ملخص
إيلون ماسك يرى أن الرجال ذوي المكانة العالية وذوي التفكير المختلف هم الأنسب لقيادة العالم، لكن هذا الفكر الانتقائي يُنتقد لتجاهله الحاجة إلى القيادة الشاملة والمتعاطفة في عالم مترابط
يا لها من مفاجأة. صرح إيلون ماسك الذي يعد نفسه أقوى الرجال المهيمنين (رجال الألفا) وأغنى رجال العالم أحياناً (لا شك في أن المسكين لا يطيق أن تتراجع أسعار أسهمه وحينها لا يعود الأكثر ثراء)، بأن "الرجال الذين يتمتعون بمكانة عالية" و"المهيمنين" و"المختلفين عصبياً" هم الأجدر بقيادة العالم.
إنني على ثقة بأن هناك من هم مؤهلون أكثر مني للحديث عن النقطة التي يطرحها (وإن بشكل أخرق) حول الأشخاص الذين يتمتعون بتفكير غير نمطي لتباينهم عصبياً. لكن في ما يعني اعتقاده بأن الرجال ذوي المكانة العليا يجب أن يتولوا زمام العالم، فقد أحاط بي هذا الصنف من الرجال معظم حياتي، وقد وُضعوا في مناصب السلطة، سواء في مجالس الإدارة أم خارجها، لذلك فأنا مؤهلة لإبداء رأيي بكل تأكيد في هذا المجال.
فلنستذكر النِعَم التي جاء بها الرجال ذوو الأنا المتضخمة الذين لا يفكرون سوى بأنفسهم، بعدما تولوا زمام المسؤولية خلال الألفية الماضية: فمنها المجمع الصناعي العسكري والحروب التي لا تنتهي والنظام الأبوي والكنيسة الكاثوليكية والاستعمار والاسترقاق. نعم، هم مسؤولون عن كل تلك الحركات المحفورة في مسار التاريخ لأنها جعلت كوكبنا مكاناً مذهلاً يحلو العيش فيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حين تعدد كل الأمور التي تحدث عندما يطبق الرجال ذوو المكانة العالية مشيئتهم، يجعلك ذلك تتساءل إن كان من الجيد أن يتولى الرجال ذوو المكانة العالية إدارة أي شيء على الإطلاق. لا سيما في ظل المهارات الخاصة التي يتمتعون بها، من قِصر نظر وهوس بالذات واعتقاد بضرورة الفوز أياً كان الثمن، وغيرها.
لكن ألا تجعلهم مهارتهم الخاصة في رفض الإصغاء إلى أي شخص ذي رأي مختلف أقل الأشخاص أهلية لقيادة بقية العالم نحو مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً؟
في عالم ماسك، معظم النساء والرجال الذين يراهم على أنهم جماعة "التاء الأدنى" (وأعتقد أنه يشير إلى رجال لديهم نسبة أقل من هرمون التستوستيرون، أي بعبارة أخرى، من ليسوا أوغاداً تماماً) يخضعون كثيراً "للتفكير الجماعي". ووفقاً له، فإن "ضعفهم" الجسدي ورغبتهم في البقاء على قيد الحياة يشوشان على قدرتهم على الحكم. ولهذه الأسباب يظن أنه من الواجب إقصاؤهم عن مواقع السلطة.
إنها أفكار معطرة برائحة العصر الفيكتوري: عندها، مُنع على المرأة الانتخاب أو استملاك العقارات لأنهم اعتقدوا بأن هرموناتنا تتسبب بحال "الهستيريا" (وهي فعلياً مرادف كلمة الرحم باليونانية) لدى النساء، فساوونا بالأطفال أو الحيوانات. فشتان ما بين نظرة ماسك إلى نفسه على أنه المفكر المعاصر والمبتكر، وتفكيره المنحرف الأقرب إلى التحيز الجنسي القديم والتقليدي تُضاف إليه نزعة من التنمر.
واعتماد هذه المقاربة العمودية، أحادية المسار المتجهة من القمة نحو القاعدة عام 2024 أمر كارثي.
إذ فيما يتجه العالم نحو مزيد من الترابط والتعقيد، نحتاج بما لا ريب فيه إلى نوع من التفكير والقيادة الشاملة والمتعاطفة. وتقول مجلة "هارفارد بيزنيس ريفيو" Harvard Business Review إن القدرة على التعامل مع مدخلات عدة وصعوبات متنوعة في الآن ذاته تجعل النساء في منتصف العمر أفضل من يمكنه أن يتعاطى مع التغيرات المعقدة. ولهذا السبب، وجدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أن الأشخاص الذين يعملون في بيئة يغلب عليها التعاون أكثر فاعلية بـ50 في المئة من أولئك الذين يعملون في بيئة يحكمها الجهد الفردي ومقاربة القمة إلى القاعدة.
هل تفاعل ماسك في الفترة الأخيرة مع أي فرد من جيل الألفية أو "الجيل زد"؟ فهذه المقاربة التلقينية المتعالية التي لا تعترف بما عداها وينتهجها الرجل صاحب المكانة العالية ربما تنفع مع الكهول من جيل طفرة المواليد الذين حددوا المسار والوتيرة لـ"جيل إكس" فاضطر أبناؤه إلى التحمل إن كانوا يريدون العمل. لكن العالم تغير لأسباب وجيهة. فكلما تجرى دراسة جديدة، تؤكد أن هذا التفكير العمودي لا يفضي إلى أفضل النتائج بالنسبة إلى الرجال أو النساء.
