Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب بوابة لعبور الصين صوب السوق الأوروبية

الشراكة في مجال السيارات الكهربائية تعود بالنفع إلى الرباط ومتخصصون يحذرون من تأثيرها في علاقة البلاد بالغرب

بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا 282 مليار دولار خلال عام 2023 (رويترز)

ملخص

تنوي بكين من خلال تعزيز استثماراتها في بلدان أفريقية مثل المغرب الالتفاف على السياسة الحمائية التي تنتهجها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حقها، وذلك عبر الزيادة من حجم الرسوم الجمركية على صادرات بكين من السيارات الكهربائية وبطارياتها.

تستغل الصين تراجع الوجود الغربي في القارة الأفريقية لتعزيز نفوذها عبر خلق شراكات وضخ استثمارات ضخمة، وتهدف من خلال ذلك التوجه الحصول على المواد الأولية الأفريقية واستغلال أسواق القارة السمراء في وقت تظل فيه أفريقيا القارة الأكثر زخماً من حيث حجم مخزون المواد الخام، إضافة إلى كونها سوقاً مهمة لتصريف السلع تضم ما يناهز ملياراً ونصف المليار نسمة (ما يفوق 18 في المئة من سكان العالم).

ويعد منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي أطلق عام 2000 إحدى أهم الوسائل التي تستخدمها بكين من أجل تيسير توغلها في القارة السمراء، وذلك عبر تنسيق سبل التعاون الاقتصادي بين الجانبين، إذ انعقدت آخر دورة له بين الثالث والسادس من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري في بكين، تليه "مبادرة الحزام والطريق" التي أنشأتها الصين عام 2013، وهي الصيغة الجديدة لطريق الحرير، وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أشاد بتلك المبادرة بالنظر إلى مساهمتها في "تسريع الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة"، داعياً دول العالم للاستفادة منها للمساعدة في سد فجوات التمويل الكبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لكون البلدان النامية تحتاج إلى نحو تريليون دولار لازمة في استثمارات البنية التحتية.

فاق حجم الاستثمارات الصينية بأفريقيا 40 مليار دولار، وناهز حجم التبادل التجاري بين الطرفين 282 مليار دولار خلال عام 2023، فيما أسهمت الشركات الصينية العاملة في مشاريع البنية التحتية بالقارة السمراء في خلق مليون ومئة ألف منصب شغل محلي، من ناحية أخرى تنوي بكين من خلال تعزيز استثماراتها في بلدان أفريقية مثل المغرب الالتفاف على السياسة الحمائية التي تنتهجها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حقها، وذلك عبر الزيادة من حجم الرسوم الجمركية على صادرات بكين من السيارات الكهربائية وبطارياتها، إذ رفعت واشنطن في شهر مايو (أيار) الماضي نسبة تلك الرسوم من 7.5 في المئة إلى 25 في المئة على بطاريات الليثيوم-إن، فيما أقر الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) الماضي حزمة جديدة من الرسوم الجمركية الموقتة على السيارات الكهربائية الصينية تراوح ما بين 17 و38 في المئة بعدما كانت لا تتعدى نسبة 10 في المئة.  

بلد استراتيجي

يسهم الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب في جذب الاستثمارات الخارجية، لكونه يبعد فقط 14 كيلومتراً عن القارة الأوروبية من جهة، ومن جهة أخرى يشكل بوابة للقارة الأفريقية باعتباره أصبح رائداً في عديد المجالات على المستوى القاري، كما أنه يحظى بعلاقات جيدة مع جل بلدان القارة السمراء، إضافة لكونه واحداً من أهم المستثمرين في تلك البلدان، وسمحت تلك المعطيات بوجود المغرب على لائحة الدول الخمس الأولى التي اهتمت بها الصين لضخ استثماراتها في مجال صناعة بطاريات السيارات الكهربائية خلال عام 2023 بحسب صحيفة "إيكونوميست" البريطانية.

