ملخص
يتناول الكتاب الذي يناقشه النص لمؤلفه بن ماكنتاير، عملية احتلال السفارة الإيرانية في لندن عام 1980. وهو يقدم رواية مفصلة وعميقة للحادثة، مستفيداً من خبرته في تغطية قضايا التجسس والأمن، فضلاً عن وصوله إلى عديد من المشاركين الرئيسين في ذلك الحدث.
نحن المتقدمين في السن نتذكر جميعاً عملية احتلال الإرهابيين للسفارة الإيرانية في لندن الكائنة في 16 برنسيس غيت. بدأت هذه الأحداث الأربعاء 30 أبريل (نيسان) 1980. حينذاك، كان ثمة عضو واحد فقط من مجموعة الحماية الدبلوماسية التابعة لشرطة العاصمة يحرس السفارة، وهو الشرطي تريفور لوك الذي لم يكن مسلحاً إلا بمسدس فقط. وبينما كان يشرب القهوة في الردهة التي تقع بين البابين الأماميين الداخلي والخارجي، دخل فجأة رجال مدججون ببنادق رشاشة وراحوا يشقون طريقهم إلى الداخل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كنت في ذلك الوقت نائباً شاباً جديداً، لم يمضِ على فوزي بمقعد في مجلس العموم سوى 12 شهراً. وكانت مارغريت تاتشر في عامها الأول رئيسة للوزراء. وللمرة الأولى في حادثة من هذا النوع، تمت تغطية الحصار مباشرة على الهواء من قبل كل القنوات التلفزيونية البريطانية، "بي بي سي"1، و"بي بي سي 2" [التابعتين لـ"هيئة الإذاعة البريطانية"]، و"آي تي في"، وقد قطعت كلها برامجها العادية [لكي تبث تلك التغطية الخاصة].
وخلال الأعوام الـ44 التي تلت ذلك الحصار، أطلق عديد من الأفلام الروائية وعشرات الكتب التي تناولت تلك الحادثة المثيرة. ولكن أياً منها لا يضاهي كتاب بن ماكنتاير من حيث العمق والتميز. وبفضل السمعة التي نالها عن جدارة في تغطية عالم التجسس والأمن الغامض، والثقة التي يحظى بها داخل القوات الخاصة ووكالات الاستخبارات، فقد اكتسب قدرة لا مثيل لها على الوصول إلى كثير من المشاركين الرئيسين في تلك الدراما الذين لا يزالون على قيد الحياة.
وكانت النتيجة هي هذه الرواية المؤكدة لما حدث. وعلى رغم أنني أتذكر الوقائع بوضوح، فإن رواية ماكنتاير مشوقة إلى درجة أنني لم أستطع أبداً التوقف عن القراءة ولو للحظة.
لقد استغرقت عملية الإنقاذ التي قامت بها "القوات الجوية الخاصة" (قوات النخبة) "وقتاً يستغرقه تحضير بيضة مسلوقة"، أي 11 دقيقة فقط. كان رجال قوات النخبة البريطانية الذين دخلوا مبنى السفارة مستعدين جيداً مثل أي قوات خاصة في العالم. إلا أن المجازفات بالفشل كانت رغم ذلك عالية جداً.
وعلى رغم الميكروفونات السرية وأجهزة المراقبة الأخرى، لم يكن الرهائن موجودين حيث توقع المنقذون أن يكونوا. كان الهواء في المبنى ثقيلاً بسبب المتفجرات التي استخدمها الجنود لكي يتمكنوا من الوصول إلى الداخل، وبفعل غاز "سي أس". لم تكن أقنعة الغاز التي يرتديها بعض الجنود محكمة بشكل صحيح. وقد علق حبل قائد الفريق الذي كان ينزل بالحبال من فوق جدران السفارة، مما أدى إلى تركه يتدلى على ارتفاع 10 أقدام فوق نقطة هبوطه.
