Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا تقلص النفوذ التجاري الفرنسي في أسواق شمال أفريقيا

تصدر موسكو المواد الكيماوية والديزل والمعادن ومنتجات التكنولوجيا والأغذية إلى بلدان المغرب العربي

تعد الجزائر ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في المنطقة، ويبلغ حجم التجارة البينية نحو 3 مليارات دولار لمصلحة موسكو (أ ف ب)

ملخص

الميزان التجاري الروسي يتفوق بحجم مبادلات مع مصر بـ 7.15 مليار دولار، ومع الجزائر بـ 3 مليارات دولار، أما المغرب فكان نصيبه منها 2.5 مليار.

تعمل روسيا تحت وطأة العزلة التي فرضتها عليها الدول الأوروبية منذ اندلاع الحرب مع أوكرانيا على توسيع دائرة شركائها التجاريين، وبعدما عززت علاقاتها مع البلدان الأعضاء بمجموعة "بريكس" رفعت حجم تعاملاتها مع تركيا التي أضحت شريكاً إستراتيجياً، لكنها اتجهت في الفترة الأخيرة إلى وضع بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط ​​ ضمن أولوياتها.

وسرعان ما تحولت دول شمال أفريقيا إلى شركاء تجاريين مهمين في القارة الأفريقية، ولم تكتف موسكو بالنسق الحالي للمبادلات إذ ترغب من خلال الإعداد الحالي لاتفاقات التجارة الحرة في اللحاق بشركاء الاتحاد الأوروبي وفرنسا بالتحديد، وتوقيع اتفاقات تسهل التجارة من خلال إزالة الحواجز الجمركية التي يمكن أن تعزز التجارة بين الطرفين.

الكفة لمصلحة موسكو

وتظهر المعطيات أن التبادلات التجارية الروسية – الأفريقية كانت تتركز بقوة في مجموعة من البلدان سابقاً وهي مصر والجزائر والمغرب، إضافة إلى جنوب أفريقيا، مما مهد للتفكير في إنشاء منطقة تجارة حرة مع دول شمال أفريقيا، وبخاصة بعد الارتفاع الملحوظ للتعاملات مع تونس خلال العامين الأخيرين.

وتصدّر روسيا بالأساس إلى هذه البلدان القمح والأسلحة والأسمدة والمواد الهيدروكربونية، وزاد نسق الصادرات منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية والعقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية على موسكو، أما الشريك التجاري الرئيس لروسيا في أفريقيا فهي مصر، وبحسب بيانات وزارة التجارة المصرية فإن حجم التجارة بين البلدين وصل خلال عام 2023 الى 7.150 مليار دولار مقارنة بـ 4.7 مليار دولار عام 2021 بميزان تجاري لمصلحة روسيا.

ويحتل القمح الروسي مكانة مهمة في الواردات المصرية نظراً إلى قربه وجودته وأسعاره التنافسية، ومن أجل تجاوز استخدام الدولار في التعاملات والقيود المفروضة على البنوك الروسية في شأن استخدام نظام "سويفت" لسداد التعاملات، فقد اتفقت روسيا ومصر في يونيو (حزيران) 2022 على استخدام عملتيهما الوطنيتين لتسوية التبادلات التجارية بينهما.

أما الجزائر فهي ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في المنطقة، ويبلغ حجم التجارة البينية نحو ثلاثة مليارات دولار لمصلحة موسكو، إذ لا تزيد الصادرات الجزائرية على سبعة ملايين دولار، فيما تستورد الأسلحة والقمح والمنتجات الغذائية.

وارتفعت الصادرات الجزائرية، وبخاصة المنتجات الغذائية مثل السكر والحلويات والمواد الأولية الزراعية وغيرها إلى 18.27 مليون دولار فقط عام 2021 في مقابل 9.13 مليون عام 2020.

وخلال زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى روسيا منتصف يونيو 2023، اتفق البلدان على التحول إلى العملات الوطنية في تجارتهما.

الشريك التجاري الثالث لروسيا

ويعد المغرب الشريك التجاري الثالث لروسيا في المنطقة، إذ يتفاوت حجم التجارة من عام لآخر لكنه يظل لمصلحة موسكو، فقد ناهزت التبادلات 2.5 مليار دولار عام 2023 بزيادة فاقت 50 في المئة مقارنة بعام2021.

وتصدر روسيا البتروكيماويات والمعادن ومنتجات التكنولوجيا الفائقة والمنتجات الغذائية والمواد الهيدروكربونية ومشتقاتها إلى المغرب، بينما تستورد موسكو من الرباط المنتجات الغذائية الزراعية والطازجة مثل الأسماك بقيمة مليار دولار، وقد ارتفعت واردات المغرب من الديزل الروسي من 66 ألف طن عام 2021 إلى 735 ألف طن عام 2022.

ويعد المغرب من بين الدول الرائدة في استيراد الديزل الروسي في العالم إلى جانب تونس والجزائر، ويستقطب أكثر من 12 في المئة من إجمال شحنات الديزل الروسية.