يوضح السفير المغربي ببكين عبدالقادر الأنصاري أن الصين تعد أكبر شريك اقتصادي للمغرب في القارة الآسيوية، وثالث أكبر شريك تجاري عالمياً، مشيراً إلى أن الشراكة بين البلدين تتطور باستمرار، بخاصة في مجالات الطاقات المتجددة، وصناعة السيارات، والصناعات الإلكترونية، مضيفاً أن المغرب يسعى إلى تعزيز موقعه كقاعدة تصنيع إقليمية وعالمية للسيارات الكهربائية، من خلال التعاون مع الشركات الصينية الرائدة في هذا المجال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه يشير المحلل الاقتصادي رشيد ساري إلى "الدينامية الكبيرة التي يشهدها مجال التعاون بين البلدين، وذلك منذ الزيارة الملكية التاريخية عام 2016 لبكين، التي سنحت بعقد شراكة استراتيجية بين الجانين، واليوم تجني المملكة نتائج إيجابية من تلك الاتفاقات الاستراتيجية، بحيث نلاحظ ارتفاع حجم الصادرات المغربية نحو الصين بصورة ملموسة، وكذلك نمو حجم المبادرات التجارية الذي وصل إلى 7 مليارات و600 مليون دولار"، معتبراً أن ذلك الرقم يؤكد مكانة الصين كثالث شريك اقتصادي للمملكة، مضيفاً أن بكين تعول على الرباط اقتصادياً من خلال إنشاء مجموعة من المصانع في مجال السيارات الكهربائية، وبخاصة البطاريات الكهربائية، في وقت تشكل فيه تلك البطاريات بين 50 و60 في المئة من القيمة الإجمالية لصناعة السيارات الكهربائية.

ويؤكد المحلل الاقتصادي على كون المغرب هو البوابة لجميع دول العالم نحو أفريقيا بفضل ما يمتلكه من الإمكانات على مستوى البنى التحتية، سواء الطرقية أو البحرية، وهو ما يؤهله لأن يلعب دوراً فعالاً ليكون نقطة عبور استثمارية لجميع دول العالم بخاصة الصين نحو أفريقيا، مشيراً إلى أن الشراكات على المستوى الثنائي بين المغرب والصين، وكذلك بين الصين وأفريقيا، تصب في مصلحة الجميع، بخاصة في ظروف إقليمية جد متوترة.

منفعة محلية

يتجه المغرب لتعزيز مكانته في مجال صناعة السيارات بصورة عامة، وتمنحه الشراكة الاقتصادية مع الصين فرصة لإطلاق تجربة جديدة في مجال صناعة السيارات الكهربائية، إذ شرعت بكين خلال الأعوام الأخيرة بتوقيع اتفاقات إنشاء مصانع لإنتاج بطاريات ذلك النوع من السيارات، فيما تعهدت شركات صينية باستثمار نحو 10 مليارات دولار في ذلك المجال، وتم في يونيو (حزيران) الماضي توقيع المغرب اتفاق مع المجموعة الصينية - الأوروبية "غوشن هاي تك" بقيمة إجمالية تبلغ 6.5 مليار دولار، بهدف إنشاء أول مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بالمغرب، وهو الأول من نوعه بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويوجد المغرب ضمن لائحة الدول الـ12 المصنعة لمادة الكوبالت، التي تعد أهم عنصر في صناعة تلك البطاريات، وأنتج من تلك المادة نحو 2300 طن خلال عام 2022، في حين بلغ حجم الإنتاج العالمي من تلك المادة في العام نفسه 190 ألف طن، وعلى رغم أن المملكة لا تضم سوى نحو واحد في المئة من الاحتياط العالمي من مادة الكوبالت، فإن مخزونه يتسم بالجودة العالية، إذ تصل نسبة صفائه إلى 99.98 في المئة، وهو ما أهله للتصدير لأكبر الأسواق العالمية، سواء منها الأميركية والأوروبية والآسيوية.