كان من الممكن أن تسوء الأمور كلها بشكل رهيب. فقبل ستة أيام فقط من بدء حصار لندن، منيت عملية إنقاذ نفذتها قوات خاصة أميركية مدربة بالقدر نفسه [كالفريق البريطاني] لإنقاذ 52 دبلوماسياً أميركياً وآخرين محتجزين رهائن في طهران بالفشل الذريع، مما أدى إلى إلحاق مزيد من الضرر بسلطة الرئيس جيمي كارتر الضعيفة أساساً.
وكان مقتل أحد الرهائن، وهو دبلوماسي إيراني، على يد الإرهابيين بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الهجوم الكامل لقوات النخبة البريطانية. وبمجرد أن بدأ الهجوم نجا جميع الرهائن المتبقين. وإذ قتل خمسة من الإرهابيين، فإن سادسهم، واسمه فوزي بدوي نجاد أدين بالقتل. وبعدما قضى 27 عاماً في أحد سجون المملكة المتحدة أطلق سراحه عام 2008.
كان نجاد والمتعاونون معه جزءاً من أقلية عربية تعيش في جنوب غربي إيران الغني بالنفط. وقد قمع النظام الملكي السابق هويتهم ولغتهم المستقلة من دون رحمة. ولعبت هذه الأقلية دوراً كبيراً في الاحتجاجات التي أدت إلى سقوط الشاه، وتدشين [عهد] الجمهورية الإسلامية، في مطلع عام 1979. إلا أن مرشد الأعلى الجديد، روح الله الخميني، قمع تلك الأقلية أيضاً، لذلك لجأ بعض أبنائها إلى الإرهاب لمحاربة الجمهورية الحديثة العهد.
يقتبس ماكنتاير من الجنرال سير مايكل روز، قائد القوات الخاصة الذي أصدر الأمر بالهجوم، قوله "كان حصار السفارة الإيرانية أسوأ شيء قد حدث لقوات النخبة على الإطلاق... حتى ذلك الحين، كانت قوات النخبة مجهولة تماماً. كان الحصار بداية نهاية عالم قوات النخبة هذه القديم. وصارت منذئذ [عبارة عن] منظمة عامة".
كانت التغطية التلفزيونية على الهواء مباشرة للعملية الناجحة لقوات النخبة هي التي سلطت الضوء عليها بشكل مذهل وجعلتها معروفة لدى الجميع. ولكن هذا "العالم القديم" كان قد شارف على نهايته على أي حال.
وفي العقود التي سبقت مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كانت أجهزة الأمن السرية التابعة للدولة البريطانية محاطة بتكتم بلغ حده الأقصى. وبلغة اصطلاحية، حتى وجود أجهزة الاستخبارات البريطانية "أم أي 5" و"أم أي 6" و"جي سي أتش كيو" و"القوات الجوية الخاصة"، لم يتم "الإقرار به" بصورة رسمية. ولم يخضع أي منها لسلطة قانونية ما. ولكن تغير هذا الوضع برمته بين عامي 1984 و1994. أولاً، تم توفير أساس قانوني للتنصت على المكالمات الهاتفية، ثم وضع لعمل أجهزة الاستخبارات والأمن [هذا الأساس أيضاً] الذي كان مؤلفاً من مفوضين قضائيين مستقلين، ولجنة برلمانية خاصة تم تعيينها للإشراف على عملهم.
يقول ماكنتاير، إن "النهاية المثيرة" للحصار "عززت سمعة مارغريت تاتشر لجهة التصرف بشكل حازم... وتصميمها على عدم التفاوض على الإطلاق مع الإرهابيين". ولو انتهى هجوم قوات النخبة البريطانية بكارثة، كما كان قد حدث مع القوات الخاصة الأميركية قبل ذلك ببضعة أيام، لكان من المؤكد أن تلك النهاية كانت ستلحق الأذى بسمعة تاتشر. إلا أن رفض التفاوض مع الإرهابيين كان ولا يزال سياسة بريطانية راسخة. ولم يكن نجاح الهجوم كافياً لتغيير نصيب المحافظين من الشعبية بحسب استطلاعات الرأي، التي سجلت نتائج سلبية لهم في أواخر عام 1979 وظلت على هذا النحو حتى اندلاع حرب فوكلاند في أبريل 1982.