وتظل التجارة بين روسيا ودول شمال أفريقيا لمصلحة روسيا إلى حد كبير، وهو وضع يفسر ضعف العروض التجارية المقدمة من دول المنطقة إلى روسيا، ويعود لتركيز تاريخي على التجارة نحو السوق الأوروبية، ويتمثل الضعف في قيمة المنتجات المصدرة، وهي زراعية بشكل عام، مقارنة بتلك المستوردة، وبالتالي ففي غياب العروض النوعية فإن اتفاقات التجارة الحرة هذه يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الاختلال في الميزان التجاري مع خسارة دول المنطقة الإيرادات الجمركية.

ومع سوق تضم أكثر من 150 مليون مستهلك فيمكن لروسيا أن تشكل فرصة لبلدان المنطقة التي تمتلك منتجات متنوعة نسبياً، من قطع غيار السيارات والمنسوجات والأغذية الزراعية، كما هي الحال في تونس والمغرب.

وبمغادرة الأوروبيين لروسيا يمكن لدول شمال أفريقيا أن تشكل بدائل لعدد معين من المنتجات، وفي المقابل يلاحظ في منطقة المغرب العربي، وبخاصة المغرب وتونس والجزائر، تآكل مساحة السلع الفرنسية والنفوذ الاقتصادي لهذا البلد، وهو ما تستفيد منه روسيا، فتاريخياً لعبت فرنسا دوراً رائداً في التجارة مع هذه الدول الثلاث، وبخاصة في القطاع الزراعي، وهو الموروث الذي حوفظ عليه جزئياً خلال الفترة الاستعمارية بفعل الاتفاقات الثنائية والقرب الجغرافي، ومع ذلك فهناك لاعبون جدد آخذون في الظهور ويزعزعون هذا النظام القائم، وأبرزهم روسيا والصين، مما يهز التفوق الفرنسي في المنطقة.

ويشهد قطاع الحبوب الذي يشكل ركيزة التجارة الفرنسية مع دول المغرب العربي حالياً تغيراً كبيراً، إذ تعمل روسيا، وهي قوة زراعية صاعدة، على ترسيخ نفسها الآن كمنافس هائل لفرنسا في سوق القمح داخل تونس والمغرب والجزائر، وقد سجلت مؤشرات غير مسبوقة في أغسطس (آب) الماضي، وللمرة الأولى منذ أعوام حلت روسيا محل فرنسا كمورد رئيس للقمح اللين للمغرب، ويعود هذا التطور جزئياً للصعوبات التي واجهتها الزراعة الفرنسية.

ويبدو أن محصول القمح اللين في فرنسا عام 2024 سيكون كارثياً، إذ وصل بالكاد إلى 25.17 مليون طن، وهو مستوى يذكر بما كان عليه عام 1940، وهذا الانخفاض الحاد في الإنتاج، وهو أقل بكثير من المستوى المعتاد البالغ 35 مليون طن، يضر بقدرات فرنسا التصديرية.

الاستيلاء على السوق الفرنسية

وأمام هذا التراجع الفرنسي اغتنمت روسيا الفرصة لترسيخ نفسها في السوق المغربية، ومن بين 4.3 مليون قنطار من القمح اللين الذي استورده المغرب في أغسطس الماضي، قدمت روسيا 1.92 مليون أو ما يقارب 45 في المئة من الإجمالي، أما فرنسا فلم تتمكن من تقديم سوى 0.33 مليون قنطار لتجد نفسها تهبط إلى المركز الرابع خلف رومانيا وأوكرانيا.

ولا يقتصر هذا الاختراق الروسي على القمح اللين، إذ يعمل المغرب على تنويع مصادر إمداداته من الحبوب فيستورد الذرة وأصنافاً أخرى من القمح، ويشهد ميناء الدار البيضاء نقطة الدخول الرئيسة لهذه الواردات ووصول بضائع من روسيا ورومانيا وأوكرانيا إلى جانب الشحنات الفرنسية التقليدية.

وفيما غطت موسكو 39 في المئة من واردات القمح التونسية عام 2023 فقد عرضت تونس اقتراحاً لإبرام اتفاق لاقتناء الحبوب بسعر وكمّ ثابتين، وخلال الفترة الممتدة من أواخر عام 2023 إلى بداية 2024، استوردت تونس 1.1 مليون طن من الحبوب، أي ثلاثة أضعاف مقتنياتها من روسيا في العام السابق، وتسير نحو توقيع اتفاقات لتوريد البقوليات والزيوت.

وإن كانت روسيا أعلنت رغبتها في إبرام اتفاقات تجارة حرة مع دول شمال أفريقيا، فإن الحركة التجارية مع هذه المنطقة تبدو جيدة ومرشحة فعلاً للتطور، كما يتضح من المشاريع التي تربط خلال الأعوام الأخيرة بين المغرب وتونس، باعتبار مصر والجزائر شريكين تقليديين.

