ملخص
أكدت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان أن طرفي الصراع ارتكبا انتهاكات على نطاق كبير قد تعد جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وأوصت البعثة بحظر الأسلحة وإرسال قوة لحفظ السلام من أجل حماية المدنيين.
أحدثت التوصية التي أصدرتها بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان أخيراً بإرسال قوة لحفظ السلام من أجل حماية المدنيين في مناطق الصراع المتفجر بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 تبايناً كبيراً وسط المجتمع السوداني ما بين مؤيد ومعارض، إذ يرى المؤيدون لهذه الخطوة أن في شأنها إيقاف الانتهاكات التي طاولت آلاف المدنيين وتحسن الأوضاع الإنسانية أمنياً وغذائياً، وصولاً إلى إنهاء الحرب التي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف، فيما يعتقد المعارضون لها أنها مجرد كرت ضغط لإجبار الحكومة السودانية على العودة لمنبر جنيف التفاوضي الذي رعته الوساطة السعودية - الأميركية في الـ10 من أغسطس (آب) الماضي.
وبين الطرفين آخرون يطرحون سؤالاً حول إلى أي مدى يمكن تنفيذ هذه التوصية لتصبح أمراً واقعاً باستقبال السودان للمرة الثانية قوة أممية لحماية المدنيين وما انعكاساتها على استقرار وأمن البلاد؟
تهديد الأمن
يقول المتحدث الرسمي لحزب التحالف الوطني السوداني شهاب إبراهيم الطيب، "في اعتقادي إن التوصية التي قدمتها بعثة تقصي الحقائق في حرب السودان أكدت موضوعين مهمين، الأول هو أن أطراف الحرب ارتكبت جرائم شنيعة ترتقي لتوصف جرائم حرب. حقيقة هذه الحرب تعد من أكثر الحروب تدنياً من الناحية الإنسانية والأخلاقية، فضلاً عن أنها تسببت في حالة الانقسام الراسي في الدولة ابتداءً من انقسام المؤسسة العسكرية التي تخوض الحرب، إضافة إلى حالة الانقسام الاجتماعي الذي تحاول الحركة الإسلامية اتساعه من خلال الاستهداف على أساس العرق وسنت له تشريعاً باسم قانون الوجوه الغريبة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش".
أما الموضوع الثاني كما يؤكد الطيب فهو أن أطراف الحرب غير قادرة على حماية المدنيين، سواء لانعدام الإرادة أو لعدم سيطرتها على القوات على الأرض وفي كلتا الحالتين يتحمل كل طرف مسؤولية ذلك. ولفت إلى أن هذه التوصية الأممية لا تشكل عامل ضغط كافياً على طرفي القتال، إذ يجب تصنيف الحركة الإسلامية كجماعة إرهابية، نظراً إلى تأثيرها الواضح على قرارات الجيش ودعوتها إلى استمرار الحرب، مما يهدد الأمن والسلم الإقليميين والدوليين من خلال نقل الصراع إلى دول الجوار في ظل تدفق عديد من المقاتلين المتطرفين من دول عدة للمشاركة في هذا الصراع الذي دخل شهره الـ17.
وحث المتحدث الرسمي لحزب التحالف الوطني السوداني المؤسسات الإقليمية والدولية على وضع هذه التوصية محل التنفيذ بإرسال قوات أممية وحظر الأسلحة، والعمل على وقف قتل المدنيين في البلاد من خلال الغارات الجوية التي ينفذها سلاح الطيران التابع للجيش، وكذلك إيقاف انتهاكات قوات "الدعم السريع" على الأرض من طريق القصف المدفعي العشوائي الذي يسقط بسببه مدنيين، لكنه استبعد تكرار تجربة البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي "يوناميد" كما كانت في دارفور في الفترة ما بين 2007 و2020 لأن الظروف المحلية وواقع الحرب الحالية ليس كما كانت عليه الدولة في وقتها.