وفي إيران، كان للحصار ونهايته تداعيات كارثية بالنسبة إلى الأقلية العربية. فقد تم بشكل سريع إعدام بعض المنشقين الذين كانوا قيد الاعتقال سلفاً. وجرى تشديد قبضة النظام على هذه الفئة من السكان.
وبالنسبة إلى أداء هؤلاء الإرهابيين العرب الإيرانيين المدهش في لندن، فهو يعود إلى أنهم قد تلقوا التدريب على يد عملاء أجهزة استخبارات صدام حسين في العراق. وقدم [عملاء استخبارات صدام] لهم المال والبنادق وجوازات السفر المزيفة و[ورسموا لهم] الخطط. وكان صدام يعارض بشدة نظام الحكم الديني للخميني، إذ كان ينظر إلى الخميني على أنه يشكل تهديداً لنظامه، خصوصاً باعتبار أن الغالبية الشيعية محرومة من حقوقها في العراق الذي كان صدام رئيساً عليه.
وبعد أربعة أشهر من الحصار، شن العراق حرباً ضد إيران من دون مبرر. وإذ تلقى الدعم والسلاح من الغرب والسوفيات، فقد كان هدف صدام هو [التسبب] بانهيار نظام جاره. لقد استمرت الحرب ما يقارب ثمانية أعوام، وكبدت كلاً من الجانبين خسائر بالأرواح قدرت بالملايين، كما أدت إلى نتيجة معاكسة لتلك التي أريدت منها. فقد عززت [موقع] الخميني، وسطوة الأئمة، كما رسخت الجهاز العسكري والأمني والاستخباراتي للدولة الإيرانية التي يسيطر عليها المرشد الأعلى سيطرة مباشرة.
ولا يزال نظام الحكم الديني هذا قائماً حتى اليوم. وتنتخب إيران رئيساً، كما أن لديها برلماناً (المجلس). غير أن حجم السلطة الحقيقية التي تتمتع بها الحكومة المنتخبة، وخصوصاً في ما يتعلق بالدفاع والشرطة والسياسة الخارجية، يخضع لتقدير المرشد الأعلى الذي يحدد كم ينبغي منحها من السلطة [من دون أن يؤثر ذلك] على بقاء النظام الحاكم متربعاً على قمة [إدارة البلاد]. ويتحكم النظام في تسمية من يمكنهم الترشح للانتخابات، كما يلجأ أحياناً إلى تزوير شامل لأصوات الناخبين.
وفي أعقاب مقتل الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي في حادثة تحطم مروحية في مايو (أيار) من هذا العام، تمخضت الانتخابات الرئاسية الجديدة، على نحو غير متوقع، عن انتخاب مرشح معتدل نسبياً هو مسعود بزشكيان، جراح القلب. لقد تحدث عن اتخاذ تدابير من أجل تشجيع الاستثمار الأجنبي، ومساعدة الاقتصاد على التعافي من الوضع اليائس الذي هو فيه. ولقد أشار إلى رفع القيود المفروضة على الإنترنت، وتخفيف التدخل في الحياة الخاصة للناس، كما أنه يحاول إقامة علاقة أفضل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن البرنامج النووي الإيراني. إلا أنه من المستبعد أن يمنح الحرية التي يحتاج إليها. [من أجل تحقيق هذه الأهداف] .
أما بالنسبة إلى المبنى الكائن في 16 برنسيس غيت، فهو لا يزال يضم سفارة إيران. وبدلاً من واحد، هناك اليوم اثنان من أعضاء مجموعة الحماية الدبلوماسية يقومان بالحراسة خارج المبنى، مسلحين ببنادق رشاشة إضافة إلى مسدسات. بيد أنهما لم يحتاجا إلى استعمال أسلحتهما منذ عام 1980.
"الحصار: القصة الرائعة لأعظم عملية رهائن مثيرة لقوات النخبة" بقلم بن ماكنتاير، الصادرة عن دار فايكنغ بسعر 25 جنيهاً استرلينياً.
© The Independent