ملخص
حذر قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن تفاقم الوضع قد يؤدي إلى عمليات تفجيرية واسعة النطاق تمتد إلى داخل إسرائيل، فما خطورة هذه التهديدات؟
بعد أقل من 24 ساعة من مناقشته تقريراً حول خطوات فورية لمنع اشتعال جبهتي الضفة الغربية وغزة، توجه وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت إلى الجبهة الشمالية ليصعد تهديداته من هناك تجاه لبنان، ويوحي أن الجيش أنهى تدريباته لعملية برية واسعة على لبنان.
تهديدات كانت لها تداعيات وصدى في الخارج، غير أن الداخل الإسرائيلي والضالعين بخبايا أبحاث الجبهة الشمالية ووضع إسرائيل عسكرياً وسياسياً تجاه هذه الجبهة تعاملوا باستهتار مع تهديداته، واعتبروها كمن يذر الرماد في العيون لتهدئة رؤساء بلدات الشمال والسكان، وهناك من اعتبرها ضمن الصراع السياسي بينه وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي من خلال تهدئته سكان الشمال يكتسب نقاطاً في مصلحته السياسية.
وفي كل الأحوال الردود على تصريحات غالانت جاءت متعددة، فعضو لجنة الخارجية والأمن زئيف إلكين قال إن الجيش يشارف على سنة من الحرب، ولم يحقق الأهداف الثلاثة له في غزة، القضاء على "حماس" وعودة الأسرى وضمان الأمن للسكان ليعودوا لبيوتهم، وأضاف "أما في جبهة الشمال فهناك لا يمكن لأي مسؤول أن يعد السكان بوقت عودتهم، لدينا غزة والضفة أولاً".
أما رئيس بلدية شلومي غابي نعمان فكشف عن أن وزير الأمن أبلغه، في جلسة سابقة، بأن الحكومة لم تبحث في شأن الجبهة الشمالية ولن تقرر شن حرب على لبنان، وهو حديث يعكس حقيقة موقف المستوى السياسي، الذي يتخذ القرارات فيه نتنياهو، الرافض بحث أية خطة قدمها الجيش لحرب على لبنان، وينتظر تقدم الجهود الدبلوماسية ليطرحها في ما بعد للبحث.
الضفة على شفا الانهيار
وعلى رغم تصريحات غالانت، من جهة، وإعادة جبهة غزة لأولويات أجندة الإسرائيليين بعد فيديو النفق الذي عثر فيه الجيش على جثث الأسرى الإسرائيليين الست، إلا أن أبحاث الأمنيين والعسكريين تتركز في الضفة، إذ تخشى إسرائيل من اتساع العمليات الانتحارية وتفجير المركبات، ليس فقط من التنظيمات الفلسطينية التي تستهدف الجيش الإسرائيلي، إنما أيضاً من السكان الفلسطينيين الذين يعيشون حصاراً خانقاً منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، عند انفجار حرب "طوفان الأقصى"، إلى جانب الاعتقالات الواسعة التي تطاول أيضاً المدنيين الأبرياء.
وفي حين يحتدم الصراع الداخلي بين غالانت ونتنياهو، يركز وزير الأمن نقاشاته وأبحاثه في الوضع الأمني مع قيادة الأجهزة الأمنية التي أعدت، بعد سلسلة مشاورات وجلسات تقييم بمشاركة وإشراف غالانت ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، ورئيس "الشاباك" رونين بار، تقريراً عرضته على "الكابينت" (مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر) ويتم بحثه حالياً، في محاولة لتنفيذ توصياته ومنع اتساع الحرب أو حدوث انفجار خطر في الضفة، الجبهة التي اعتبرتها الأجهزة الأمنية على شفا انفجار خطر وقالت إن الأسلحة التي وصلت إليها هي الأكبر في تاريخ المنطقة، وفق التقرير الذي أشار إلى أن عمليات تهريب الأسلحة إلى الضفة ما زالت مستمرة خصوصاً عند الحدود الشرقية جراء اختراق الحدود وعدم تمتين جدران العزل فيها.
وحذر قادة الأجهزة الأمنية من أن تفاقم الوضع قد يؤدي إلى عمليات تفجيرية واسعة النطاق تمتد إلى داخل إسرائيل، ومعظم ما يتضمنه التقرير من تحذيرات لخطوات تتخذها الحكومة والتوصيات متعلقة بوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وفي أولى خطوات تعكس تجاوب نتنياهو مع تقرير الأجهزة الأمنية قام بتشكيل "كابينيت" مقلص، بدل "الكابينيت" الحربي الذي حل بعد انسحاب بيني غانتس وغادي أيزنكوت منه، وهو من سيتخذ القرارات المتعلقة بالحرب، ويضم وزراء الأمن يوآف غالانت، والشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، والقضاء ياريف ليفين، والمالية بتسلئيل سموتريش، والخارجية يسرائيل كاتس، وعضو الكنيست أرييه درعي.
الاستعداد لما بعد فشل الصفقة
الحديث عن أمل قريب بصفقة أسرى سقط من تصريحات وأجندة الإسرائيليين، بعد أن كشف مسؤول مشارك في مفاوضات الصفقة عن رفض مصر مطلب أميركي - إسرائيلي لعقد جلسة مشاورات، بل سموها "قمة في القاهرة" في محاولة للتقدم بمحادثات صفقة الأسرى.
الرفض المصري، بحسب إسرائيل، حسم فشل الصفقة وهو وضع يستدعي إجراءات وخطوات عملية وفورية من أجل منع تصعيد الأوضاع على مختلف الجبهات، تحديداً الضفة وغزة ثم الجبهة الشمالية.