يوضح الباحث في العلاقات الدولية هشام معتضد أن الشراكة الصينية المغربية في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية تمثل امتداداً منطقياً للعلاقات الاقتصادية والتكنولوجية المتنامية بين البلدين، إذ تسعى الصين، باعتبارها أكبر مصنع ومصدر لتلك البطاريات عالمياً، لتعزيز قدراتها الإنتاجية عبر استراتيجيات استثمارية تستهدف أسواقاً واعدة خارج نطاقها الجغرافي المباشر، في حين يعد المغرب بموقعه الاستراتيجي شريكاً مثالياً لاستضافة مشاريع صناعية متقدمة مثل صناعة تلك البطاريات، مضيفاً أنه إلى جانب ذلك، "يمتلك المغرب موارد طبيعية غنية بالمعادن الضرورية لهذه الصناعة، مثل الكوبالت والفوسفات، مما يتيح للصين الوصول إلى سلسلة توريد أكثر استدامة وأقل كلفة، هذه الشراكة لا تعزز فقط القدرات التصنيعية للمغرب، بل تسهم أيضاً في تحقيق استراتيجيته الوطنية لتعزيز الطاقة النظيفة والتحول نحو اقتصاد أكثر استدامة".

 

 

يؤكد الباحث المغربي على كون تلك الشراكة تمكن للمغرب من الاستفادة من الخبرات الصينية المتقدمة في مجالي التكنولوجيا والتصنيع لتطوير قطاعه الصناعي، مما يؤدي إلى نقل التكنولوجيا والمعرفة، موضحاً أن هذا التعاون يمكن أن يكون له تأثير طويل المدى في تنويع مناحي الاقتصاد المغربي وتقليل اعتماده على القطاعات التقليدية مثل الزراعة والفوسفات، كما أن تنمية صناعة البطاريات قد تجعل المغرب مركزاً إقليمياً لتصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية، مما يعزز من مكانته الاقتصادية ويزيد من تأثيره الجيوسياسي في المنطقة.

من جانبه يوضح الباحث في مجالي العلاقات الدولية والقانون الدولي محمد عطيف أن للمغرب رؤية استراتيجية يسعى من خلالها لتنويع مصادر طاقته ودعم اقتصاده، ما يجعله شريكاً استراتيجياً للصين في مجال صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، معتبراً أن ذلك التوجه يمكنه من تعزيز مكانته كمركز صناعي إقليمي في القارة الأفريقية، وفي الوقت ذاته، تسعى الصين من خلال هذه الشراكة إلى تأمين سلاسل التوريد العالمية في مجال تصنيع البطاريات، وبناءً على ذلك ستتيح الشراكة بين الصين والمغرب فرصة للاستفادة من النمو المستمر في سوق السيارات الكهربائية على الصعيد الدولي.

وجب الحذر

يشدد الباحث في العلاقات الدولية هشام معتضد على أنه على رغم احتمال كون المغرب المستفيد الأكبر من الشراكة مع الصين في مجال البطاريات، فإن الأمر يتطلب نهجاً استراتيجياً حذراً لضمان الاستفادة القصوى دون المخاطرة بمصالحه طويلة الأمد، موضحاً أن الاستثمار الصيني في قطاع صناعة البطاريات الكهربائية يمكن أن يعزز البنية التحتية الصناعية للمغرب، ويخلق فرص عمل، ويعزز الصادرات، مما يدعم النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، علاوة على ذلك، يتيح هذا التعاون للمغرب فرصة لتطوير تقنيات محلية متقدمة ونقل المعرفة، مما يعزز استقلاليته التكنولوجية، "ومع ذلك، يجب على المملكة التأكد من أن هذا التعاون لا يعرض علاقاته مع شركائه التجاريين التقليديين للخطر، وأنه يحتفظ بالقدرة على تنويع شراكاته بما يضمن له حرية الحركة على الساحة الدولية، وضمان مستقبل مستدام وآمن في هذه المعادلة المعقدة".

