Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجتمع الدولي والسودان... استجابة "متقطعة" وتفاعل "موجه"

غياب الاهتمام العالمي حتى عن فتح ممرات آمنة على رغم الانتهاكات وحصار الشعب من طرفي الحرب والكوارث البيئية والصحية

لا توجد تحركات ملموسة سوى إدانة الهجمات على المدنيين والدعوة إلى إتاحة الوصول إلى المساعدات الإنسانية (لجنة الإنقاذ الدولية)

ملخص

تعهد المجتمع الدولي في مؤتمر باريس الإنساني والدولي حول السودان بتقديم أكثر من ملياري دولار من المساعدات الإنسانية، للحد من تفاقم الوضع الذي وصفته هيئات الأمم المتحدة بأنه كارثي، إلا أن التعهدات لم تسفر عن تقديم المساعدة أو تحد من الأضرار البشرية والمادية الكبيرة التي يتعرض لها السودانيون.

نظراً إلى الدور المنوط بالمجتمع الدولي في ظروف مشابهة للحرب الحالية في السودان، والمكون من المنظمات الحكومية الدولية، والوكالات متعددة الأطراف والثنائية، والمنظمات غير الحكومية الدولية، وكذلك وكالات الإغاثة الدولية والإقليمية، فإنه يتوقع منه تسهيل العون الإنساني وبناء الحوار المدني، ورعاية المفاوضات للحد من تصعيد التوترات أو وقف النزاع، كآلية لتقديم مقترحات دبلوماسية لحل النزاع.

الوضع الناتج من الحرب المستمرة في السودان منذ أبريل (نيسان) 2023، نشأ بتطور الاشتباكات الأولية إلى مواجهة كاملة وحرب معلنة، أدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح، إضافة إلى تدمير آلاف المنازل والمدارس والمستشفيات وغيرها من البنية التحتية المدنية الأساسية، كما دمرت الحرب مساحات شاسعة من القطاعات الإنتاجية في البلاد، مما أدى إلى شل الاقتصاد بشكل شبه كامل، وأصبح السودانيون يتحملون معاناة على كل المستويات مع عجزهم على الحصول على مصادر دخل، وإزاء هذا الوضع ظهرت حاجة أكثر من نصف السكان إلى مساعدات حيوية، وفر ما يقرب من 8 ملايين شخص من منازلهم، منهم أكثر من 1.6 مليون لجأوا إلى تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، كما أن ما يقرب من 25 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بما في ذلك نحو 5 ملايين شخص على شفا المجاعة ونحو 7 ملايين طفل يعانون سوء التغذية الشديد.

ومنذ ذلك الوقت تنقل تقارير منتظمة ما يتعرض له سكان المناطق التي اجتاحتها الحرب، إلى انتهاكات مستمرة من استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب، وتجنيد الأطفال من طرفي النزاع، وممارسة التعذيب والاحتجاز التعسفي.

بهذا الترقب لأن يلعب المجتمع الدولي دوراً في وقف الانتهاكات، مع عدم وجود تحركات ملموسة من قبله، سوى إدانة الهجمات على المدنيين والدعوة إلى إتاحة الوصول إلى المساعدات الإنسانية، فإنه يمكن القول إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والمؤسسات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، والدول التي تتمتع بنفوذ في السودان، يشوب تحركاتها البطء الشديد في وقف العنف.

تكييف البرامج

مع أن الأمم المتحدة دعت طرفي النزاع إلى احترام التزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي والالتزام بإعلان جدة لحماية المدنيين، فإنها وصلت إلى حقيقة أن كل منهما يحاول الحفاظ على موقعه على الأرض، مع توسيع رقعة المواجهة بمزيد من الانتشار.

في الـ15 من أبريل الماضي تعهد المجتمع الدولي في مؤتمر باريس الإنساني والدولي حول السودان بتقديم أكثر من ملياري دولار من المساعدات الإنسانية للحد من تفاقم الوضع الذي وصفته هيئات الأمم المتحدة بأنه كارثي.

 

 

وعلى رغم أن المؤتمر قدم تعهدات إضافية بتمويل الاستجابة الإنسانية في السودان والاستجابة للاجئين في البلدان المجاورة، وأوصى بتوفير الضروريات الأساسية قبل بدء موسم الأمطار في يونيو (حزيران) الماضي، وتزويد المزارعين بالبذور قبل موسم الزراعة، وتقديم العون المادي والعيني للنازحين قبل أن يواجهوا المجاعة، لكن لم تسفر التعهدات عن تقديم المساعدة، أو تحد من الأضرار البشرية والمادية الكبيرة.

