Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عامان على وفاة مهسا أميني... ثمة أمل يراوغ وسلطة تقمع

محللون يرون أن النظام الإيراني تجاوز التهديد لكن الاحتجاجات أدت إلى تغيير جذري في المجتمع

الاحتجاجية هزت نظام طهران وأكدت خيبة الأمل الكبيرة للإيرانيين (أ ف ب)

ملخص

أسست الاحتجاجات لتغيير بدا جلياً في بعض أنحاء طهران والمدن الكبرى، وهو تخلي عدد من النساء عن الحجاب أو تغطية شعرهن في الأماكن العامة.

بين مضايقات لعائلات الضحايا وغياب محاسبة المسؤولين وتزايد عمليات الإعدام، يجد مناهضو السلطات في إيران أنفسهم أمام واقع قاتم بعد عامين على اندلاع الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني، وكانوا يأملون في أن تشكل نقطة تحول بعد أكثر من أربعة عقود على قيام الجمهورية الإيرانية.

في الـ16 من سبتمبر (أيلول) 2022، توفيت الشابة الكردية الإيرانية عن 22 سنة بعد أيام من إيقافها لدى شرطة الأخلاق في طهران على خلفية عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة.

وشكلت وفاة أميني شرارة احتجاجات كانت من الأكبر منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. وعلى رغم تراجعها الملحوظ بعد أشهر على اندلاعها، يتمسك الناشطون والمعارضون في الخارج بفكرة أن هذه التحركات تركت بصمة دامغة في المجتمع الإيراني.

وأبلغ أحد أفراد عائلة مهسا أميني صحيفة "اندبندنت فارسية" اليوم الأحد المصادف للذكرى الثانية لوفاة الشابة الكردية المعارضة للحجاب الإلزامي، أن رجال الأمن وضعوا أمجد أميني ومجكان افتخاري والدي مهسا، تحت الإقامة الجبرية.

وكما يبدو، فإن هذا الإجراء تم من أجل منع أفراد عائلة مهسا أميني من زيارة قبرها في مقبرة "آيشي" في مدينة سقز، وإحياء الذكرى الثانية لوفاة ابنتهم، وكانت عائلة مهسا أميني أعلنت عن عزمها زيارة قبر مهسا اليوم برفقة أهالي مدينة سقز الكردية.

إذ قال أحد أفراد عائلة مهسا أميني لصحيفة "اندبندنت فارسية" إن "القوات الأمنية وجدت أمام منزل والدي مهسا أميني منذ الصباح الباكر وهددوا باعتقالهما إذا ما خرجا من المنزل.
 ولا يعرف ما إذا كان أمجد ومجكان سيتمكنان من الذهاب إلى قبر مهسا بحلول هذا المساء أم لا؟ لكن تقارير كثيرة أكدت أن الأجواء في مدينة سقز أمنية ومتوترة للغاية، ويوجد عناصر الجيش والاستخبارات بأعداد كبيرة في جميع أنحاء المدينة وعلى الطريق بين مدينة سقز وبانه.

وأظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أن السلطات الإيرانية فتحت سد "جراغ ويس" المحيط بالمقبرة حتى لا يتمكن الناس المرور من الطريق الجانبي لنهر سقز، وهو طريق آخر يؤدي إلى مقبرة آيشي كما حصل في سبتمبر(أيلول) 2023.

وأعلن أمجد والد مهسا أميني، أول من أمس الجمعة في رسالة صوتية، نيته إقامة مراسم تأبين في ذكرى وفاة ابنته وذلك اليوم الـ15 من سبتمبر الجاري. وكان قد أشار أمجد في هذه الرسالة الصوتية إلى القيود التي كانت فرضتها السلطات الحكومية على عائلته في الذكرى الأولى لمقتل مهسا أميني، قائلاً "مثل كل العائلات الإيرانية الثكلى، لدينا الحق ونريد أن نقيم ذكرى تقليدية ودينية لأحبائنا المفقودين". 

ومنذ صباح اليوم، انضم عدد من أصحاب المحال والتجار في مدينة سقز ومدن أخرى في إقليم كردستان إلى الإضراب العام تضامناً مع عائلة مهسا أميني واحتجاجاً على مقتلها على يد الحكومة الإيرانية.