فمحور القيادة الآن - لا سيما بالنسبة إلى الأجيال الأصغر سناً التي تشكل في النهاية السواد الأعظم من مواطني "جمهورية" ماسك - هو السلطة الناعمة وترغيب الشعب باتباعك لأنك تتشارك وإياه الهدف والمهمة. هل أخبر أحدهم ماسك بأن الشاب (أو الشابة) متدني التستوستيرون الذي يجلس في الزاوية قد يكون هو من يخرج بأفضل الأفكار في المستقبل؟ والمضحك في الأمر هو أن قطاع التكنولوجيا بُني على جهود وطاقة الرجال ذوي التستوسترون المتدني. فالعاملون في مجال التكنولوجيا كانوا من الأشخاص المنكبين على الدراسة والمجتهدين الهادئين الذين يمرون مرور الكرام وليس من النجوم المسلطة عليهم الأضواء على الملاعب الرياضية. لكن إن اتبعنا منطق ماسك المشوه سنقول عنهم أنهم تابعون، وليسوا قادة.
شتان ما بين نظرة ماسك إلى نفسه على أنه المفكر المعاصر والمبتكر، وتفكيره المنحرف الأقرب إلى التحيز الجنسي القديم والتقليدي تُضاف إليه نزعة من التنمر
ونظراً إلى أن تصور ماسك لحل الخلافات يتضمن دخوله حلبة القتال لمصارعة مارك زوكربيرغ بيديه العاريتين، فهو ليس فعلياً الشخص الذي قد تلجأ إليه للقيادة الفكرية. لكن المقلق في الموضوع هو أن الكثير يصغون إليه.
فلو احتسبنا المحاربين بالكلام، المحرومين القانطين الذين يشنون الحروب من وراء شاشاتهم (ومعظمهم من الشباب) ويجلسون في غرفة الضيوف في منازل آبائهم بثياب نوم مزينة برسوم كارتونية عليها سيارات متحولة أو ترانسفورمرز، كما وصفهم أحد السياسيين أخيراً، أو أتباع فكر سيطرة الرجل المهيمن الذي يروج له أمثال [المؤثر] أندرو تيت، نجد أن هذا النوع من التفكير السام الذي يحمله ماسك لديه جمهور يتلقفه. وهو تفكير لا يجلب سوى البؤس، لغالبية الرجال وكل النساء.
إنه مثال نموذجي لما تصفه لوري بيتي في فيلم "نقطة تحول" Point Break بأنه "فائض من التستوستيرون في المكان"، فيما تعلن انفصالها عن راكب الأمواج اللص المصارف المجنون، صديقها الحميم من مكتب التحقيقات الفدرالي.
ربما يكون هذا الضرب من الذكورية الغبية مفيداً في الجبهات الأمامية للحروب (ويمكن أن نأخذ مثال ملكة النحل في القفير المُحاطة بكل ذكور النحل القابلين للاستبدال) لكنه ليس نوع القيادة التي يصبو إليها أي أحد - ما عدا ماسك وثلته التعيسة - عام 2024.
لحسن الحظ، معظمنا لا يعيش حتى الآن في عالم آين راند وهوبس الدستوبي برجاله الغزاة. وفي الواقع، شهد القرن الماضي -مع الاعتراف بالعنصرية ودمج أفراد يحملون أفكاراً مختلفة في شأن الجندر والميول الجنسية- اتجاهاً نحو توسع التعاطف: تفكير يضع المرء فيه نفسه مكان الآخرين ويأخذ بالاعتبار ما الذي يمكن أن يجعلهم يشعرون بأنهم أشخاص متساوون ومرحب بهم في قمرة القيادة.
تكمن الحكمة في تقبل التعقيد والتناقضات وتصور مختلف النسخ عن الواقع في ذهننا في الوقت ذاته وتقدير معنى تجارب الآخرين. وفيها استيعاب لكوننا نعيش جميعاً في كوكب صغير ومترابط، وكل الأشياء والأشخاص فيه مهمون.
لسخرية القدر، لا يمكن لشعار ماسك أن يُطبق بنجاح بالأخص في عالم يمكن أن يتولى الذكاء الاصطناعي فيه المهمات التي تتطلب تفكيراً عمودياً [التفكير الذي يتطلب من الشخص أن يكون انتقائياً وتحليلياً ومتسلسلاً] بينما الصفة التي تميزنا عنه بصفتنا بشراً هي قدرتنا على القيام بمهمات عدة في الآن ذاته. نعم، يمكنني أن أدير شركة وأضع قطع الثياب في الغسالة وأتابع محادثة على الهاتف وأكتب رسالة نصية لأخبر الفتاة الصغيرة أي قطار يجب أن تستقله - فالبديل المتمثل بالتفكير الأحادي المسار ليس سوى كارثة.
بالطبع، سوف يستخف الرجال الأطفال أشباه ترمب الذين يرفضون حقيقة هذا الواقع، لأنهم يريدون أن ينفذ الجميع مطالبهم وأوامرهم. لكنهم لم يدركوا بعد أن الكلمة النهائية ستكون لنا، وتلك الكلمة هي: كلا.
إيليانور ميلز مؤلفة كتاب "القادم أفضل: دروس في فوضى وعظمة منتصف الحياة"، الصادر عن دار هاربر كولينز للنشر
© The Independent