أدت عدم الاستجابة وتقديم المساعدة السريعة إلى انهيار الحياة السياسية بازدياد الانشقاقات بين الكيانات السياسية الفاعلة المكونة من الأحزاب، وبفعل الاستقطاب الذي تمارسه قوات الجيش وقوات "الدعم السريع"، وتهم التخوين المتبادلة بينهما والموجهة ضد بعض الكيانات المدنية، إضافة إلى زيادة الانهيار الاقتصادي، إذ إن أكثر من نصف سكان السودان عاطلون عن العمل، في حين يكافحون التضخم المفرط ونقص السلع الأساسية، فضلاً عن تزعزع الأسس الاجتماعية ونشوء حساسيات قبلية ومناطقية واحتكاكات إثنية.

وزاد دخول موسم الأمطار في ظل هذه الظروف من الأزمات الصحية، إذ تفاقم تفشي الأمراض مثل حالات الحصبة وحمى الضنك والكوليرا في ظل عجز نظام الرعاية الصحية المعطل عن الاستجابة للأزمة الصحية المتنامية في البلاد، إضافة إلى فقدان آلاف المنازل ومقار الإيواء بفعل الأمطار الغزيرة والسيول، مع تزايد المخاوف من أن يشمل النزاع مناطق أخرى.

تقوم منظمات قليلة، على رغم محدودية برامجها وتعرضها لمضايقات عديدة، بتكييف برامجها وفقاً لهذه الظروف، إذ قامت "لجنة الإنقاذ الدولية" بتوسيع نطاق استجابتها لمعالجة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في السودان، وامتدت إلى دارفور وولاية البحر الأحمر، لسد الثغرات في الاستجابة الإنسانية، وعملت على إعادة التركيز على الاحتياجات الطارئة للنازحين داخلياً، وقدمت خدمات لحماية الأطفال والنساء بما في ذلك الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

اهتمام ضئيل

عندما بدأ إطلاق النداء للمجتمع الدولي بضرورة الضغط على طرفي النزاع لوقف إطلاق النار، والاستجابة لتقديم المساعدات الإنسانية، كان القتال متركزاً بشكل مكثف في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، وكان من شأن ذلك أن يحفظ عدداً من الأرواح، لكن انتشار الصراع وتقدمه ليشمل أقاليم فر إليها النازحون من الحرب يتوقع أن يجذب عدداً متزايداً من الحركات والجماعات المسلحة، مما يضعف احتمالات إنهاء الصراع أو استجابة طرفيه إلى أية هدنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفضلاً عن المواجهة العسكرية بين الطرفين، فإن المجتمع الدولي حذر من مغبة الإمداد العسكري الذي ظهرت بوادره منذ بداية الحرب، فوفقاً لما نقل عن الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، فإن قوات "فاغنر" السابقة، و"فيلق أفريقيا" فيما بعد، التي تخضع الآن لسيطرة الأجهزة الخاصة الروسية، متورطة بشكل كبير في السودان، بما انعكس على الحرب الأوكرانية، بتمويل الميليشيات الروسية وربما أيضاً نظام فلاديمير بوتين بالذهب من السودان"، وقدر أن التهريب يستهلك نحو 90 في المئة من الذهب المستخرج، بما يمد روسيا بمليارات الدولارات، إذ شحنت 16 طائرة محملة بالذهب إلى سوريا.

وهذا الوضع أدى إلى محاولة أوكرانيا اختراق هذه العلاقات، ورأت أن نجاحها المباشر في السودان أو عن طريق حلفائها سيسهم في مهاجمة مصدر تمويل روسيا، كما أنه سيعطي أوكرانيا "صورة الدولة القادرة على مواجهة روسيا في أي مكان في العالم".

وعلى رغم قتامة الصورة التي تعكس خطورة الأزمة الإنسانية في السودان، وتصنيف الانتهاكات على أنها تقع ضمن جرائم الحرب، وكمهددة للسلام الإقليمي والدولي، إلا أن الصراع في السودان لم يحظ سوى بقدر ضئيل من الاهتمام الدولي، ليس كافياً حتى لفتح ممرات آمنة لتوفير الإغاثة، كما أنه لا يلعب دوراً حاسماً في إنهاء الصراع.