كما أحيا الإيرانيون المحتجون ضد النظام في مدن مختلفة من العالم، ذكرى وفاة مهسا أميني وضحايا احتجاجات 2022، وطالبوا بزيادة الدعم الدولي لاحتجاجات الإيرانيين ضد نظام الجمهورية الإسلامية.

ومهسا أميني، فتاة كردية تبلغ من العمر 21 سنة من سكان مدينة سقز، اعتقلت في الـ13 من سبتمبر2022، من قبل دورية شرطة الأخلاق في العاصمة طهران، وبحسب العائلة والمحامين، أصيبت بكسر في الجمجمة بسبب الضربات التي تلقتها من العناصر الأمنية في أثناء الاعتقال، وتوفيت في المستشفى في الـ15 من سبتمبر 2022.
 وأشعلت وفاة مهسا نار الغضب الشعبي إزاء استمرار الحكومة في قمع الحريات الاجتماعية، وأدى ذلك إلى حدوث احتجاجات حاشدة ضد النظام في جميع أنحاء البلاد استمرت أشهراً عدة متتالية. ورداً على هذه الاحتجاجات قتل النظام أكثر من 550 شخصاً واعتقل أكثر من 100 ألف متظاهر. 

وقد منع الأمن الإيراني في ديسمبر(كانون الأول) 2023 والدة مهسا أميني وأباها وشقيقها من مغادرة البلاد وصادر جوازات سفرهم في مطار طهران الدولي، إذ تلقت العائلة دعوة من الاتحاد الأوروبي للمشاركة في حفل توزيع جائزة ساخاروف التي خصصت لمهسا أميني.

كانت النساء محور الاحتجاجات، وانتفضن خلالها بوجه إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام الإيراني، وهي إلزامية الحجاب. وقام عدد منهن بخلعه وإحراقه في مشاهد لم تعهدها شوارع طهران ومدن كبرى. ورأى محللون أن الاحتجاجات كانت من أكبر التحديات التي واجهتها الجمهورية منذ نشأتها.

واعتبرت السلطات أن معظم التحركات "أعمال شغب" تغذيها أطراف غربية أو معادية للثورة، وقمعتها بشدة. وبحسب منظمة العفو الدولية، استخدمت قوات الأمن الإيرانية الأسلحة النارية لمواجهة المحتجين.

وتقول منظمات حقوقية إن 551 شخصاً قتلوا خلال الاحتجاجات، في حين تؤكد السلطات أن عشرات من عناصر قوات الأمن لقوا حتفهم كذلك. وتم إيقاف آلاف الأشخاص، بحسب الأمم المتحدة.

بعد مرور عامين، تؤكد منظمات حقوقية أن السلطات تواصل قمع أي تحرك.

وأعلن القضاء الإيراني في أغسطس (آب) الماضي تنفيذ حكم الإعدام في حق غلام رضا رسائي بعد إدانته بقتل ضابط في الحرس الثوري طعناً "خلال التظاهرات غير المشروعة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022".

وارتفع بذلك عدد الذين تم إعدامهم بتهم متصلة بالاحتجاجات إلى 10.

وتحذر منظمات حقوقية من أن طهران تستخدم العقوبة القصوى باعتبارها أداة ترهيب.

عام الإعدامات

وبحسب منظمة "حقوق الإنسان في إيران" ومقرها النرويج، نفذت سلطات طهران 402 حكم بالإعدام خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، منها 100 في الأقل في أغسطس الماضي.

وقالت نائبة مدير منظمة العفو للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ديانا الطحاوي إن "عدداً لا يحصى من الأشخاص في إيران لا يزالون يعانون عواقب القمع الوحشي الذي مارسته السلطات".

وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تعرض أفراد عائلات عشرات من الذين قتلوا أو أعدموا أو سجنوا على هامش الاحتجاجات، للتهديد أو المضايقة أو حتى الإيقاف بناء على اتهامات باطلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت الباحثة في "هيومن رايتس ووتش" ناهيد نقشبندي "تعنف السلطات الإيرانية الناس مرتين، مرة بإعدام أو قتل أحد أفراد أسرتهم، ومرة باعتقال أحبائهم بسبب مطالبتهم بالمساءلة".