ومن المشاريع العملاقة بين الرباط وموسكو الشراكة الموقعة بين مجموعة "روساتوم الروسية" والشركة المغربية لحلول المياه والطاقة، والتي تهدف إلى تحلية مياه البحر في المغرب.

وإذا كانت الأعمال النفطية تسير بصورة جيدة اليوم بين الرباط وموسكو، فإن اتفاق التجارة الحرة المحتملة يمكن أن يمنح المغرب وصولاً أكبر إلى المنتجات النفطية الروسية، ولا سيما المصافي الروسية القادرة على إنتاج المنتجات النفطية ذات المحتوى المنخفض من الكبريت، وفقاً للمواصفات المغربية، والتي يقول المتخصص في علاقات أفريقيا والشرق الأوسط في شركة Stratas Advisors أنس عبدون "إنها أقل كلفة"، مضيفاً أن أرباح القطاع الزراعي لا تعد ولا تحصى، بينما تعمل تونس على الرفع من مستوى واردات الأسمدة الروسية مع ضمان الحصول على أسعار تفضيلية.

تطوير آفاق التعاون الاقتصادي

وعن رغبة روسيا في تطوير آفاق التعاون الاقتصادي مع المنطقة، قال مدير مركز الدراسات الإسلامية والعربية بمعهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم فاسيلي كوزنتسوف، "يُنظر إلى دول المغرب العربي على أنها شريكة اقتصادية، وإضافة إلى قطاعي الغاز والنفط المعتادين وكذلك عقود الأسلحة، توفر المنطقة فرصاً اقتصادية عدة في مجالات الطاقة النووية مثل مفاوضات محطة للطاقة في الجزائر، والسكك الحديد هناك أيضاً، وفي الزراعة نجد مشروع 'الممر الأخضر' الذي يهدف إلى تعزيز التعاون الزراعي مع المغرب، والسياحة عبر زيادة الحضور في تونس، لكن تفاقم الأزمة الليبية وتدهور العلاقات مع الدول الأوروبية هما العائقان الوحيدان اللذان من المرجح أن يحدا من هذا التعاون الاقتصادي الناشئ أو يبطئاه، ولا شك في أن الأعوام المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى تحقيق المشاريع الهيكلية بين فيدرالية روسيا والمغرب العربي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما كشف كوزنتسوف عن وجود عدد من مصنعي الطاقة الروس في المنطقة، وبخاصة في الجزائر وليبيا، اللتين شكلتا تاريخياً ركيزتي سياسة روسيا في المغرب العربي، وحضور شركة "غازبروم" في ليبيا منذ عام 2005 وفي الجزائر منذ عام 2006، ففي ليبيا استغلت "رواسب الهيدروكربون" لستة أعوام بالتعاون مع شركة "إيني الإيطالية"، ومنذ عام 2011 وضعت الحرب الأهلية نهاية لجميع أنشطة شركة "غازبروم" في ليبيا، بينما في الجزائر يبدو الأمر أفضل بكثير، فبعد التنقيب لعامين بالاشتراك مع شركة "سوناطراك الجزائرية"، اكتشفت جيوب من الغاز في حقل بحوض "بركين"، وفي عام 2016 شغلت شركة "غازبروم" تسعة آبار إضافية لاستخراج هذا الذهب الأزرق.

 وبالنسبة إلى لنفط فعلى رغم أن أنشطة "تاتنفت" اضطرت أيضاً إلى التوقف في ليبيا منذ عام 2011، إلا أن المفاوضات جارية حالياً لاستئنافها كجزء من تحسن مستقبلي في الظروف الأمنية، وتحضر شركة "روسنفت"، ثاني أكبر منتج للنفط الروسي، في ليبيا أيضاً، كما وقعت الأخيرة للتو اتفاقاً عام 2017 مع سلطات البلاد لتطوير إنتاج النفط الخام وتسويق صادراته.

وإضافة إلى قطاعي الغاز والنفط فيبدو أن القطاع النووي الروسي آخذ في الارتفاع في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، إذ إن الطلب المتزايد على الطاقة، فضلاً عن الإخفاقات في البنية التحتية للغاز الطبيعي، يفسر إلى حد كبير اختيار مصر للتوقيع في سبتمبر (أيلول) 2017 مع روسيا اتفاقاً لبناء أول محطة للطاقة النووية في الضبعة، كما وقعت شركة "روساتوم" الحكومية مذكرة تفاهم في شأن التعاون في مجال الطاقة النووية.

وتخطط الحكومة الجزائرية لبناء محطة للطاقة النووية بحلول عام 2025، كما وقعت تونس في يونيو 2015 اتفاقاً مماثلاً مع "روساتوم"، بينما كان المغرب، وهو الأقرب إلى فرنسا والولايات المتحدة، البلد الوحيد في المنطقة المغاربية الذي لم يجر اتصالات مع الروس في هذا الشأن.

اقرأ المزيد