وأعدت الأجهزة الأمنية تقريراً أمنياً موسعاً يتطرق بداية إلى الأخطار التي تراها الأجهزة الأمنية قد تشكل الشعلة التي ستلهب نيران القتال على مختلف الجبهات، وقدمت توصيات طلبت من متخذي القرار والمستوى السياسي مباشرة تنفيذها. وفي خطوة نحو التهدئة وافق عليها نتنياهو بعثت إسرائيل برسالة موقعة من غالانت وهليفي وبار إلى الأردن يتعهدون فيها بالعمل على منع زيارات استفزازية لوزراء وإسرائيليين إلى الأقصى أو تنفيذ أي عمل من شأنه تغيير الوضع الدائم هناك، وتلي هذا البيان من مكتب نتنياهو وأكد أن إسرائيل لن تسمح بزيارة الوزراء كما لم تنفذ مشاريع في الحرم القدسي الشريف، ومما تضمنه تقرير الأجهزة الأمنية من تحذيرات:
-أي استفزاز في الأقصى سواء بإقامة كنيس وفق خطة بن غفير أو زيارات استفزازية للوزراء من شأنه أن يشعل انتفاضة ثالثة تكون فيها تفجيرات المركبات عن بعد والعمليات الانتحارية بمدى ونوعية أخطر مما سبق وشاهدته إسرائيل.
-إشعال الضفة يتطلب نقل قوات من غزة، وهذا يمس بأهداف الحرب وتحقيقها أمام "حماس" في القطاع.
-اللعب في الوقت ومحاولة التأجيل والمماطلة في تنفيذ خطوات تهدئة الضفة سيفتح جبهة جديدة تكون الأخطار، وتضع إسرائيل أمام هجمات حرب متعددة الجبهات.
-استمرار السياسة التي يتبعها وزير المالية إزاء السلطة الفلسطينية وفرض عقوبات مالية عليها والامتناع عن تحويل أموال المقاصة تشكل خطوات استفزازية تضيف تأجيج الأوضاع، وتفقد السلطة الفلسطينية أية قدرة على الحفاظ وضمان الأمن في الضفة، ومن ثم عدم التعاون بين الأجهزة الأمنية، وهو تعاون تحتاج إليه إسرائيل.
أما مطالب الأجهزة الأمنية فبينها، العمل على تخفيف حدة معاناة وغضب وتداعيات حصار سنة على سكان الضفة، ومباشرة إصدار تصريحات عمل لأكبر عدد ممكن من العمال الفلسطينيين ودخولهم إسرائيل في مقابل تشديد العقوبات على المتسللين من بينهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما على صعيد التنظيمات الفلسطينية فتقترح الأجهزة الأمنية أولاً، توسيع المعتقلات الإسرائيلية التي لم تعد قادرة على استيعاب المعتقلين الفلسطينيين، ومن ثم شن حملة اعتقالات واسعة في التركيز على دخول أكبر عدد من عناصر المستعربين، وتغلغلهم بين السكان، وتنفيذ الاعتقالات إلى جانب تكثيف نصب المعدات التقنية الحديثة لمراقبة المحاور والمفترقات المركزية في الضفة، ولمنع استمرار تهريب الأسلحة للتنظيمات الفلسطينية، وفق ادعاء إسرائيل، ومباشرة العمل على إقامة عائق فوري عند الحدود مع الأردن.
من جهته اعتبر الجيش الإسرائيلي الوضع الحالي في الضفة تحديداً، يضع أمامه تحدياً كبيراً في كيفية ضمان وتعزيز قواته على مختلف الجبهات، غزة والضفة ولبنان، وعلى طول الحدود مع الأردن، وهذا، وفق مسؤول أمني "يضاعف مخاوف انفجار واسع في المنطقة يؤثر في سير العمليات العسكرية في إطار الحرب على غزة".
خطر سياسة سموتريش تجاه السلطة الفلسطينية
التوصيات التي وضعتها الأجهزة الأمنية تجاه التعامل مع السلطة الفلسطينية تأتي أيضاً في أعقاب مخططات خطرة وواسعة أعدها، إلى جانب بن غفير، وزير المالية، ويحاول فيها السيطرة الإسرائيلية على الحياة المدنية في الضفة.
ويحذر الخبير العسكري ناحوم برنياع من استمرار سياسة سموتريش تجاه الضفة، كما ينتقد ما تتناوله وسائل الإعلام الإسرائيلية حول الموضوع "العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام مضللة"، ويوضح "وسائل الإعلام هنا تذكر الضفة فقط في سياق الإرهاب العربي واليهودي أو الأعمال اليومية للجيش الإسرائيلي، أما الحقيقة فهي أمر آخر، بحسب القانون، الجيش هو صاحب السيادة. وفي الحياة الحقيقية سيادة إسرائيل في الضفة سلمت لطائفة سياسية مغلقة متطرفة، تخضع لرجل واحد وتتقدم وفقاً لخطة مسيحانية واحدة، رئيس الحكومة إما يؤيد أو لا يؤيد، أما الجيش فمعارضته هزيلة جداً"، ويتابع أن سموتريش وضع أمامه هدف منع إقامة دولة فلسطينية ومهمته الفورية هي تفكيك السلطة الفلسطينية، ونقل السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل لخلق واقع على الأرض يمنع كل إمكان لتقسيم جغرافي بالاتفاق "كوزير المالية هو يجمد، يعرقل أو يمنع تحويل أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل عن السلطة، التي، تسمح في الأقل، بدفع رواتب لنحو 140 ألفاً من موظفيها، بمن فيهم رجال أجهزة الأمن الذين يقاتلون الإرهاب"، ويختم برنياع من أن "الإدارة الأميركية قلقة من التغييرات في الضفة بقدر لا يقل عما هي قلقة من الجمود في غزة وصفقة الأسرى، ما يحصل في الضفة لن يبقى في الضفة".