ومن بين الموقوفين، ما شاء الله كرمي، والد محمد مهدي كرمي الذي أعدم في يناير (كانون الثاني) 2023، وكان في الـ22 من العمر. وحكم على الوالد بالسجن ستة أعوام في مايو (أيار) الماضي، وتسعة أعوام بحكم ثان في أغسطس الماضي.

وأسست الاحتجاجات لتغيير بدا جلياً في بعض أنحاء طهران والمدن الكبرى، وهو تخلي عدد من النساء عن الحجاب أو تغطية شعرهن في الأماكن العامة.

فشددت السلطات القيود لضبط الالتزام بوضع الحجاب، مثل استخدام كاميرات مراقبة في الشوارع.

وأفادت منظمة العفو بأن السلطات أطلقت في أبريل (نيسان) 2024 حملة "خطة نور"، زادت على أثرها "بصورة ملحوظة" الدوريات الأمنية بمختلف أشكالها "لفرض الحجاب الإلزامي". وأوضحت أن "القمع شمل مطاردات خطرة بالسيارات لإيقاف السائقات على الطريق، والمصادرة الجماعية لمركباتهن".

واتهم خبراء في الأمم المتحدة السلطات هذا الأسبوع بـ"تكثيف" قمعها للنساء، مشيرين إلى أن "قوات الأمن صعدت أكثر أنماط العنف الجسدي القائمة أساساً، بما في ذلك الضرب والركل وصفع النساء والفتيات اللاتي يعتبر أنهن فشلن في الامتثال إلى قوانين الحجاب الإلزامي وقواعده".

ولفتت منظمة العفو إلى تقارير عن مطاردة عناصر الشرطة بشمال إيران في يوليو (تموز) الماضي، سيارة كانت بداخلها أريزو بدري (31 سنة) بغية مصادرتها تنفيذاً لعقوبة سابقة مرتبطة بالحجاب. وأشارت إلى أنهم أطلقوا النار على السيارة، مما أدى إلى إصابة بدري بالشلل.

وعلى رغم أن مهمة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة خلصت في مارس (آذار) الماضي إلى أن عدداً من الانتهاكات خلال حملة القمع ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، لم تتم محاسبة أي مسؤول.

ويرى محللون أنه على رغم تمكن السلطات بقيادة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من تجاوز التهديد الذي مثلته قضية مهسا أميني، فإن الاحتجاجات أدت إلى تغيير جذري في المجتمع الإيراني.

وقالت رويا برومند "عدد من الشابات لا يزلن يرفعن لواء التحدي".

وأضافت المؤسسة المشاركة لمركز عبدالرحمن بورومند المعني بحقوق الإنسان في إيران، ومقره واشنطن، أن "قيادة الجمهورية الإيرانية لم تتمكن بعد عامين من الاحتجاجات، من إعادة الوضع القائم إلى سابق عهده أو استعادة مشروعيتها المفقودة".

ورأت مجموعات حقوقية أن إعدام رسائي في أغسطس الماضي بعد أيام من تولي الإصلاحي مسعود بزشكيان منصب رئيس الجمهورية، يؤشر إلى أن السلطات لا تعتزم تغيير نهجها المتعلق بتطبيق عقوبة الإعدام.

معارضة مشتتة

من جهة أخرى، كشفت الاحتجاجات اختلافات كبيرة في صفوف المعارضة في المنفى، في ظل غياب مجموعة موحدة قادرة على استثمار هذه التحركات سياسياً في الداخل أو الخارج.

وباءت بالفشل كل المحاولات لإيجاد صيغة قابلة للحياة بين مجموعات متباعدة من الملكيين والقوميين والليبراليين.

وقال الأستاذ الزائر في جامعة بوسطن الأميركية آرش عزيزي إن التحركات الاحتجاجية "هزت النظام الإيراني حتى العظم وأكدت خيبة الأمل الكبيرة للإيرانيين من الواقع الحالي".

وأشار مؤلف كتاب "ما يريده الإيرانيون" إلى أن التحركات "أظهرت كذلك الإفلاس المطلق لبدائل المعارضة".

وأضاف "لا أزال أعتقد أن إيران لن تعود إلى ما قبل 2022. وخلال الأعوام القليلة المقبلة، ستشهد الجمهورية على الأرجح تحولات جوهرية".

المزيد من متابعات