ملخص
للمرة الأولى يصطدم قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان مع مواطنيه في مواجهة مباشرة أثارت جدلاً كبيراً في مواقع التواصل الاجتماعي
للمرة الأولى منذ اندلاع حرب السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) 2023 يصطدم قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان مع مواطنيه في مواجهة مباشرة أثارت جدلاً كبيراً في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ حاصر عدد من النساء البرهان أثناء تفقده إحدى المناطق التي اجتاحتها السيول والأمطار في شمال البلاد بالشكوى عن أوضاعهن المعيشية المزرية التي بات من الصعوبة بمكان تحملها، مطالبات بتوقف الحرب فوراً لأنها أفقرت المواطن السوداني ودمرت بلاده.
وأظهر مقطع فيديو جرى تداوله بكثافة وسط قطاعات مختلفة من السودانيين تسلل إحدى النساء السودانيات من بين الحضور لتقف أمام قائد الجيش وجهاً لوجه وهي تشتكي، بألم شديد، ومن ثم علت أصوات نسائية أخرى تنادي بشعار "لا للحرب".
لكن ما أثر مثل هذه الصرخات والتوسلات في إيقاف هذه الحرب التي دخلت شهرها الـ17؟ وما معاناة المرأة السودانية جراء هذا القتال الذي أدى إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح نحو 11 مليوناً إلى داخل البلاد وخارجها؟
— Ataf Mohamed عطاف محمد (@atafmohamed3) August 29, 2024
أبعاد سياسية
في السياق قال المتخصص في مجال فض النزاعات معاوية عوض الله "صحيح هناك نساء هتفن خلال زيارة البرهان إحدى المناطق المتأثرة بالسيول في الولاية الشمالية بشعار 'لا للحرب'، إذ إن غالبيتهن ناشطات سياسيات ينتهجن نهج ذلك الشعار، لكن ليس جميع نساء السودان على قلب امرأة واحدة، فأنا مؤمن أن المرأة السودانية الحقيقية التي قدمت ابنها وأخاها للقتال، وقتل أحد من أفراد أسرتها، أو تعرضت هي أو إحدى قريباتها لأي نوع من الانتهاك لن تقبل بمبدأ لا للحرب، على رغم تقديرنا معاناة الشعب السوداني، وتحديداً النساء". وتابع عوض الله "لا أعتقد أن هذه الحرب يمكن إيقافها لمجرد مطالبات نساء أو فئة من الشعب على حساب فئة أخرى تضررت ضرراً كبيراً، فالمرأة السودانية، على مر التاريخ، معروفة بمواقفها الحقيقية تجاه الاضطهاد والظلم".
وبين المتخصص في فض النزاعات أنه لا يعتقد "أن صراخ أي امرأة، مهما كان، سيغير مبدأ قائد الجيش تجاه هذه الحرب، والعهد الذي قطعه مع شعبه، لذلك، صراخ بعض النساء له أبعاد سياسية، لكن ضيق الحياة الحالي لا يمكن أن يضاهي عمليات الاغتصاب أو التعذيب".
غياب الدولة
في المقابل أوضحت الناشطة الحقوقية المحامية إيمان حسن عبدالرحيم "أن حرب 15 أبريل خالفت القانون الدولي والإنساني بصورة صارخة لما جرى فيها من قتل واختفاء وتهجير قسري وتجويع واختطاف وتعذيب ومذابح وجرائم إبادة جماعية، إذ تعرض المدنيون من نساء ورجال لانتهاكات بشعة غير مسبوقة في تاريخ السودان، ما تسبب في عمليات نزوح جماعي وتكدس مراكز الإيواء والمعسكرات داخلياً، وفي دول الجوار مع انعدام أبسط مقومات الحياة". وأضافت "لكن بصورة خاصة نجد أن معاناة النساء جراء هذه الحرب فاقت التصور، إذ تعرضن للاعتقال والاغتصاب والقتل في أبشع صورة، وأصبحن سلعة تباع في سوق النخاسة، وأجبرن على ممارسة البغاء القسري، كما تم احتجاز عديد من الفتيات في مناطق 'الدعم السريع' بقوة السلاح للقيام بأعمال الطبخ، ومن ثم اغتصابهن، وازدادت هذه المعاناة في أماكن اللجوء ومعسكرات النزوح، إذ انعدم الغذاء والدواء وباتت أوراق الأشجار بمثابة طوق نجاة تقيهن من الجوع، في وقت مات عدد منهنً نتيجة سوء التغذية". وتابعت "على رغم كل هذه المعاناة والظروف التي تعيشها المرأة وتكابدها في معظم الحالات بمفردها وغياب رب الأسرة إما لهربه أو اعتقاله أو قتله، تجدها مسؤولة عن أسرتها، وأتت الفيضانات والسيول لتزيد الأوضاع سوءاً ويتأزم وضع المرأة".
وواصلت، "نلحظ غياباً تاماً لمؤسسات الدولة، فهم الآن مشغولون بتأجيج الحرب وتجنيد الشباب والفتيات لإسكات الأصوات التي تنادي بوقف الحرب وإحلال السلام. فقد شاهدنا وتابعنا أحكام الإعدام في كل من عطبرة وكسلا والقضارف بموجب المادة 50 من القانون الجنائي لسنة 1991 في ظل غياب تام لتطبيق مبدأ المحاكمة العادلة وتوفير الضمانات التي تكفل تحقيق هذا المبدأ لسيطرة الدولة البوليسية على مقاليد الحكم". وقالت "ليس هذا فحسب، بل نجد أن عدداً من النساء تم ذبحهن من دون محاكمة لمجرد اتهامهن بالتعاون مع قوات 'الدعم السريع'، فهؤلاء النسوة لم يعرضن لأية جهة قضائية أو شبه قضائية، بل تم اتهامهن ونفذ الحكم بالقتل ذبحاً من قبل نظاميين".