واجب المجتمع الدولي

مع أن المجتمع الدولي لم يتأخر في حالات أفريقية وسودانية سابقة عن تقديم المساعدات والإغاثة الدولية واتخاذ قرارات التدخل في الحالات التي يصعب حسمها بالتفاوض، إلا أنه في الحرب السودانية الحالية اكتفى لفترة طويلة بمشاهدة أحداثها وتطوراتها من دون اتخاذ موقف حاسم.

ويعزى ذلك إلى جملة افتراضات قد تكون متحققة إلى حد ما، الافتراض الأول هو انشغال المجتمع الدولي بالحرب الأوكرانية والصراع في قطاع غزة، ولكن في أحيان كثيرة يضعف هذا التصور بالنظر إلى تباطوء المجتمع الدولي النسبي في ما يتعلق بهاتين الحربين أيضاً.

 

 

أما الافتراض الثاني فهو أنه ينظر إلى المجتمع الدولي من منظار تغير القوة لا سيما في عالم متعدد الأقطاب، إذ يزعم مؤيدو التعددية القطبية أن مركز القوة والاقتصاد العالميين يتحول تدريجاً بعيداً من الغرب المكون للمنظمات الدولية الفاعلة وذات التاريخ الحافل بتقديم المساعدات والتدخلات، إلى صالح الجنوب العالمي المشغول بالتحالفات الاقتصادية والاستراتيجية، بحثاً عن مصادر القوة ليحل محل النظام الدولي القديم.

ولم يعد في الوقت الحالي سوى التمسك بولاية "البعثة المستقلة الدولية لـتقصي الحقائق في السودان"، التي اعتمد إنشاؤها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول ) العام الماضي، وبدعوة من مجموعة "محامو الطوارئ" على إثر الانتهاكات الواسعة التي يتهم طرفا النزاع بارتكابها في مناطق القتال، وأخيراً أرسلت الحملة الوطنية لتمديد أجل ولاية البعثة لـتقصي الحقائق في السودان السبت الماضي خطابات إلى 46 بعثة ممثلة للدول الأعضاء الدائمين والمراقبين في مجلس حقوق الإنسان، تتضمن مطالبات المجتمع المدني السوداني بالضغط على هذه الدول للتصويت لصالح تمديد ولاية البعثة لعام آخر.

وناشدت الحملة سكرتارية مجلس حقوق الإنسان للتصويت على إبقاء البعثة وتمديد ولايتها، منوهة بأن عدم التمديد من شأنه أن يشعر الضحايا بخذلان المجتمع الدولي له ويزيد من فرص الإفلات من العقاب، مما يشجع الجناة على ارتكاب مزيد من الجرائم والانتهاكات.

حساسية التدخل

يقابل طيف واسع من السودانيين تدخل المجتمع الدولي بحساسية بالغة فهو بالنسبة إلى السودانيين العاديين ارتبط في أذهانهم بانفصال جنوب السودان عام 2011، وتفاقم الحرب في دارفور المستمرة منذ عام 2003، أما بالنسبة إلى قوات الجيش ومجلس السيادة بقيادة عبدالفتاح البرهان، فإن أي تدخل دولي سيكون على نظام الولاية الأممية على السودان، مما يعني انتهاء دور مجلس السيادة، وإن نجحت الولاية في وقف الحرب، فستكون النتيجة بعد إحلال السلام توحيد الأطراف المدنية وتفعيل الآلية الوطنية لدعم التحول الديمقراطي والسماح باستمرار الجهود الإنسانية وإقامة الحكومة المدنية، وكذلك إنهاء الإفلات من العقاب، وإقامة نظام حكم مدني ديمقراطي قائم على الانتخابات. وهذا هو ما لا يرغب فيه أعضاء النظام السابق، لذلك يغذون من خلال إعلامهم ووسائل التواصل الاجتماعي أية خطوة ضد هذا الاتجاه ابتداء من الاعتراض على الدعوة إلى وقف الحرب وحتى التدخل الدولي بأشكاله المختلفة سواء أكان عسكرياً أم دبلوماسياً، وحتى لو كان الضرر الناتج من عدم التدخل جسيماً بالفعل، فإنه من منظور حزب "المؤتمر الوطني" المحلول، أن أي جهود موجهة لوقف الحرب أو حل الخلاف القائم بين قوات الجيش وقوات "الدعم السريع" سيكون بداية النهاية بالنسبة إلى الإسلام السياسي في السودان أو في أفضل الظروف، عودتهم لسكة المواجهة المكلفة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل