان خوضها السباق. وربما هذا ما زاد الصدمة في صفوف الديمقراطيين، ومع ذلك لخص المعلق السياسي الرفيع لدى شبكة "سي أن أن" سكوت جينينغز هزيمة الديمقراطيين التي تعمقت بفقدانهم السيطرة على مجلس الشيوخ وربما مجلس النواب أيضاً، عندما قال والحزن يخيم على وجهه خلال الاستوديو التحليلي للانتخابات "إن هذه الانتخابات بمثابة لائحة اتهام ضد المجتمع الإعلامي السياسي. وإن القصة التي صورت لم تكن حقيقية. تجاهلنا الأساسات فقط"، متحدثاً عما رُوِّج خلال أسابيع عن التنافس الشديد بين المرشحين.
تجاهل الأساسات
ثمة عوامل عديدة أدت إلى هذا الفوز الكبير لترمب والحزب الجمهوري ومن بينها ما أشار له جينينغز بـ"الأساسات"، فاستطلاعات الرأي الأولية للناخبين عند الخروج من مراكز الاقتراع أشارت إلى أن 72 في المئة من الأميركيين الذين صوتوا في الانتخابات "غير راضين عن الاتجاه الذي تسلكه البلاد"، وأظهرت الاستطلاعات أن قضيتي الاقتصاد والهجرة والديمقراطية هي القضايا الأكثر اهتماماً للناخبين، وهنا يكمن إخفاق هاريس ونجاح ترمب، إذ تظهر استطلاعات الرأي أن الاقتصاد على وجه الخصوص كان القضية الأفضل بالنسبة إلى ترمب.
فانخفاض الأجور مع ارتفاع معدلات التضخم في ظل إدارة "بايدن-هاريس" كان محركاً للاستياء العام بين الأميركيين الذين يعتمدون على الأجور وليس الأصول. ووفق شبكة "سي أن أن" التي أعلنت تأييدها لحملة هاريس فإن عدداً كبيراً من الناخبين يلقون باللوم على الرئيس بايدن ونائبته، لفشلهما في إجراء تحسينات كافية على الأوضاع المالية للأميركيين على مدى الأعوام الأربعة الماضية، وأشارت استطلاعات الرأي الواحد تلو الآخر إلى أن الأميركيين يحملون وجهات نظر سلبية إلى حد كبير حول الاقتصاد الأميركي.
ووفق الكاتب البريطاني "إدوارد لوس" فإن هاريس في أحسن الأحوال كانت متواضعة كلما انحرف الحديث إلى الاقتصاد، وهو الموضوع الذي بذلت قصارى جهدها لتجنبه، فضلاً عن الافتقار إلى السرد الاقتصادي المقنع، وكان وجود انتخابات تمهيدية تنافسية في الحزب الديمقراطي سيكشف عن ذلك، ولو انسحب بايدن قبل ستة أشهر لكان لدى الديمقراطيين الوقت الكافي للعثور على مرشحة أفضل من هاريس.
الحدود والمهاجرين
وجزء آخر من قصة فوز ترمب تتعلق بما وعد به على صعيد عدة مسائل جدلية، ليس أقلها ملف المهاجرين غير الشرعيين وضبط الحدود الجنوبية التي أخفقت فيها بشدة إدارة "بايدن-هاريس"، وتحديداً هاريس التي كانت تتولي هذا الملف. وكان مثار انتقادات لإدارة بايدن خلال الأعوام الأربعة الماضية مع تضاعف عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون عبر الحدود مع المكسيك. وخلال المؤتمر الجمهوري شن المتحدثون الرئيسون هجوماً على هاريس ووصفت بأنها "قيصر الحدود".
وكان على هاريس معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية من بلدان أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة ومعالجة أمن الحدود، لكنها فشلت كنائبة للرئيس وكمرشحة للمنصب في إقناع الأميركيين بقدرتها على إدارة الملف الشائك وسط الفوضى على الحدود الجنوبية. وفي المقابل استغل ترمب إحباط الناخبين من الاقتصاد ومخاوفهم في شأن الهجرة غير الشرعية لجذب الأصوات على أساس تلك القضية، التي أبدى حزماً في التعامل معها خلال إدارته الأولى وشرع في بناء جدار حدودي، لذا فإن عودته إلى البيت الأبيض تعني استكمال ما بدأه متعهداً بإغلاق الحدود الجنوبية بأية وسيلة تقريباً.
الشباب والأقليات العرقية
لم يكن فوز ترمب ضئيلاً كما أشارت استطلاعات الرأي، بل استعاد الولايات التي خسرها خلال عام 2020 بدعم من الناخبين الشباب ومزيد من الرجال السود واللاتينيين، وفق صحيفة وول ستريت جورنال. وقلص هامش هزيمته داخل الولايات التي خسرها بما يكفي حتى يفوز بالتصويت الشعبي ليحقق فوز أكبر من فوزه خلال عام 2016. ففي حين كان الديمقراطيون يعتمدون على أصوات الشباب والأقليات من السود واللاتينيين، فإنه وفق استطلاع "أسوشيتدبرس" الذي شمل أكثر من 120 ألف ناخب في أنحاء الولايات المتحدة، فإن ترمب حقق مكاسب كبيرة بين هذه الفئات وكان فوزه في ولايتي جورجيا ونورث كارولاينا المتأرجحتين مدفوعاً بأصوات الرجال السود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفق مجلة كولومبيا التابعة لجامعة كولومبيا فإن الجيل "زد" يشكل أكثر من 40 مليون ناخب، وهي الفئة التي تنافس عليها ترمب وهاريس والتي كانت وسائل التواصل الاجتماعي الأداة الرئيسة في التواصل معها، وهو ما عملت عليه حملة الرئيس المنتخب حديثاً.
ويقول مراقبون إن الجيل "زد" أكثر تنوعاً عرقياً من الأجيال الأكبر سناً، لذا فبينما يحقق ترمب مكاسب بين الناخبين السود واللاتينيين فإنه يحقق مكاسب بين أولئك الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة. كما أن الناخبين الشباب أكثر عرضة للقلق في شأن الاقتصاد تحت قيادة "بايدن-هاريس" ودعمه لإسرائيل. وتشير الدراسات إلى أن تحول جيل "زد" من الذكور نحو اليمين، مع وجود فجوة تصل إلى 30 نقطة مئوية بين الرجال والنساء في الهوية الليبرالية مقابل المحافظة. وهذا واضح على وسائل التواصل الاجتماعي مع صعود المؤثرين اليمينيين.
الأقليات الدينية
داخل ولايات متأرجحة استطاع ترمب أن يستعيد بنسلفانيا ويحصل على أصوات ولاية ميشيغان التي تصوت عادة للديمقراطيين. ففي حين يدعي الأميركيون عادة أن الدين لا يلعب دوراً مركزياً في الانتخابات أمام قضايا أخرى أكثر إلحاحاً مثل الاقتصاد والأزمات الدولية المتصاعدة والهجرة، ومع ذلك قد تكون عادات التصويت لبعض الأقليات الدينية هي العامل الحاسم في السباق الرئاسي. ففي ظل ما سببته الصراعات الدولية والوطنية من انقسام واستقطاب خصوصاً، فمن المرجح أن الكتل الدينية سواء كانت متمسكة بالتقاليد أو انفصلت لمصلحة مسار جديد شكلت النتائج هذا العام.
إذ إن إحباط المسلمين والعرب داخل ميشيغان في شأن موقف إدارة بايدن من الحرب في غزة ودعم إسرائيل بالسلاح فضلاً عن الدعم من كلا الحزبين، لعب دوراً في الامتناع عن منح أصواتهم للمرشحة الديمقراطية. وخلال الوقت نفسه فإن تزايد الخطاب المعادي لإسرائيل واليهود أثار المخاوف اليهودية في شأن معاداة السامية من قبل اليسار المتشدد داخل الحزب الديمقراطي، وكان استبعاد هاريس لحاكم ولاية بنسلفانيا اليهودي جوش شابيرو من خياراتها كنائب لها نقطة أثارت شبهات معاداة السامية، ففي حين كان شابيرو مرشحاً بقوة للمنصب وكان يعد نقطة قوة في جهود الحزب الديمقراطي للفوز بالسباق، لكن الضغوط في شأن الحرب داخل غزة حالت دون اختياره.
ومن بين أكثر المجموعات الدينية التي برزت على الساحة طائفة الآميش شديدة المحافظة من المسيحيين المعمدانيين، والمعروفة برفضها للتكنولوجيا الحديثة ومن السهل التعرف عليها من خلال ملابسها البسيطة التقليدية واستخدامها العربات التي تجرها الخيول بدلاً من السيارات. وبفعل بعض المؤثرين تم إقناع تلك المجموعة في بنسلفانيا بالمشاركة في الانتخابات والتصويت لترمب.
الانقسام الثقافي
تصريحات سكوت جينينغز في شأن تجاهل الديمقراطيين للأساسات ربما تعكس غرق اليسار الأميركي وبخاصة الجناح المتشدد منه في تلك الأجندة الثقافية المثيرة للانقسام والمدفوعة بسياسات الهوية وما يتعلق بالجدل حول الإجهاض، وهي قضايا شكلت قلقاً عند كثر من الأميركيين الذين كان لخطاب إيلون ماسك حول خطورة "ثقافة اليقظة" تأثير فيهم وفي عائلاتهم، بما في ذلك المسلمون والمسيحيون المحافظون واليهود وحتى الكاثوليك الذين عادة ما كانوا يصوتون للديمقراطيين. فوفق استطلاع "واشنطن بوست" فإن 56 في المئة من الناخبين الكاثوليك أيدوا ترمب مقارنة بـ41 في المئة لهاريس، وهو تحول كبير مقارنة بعام 2020.
وقال أستاذ اللاهوت التاريخي في جامعة فيلانوفا اسيمو فاغيولي في تعليقات صحافية، إن العدد المتزايد من الكاثوليك الذين يدعمون ترمب يمثل تحولاً لأن "الكاثوليكية في الولايات المتحدة تتغير". وأوضح أن "التنوع الثقافي والعرقي للكاثوليك الأميركيين لا يعني أنهم يصوتون بصورة طبيعية للحزب الذي يقدم نفسه باعتباره حزب التنوع". ففي حين تبنى الحرس الكاثوليكي الديمقراطي القديم على سبيل المثال النضال من أجل زواج المثليين وحقوق الإجهاض، فإن الجيل الجديد من الأصوات الكاثوليكية يتبنى على ما يبدو مواقف أكثر تحفظاً في شأن هذه الموضوعات، وعززها الأساقفة الأميركيون الذين غالباً ما اصطدموا مع بايدن.
وأشار فاغيولي إلى أن ترمب تواصل مع الكاثوليك في البلاد "بطريقة لم تفعلها حملة ’هاريس-وولز‘"، وعلى سبيل المثال اختار دونالد ترمب نائباً كاثوليكياً له هو جيه دي فانس.