وختمت الناشطة الحقوقية بأنه "على رغم المحاولات المستميتة لإسكات الصوت الذي ينادى بإيقاف الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع، لم تخش المرأة السودانية سطوة الدولة العسكرية وإرهابها المواطن، إذ وقفت إحدى النساء الثائرات بكل شجاعة وثبات بوجه البرهان لتعبر بصدق عن معاناة النساء جراء هذه الحرب وما أنتجته من كوارث".
وشاركت المرأة السودانية في محادثات جنيف الأخيرة الخاصة بحل أزمة السودان "وأدلت بدلوها في العمل على إحلال السلام وإيصال الإغاثة وفتح الطرق والمعابر، فضلاً عن دعوتها طرفي النزاع لحماية المرأة وعدم انتهاك حقوقها. والمرأة السودانية لم تتوقف منذ بدء الحرب عن المناداة بوقفها والعمل على إحلال السلام، وشاركت في العمل الطوعي والإنساني وخاطبت المؤسسات الدولية لإيقاف الانتهاكات ضد النساء وحمايتهن، فضلاً عن أنها تعمل تحت نيران الحرب في غرف الطوارئ ومعسكرات النزوح واللجوء ودور الإيواء والمطابخ وتقديم الوجبات والعمل على تخفيف المعاناة عن المتضررين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعبير صادق
من جانبها قالت الاختصاصية النفسية أسماء محمد جمعة "بطبيعة الحال، النساء أكثر الفئات تأثراً بالحروب، وفي حرب السودان، تحملن أعباءً لا يمكن أن يتحملها إنسان، فقد حولتهن إلى أرامل وثكالى وأمهات أيتام ومعوقات ومصابات، وفوق كل هذا أصبحن لاجئات ونازحات ومتنقلات من مكان لآخر هرباً من ويلات الحرب، فضلاً عن معاناة الجوع والمرض والخوف وقلة الحيلة". وتابعت، "وقوف عدد من النساء السودانيات أمام قائد الجيش عبدالفتاح البرهان والشكوى من وضعهن المؤلم، تعبير صادق وشجاع في وجهه، إذ كان يعتقد ألا أحد يرفض الحرب، والجميع داعم استمرارها كما يصور له الذين من حوله المشهد". وأضافت أيضاً "في تقديري أن هذه الحادثة الجريئة لن تؤثر في عقلية البرهان ولن تحرك فيه ساكناً، إذ لم يجاملهن بكلمة كما كان يفعل مع دعاة الحرب". وختمت الاختصاصية النفسية "حقيقة، يبدو أننا أمام شخصية غير طبيعية، ويجب التعامل معها بصورة مختلفة لإنقاذ نساء السودان".
صرخات استغاثة
وعلق رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير على هذه الحادثة قائلاً إن "المرأة التي اندفعت نحو البرهان خلال زيارته إحدى مناطق الولاية الشمالية، وخاطبته بشموخ وحزن ورجاء، وهي تشكو قسوة الحال والتعب من الحرب، تمثل ملايين السودانيين. إنها صرخة استغاثة عفوية وصادقة، لا يجوز الأعراض عنها، ولا يليق بها غير تحكيم العقل والضمير، والتوجه بإرادة جادة لفتح الآفاق المسدودة عبر مسار سلمي تفاوضي وطني لإطفاء نار الحرب، والتوافق على عقد اجتماعي جديد، لتأسيس وطن يضمن شروط الحياة الكريمة لجميع أهله بلا تمييز".
ولفت رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي إلى أن "حديث نساء منطقة قوز هندي للبرهان مثل ضمير الأمة الصامت المطالب بنهاية للحرب، التي أفقرت الشعب وشردته، وقتلت أبناءه". ونصح المهدي البرهان بالمشاركة في مفاوضات جنيف "للاتفاق على إنفاذ مخرجات إعلان جدة". وأضاف "لقد أعدت قراءة اتفاقات السلام الثلاثة الموقعة بين وفد القوات المسلحة السودانية ووفد قوات 'الدعم السريع' في جدة والمنامة، وأشهد بأن كل نصوصها تحقق الحفاظ على الدولة السودانية ووحدة ومهنية الجيش السوداني، وتنقذ الشعب السوداني من التشرد والفقر والإهانة".
مفاوضات جنيف
وكانت أطراف دولية وإقليمية برعاية أميركية - سعودية دعت طرفي الحرب، الجيش وقوات "الدعم السريع" في الـ14 من أغسطس (آب) الماضي إلى عقد محادثات في جنيف لبحث الأزمة السودانية.
وأكد البيان الختامي لمحادثات جنيف أنه حصل على ضمانات من الجيش السوداني و"الدعم السريع" لتوفير ممر إنساني آمن، في محاولة للتخفيف من تداعيات الحرب الدائرة بين الطرفين، موضحاً أن الممر سيكون آمناً ومن دون عراقيل عبر شريانين رئيسين، هما الحدود الغربية عبر معبر أدري في إقليم دارفور، وطريق الدبة التي تتيح الوصول إلى الشمال والغرب من بورتسودان. وشددت دول الوساطة في بيانها على ضرورة عدم استخدام الغذاء والمجاعة سلاحاً في الحرب، مؤكدة مواصلة تحقيق تقدم بغرض فتح ممر آمن ثالث للمساعدات عبر سنار في جنوب شرقي البلاد.
وكانت "الدعم السريع" أرسلت وفدها المفاوض لجنيف، لكن الجيش رفض الانضمام للمفاوضات مطالباً بإلزام "الدعم" بتنفيذ بنود إعلان جدة المبرم بين الطرفين في الـ11 من مايو (أيار) 2023.