وجود شكلي
من جانبه قال الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء معتصم عبدالقادر إن "الأمم المتحدة لا تستطيع التدخل في أي دولة إلا في حال موافقة السلطة القائمة في البلد أو تحت البند السابع بتكوين قوات لها صلاحيات العمل العسكري، ونجد في تجارب السودان السابقة مع القوات الأممية أن تلك القوات كانت تحظى بحماية الجيش السوداني، وخصوصاً تجربة (يوناميد) في دارفور، لذلك كان وجودها شكلياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع عبدالقادر، "الوضع الراهن ينبئ بصعوبة قدوم مثل هذه القوات للسودان، إذ إن المناطق الآمنة التي تقع تحت سيطرة القوات المسلحة لا توجد فيها انتهاكات للمدنيين، فجميع المواطنين يمارسون حياتهم في المجالات كافة بحرية تامة ولا يحتاجون إلى أي صورة من الحماية، بيد أن وجود القوات الدولية في مناطق سيطرة قوات التمرد التي تعاني الفوضى العارمة سيعرضها لأعمال النهب والقتل والسلب نفسها التي يتعرض لها المدنيون في تلك المناطق، وليس ببعيد حادثة التعدي على مباني وممتلكات قوات (يوناميد) بعد خروجها من دارفور قبل نحو ثلاثة أعوام من قبل قوات (الدعم السريع) عندما كانت قوات نظامية تتبع للجيش السوداني فما بالك بعدما تحولت عناصرها إلى قطاع طرق، بخاصة أن معظمهم من بقايا الحرب الليبية ومن تشاد والنيجر ومالي وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان". وأردف، "كما أنه في حال يكون الرفض الشعبي لمثل هذه التدخلات كبيراً فإن القوات الأممية ستكون عرضة لضربات مقاومة داخلية، كما حدث في الصومال، فضلاً عن ضربات الجماعات المتطرفة المنتشرة في المنطقة، بالتالي فإن الوضع الأمني الحالي في السودان لن يكون مواتياً لأي صورة من صور التدخل العسكري الخارجي، ويبدو أن التلويح بذلك بمثابة ضغوط على الحكومة السودانية لإجبارها على العودة لمنبر جنيف الذي عقد في الـ10 من أغسطس (آب) لإيجاد حل لأزمة البلاد".
وختم الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية، "كان يجب على القوى الدولية والإقليمية أن تتعامل باحترام مع الحكومة السودانية لكونها تسيطر على الداخل، وألا تتواطأ مع الدول السالبة في التعاطي مع المشكلة السودانية، فضلاً عن استخدام الأموال في التأثير في المحافل الدولية في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بمحاولات التأثير والتسييس للقرارات وجر البلاد والمنطقة لمزيد من التأزم والتدهور طمعاً في موقعها ومنافذها الاستراتيجية وثرواته".
وضع معقد
في السياق أوضح المتخصص في القانون الدولي أحمد المفتي أن مسألة حظر الأسلحة وإرسال قوة حفظ سلام للسودان من اختصاصات مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع فقط، وليس من سلطات بعثة تقصي الحقائق، لكن مثل هذا الإجراء يتطلب اجتياز عقبة الفيتو الروسي والصيني، ومن الأرجح ألا يتم اجتياز هذه العقبة لسببين، الأول أن روسيا والصين هما على رأس الدول التي لديها الأسلحة التي يحتاج إليها السودان، والثاني أن (موسكو وبكين) قد تستخدمان الفيتو لسبب آخر هو تأكيد عدم وجود واشنطن قطباً واحداً على الساحة الدولية لما بينهما من تدهور في العلاقات حالياً".
وقال المفتي، "كذلك من الناحية العملية فإنه سبق أن أرسل مجلس الأمن ما لا يقل عن 30 ألفاً من القوات العسكرية بموجب الفصل السابع، والتي وصلت بالفعل إلى دارفور وظلت فيها لسنوات، لكن تأثيرها لم يحس به أحد لضعفها للدرجة التي كانت تطلب من القوات المسلحة السودانية حمايتها من الحركات المسلحة، على رغم أن مهمتها كانت حماية المدنيين".
وبين المتخصص في القانون الدولي أن فشل البعثة الأممية سيكون مؤكداً لأن الوضع العسكري الحالي معقد جداً، فضلاً عن أن ضخامة القوات التي تشارك في القتال، والتي يبلغ تعدادها مئات الآلاف تنتشر في عديد من المناطق، ولا يقتصر على دارفور كما كان الوضع سابقاً، ومجرد انتشارها قد يكون مستحيلاً".
جرائم حرب
كانت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان التي تم إنشاؤها في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أشارت إلى أن طرفي الصراع ارتكبا انتهاكات على نطاق كبير قد تعد جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وأوصت البعثة بحظر الأسلحة وإرسال قوة لحفظ السلام من أجل حماية المدنيين.
وذكر التقرير الصادر عن البعثة والمؤلف من 19 صفحة، مستنداً إلى 182 مقابلة مع ناجين وأسرهم وشهود، أن الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" مسؤولان عن هجمات على مدنيين ونفذا عمليات تعذيب واعتقال قسري. وخلص الخبراء المكلفون من قبل مجلس حقوق الإنسان في تقرير إلى أن المتحاربين "ارتكبوا سلسلة مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم دولية، يمكن وصف كثير منها بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وقال رئيس البعثة محمد شاندي عثمان، "تبرز خطورة هذه النتائج ضرورة اتخاذ إجراء فوري لحماية المدنيين"، داعياً إلى نشر قوة مستقلة ومحايدة من دون تأخير.
ويواجه المدنيون في السودان المجاعة والأمراض والنزوح الجماعي بسبب الحرب المستمرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ 17 شهراً. وقال وسطاء بقيادة الولايات المتحدة في أغسطس الماضي إنهم حصلوا على ضمانات من كلا الطرفين في محادثات سويسرا لتحسين آليات توصيل المساعدات الإنسانية، لكن غياب الجيش السوداني عن المناقشات عرقل إحراز تقدم.