ويضيف الباحث أنه يجب على المغرب العمل أيضاً على تعظيم الفوائد الاقتصادية لهذه الشراكة من خلال تطوير سياسات داخلية تدعم الابتكار وتوفر بيئة تنظيمية مواتية للاستثمار الأجنبي، موضحاً أن عاملي تعزيز القدرات المحلية في مجال البحث والتطوير، وتطوير رأس المال البشري المتخصص، ضروريان ليكون المغرب ليس مجرد مصدر للمواد الخام ومضيف للتصنيع، بل شريكاً متكاملاً في سلسلة القيمة العالمية، كما أن الاستفادة من هذه الشراكة لتعزيز القدرات التصديرية قد تمكن المملكة من تقليل عجزه التجاري وزيادة دخله القومي، مما يسهم في تحقيق استقراره الاقتصادي على المدى الطويل.

هل تستغل الصين المغرب للتحايل على الإجراءات الأوروبية والأميركية؟

وقع المغرب والولايات المتحدة اتفاق التجارة الحرة في الـ15 من يونيو 2004، ودخلت حيز التنفيذ في بداية يناير (كانون الثاني) 2006، فيما يجمع بروكسل والرباط تعاون اقتصادي عريق، تعزز عام 1996 بتوقيع الطرفين اتفاق التبادل الحر التي دخلت حيز التنفيذ عام 2000، إلى أن منح الاتحاد الأوروبي المملكة صفة الوضع المتقدم، الذي يمنحها كل صلاحيات عمل الاتحاد باستثناء اكتساب العضوية، ولتلك الاعتبارات يوضح محللون أن الصين تتجه من خلال تعميق الشراكة مع المغرب إلى تفادي السياسة الاقتصادية الحمائية التي أقرتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في وجه الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية وبطارياتها.

يؤكد الباحث هشام معتضد ذلك الطرح، مشيراً إلى أنه "في ظل التوترات التجارية المتصاعدة بين الصين من جهة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى قد تنظر الصين إلى المغرب كمنصة استراتيجية لتفادي الإجراءات الحمائية التي تستهدف منتجاتها، وبخاصة في مجال السيارات الكهربائية والبطاريات"، موضحاً أن اتفاقات التجارة الحرة التي تربط المغرب بكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تعد ميزة جيو-اقتصادية تسمح للصين بتجاوز الرسوم الجمركية المرتفعة المحتملة، من خلال الاستثمار في إنتاج البطاريات في المغرب، وهو ما يمكن الصين من دخول هذه الأسواق الرئيسة بشروط تنافسية، ومع ذلك، يتطلب هذا التوجه حسابات دقيقة للتوازن بين الفوائد الاقتصادية المحتملة والتداعيات السياسية، بخاصة أن استغلال هذه الشراكة قد ينظر إليه كاستراتيجية للالتفاف على السياسات الغربية، مما قد يعرض العلاقات التجارية الدولية لتعقيدات إضافية.

ويضيف الباحث أن التوجه الصيني لتجنب القيود الأوروبية والأميركية عبر الشراكة مع المغرب يعكس براعة استراتيجية في التعامل مع العوائق التجارية، لكنه يحمل أيضاً تحديات، فعلى رغم أن هذه الخطوة قد تعزز من وجود المنتجات الصينية في الأسواق الغربية، فإنها قد تثير ردود فعل سياسية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين قد ينظران إلى هذا التوجه كنوع من التحايل، بالتالي على المغرب، في هذا السياق، أن يلعب دوراً حكيماً في إدارة علاقاته مع كل من الصين والغرب، مع الحفاظ على توازن يضمن استمرار استفادته من الشراكة الصينية دون الإضرار بعلاقاته الاستراتيجية مع شركائه التقليديين.

من ناحيته لا ينفي الجانب الصيني نيته التحايل على القرارات الأميركية والأوروبية، إذ أكد السفير الصيني لدى الرباط لي شونغلين أن اهتمام بلاده بالمغرب في الظرفية الحالية يعود لتمتع المملكة باتفاقيتي التبادل الحر مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن الشركات الصينية كانت تراقب المجال الاقتصادي المغربي منذ مدة، والآن دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة، على حد تعبيره.

المزيد من متابعات